في حضرة الإمام الحسين عليه السلام، تقف الكلمات وتغدو العبارات هاجعة، كأجنحة نور تحلق في سماء المجد والإباء، ولا غرو في ذلك فهاهنا محط الرحال، وملتقى الأفئدة، هنا في مقام سبط الرسول الأكرم صلوات الله عليه وآله وسلم وريحانته، الذي امتزجت روحة الطاهرة بروح الإسلام، فكان امتدادا للنبوة وصوتا ناطق بالحق في زمن الخنوع والانحراف.
لم يكن خروج الحسين إلا صرخة في ضمير الأمة، وثورة قيم ضد طغيان الحكم الأموي، الذ أراد أن يحول الخلافة إلى ملك عضوض، وأن يصادر إرث الرسالة المحمدية، فكان موقفه موقف الأنبياء عليهم السلام، وكانت كربلاء ميقات الدم الذي غسل وجه الأرض من الذل والمهانة، لتظل إلى الأبد رمزا للصمود وأيقونة الخلود.
قال الإمام الحسين عليه السلام في درة من درر الكلام: “إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي”.
كلمة تختصر القضية وتكشف جوهر الثورة، وتربط بين الحسين ومهمة الرسل المطهرين، وهي إصلاح ما أفسده الناس، واستعادة ميزان الحق حين يختل.
لقد كتب الإمام الحسين عليه السلام بدمه الزكي أعظم صفحات الشهادة، وجعل من استشهاده مدرسة للأحرار في كل زمان ومكان، مدرسة تعلمنا أن الدم لا بد أن ينتصر على السيف، وأن القلة المؤمنة الصادقة تزلزل عروش الطغاة، وهذا ما يحدث دائما عبر التاريخ، “والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون”.
وما أصدق قول الإمام زين العابدين عليه السلام حين يلخص الواقع في كلمات من نور:
“أنا ابن من قتل صبرا، وكفى بذلك فخرا، أنا ابن الحسين، المذبوح بشط الفرات، من غير جرم اقترفه ولا إثم ارتكبه”.
يا حسين يا منارة الإباء، وسراج الأمة المضيء في عتمة الفتن، سلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت مظلوما عطشانا، ويوم تبعث حيا.
وسيبقى اسمك محفورا في ضمير الأحرار، وتبقى كربلاء وقودا للعزم واليقظة في وجه كل ظلم وطغيان.
إن دم الحسين عليه السلام نهر العزة وسر الخلود هناك حيث سطرت أنبل ملاحم الوفاء، وتفجرت ينابيع النقاء، وتلألأ دم الحسين شعاعا في سجل الشهداء.
لقد كان خروجه عليه السلام زحفا نحو الحق في وضح الضحى، وصرخة في وجه الطغيان لا تخشى الردى.
نعم، لقد سار الحسين ومن معه على درب الإباء، لا تثنيهم العداوة ولا ترهبهم سهام القضاء، قدم النفوس فداء، ونسج من الصبر راية لا تفنى وظل صوته في الضمائر حيا لا يُنسى.
في عاشوراء، نطق الدم بما عجزت عليه الخطب، وارتفعت أرواح الأطهار نحو العُلى، تشكو ظلم الباغين وتبشر المستضعفين بأن النصر حليف المظلومين ولو بعد حين.
آه يا ابن الزهراء.. ما أكرمك حيا، وما أعظمك شهيدا، قتلت ظلمانا لكنك رويت الأجيال معاني العزة، وسقيت رغم المنع بماء المجد والكرامة.
سلام على رأسك المرفوع فوق السنان، سلام على قلبك الذي نزفت ولم يهن، سلام على دمك الذي خط طريق الأحرار، وظل في ضمير الزمان نارا ونورا، إنذارا وبشرى، سخطا على الجائرين، وبشارة للمخلصين.
عهدا لك منا.. إنا على الدرب سائرون وبنور هداكم مهتدون.
السلام على الحسين.. وعلى علي بن الحسين.. وعلى أولاد الحسين.. وعلى أصحاب الحسين.