«طائر الخبز» رؤية وتصوير
عائشة عبدالله المزيجي

عائشة عبدالله المزيجي –
لم يكن للقصيدة «الشعر» الوجود وإثبات الهوية إلا وهي مأخوذة ومشتقة من عالم الشعور عالم الإنسان ومواضيعه الحياتية ويتجلى فن القصيدة بحسن اختيار مفرداتها المعبرة عن الموضوع.
«طائر الخبز» العلو والانحدار رؤية بدت من العنوان والقصيدة تخاطب بلفظة «الخبز» كل الطبقات الإنسانية مبتعدة عن الدلالة المباشرة متجهة إلي الإيحاءات والتصويرات عبر التراكيب اللغوية الطموح العالي الممتد إلى ما لا نهاية وفضاء الطائر تصغر القصيدة إمكانات وقوع ذلك الطموح مع إضافة لفظة «طائر» إلى «الخبز مشيرة بلفظة الخبز إلى الواقع الذي مازال محصورا في المطالب اليومية والنمط العادي.
طائر الخبز على الرغم من اجتهاد الطائر إلا أن الحاجة إلى الخبز قوة مضادة لتلك الأمنيات.
تنقسم قصيدة طائر الخبز إلى قسمين المتأمل يجد في القسم الأول المعنى مجملا تأمل «كانت ليالي الشتاء الرحيبات لي وطنا واشتياق البساتين للعطر قد مات فاحترق الورد» مستندة القصيدة على التضاد باجتماع لفظة «وطنا» ومدلول الاستقرار مع ماينسف ذلك الاستقرار مثل «الشتاء» وتوق الطبيعة إلى صفتها وهي تتعطل منها «اشتياق البساتين للعطر» فتحول الزمن الطبيعي الواسع «الشتاء الرحيبات» إلى زمن نفسي ضيق أكد هذه الرؤية انصهار وتداخل الزمان «الشتاء» في المكان «وطنا» وتلون المكان بالزمن المعتم وحقق ذلك الفعل الناقص «كانت» الذي انتزع من الوطن صفة الاستقرار وجعل الصفة مستمرة في الحاضر آتية من الماضي.
أما الجانب الثاني في القصيدة وهو باقي القصيدة فقد قام بتفصيل المجمل السابق وكان مرآة عاكسة ومؤكدة لتلك الرؤية بتصويراته وإيحاءاته والمفارقات المتفرقة خلال المفردات والتراكيب التي لا تخرج عن مدلولي العلو والانحدار تأمل:
ألقى مدلول العلو والانحدار «طائر الخبز» ظلاله على جميع أجزاء القصيدة تأمل لفظة هبطنا في «هبطنا إلى هذه الأرض نشقى» وانحدار زمن الحاضر «نشقى» والشاعر يلهث راء وطن معنوي مع لفظتي «كوكب سراب» ويفقد أمل الوصول إليه «فاض روحي إلى كوكب الشعر يبحث عن جسد في سراب القصيدة» لا يفوت الشاعر أن يجعل من نفسه أنموذجا لتلك الدلالة «العلو والانحدار» تأمل «توهجت يا أيها الجوع احترقت» مع لفظتي «توهجت احترقت» وما وجود الشاعر في دائرة الجوع إلا عمق مدلول الانحدار المفردات الدالة على العلو في القصيدة تؤكد رؤية القصيدة تأمل «السماوات مطوية جفف الليل زرقتها/ ورماها فراغا لمملكة الموت» مع ماتوحي به لفظة «جفف» وتشخيصها لليل من عمق الانحدار هاوية هذه الرؤية بالسماوات إلى مملكة الموت الواسعة عبر صورة بصرية تستوحي من عظمة السماوات عمق الانحدار تدخل المحسوسات إطار المعنويات والأحاسيس وهي تتشخص وتتماهى بالإنسان المالك للمشاعر «تتوسد حيرتها» مذعنة لقضاء الانحدار «السماوات ما امتلكت أمرها/ مثلنا تتوسد حيرتها.
تستمر القصيدة والسارد في البحث عن عالم لا تستمر فيه تراجيديا الإنسان وهو يتأرجح بين العلو والانحدار تأمل «نبحث عن غائب غيمة/ طائر خبز».
خلف كل مفردة قصيدة تتفجر منها الدلالات والإيحاءات والرؤى التي لا تنضب مع كثرة رجوع القارئ إلى القصيدة ونهله منها بأسلوب خطابي لاذع تصويره وسردي مخففا نبرة الخطاب المباشر موظفا اللغة واللعب بها تصويريا في صياغة الأحداث والشخصيات التي تخرج عن الهيئة الجسدية الإنسانية التي تكونها براعة السارد في اللغة.
هامش
تجليات حي بن يقظان الشاعر عبدالسلام منصور دار الحكايات بيروت – ط1 2002م من صفحة 25 إلى صفحة 33 .
جامعة ذمار – كلية الآداب