كم حربا أرهقت هذا البلد!!!

د / سامي عطا

 - في القرن التاسع عشر كتب الشاعر والناقد الأميركي ماثيو أرنولد في مقالة له عن الديمقراطية "هل يمكن لأحد أن ينكر أن العيش في مجتمع من الأنداد المتساوين يميل با
د / سامي عطا –
في القرن التاسع عشر كتب الشاعر والناقد الأميركي ماثيو أرنولد في مقالة له عن الديمقراطية “هل يمكن لأحد أن ينكر أن العيش في مجتمع من الأنداد المتساوين يميل بالإنسان-على وجه العموم-لأن ترتفع معنوياتهوأن تعمل امكاناته بيسر وفاعلية¿ وهل يمكن لأحد أن ينكر أنه لو عاش في مجتمع يجعله في إحساس دائم بامتياز الآخرين عليهوبأنه بلا قيمة على الإطلاقفإن من شأن هذا الإحساس-على وجه العموم كذلك- أن يجعله مكتئبا وعاجزا شبه مشلول¿”.
وإذا كان العقل موطنا تتخلق فيه أفعال الإنسان , كما أنه آلة تدير سلوك الفرد وأفعاله,, حيث يبدأ بتأسيسها نظرياومن ثم يحولها إلى أفعال, أي أن العقل مركز إدارة أفعال الفرد وتقريرها.
لقد أضحى العقل فرس رهان وأداة تدار بها المجتمعات , ولا تعرف المجتمعات المتقدمة إلا بكونها مجتمعات عقلانية في أسلوب إدارة شأنها, أي لم تعد العقلانية أسلوب حياة الأفراد وحسب, بل صارت العقلانية أسلوب حياة المجتمعات أيضا , إذ يستحيل أن تجد تقدما واستقرارا ونهضة لا يكون العقل أساسا لها.
ولكي يعمل العقل وتتطور طرائق التفكير فيه, فإنه يحتاج إلى محفزات, وكما هو معروف فإن حوافز العقل في المجتمع ذي طابع إداري بحت, يستمد فاعليته من خلال العمل وفق مبدأ الثواب والعقاب (المكافأة والمحاسبة), وفي كل الأنظمة الإدارية يعد هذا المبدأ أساسا للنهوض بالمجتمع, وكلما كان مضمار المنافسة بين أفراد المجتمع عادلا يترك أثره على تقدم المجتمع ونهضته.
إن نهضة أي مجتمع لا تستقيم إلا على مبدأ المنافسة بين أفراده, المنافسة تحفزهم على بذل أقصى الجهود, خصوصا عندما يشعرون أن نظامهم الاداري يتضمن حوافز مكافأة تفضي بهم في نهاية المطاف إلى حصولهم على التقدير والاعتراف اللازمين.
لقد عزا هوبز ومن بعده هيجل سبب الحرب بين البشر إلى صراعهم من أجل الاعتراف, ولا يعد سببا وحيدا, بل سببا ضمن أسباب أخرى ( حيث شرحها هيجل في فصل ” جدل السيد والعبد” من كتابه فلسفة الحق ). وصراع الناس من أجل الاعتراف يمكن أن يفضي إلى حرب , كما يمكن توظيفه في تفجير طاقات البشر وإبداعاتهم, وذلك إذا أمكنت السيطرة عليه وتنظيمه إداريا, وعبر تهيئة مضمار المنافسة بين البشر وبصورة عادلة, وحينها يمكن للصراع أن يبقى في حدوده الآمنة, لا بل يكون مفيدا أيضا , فإنه يفضي إلى إحداث نهضة وتقدم , عوضا عن الحرب, . وكم من الحروب أرهقت هذا البلد.
وعليه عندما تتم ترقية الناس وظيفيا مثلا فإن هذا الترقي إذا لم يخضع لمبدأ المفاضلة وتفعيل قواعد المحاسبة الادارية حيث ينبغي أن تقوم فلسفة الترقي الإداري على إنجازات المعنيين في عملهم الأدنىوبغير ذلك يعني الإخلال بسلامة العمل , والحكم على إرادات أفراد المجتمع بالانكسار,وعندما يتم ترقية س أو ص من الناس من موقع مسؤولية أدنى إلى موقع أعلى, ترقية عميد كلية إلى نائب رئيس جامعة مثلا فإذا كانت سيرته العملية تفتقر لأي إنجازات تبرر ترقيته, فإن فعلا كهذا يغدو فعلا مدمرا لسلامة العمل ويثبط همم أفراد المؤسسة المعنية,كما أن ترقية الأجدر تضمن احترام الأفراد للمؤسسة, وتكسب المؤسسة احترامها من رؤسائها المحترمين والذين يحظون بتقدير المرؤوسين , والترقية التي لا أسباب معقولة لها تقتل روح العمل وتقضي على الاحترام.
لقد درج البلد في الآونة الأخيرة على التعيين بالمحاصصة, واتخذت هذه المحاصصة صورا مختلفة إما حزبية أو مناطقية أو جهوية أو قبلية ), ولقد تعرض الحوار إلى سيل من النقد وانقسم المجتمع إلى مؤيدين ومعارضين له, وأنتهى الحوار إلى ما أنتهى إليه, وكان الناس في المجتمع بحاجة إلى تجسيد بعض مخرجاته واقعا , بحيث يفضي بنا إلى شكل مختلف يلغي التعيين عبر معيار الثقة ومعيار الطاعة والولاء, لكننا ألفنا أنفسنا أمام إدارة تنحو إلى الجمع بين السوأين, إن الأسلوبين مدمران للقدرات والطاقات.
البلد امام معضلة حقيقية, لابد أن يتم تداركها سريعا, لأن خلل إداري كهذا يرفع منسوب غضب الناس ويراكم أسباب ثورتهم.
كما شهدنا في الآونة الأخيرة عددا من القرارات هدفت إلى تأليف القلوب, تم بموجبها تعيين عددا كبير من الأفراد مستشارين ومستشارين للمستشارين في بعض المؤسسات, هذا الأسلوب لا إداري بالمرة ولا ينتمي إلى علم وفلسفة الإدارة, لأن كل قرار إداري ينبغي أن يعزز النظام العام لا أن يتحول إلى مادة للتندر والاستهزاء.
إن القرارات الممهورة بالترضيات وتأليف القلوب لا تبني دولا , أكثر ما تستطيع أن تفعله هو كسب رضا المشمولين بها, لكن من المؤكد أن رضاهم

قد يعجبك ايضا