بين عسكر البارحة واليوم
ميساء شجاع الدين

مرت ستون عاما منذ اعتلى العسكر سدة الحكم في عدة دول عربية وأفريقية آسيوية على موجة حركات تحرر وطني ضد الإستعمار تبنت معظم هذه الدول أنظمة اشتراكية أو شبه اشتراكية ضمن تحالف مع النظام الشيوعي ضد النظام الإمبريالي الرأسمالي الذي كانت تنتمي له الدول التي قامت باستعمارها. مع مرور الوقت والطبيعة الاستبدادية لهذه الأنظمة بدأ يصيبها الركود والفساد ومع ترنح المعسكر الإöشتراكي انتفت أسباب وجود هذه الأنظمة ومعظم الدول الأفريقية والآسيوية انتقلت لحكم مدني وديمقراطي ضمن ثورات شعبية أو عملية انتقال ديمقراطي ولم يتبق سوى الدول العربية بركودها.
بقاء الدول العربية عصية على التغير له أسباب داخلية وأخرى متعلقة بوضعها كدول تقع ضمن خارطة ثروة بترولية هائلة يجب السيطرة عليها وكذلك وجود اسرائيل الذي كان ينفث غازاته السامة ويبرر لوجود أنظمة قومية مقاومة تغنت بمواجهتها لإسرائيل مثل سوريا والعراق أو دول أخرى تعايشت مع أزمة اقتصادية وقبضة أمنية شديدة مثل مصر واليمن التي قام شطريها بأدوار بالوكالة بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي ومن ثم وحدة تغلب فيها النظام الشمالي بتحالفاته الدينية والقبلية التقليدية. وإذ كان من المستحيل أن تنجح دول مثل سوريا والعراق في مواجهة إسرائيل بسبب تخلف واستبدادية أنظمتها لم يكن من الممكن أن تعيش مصر لحظة الرخاء الاقتصادي بمجرد تحولها لدولة خاضعة لإسرائيل وأمريكا. وهكذا حققت هذه الدول إخفاقات متعددة على المستويين الداخلي والخارجي ورغم ذلك نجحت في الاستمرار لوقت طويل.
تأخرت الدول العربية عن التغيير حتى جاء الربيع العربي كحالة انفجار كان لابد منها لرؤساء وأنظمة سياسية تنتمي لمرحلة الحرب الباردة التي انتهت منذ أكثر من عشرين عاما وهبت معها رياح التغيير والديمقراطية على العالم فيما كان يعرف بالموجة الثالثة باستثناء الدول العربية. ظلت فيها أنظمة عسكرية في منطقة شهدت تدخلات عسكرية عديدة حروب ضد إسرائيل وحرب الخليج الأولى وغزو بغداد في كل هذا تغيرت الجيوش العربية واهتزت عقيدتها وتوجهت لنهب الداخل أولمؤسسات اقتصادية فاسدة وبعضها خاض معارك داخلية استنزفت شرعيتها وعقيدتها الوطنية مثل اليمن والسودان والجزائر. ليس هذا فقط بل إن السياق التاريخي لهذه السلطة العسكرية انتهى وتبدل نحو اشكال مدنية منفتحة في جميع انحاء العالم ولم يعد هناك مبرر لوجود هكذا أنظمة.
اللافت أن هذه الأنظمة التي جففت الحياة السياسية العربية لم يتبق أمامها سوى جماعات دينية – سياسية اعتمدت على العمل الخيري والحضور بالجوامع وربما وجدت مساحة أوسع للحركة في دول مثل اليمن من خلال التعليم والآمن. ثنائية العسكر والجماعات الدينية ثنائية قد تعرف العداء أو التحالف لكن لا شيء يعزز من سلطة العسكر مثل الجماعات الدينية ولا شيء يقوي من حضور الجماعات الدينية مثل السلطة العسكرية تجمعهما مفاهيم السمع والطاعة والعقيدة الجاهزة دون كثير تساؤلات والتراتيبة التنظيمية الصارمة.
إذن لم يكن من المستغرب أن يكون بديل الأنظمة العسكرية الجماعات والأحزاب الدينية رغم ضعف ادائها السياسي
