الإعلام الرسالة والدور القيمي لوسائله (الحلقة الثانية)
أ.د. عبد الله الذيفاني

ذكرنا في الحلقة السابقة أن الإعلام يحتل أهمية محورية وأساسية في تشكيل الوعي والموقف والاتجاه فهو ينتج قناعات الناس بكيفية ذات تأثير عميق وإلى درجة أن البرامج التي تبث قد تجعل الباطل حقا والحق باطلا وتزين الكثير من المواقف بلغة وصوت وصورة وبها معا الأمر الذي وضع الإعلام في مثلث القوة الذي يتحكم بمجريات الأحداث ويهيمن عليها.
من هذه الحقيقة عملت الدول التي تحترم الإنسان على وضع حماية للرأي العام من التزوير وتزييف وعيه وعملت على حماية الأجيال من البرامج الإعلامية التي تبث للطفولة وتشكيل شخصياتهم بما تغرسه فيهم من قيم تسهم مع أدوار المؤسسات الأخرى في صناعتها وصياغتها فأحدثت في مناهج التعليم منهجا خاصا بمسمى “التربية الإعلامية” يهدف هذا المنهاج إلى تمكين التلاميذ من المرحلة الأساسية من التمييز بين المادة الإعلامية السليمة وغير السليمة بالتدريب وتنمية التفكير الناقد وصار هذه المنهاج حقيقة واقعة في كثير من البلدان الأوروبية والمتقدمة وحاولت بعض دول الخليج والجزيرة إدخاله في مناهج التعليم ولكن بكيفية لا تحقق الغرض الذي جاءت التربية الإعلامية لتحقيقها لاعتبارات كثيرة.
ونحن هنا نقول أن من الظلم أن يتلقى الأبناء مواد إعلامية من مرجعيات وخلفيات شتى وبموضوعات متفرقة تركز على نقل خبرات لا يحتاجونها في حياتهم وتسهم بعضها في تدمير قيم وغرس أخرى.. والمتابع للوحة برامج الأطفال يدرك جيدا أن جل ما يقدم للأطفال وافد من بيئات خارجية ولم تفكر حكوماتنا المتعاقبة في إنشاء قناة خاصة بالأطفال على الرغم من أنها فكرت ونفذت وأنشأت قنوات لأغراض السياسة وتشكيل الوعي وخدمة أغراض الحاكم ومواجهة الخصوم السياسيين.
نعود ونقول أن الإعلام بوسائله المختلفة يعد مؤسسة تربوية بكل المعاني والأبعاد وعلى القائمين عليه أن يدركوا ذلك جيدا وأن يتواضعوا ويشركوا معهم اختصاصيين في التربية وعلم النفس والاجتماع والقانون لمراجعة البرامج ونقدها وتحليلها وإبداء آراء علمية وتربوية في موضوعاتها وبما يحول دون بث مواد إعلامية تشوش وتضلل وتزيف الوعي وتغرس ثقافات وافدة مثل ثقافة العنف والانحراف وغير ذلك مما تبثه المسلسلات غير الهادفة والتجارية والتي تستهدف الإمتاع والترفيه ولا تعنى بالمضمون وتأثيره على المتلقي سواء كان المتلقي راشدا شابا طفلا متعلما أميا حضريا ريفيا وعليهم أيضا أن يدركوا أن ما تعيشه البلاد من حالة فرقة وتمزق وشطحات فكرية وأيديولوجية عقدية أو أساسية وممارسات غير منضبطة هي نتاج التشظي في الوعي الذي يصنعه الإعلام والمؤسسات التربوية الأخرى وغياب الرؤية الملتزمة التي لا تنحاز لفكر أو حزب أو وجهة نظر قدر انحيازها للوطن ومتطلبات النهوض به وحماية مقدراته..
ألا يدرك القائمون على الإعلام والتعليم ومؤسسات التنشئة أن أطفالنا الذين يكبرون يحملون في داخلهم آمالا وطموحات تمتد إلى الخارج وتحاكيه وتستنكف وتنصرف عن كل ما هو وطني بحجة التخلف هنا والتقدم المزعوم هناك ووصل هذا الأمر إلى حدود بعيدة اتصلت بالعقيدة والقيم الاجتماعية والثقافية وعلى رأسها قيمة اللغة وأهميتها ودورها في إحداث التحولات وتحقيق المنجزات العلمية والمعرفية والمنافسة مع الدول الأخرى في مضمار الذات والآخر….
وأعتقد جازما أن عددا كبيرا منهم لا يميل البتة إلى إلحاق أبنائه بمدارس حكومية ويدفع مبالغ كبيرة ليدرس الأبناء لغات أجنبية ولا بأس أن تغيب اللغة العربية لأنه لا يحتاجها وهذه والله مصيبة كبرى ستصيب البلد في مقتل..
راجعوا السياسة الإعلامية بموازاة تامة مع السياسات المجالية لمؤسسات التربية والتنشئة الاجتماعية ليحدث التناغم والتوحد في الهدف والتنوع في البرامج والآليات اتقوا الله في حاضر هذا الوطن ومستقبله فالعبث بأي شيء يمكن معالجته إلا في الجيل فإنه عبث يؤدي إلى فشل المجتمع وطموحاته.
