اهرب إن قلت الحقيقة

> يذهب الموظف للإدلاء بشهادته ضد أحد أو كل المسؤولين في الجهة التى يعمل بها ثم يكتشف أنه وقع ضحية كلمات قالها أمام القاضي يبقى المشهود ضده في منصبه ويفقد الشاهد زملاءه الذين يخشون أن يرتبط اسمهم معه رغم أنه شهد لاجلهم ¡ وتهدد وظيفته ويتم نقله إلى المكان الذي لا يريد ويظل يدفع الثمن لسنوات وكل يوم إن توقف أقاربه عن محاكمته يعاتب هو ذاته وأنا ما علاقتي بحماية المال العام الذي يحلله شرع البعض .
تعمل الحكومة على تطمين هذا الموظف الذي امتلك شجاعة وقال الحقيقة وأبلغ القضاء بوجود فساد حيث قدمت مشروع قانون لحماية الشهود في هذه القضايا وهو مشروع أعد بدقة عالية لكنه لا يكفي لجعل كل من يرى يدا تمتد إلى المال العام يذهب للابلاغ ومع هذا فهو مشروع تأخر كثيرا ونخشى ان يتاخر ايضا لدى اللجنة المعنية في المجلس والتى تعمل على مناقشته لتقديمه إلى البرلمان القاعة للتصويت .
المشروع تجاوز امكانياتنا بكثير وكأن من صاغه مـتأكد من أننا سنصبح يوما قادرين على تقديم كل ما يحتاجه الشهود ليقولوا للقضاء وتحديدا لهيئة مكافحة الفساد بالحقيقة فهناك ادارة ستنشأ للاهتمام بحق الشاهد وهناك حراسة أمنية ستخصص لحمايته إن تطلب ذلك ولم يحدد ما هو نوع الحماية التى ستخصص لمن سيحكم في القضية ويدين المتهم ففي حالات متعددة يخشى القاضي اصدار الحكم لأنه داخل مبنى محاصر بالمسلحين الجاهزين لقتل كل من يفكر بتعكير مزاج من يخدمون وإن كان يسرقهم قبل الآخرين .
ولا تقتصر الحماية على الشاهد بل تشمل اقاربه إلى الدرجة الرابعة أي إلى ابن الخال وابن العم ومعنى هذا أننا سنصحوا على أسر محمية بالكامل بعد أن يقدم أحد افرادها شهادة قد لا ينتج عنها أي إدانة للمتورط¡ ولا أدري كيف يمكن احتساب التكاليف وما الضامن انه في مجتمع لا يقدر الانظمة والقوانين أن لاتتحول العملية إلى مزاجية فمن يرغب في مرافقين وحراسة يقول ان لديه شهادة تحمي المال العام ويتمتع بطريقة فاسدة بالحماية هو وجميع أفراد الأسرة .
كما أن المضحك أن المشرع ودون أن يشعر جعل يزيد من قيمة وأهمية اللصوص لمؤسسات الدولة فمن يفكر بالشهادة ضدهم يقع تحت طائلة الخوف والخشية من عقابهم وبالفعل أمر مأساوي ان لصوصنا وهم مدانون ويحاكمون مازالوا قادرين على التنكيل بمن يتحدث عنهم .
بل وسيدفعون بالشاهد للهرب إلى الخارج والبقاء هناك هربا من لص المفروض ان يكون في السجن ويتوسل محاميا◌ٍ فاشلا◌ٍ للدفاع عنه وتخفيف العقوبة طبعا◌ٍ ينص مشروع القانون على قيام الدولة بتسفير الشاهد إلى الخارج وتولي دفع التكاليف إليه في منفاه الاجباري وسيصبح لدينا منح مالية للطلاب ومنح مالية للشهود ضد الفاسدين ايضا¡ كل هذا لأن الشاهد قال ما رأى فأصبح مشردا في المنفى¡ وبالفعل سنحتاج إلى وزارة تنظم العملية وتشرف على ترحيل الشهود نظرا لحجم الفساد .
وفي جلسة ستضم الفارين من بلدانهم سنفاجئ العالم أحدهم سيقول انه هرب من الحرب الدائرة في موطنه والآخر سيقول انه معارض سياسي فر من جور السلطة في وطنه وسيقول اليمني انه هارب من فاسد يبطش بالمال العام وحين ذهبت للإبلاغ عنه كاد يسرق روحي فهربت بدعم من حكومة بلدي نظرا لأن قوتها وهيبتها اقل من قوة وهيبت أي فاسد يعمل تحت مظلتها .
أشعر بالمرارة وأنا أقلب مشروع القانون فكيف لموظف أزعجه ما يحدث لأموال الناس وحقوقهم فقدم شهادته لينال النفي من أرضه ووطنه الذي شهد لأجله¡ اللوم ليس موجها إلى من صاغ قانونا◌ٍ يعالج واقعا مريعا بل لمن جعلنا نصل إلى هذا الواقع القاسي على كل من بقي في دمه قيمة ومبدأ¡ فكيف لنا أن نفهم أن يهرب الشاهد إلى بلد بعيد خوفا◌ٍ من المجرم الذي يفترض أن يكون هو من ينجو بجلده .

قد يعجبك ايضا