هل الاستبداد شرقي الطابع¿
سامي عطا


سامي عطا –

الاستبداد واحدة من مشكلات العرب التي تحتاج إلى تفكيك وتحليل, لأنها المشكلة التي تعوق في نظري تقدمهم, كما تئد كل محاولة لنهضتهم, ويبدو أنها ستظل المشكلة التي تصطدم مع العقل إذا لم يتعرض هذا العقل _الذي يتحمل مسئولية كبيرة في تأصيلها وتكريسها واقعا- إلى نقد, ولا أدعي أسبقية في هذا الأمر, لكني أعتقد بأن كل المحاولات لنقد هذا العقل جاءت محملة بإرث ثقافي مؤسس على توجه ما, لقد جرى نقد العقل دائما بالنظر إلى مرجعية ثقافية تحمل إرثا سياسيا أيديولوجيا ما وتعددت مشارب هذا النقد, واختلفت منطلقاته أيضا, بيد أنه من المؤكد, أن هذه الانتقادات حملت هذا العقل أعباء جديدة فوق عبئه الرئيسي المتمثل بالاستبداد, لقد اختلفت وجهة نظر النقاد حول ملامسة أس وجذر الاستبداد العربي.. وكما هو معروف أول محاولة لدراسة هذه الظاهرة قام بها الفيلسوف الألماني هيجل, الذي عزا أسبابه إلى جذور شرقية خالصة, أي أنها خاصية شرقية خالصة, ومتأصلة ثقافيا وحضاريا في هذه الرقعة الجغرافية, وعد الشرق مسئولا عنها, وهذه النظرة أسست لما عرف لاحقا بالمركزية الغربية المسئولة عن تقسيم العالم إلى عالمين عالم عقلي الذي هو الغرب بالضرورة وعالم لا عقلي أو روحاني الذي هو الشرق لزوما.
وما يهمنا هنا هو البحث عن جذور هذا الاستبداد وتتبع أرومته, وكل أنواع الاستبداد السياسي المعاصر, سواء كان استبدادا ناصريا أو بعثيا أو اشتراكيا شيوعيا أو إخوانيا يتأسس أمام ناظرينا, هو استبداد أرومته واحدة حيث ينبع من سيكولوجية شك وريبة الحاكم من الجماهير, وتقسيم الناس إلى قسطاطين أخيار “نحن” وأشرار “هم” بالضرورة.
وترتب عن هذا الأمر بناء سياسات خاطئة كثيرة, ولعل أبرزها ذهاب الحكام العرب المستبدون إلى ربط مشروع الممانعة للسياسات الصهيو إمبريالية بشخوصهم, بوصفهم أفرادا محددين, وهذا الرابط إدانة صريحة للعاملين مع هؤلاء الحكام من الأعوان والمساعدين ورفاق الحزب أو التنظيم كما لو كانوا أشخاصا لا يؤتمن جانبهم, وهو إدانة للمجتمع ككل أيضا, وأن هذا المجتمع عقيم ولا يستطيع أن يلد “أخيار”, وأن مشروع الممانعة من دون الحاكم سيسقط, وبتنا أمام معادلة صعبة: معادلة الانتصار أو الوقوف أمام غطرسة إسرائيل لا تستقيم ولن تستقيم إلا بوجود هذا الحاكم العربي المستبد, ولم يقف الأمر عند هذا الحد, إذ ذهب الحاكم العربي المستبد إلى أبعد من ذلك, فأخذ يضيق من دائرة ثقته لاحقا, فأخذ يورث الحكم معلنا عند بدأ مرحلة جديدة يمكن أن نسميها بمشروع الممانعة العائلي, لقد غدت الجماهير كلها مدانة لزوما وضاقت الثقة في إطارها العائلي.
ويبدو أن جذر المسألة ثقافي متأصل وحاضر في الذهنية الأبوية البطريركية التي تقوم على ثقافة الوصاية, الحاكم المستبد وصي على شعبه كوصاية الأب على أبنائه وتوريث الحكم -كما أسلفنا- ضيق دائرة الحاكم المستبد بالناس, وبدلا من أن كان الحاكم ومعاونيه “حزبه” هم الأخيار وبقية الناس لا يؤتمن جانبهم, ضاقت دائرة الأخيار واتسعت دائرة الأشرار, فلم تعد الدائرة الأولى تستوعب إلا عائلته, وكأن صفة الخير كرموسوم جيني أو شفرة جينية لا تتوافر إلا في عائلة الحاكم, وبدأنا نشهد ما يمكن تسميته بالممانعة العائلية.
وبالطبع أن ثقافة الوصاية على الناس مرض سياسي أخذت تتناسل منه عدد من الأمراض السياسية, ولعل أخطرها نظرية المؤامرة أس وجذر المشكلة العربية, وهذه في اعتقادي مسئولة على تقسيم الناس إلى “أخيار” و”أشرار, وكأنهما خاصيتان إنسانيتان تتولدان بالوراثة.
ومع أن تفسير أسبابهما لم تكن عصية على المفكرين, لقد قال روسو في مستهل كتابه أصل التفاوت الاجتماعي بين الناس “إن أول إنسان سور قطعة أرض وقال هذه لي, من هنا بدأ الشر”, أي أن للشر جذرا اجتماعيا واقتصاديا, ومنه تنبع كافة الشرور.
لقد عزاه روسو إلى بداية تفكير الإنسان بالتملك, وعليه يستلزم للقضاء على الشر الجوهرية تنظيم قانوني للملكية, ولذا طرح روسو فكرة العقد الاجتماعي باعتبارها الإجراء الذي يضبط علاقة الناس ببعضهم البعض وعلاقتهم بالحاكم..
إن الظروف الاجتماعية بقدر ما هي مسئولة عن تربية الإنسان وتنشئته, فإنها تتغير بفعل نشاط الإنسان أيضا, البيئة تصنع الإنسان وفي المقابل فإن الإنسان يؤثر فيها, أي أن الإنسان يؤثر ويتأثر, وبلغة أدق الإنسان يربي ويتربى, ومن هذه الإشكالية تبرز مشكلة مسئولية الإنسان عن أفعاله, المسئولية القانونية والأخلاقية, وتنبع مشكلة عدالة الحكم على سلوكه ويبرز سؤال أساسي صيغته على النحو التالي, كيف يكون حكم على فعل شرير أو جريمة عادلا إذا كانت ظروف تنشئته لم تكن سليمة, أي أن حكم العقل هنا يضعه في موقع الضحية…, وهذا المبدأ” المسئولية” كان مثار بحث بدأه الفكر المعتزلي في الفكر الع
