وعي صناعة المستقبل

عبدالرحمن مراد

مقالة


 - في حين يذهب العالم من حولنا إلى الدراسات المستقبلية في إطار ما يسمى بالمستقبلية أو علم المستقبل نجد أنفسنا نحن العرب مازلنا في دائرة الماضي لا نبرح مفاهيمه وقيمه

في حين يذهب العالم من حولنا إلى الدراسات المستقبلية في إطار ما يسمى بالمستقبلية أو علم المستقبل نجد أنفسنا نحن العرب مازلنا في دائرة الماضي لا نبرح مفاهيمه وقيمه وتفاعلاته وروابطه تشدنا أواصرة ونتقبله ككليات ثابتة لا يمكن الحديث لنا عن تجزأتها أو تحليلها وكأن الزمن لدينا مقدس من خلال المقولات التي تم تداولها وتترسخ في الأذهان كقضايا جوهورية وثابتة وفي المقابل نجد أن أرضية التفكير في موضوع الزمن وفي الفهم وفي التأويل خاضعة للمجالات المختلفة ذات الوشائج المترابطة مثل المجال الثقافي والاجتماعي والفيزيائي والسياسي والتاريخي والفلسفي والاقتصادي والفردي فقد حدثت ثورة في مفهوم الزمن كما يقول الدكتور أحمد جدي: ارتبطت بالاقتصاد والعلوم التقنية إلى حد الاهتمام باستمرار الخيال العلمي في مجالات الإبداع العامة ويرى الدكتور أحمد جدي أن ثمة مجالات وأدوات أخرى ترتبط بالفهم والتأويل هي المخيال والرمزية والتأويل والحفريات في المعرفة ويقول إنها التحولات العميقة في هياكل وأفق وعلاقات المجتمع الغربي التي أنتجت حركة فكرية جديدة مرتبطة أساسا بمجتمع ما بعد الثورة الصناعية والتواصلية ويزداد الاهتمام بعلم المستقبل في الفكر الغربي المعاصر الذي يبدأ باستشراف مستقبل العالم في إطار عالم بلا حدود.
ويستطرد الدكتور أحمد جدي قائلا: إن دراسة المستقبل في الغرب الحديث تعتمد على معطيات علمية وديمغرافية واقتصادية وطبيعية وسياسية مندرجة في نسق معين إذ يمكن القول بأن دراسة المستقبل هي في حقيقتها استشراف للمستقبل بجميع أبعاده الزمنية ( المدى القصير – المدى المتوسط – المدى الطويل) أي جملة تنبؤات مشروطة تشمل المعالم الرئيسية لأوضاع مجتمع ما في مرحلة من مراحله التاريخية.
ويقول إن هذه الاجتهادات والدراسات والتنبؤات لفهم أو تحديد معالم وصور المستقبل من افتراضات عديدة خاصة بالماضي والحاضر ولاستكشاف أثر دخول عناصر مستقبلية على المجتمع.. ويؤكد في سياق حديثه أن المسألة مشروطة بأجهزة متطورة وإمكانيات وافرة وكفاءات عالية وفلسفة سياسية اجتماعية متكاملة ولازمة لتخطيط هيكلي ديناميكي مميز.
ويقول في السياق إنه من الثابت أن مثل هذه النشاطات الفكرية والعلمية تعتمد أساليب ومناهج عديدة لتحديد وضبط مهامها الرئيسية وصورها المستقبلية ويقسمها الاختصاصيون والفنيون في هذه الدارسات إلى المجموعات الرئيسية التالية:
1- المنهج الحدسي المبني على الخبرة.
2- المنهج الاستكشافي وهو استطلاع مستقبل علاقات قامت في الماضي وعن طريق نموذج صريح للعلاقات والتشابكات.
3- المنهج الاستهدافي وهو التدخل الواعي لتغيير المسارات المستقبلية في ضوء أهداف وأحكام محددة مسبقا.
4- المنهج الشمولي وهو التعبير الدقيق عن كل الظواهر والحركيات بحيث لا تهمل العلاقات التي قامت في الماضي ولا تهمل الأسباب والمضاعفات الموضوعية التي تفرض نفسها لتغيير المسارات المستقبلية ويقول أن خبراء هذا الميدان يؤكدون أن كل المناهج والاساليب المعنية تستخدم مع بعضها وبنسب متفاوته اعتبارا لطبيعة الدراسة وأهدافها ونسقها العام.
ويخلص إلى القول أن ميزة هذه النماذج لمستقبليات العالم على اختلافها الأيديولوجي والسياسي والاجتماعي أنها تتكامل وفي كل الحالات تنزل الدراسات المستقبلية في إطار تقرير المصير والسيطرة على الكون والذات سواء تم ذلك بالأساليب والنظرة غير العلمية أو في عالمنا المعاصر كما تقتضيه الثورة العلمية في أبعادها التقنية والاجتماعية والثقافية والفلسفية.
وإذا كان الفكر العربي لم يول المستقبل الاهتمام الذي يستحقه إلا أن اشتغال الإنسان العربي على عمومه ظل المستقبل هاجسا له من خلال ذلك التراكم الكبير للذاكرة الشعبية وتلك الملاحم التي تستيقظ متى حدثت الهزات العنيفة كتلك التي حدثت في2011م فكان لجوء الإنسان إلى الملاحم الشعبية التي تستنطق الغيب من رحم الزمن بمثابة القوة المادية التي توازي القوة الروحية في الذات في القدرة على السيطرة على مقاليد المستقبل.
ولعل أهمية حديثنا عن المستقبل في هذه التناولة نابعة من حرصنا على السيطرة عليه والتحكم في مقاليده برؤى موضوعية وعلمية في ظل ما يشهده الوطن من حالات انتقال نأمل أن تتكامل بالنجاح وبرؤى قادرة على التركيز في البناءات التي تتناغم لتحد من الصراعات المدمرة في مستقبل هذا الوطن الذي ذاق الويلات من الصراع وعوامله المدمرة.

قد يعجبك ايضا