“الفمنزم” فهم للتاريخ والتيارات

بقلم : إلياس بوزغاية


بقلم : إلياس بوزغاية –
رغم أن النقاش حول قضية المرأة وتحريرها لم يعد موضة اليوم كما كان في السابق إلا أنها تبقى مطروحة وبشدة في ثقافتنا الجمعية سواء تحدثنا عنها أم لم نتحدث. هذه المقالة تتناول موضوع المرأة وقضية تحريرها من منطلق كونها محور نقاش قامت على أساسه مجموعة كبيرة من النظريات والمقاربات التي تروم الوصول إلى هدف مشترك هو الدفاع عن حقوق المرأة وتحقيق المساواة بينها وبين الرجل.

من المفيد ابتداء أن نتوقف عند مفهوم “الفمنزم” أو بالعربية الحركات النسائية أو بعبارة الدكتور عبد الوهاب المسيري: “حركات التمركز حول الأنثى”(1). إذا أردنا أن نفهم الفمنزم في أبسط تعريفاتها يمكن القول أنها جميع الحركات والمقاربات السياسية والفكرية والثقافية التي تهدف إلى الدفاع عن حقوق المرأة من أجل خلق مساواة بينها وبين الرجل. رغم أن هذا التعريف يبدو عاما وشاملا إلا أنه يبقى محل نقاش عميق جعل مفكري ما بعد الحداثة يلجؤون إلى تعريف صغير وفضفاض يحتمل كل الإعتبارات فقالوا إن “الفمنزم” هي في آخر المطاف “الالتفات إلى المرأة / paying attention to women”(2)

الالتفات إلى المرأة والدفاع عن حقوقها أنتج عدة حركات ونظريات شملت جميع الميادين ونهلت من مختلف العلوم لتقدم نموذجا تفسيريا للقضية ومحاولة معالجتها. وعلى العموم إذا تتبعنا مسارها التاريخي سنجد أنها بدأت كمطالب اجتماعية –خاصة في بداية القرن العشرين- تسعى للإجابة عن أسئلة المساواة مع الرجل كالحق في التعلم والعمل والإنتخاب. لكن مع تطور الفكر والثقافة في الغرب تطورت هذه الأسئلة لتأخذ منحى أعمق وأشمل فبدأ منظروا هذه الحركة يتسائلون ويشككون في طبيعة العلاقة القائمة بين الجنسين وعن مدى شرعية السيطرة الذكورية وتبعية الأنثى.

هذه التساؤلات أظهرت إلى الوجود مفهوم “الجندر”(Gender) أو النوع الإجتماعي الذي يرى أن الصفات والأدوار الإجتماعية التي يقوم بها الجنسين هي أدوار تؤدى بدافع الثقاقة المتجدرة وليس بدافع البيولوجيا أو الطبيعة الأولية(3). وبهذا تحولت الأسئلة من الطابع الإجتماعي إلى الطابع الفلسفي ليتسائل أصحابها: هل الأعمال التي تقوم بها المرأة و الصفات المرتبطة بها هي قدر محتوم عليها انطلاقا من فيزيولوجيتها¿(4) أم أنها مسألة تقافة ذكورية مسيطرة أنتجت هذه “الهندسة الإجتماعية” تكريسا للمجتمع “الباترياركي” الذي يخشى أن تكون المرأة منافسا حقيقيا له في المجال العام كما تقول فاطمة المرنيسي(5).

بهذه الطريقة تشكل ذلك الوعي النسائي بقضية المرأة وضرورة تحريرها لكن هذا التحرير أخذ مناحي ومقاربات متعددة تتراوح بين كونها متهمة تارة بالضعف إزاء القبول بواقع السيطرة الذكورية و تارة بالتطرف وخلق صراع بين الجنسين بدعوى التحرير والمساواة. وأيا كان الحال فالوعي بالقضية النسائية يبقى له الفضل في إنتاج كتابات ومقاربات ونظريات -تحت مسمى “الفمنزم”- كل مقاربة تسعى للإحاطة بجانب من جوانب القضية لكنها تظل قاصرة على الإحاطة بجوانب أخرى أولا لأنها نتيجة اجتهادات إنسانية محكومة بالنسبية ولأنها نادرا ما تجد طريقها إلى التطبيق في الواقع.

في هذه المقالة سيتم تسليط الضوء على تاريخ وتطور الحركة النسائية ومفهوم “الفمنزم” وذلك من خلال التحقيب الزمني لهذه الحركة ومن خلال كتابات أشهر المنظرين لحقوق المرأة منذ بداية القرن العشرين إلى يومنا هذا. وسنعتمد في مقالنا هذا كتابات لثلاث نسائيات غربيات بارزات (Simon de Beauvoir و Helene Cixous و Judith Butler) ثم سنعرض أحد أبرز الرؤى الإسلامية لقضية المرأة لصاحبتها أمينة ودود التي أثارت جدلا كبيرا يستحق أن يستمر فيه النقاش حاليا.

إذا كانت كل الحركات الإجتماعية وليدة الأوضاع والتحديات التي تواجهها في منطقتها فالحركات النسائية لا تخرج عن هذه القاعدة. فمفهوم “الفمنزم” ظهر في بدايته عام 1881 بفرنسا في مجلة La Citoyenne”” لصاحبته Hubertine Auclert نتيجة ملاحظة الكاتبة التناقض الصارخ بين ما أفرزته الثورة الفرنسية من شعار Egalité, Fraternité, Liberté وواقع المرأة المضطهدة أنذاك. فشكلت كتاباتHubertine Auclert وغيرها تلك الشرارة التي أطلقت الموجة الأولى “للفمنزم” (first wave feminism) والتي ركزت على ضرورة تحصيل المساواة والأخوة والحرية للمرأة كما هي مكفولة للرجل. بتحقيق معظم أهداف هذه الموجة دخلت “الفمنزم” مرحلة الموجة الثانية في عقد الستينات لتناضل من أجل مطالب أكثر تقدما كالمساواة في الأجرة بين الرجل والمرأة والحق في التجنيد للمرأة ونبذ التفرقة بين الجنسين. ثم في عقد السبعينات دخلت “الفمنزم” مرحلة جديدة تأثرت بالثورة العلمية وسهولة انتشار المعلومة حيث انبرى عدد كبير من المفكرين إلى الجمع بين الأفكار والنظريات الجديدة وتنزيلها على قضية المرأة فتول

قد يعجبك ايضا