العناصر الفنية في الأعمال الإبداعية لتوفيق الحكيم

صلاح الأصبحي


صلاح الأصبحي –
يمكن القول إن توفيق الحكيم من رموز الإبداع والثقافة في الوطن العربي ومن أهم الرواد , حيث شكل إلى جانب طه حسين والعقاد نهضة ثقافية غير مسبوقة ,جعلت عصره من أزهى العصور الفنية والأدبية رونقا وإشراقا.
توفيق الحكيم كتب المسرحية والقصة والرواية والمقالة السياسية والإجتماعية والأدبية , لكن ربما كانت شهرته الفعلية تنصب تحت لواء المسرح ,إذ يعد من أفضل من كتب المسرح في الوطن العربي , وذلك لنضوجه الفني والفكري الذي أثرى موهبته وصقلها ,وكذلك دراسته في فرنسا لفن المسرح بعد نزوحه عن دراسة القانون , من هنا كانت الدفعة الحقيقية لتطور هذه الموهبة حتى أصبحت رائدة هذا الفن في الوطن العربي لكن لم تمنعه من كتابة الأشكال الأخرى كالراوية والمقال ,لأنه مشروع فكري تنويري وليس أدبي فحسب ,

وإذا كنا هنا نطمح أن نتتبع أهم العناصر الفنية في أعماله من خلال قراءتنا لمسرحية (يا طالع الشجرة )ورواية (يوميات نائب في الأرياف ), هذان العملان الفنيان ربما يدفعنا إلى الاقتراب من نور الشمس الإبداعية لتوفيق الحكيم ,لأنه يصعب الإلمام بضوء سمائه الفنية ,و لكن ما يهمنا هو أن نحاول أن نوصف أدواته الفنية في كتابة الراوية والمسرح,وكيف استطاع أن يعطي لكل فن حقه من التكميل العنصري, وإدراك الأدوات التي يتطلبها كل جنس , ولنا أن ننظر لهذين العملين من زوايا مختلفة تمكننا من إدراك كنههما وخصوصية كل عمل منهما .
أولا : الرواية
لقد كانت الرواية في الوطن العربي في فترة من الفترات تحمل طابعا معينا من الإهتمام بقضايا الفرد وهمومه, وخاصة الفرد المسحوق في ظل تزاحم النفس المادي البحت ,وفي ظل الهروب من الروح الرومانسية التي أوى إليها الفن في تلك الفترة , لذا كان الاندفاع نحو واقعية الفرد وواقعية الأدب أكثر المساحات استيعابا لجوهر الأدب والكتابة الأدبية , من هذه الأرضية جاءت رواية توفيق الحكيم .
يوميات نائب في الأرياف:
مكنت البيئة التي يعيش فيها توفيق الحكيم , وبحكم قربه من مجال القضاء ,إذ كان والده قاضيا وأسرته تشتهر بهذه المهنة من رصد وخلق أرضية مناسبة أقام عليها روايته هذا من جانب , ومن جانب آخر كثرة الظلم المنتشر وتعامل السلطة مع المواطن المفقود القوة والإرادة ومعايشته لأجواء الأحداث جعلته يقع وسط هذه الأحداث .
أجواء الرواية وموضوعها .
يوميات نائب في الأرياف عبارة عن ذاكرة فنية للواقع , وتسجيل تقوم به منظمة إنسانية ترصد حالات إنسانية مضطهدة ومقموعة.
واقع إنساني ملبد بعوامل قاهرة , حالات إذلال وتعسف , حياة عبثية تصارع من أجل البقاء لا من أجل الطموح والرغبة برفاهية العيش , لم تكن الرواية رصدا ساذجا لمجمل الأحداث بصورة تلقائية مباشرة ساذجة , بقدر ما هي تتبع لنفسيات معاشة ووجود إنساني مضطرب , الفكرة موجودة والطرح دقيق في عملية التناول.
الرواية تأخذ من الحياة الريفية مكانا لها , وتقتصر على ما تقدمه هذه الحياة من صور واضحة ونماذج منها بما يصل ذلك إلى القضاء , لذا كان من أهم ما يميز الرواية أنها جعلت من النائب الوكيل مدخلا للتصوير ونقل تلك الحالة لأن النائب يعطينا مدى ما يدور من أحداث في البيئة الريفية .
استطاع توفيق الحكيم أن ينوع القضايا والأحداث , استطاع أن يحدد مستوى الوعي والتفكير ومستوى خلق الأحداث وسريانها في بيئة متخمة بالقهر والعنف غير المبرر من السلطة ,وسوء تعامل السلطة ,وعدم إهتمامها بهذه الطبقة التي تشكل شريحة واسعة من السكان, بحيث يتم تجاهلها عن قصد امتهانا بها وبخطورتها المؤثرة على الساحة السياسية.
الجديد في موضوعه ليس في جدة موضوعه ولكن بطريق تقديمه بصورة فكاهية مؤثرة ممتعة لفتت الأنظار , إذ لم يكن أول من كتب في هذا الشأن , لكن أسلوبه الممتع وطريقة عرضه ونسجه للأحداث جعلها تحتل مكانة مهمة في الرواية العربية .
شخصيات الرواية :
كان للحكيم قدرة في انتقاء الشخصيات ومناسبة الفعل الذي تحدثه هذه الشخصية , من خلال الحدث المنجز منها ,المؤهل لإمتداد الرواية وترابطها وتتابعها , تنوعت الشخصيات بتنوع الموضوع باستثناء الشخصيات الأساسية كالنائب والمحامي والكاتب ,أما الشخصيات الملتقطة من بطن الواقع فهي كثيرة .
كما يمكن القول إن الشخصيات لا توحي بخيال موطنها ,لأنه تمكن من جعلها واقعية في الصفات والأفعال والكلام وأسلوب التفكير وتعاملها مع بعضها البعض , حتى لا تكون مختلة أو متعسفة أو تكون خصوصيتها غير متوازنة , وأهم ما اعتنى به الحكيم هو اللغة التي حاول أن يطعمها باللهجة العامية المصرية لكنها كانت بسيطة, وحاول أن يجعل الراوي السارد هو المسيطر على حركة السرد أكثر من الشخصيات نفسها , وربما نأخذ نحن له مخرجا فنيا هو أنه ربما يكون أراد أن يعكس تسلطا آخرا من خلال السرد

قد يعجبك ايضا