الفرصة مواتية لصناعة”الولاء للوطن”

فتحي الشرماني


 - يكفي أن نخرج مما عاشه الوطن في الفترة الأخيرة بفكرة صغيرة المبنى لكنها عظيمة المعنى بالغة الحكمة, وهي أن الولاء للوطن ولمؤسساته ومصالحه وليس
يكفي أن نخرج مما عاشه الوطن في الفترة الأخيرة بفكرة صغيرة المبنى لكنها عظيمة المعنى بالغة الحكمة, وهي أن الولاء للوطن ولمؤسساته ومصالحه وليس للأفراد, فالأفراد مهما كان حجمهم في الساحة الوطنية يظلون وجودا عابرا, والوطن (الأرض والإنسان) هو الوجود الباقي.
نحن في بلد يقل فيه منسوب المعرفة والوعي المدني, وفي السنوات الأخيرة شهد هذا الجانب تراجعا منقطع النظير, ليزداد الوعي القبلي والتداعي تحت راية القبيلة والجماعة وغيرها من العصبويات, ومتى يحدث ذلك فاعلم أن الوطن يصبح بيئة خصبة لنمو فكرة (الولاء للأشخاص). صحيح أن القبيلة أو الجماعة تمارس دورها كمؤسسة اجتماعية الولاء فيها للمجموع, ولكن شحة المعنى الوطني في هذه المسماة مؤسسة مجازا تتسبب باختزال هذا المجموع في الشخص الواحد (شيخ قبيلة/ أمير جماعة/ قائد جماعة) ليكون الولاء له, وتحت هذا الولاء تجري عملية إزهاق الأرواح البريئة وتخريب المصالح الوطنية ونهب المال العام والممتلكات العامة.
وحين يدخل الجميع في السياسة نجد فكرة (الولاء للأشخاص) تفرض نفسها على ممارسات الجماهير والنخب على السواء, بحيث يصبح الوطن في منظور كثير من الناس ليس سوى فلان, ومن ثم يتحمل الوطن كثيرا من التبعات جراء هذا الولاء الضيق لأنه – أي الوطن- يصبح غريبا في عقول هؤلاء كما بدأ غريبا.
أصل من ذلك إلى القول: إن الكل في أحداث الأعوام الأخيرة أصابه شرر من نار الصراع, وحدثت كثير من الاهتزازات التي ينبغي أن تكون قد خلخلت كثيرا من المفاهيم المعيقة لتطور الإنسان اليمني ووصوله إلى دولة مؤسسية يحتكم إليها وترعى حقوقه مثلما يرعى حقوقها, وعليه فلابد أن نتذكر أن كثيرا من حروبنا كانت ولا تزال تديرها فكرة الولاء للشخص, وقد تأكد لنا جميعا أنها حروب خاسرة المنتصر فيها لا يقل هزيمة عن المهزوم, فهل آن الأوان, والحال هذه, أن نؤمن بانتهاء صلاحية فكرة الولاء للأشخاص¿
أعتقد أن الجو اليوم مهيأ للخروج من عباءة الولاء للأشخاص والدخول إلى محراب الوطن بقلب طاهر وعقل صاف وإحساس صادق لنتمسك بأستار الولاء له, فالولاء له ولاء لله ولدينه, والولاء له يجعلك تمشي واثق الخطوة, وتتكلم بمنطق محاجج, كامل الثقة, معتزا بالذات لأنك تنحاز للوطن وتوالي مؤسساته, لا الأشخاص.
علينا إدراك أن بقاء الولاءات الضيقة معناه إفراز مشكلات لا تنتهي, ولن تكون العودة سهلة, وقد تتعذر لعدة عقود .. والعقلاء هم من يدركون اليوم أن كثيرا من القيم تنهار, وأن وجودنا بات مهددا بفعل هيمنة الولاء للفرد, وها قد أصبحنا على مفترق طرق, فإما الفوضى والاقتتال الدائم والدائر تحت رايات عصبوية مهلكة وولاءات ضيقة, وإما أن ننتشل أنفسنا ونجعل الوطن نصب أعيننا, فلا يزال بإمكاننا اختيار أي وجهة نريدها.

قد يعجبك ايضا