المياه : عقلانية الاستهلاك .. والتنمية المستدامة
محمد العريقي
محمد العريقي –
بالرجوع إلى شحة المياه وانعكاساتها على مجمل المنظومة الحياتية فإنه من الحقائق العلمية المعروفة ان الإنسان لا يمكنه أن يبقى على قيد الحياه لأكثر من ثلاثة أيام بدون شرب. ناهيك عن أن هذا الإنسان لايستطيع أن يبقى لأكثر من أسبوع بدون طعام … وهو الطعام الذي يعتمد إنتاجه أساسا على وفرة المياه.
إن التنسيق والتوازن بين حاجة الانسان والدور البيئي للماء يتطلب اتباع طرق جديدة عند الاستهلاك وإدارة المصادر المائية المتوفرة لدينا وهذا يدعو إلى توازن في الضخ والاستهلاك حتى تبقى في الحدود البيئية المسموح بها.
وإذا ما جمعنا ما يحتاجه الانسان من ماء بما في ذلك حاجته للزراعة والصناعة والاستهلاك المنزلي نجد انه اقل بكثير مما يحصل عليه من الأمطار السنوية ولكن سوء الاستخدام يجعل هذه المياه وكأنها شحيحة فيتسبب في خلق وضع يهدد التنمية المستدامة.
فالخبراء يؤكدون أن الحصول على توازن مائي لن يكون سهل المنال حيث السياسات والقوانين المتحكمة اليوم في استغلال المياه لا تساعد على ترسيخ أسياسيات الوصول إلى التوازن المائي المطلوب والمتمثل في عقلانية الاستهلاك وعدالة التوزيع وسلامة البيئة. فإذا ما انتبهنا ان للمياه دورا أساسيا في الحياة ثم تعلمنا كيفية العيش في حدود ما هومتوافر لدينا نكون قد خطونا الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح لبناء علاقة سليمة بيننا وبين هذا المورد الهام.
يذكر (جانتواباندوبادايا) الخبير بمركز أبحاث البيئة الهندي (إن الماء لا يعد مصدرا متجددا إلا إذا احترم الانسان العمليات الطبيعية التي تحافظ وتعمل على استقرار الدورة الطبيعية له). كما يقول (لقد تعامل الانسان مع المصادر الطبيعية للمياه واستخدم طرقا عديدة لاستغلالها وعليه أن يعيد النظر في طرق وأساليب استخدامها لسد حاجته من هذه الثروة بدلا من ان يظل يطالب بالمزيد مع عدم تجاهل الدور البيئي المهم الذي يؤديه الماء وكلما أنجزنا الكثير بالقليل من الماء سنكون قد وضعنا الخطوة الاولى والسهلة نحو بلوغ أمن مائي مستقر).
وباستخدام المياه بكفاءة اكثر نكون أسسنا لمصدر مائي إضافي جديد. فكل لتر يتم توفيره اليوم سيساعد على مواجهة طلب جديد في الغد وبدون الاضطرار الى استخراجه من مخزون الارض أو استجلابه من مكان بعيد. وترشيد الاستهلاك المائي هذا لن تكون له أي آثار سلبية على النهضة الاقتصادية أو المستوى المعيشي للأفراد.
إن اكبر تحد تفرضه علينا شحة الموارد المائية هو التكيف مع ثقافة جديدة في استهلاك المياه تتضمن ممارسات وأخلاقيات تستقيم وتتوطد من خلالها العلاقة بيننا وبين مصادر المياه الطبيعية.. وبيننا وبين بعضنا البعض… وبيننا وبين الكائنات الاخرى فنحن جزء من النظام الكوني وعلينا ان نتكيف للعيش في حدود ما توفره الطبيعة من مياه. وهذا يعد من الاساسيات الضرورية لخلق مجتمع متماسك بجميع المقاييس والمحافظة على المياه وترشيد استهلاكها يعد من الأساسيات لاستحداث مصدر مائي جديد ليست له اضرار على البيئة.
إن الاهتمام بموضوع المياه له الكثير من الحيثيات والمبررات وأبرزها محدودية المصادر المائية التي صارت شحيحة وبات تحسين نوعيتها مكلفا. فمصادر المياه اذا اخذنا في الاعتبار حساسيتها الشديدة فيما ما يتعلق بالنشاط الانساني واستغلال الهندسة التقنية العاليه تجعل مواصفتها الطبيعية تتراجع شيئا فشيئا على نحو لم تعد فيه المياه تتدفق بشكل طبيعي. وهذا يشير إلى الحاجة لثقافة جديدة في مجال المياه يمكن أن تجمع بين العناية وعدم التبذير والمشاركة. لقد حان الوقت كي نستجيب لحاجات السكان بأعدادهم المتزايدة للغذاء والصحة والطاقة وذلك عبر تبني سلوك يتجه نحو عدم الإسراف من منطلق واجب توفير المياه للآخرين وللأجيال القادمة.
إن كل تهديد تتعرض له أية أراض رطبة أو كائن مائي اينما كان أو وجد ما هو إلا اختبار حقيقي لمدى تمكن سكان تلك المنطقة واقتصادهم من التكيف مع نظم المياه في الكون. وهناك عدد قليل من النظم المائية في الدول الفقيرة يمكن لها أن تستمر ما لم يغير الانسان نظرته الحالية نحو تلك النظم ونحو الدور الذي تؤديه في البيئة. وينبغي أن ندرك تمام الإدراك أن مصيرنا مرتبط بمصير نظم المياه من حولنا شئنا أم أبينا.