عدنان باوزير
للدهشة درجات متعددة أعلاها الذهول، والذهول هو ردة فعل شائعة إزاء حالة تصعب على الفهم وتستعصي على التفسير، توقف عن قدح أفكارك العاجزة وكف عن جلد نفسك فلن تفهم، لن تفهم لأن أدواتك في التحليل قاصرة، فالأمر هنا يتجاوز المنطق وهو أكبر وأسمى من العقل وليس له علاقة بالمعطيات، الأمر كله يا صديقي مختزل هنا في كلمة واحدة هي (الإيمان).
وعندما يتعلق الأمر بالغموض والغرابة –نسبياً-فأنت حتماً في حضرة الأنصار، فهم بحق سادة الإدهاش والإذهال في هذا العصر الممل والمتوقع الأحداث والخالي من أي عنصر من عناصر المفاجأة.
قاتمة جداً الصورة وحالكة السواد، فأغلبية القطيع يُساق كالخرفان للمقصلة، بصمت مطبق، وانصياع مطلق وبـ(سعادة) غامرة وبنشوة محيرة وصادمة. هذا حال السواد الأعظم وهو أمر محسوم ومفهوم. ومن تمرد عن القطيع وهم الاستثناء، فقد تثلمت سيوفهم من طول وعظم القراع وأثخنتهم المقاومة، ولا تثريب أو ملام أو ضغينة، وبعضهم قد تكسرت سيوفهم قبل حتى أن يبدأ النزال، لأن سيوفهم خشبية كانت تسترها الأغماد المزخرفة.
الخلاصة لقد سقطت كل الشعارات فيما صوروه وكأنه بمثابة نهاية للمرحلة، قًضي الأمر فقد سئم الناس الحرب وهم بارعون في تبرير أسباب الهزيمة.
حسناً إن سقطت الشعارات فإن القيم باقية ولا تسقط بالتقادم، لأنها ببساطة محفورة في وجدان هذه الأمة ومنقوشة في قدس أقداس ثقافتها بأحرف من نور، وهنا يتجلى دور ثقافة الإدهاش، فهم لا يكلون ولا يملون، ويتحدون عجز المنطق ويتسامون على معطيات السياسة وحسابات المصالح الضيقة، وقودهم الوجداني وتوكلهم الرباني وعزمهم اليماني يحيّر الصديق قبل العدو، فلم يبق سواهم ما زال ممسك بتلابيب المبادرة.
إذا كانت النفوس كبارا … تعبت في مرادها الأجسام .. (المتنبي)
وهؤلاء القوم همتهم تناطح الجوزاء، وتتجاوز حجمهم وإمكانياتهم بأضعاف مضاعفة .. مضاعفة، نعم هم يعانون، ويعانون بشدة لأسباب لا تخفى على أحد، ولكنهم ببساطة يجعلون لمعاناتهم ثمن، وأي ثمن.
ما يزال الأنصار هم الأنصار منذ بدء هذه المعمعة، ولم تُسجل عليهم أي علامة للتعب أو الملل أو إعادة الحسابات أو يظهرون أي إشارة للمهادنة أو المساومة بل يزدادون مع تكالب الأعداء وتعاظم الخطوب إلا ثباتاً وزخماً وعنفوانا، وهنا أدعوك أن تعود وتفتش عن كلمة السر في هذا الصمود، الكلمة المفتاح التي تقدمت، وهي ببساطة روح الإيمان.
أنظر لتفهم تلك الروح إلى زعيمهم عندما يطلع كل خميس على الشاشات أو بأي مناسبة، تأمل هالة الوقار والسكينة والهدوء والثقة التي ترتسم على ملامح محياه وطريقة كلامه وإيماءاته وحركاته وسكناته.. الخ، هل تلاحظ أي فرق في أي إطلالة عن الأخرى؟ نفس وتلك الملامح هي نفسها، والرجل نفسه بكل الحالات، فلا يبدو عليه أي جزع أو اضطراب في حالات المصائب أو في عز شراسة الهجمة، وبالمقابل لا تلحظ عليه أي نشوة أو زهو بنصر تحقق أو أي إنجاز تم، هذه الروح ببساطة هي روح الأنصار وقبس من روح وثقافة زعيمهم.
يتشدق اليوم (نتنياهو) ومن البيت الأبيض بأنه قد أصبح قاب قوسين من تحقيق (انتصاره) الرابع، ملمحاً للمفاوضات الجارية مع (حماس) في قطر، وإمكانية تحقيق نصر سياسي، وما يزال هذا النصر وهمياً وسابقاً لأوانه، ولكن حتى لو تحقق، فعليه أن لا يحلم بأي نصر خامس، فهذا أبعد عليه من عين الشمس. نتنياهو الذي يتبجح أنه لم يغيّر الشرق الأوسط فحسب، بل غيّر بعد عدوانه الأخير على إيران العالم بأسره، سوف يتعثر مشروعه الكبير والرهيب، وسوف يظل يمن الأنصار بمثابة الشوكة في حلقه، نعم لا ننكر لقد استتبت له أمور كثيرة وغير متوقعة ولكنه سوف يختنق أثناء خروجه الأخير في عنق الزجاجة، سيختنق في مضيق المندب .
الأنصار هم آخر أمل تبقى لأحرار هذه الأمة ولأحرار العالم أجمع، لمنع تحقيق الحلم العبري، ولرفض الاستباحة المطلقة والكاملة، هم ضميرنا وصوتنا ولسان حالنا وهم قلعتنا الأخيرة.