
تحقيق/عبدالله الخولاني –
تشغل قضية زيادة الرواتب بال الكثيرين فموظفو الدولة ينظرون إليها على أنها ضرورة لمواجهة متطلبات الحياة القاسية أما الاقتصاديون فيرونها عبئاٍ على الاقتصاد الكلي وبداية ازمة تضخم حقيقية .
لكن ما ينبغي إدراكه والتفكير فيه بعمق هو تأثير زيادة الرواتب على الموظفين وعلى الاقتصاد بشكل عام.
فإعلان الحكومة عن إطلاق العلاوات السنوية للموظفين خلال شهر أغسطس الجاري أشعل الأسعار بشكل يفوق الزيادة المعلنة بحيث تنتفي الفائدة من تلك الزيادة وقبل تمتع الموظفين بها
وهو ما جعل الاقتصاديين يفسرون ذلك بعدم قناعة التجار بما يحققونه يوميا من أرباح فتراهم يسارعون إلى الزيادة مستغلين أي حجة لذلك .
«الثورة » استطلعت آراء عدد من الخبراء الاقتصاديين والذين أكدوا أن الزيادة ضرورية وأنها أمر طبيعي ولا بد منها خاصة في ظل ما تشهده السوق المحلية من ارتفاع في أسعار السلع وارتفاع مؤشرات التضخم إلا أنهم أكدوا كذلك على ضرورة أن تكون تلك الزيادة مدروسة بدقة وقائمة على أسس علمية و حتى لا تؤدي إلى آثار عكسية على الاقتصاد الوطني وكي لا تؤدي كذلك إلى زيادة الاختلالات.
مقياس للزيادات
وأوضحوا على الحكومة أن تقوم بربط أي زيادة في الرواتب تنوي القيام بها بمستوى ومؤشر التضخم وأن تقترن تلك الزيادات بها وذلك شأنها في ذلك شأن العديد من دول العالم
ولفتوا إلى ضرورة أن تراعي الحكومة أوضاع القطاع الخاص والذي لن يستطيع مجاراة هذه الزيادات خاصة أنه يعاني العديد من المشاكل داعين الحكومة إلى دعم القطاع الخاص وتشجيع المشاريع الصغيرة التي من شأنها تحفيز الشباب بشكل خاص على العمل المستقل مما يخفف من عبء النفقات الحكومية كما طالب البعض بضرورة تفعيل الرقابة الحكومية على الأسعار التي تلعب دورا مهما في الحد من رفع بعض التجار للأسعار دون مبرر.
ضوابط
الخبير الاقتصادي عبدالسلام الدريهمي إنه من الطبيعي أن ترتبط عملية زيادة الرواتب ووجود السيولة بزيادة الأسعار خاصة في ظل زيادة الاستهلاك.
وأضاف «يجب أن ترتبط مسألة زيادة الرواتب والأجور بمؤشر التضخم وكذلك بمستوى إنتاجية وأداء الموظفين» مشيرا إلى أن تلك الزيادة لن تكون مبررة إذا لم ترتبط بهذين الأمرين.
وبين أن أي سياسة لرفع الرواتب قد تخلق حلقة تضخمية مفرغة وذلك لأن الإفراط في الاستهلاك لن يحله زيادة الرواتب.
وأشار إلى أن الاستمرار في سياسة الإنفاق الاستهلاكي دون ضوابط لن يجدي نفعا منوها إلى ضرورة الإسراع في معالجة الاختلالات الهيكلية التي تعترض الاقتصاد الوطني بالإضافة إلى تشجيع ودعم القطاع الخاص.
دعــــــم
محمد المتوكل أشاد بإطلاق العلاوات السنوية للموظفين إلا أن نسبتها قليلة وذلك إذا ما قورنت بمستوى الأسعار .
واضاف إنه يجب على الدولة أن تقوم بقياس زيادة الرواتب بمعدل التضخم. .
وعن مدى تأثير هذه العلاوات على ميزانية الدولة أوضح بأنها تعتبر سلاح ذو حدين لذلك يجب على الحكومة أن تشجع القطاع الخاص وأن تدعم المشروعات الصغيرة وذلك حتى تخفف عنها بند المصروفات
الرقابة
الخبير الاقتصادي عبدالله ناصر يرى أن تحسين المستوى المعيشي للموظفين من خلال زيادة الرواتب لابد أن يقابله ضبط لمستويات الأسعار وخاصة للسلع الضرورية والتي سيضطر المستهلك إلى شرائها حتى لو ارتفعت أسعارها لذا فمن المفترض أن يتم تفعيل الرقابة على الأسعار ومتابعتها».
وبين أن عملية زيادة الرواتب وما يتبعها من زيادة في أسعار للسلع ستؤدي إلى زيادة نسبة التضخم منوها في الوقت ذاته إلى أنه يجب الانتباه إلى أن التضخم له أسباب أخرى وليس فقط زيادة الرواتب مثل أن يكون هناك تضخم مستورد إضافة إلى أنه قد يكون جزء من التضخم ناتجا عن نقص في السلع المحلية فضلا عن أن عامل العرض والطلب يلعب دورا في نسبة التضخم.
إعصار
المتتبع للسوق يلاحظ أن إعصار ارتفاع المواد الغذائية لم يستثن أحداٍ على الرغم من أن المستهلك يحاول التصدي له ومحاصرته من الجبهة المنزلية لكنه لا يملك سوى أسلحة ومعدات راتبه الشهري وهي معدات بالكاد تسمح له بالاستمرار حتى نهاية الشهر وأيضاٍ لا تملك حصانة الدفاع عن اقتصاد الأسرة الذي بات عاجزاٍ عن احتواء أي أسعار.
يؤكد الاقتصاديون أن زيادة الرواتب والأجور قضية جوهرية لأنها تؤدي إلى تحريك الطلب الداخلي وبالتالي تفعيل مواقع الإنتاج وخاصة في ظل ما يشبه الركود الاقتصادي الذي تعيشه اليمن
ويوضح الدكتور صلاح الدبعي أن زيادة الرواتب لا تعد (تكلفة اجتماعية) بل يجب أن ترتبط ارتباطاٍ مباشراٍ بزيادة الإنتاجية فكلما ارتبطت معدلات الرواتب مع معدلات الإنتاجية قل الخوف على الدورة الاقتصادية وعلى الخلل ما بين الكتلة النقدية والكتلة السلعية.
ويضيف ومع ذلك لا أتفق مع الذين يقولون إن زيادة الرواتب والأجور غير المترافقة مع زيادة الإنتاجية ستؤدي إلى زيادة معدلات التضخم فنسبة الرواتب والأجور لا تزال متدنية مقارنة بقيمة الناتج المحلي الإجمالي وتشكل نسبة متواضعة من تكاليف السلع والخدمات وإن مراكز التكلفة تتركز في جانب الرأسمال على حساب عنصر العمل.
غير ذات جدوى
ويشير إلى أن رفع الأجور دون معرفة حجم تغطيتها من ارتفاع الأسعار بسبب عدم وجود وحدات قياس الأسعار يجعل هذا الرفع وبأي نسبة كانت غير ذي جدوى مشدداٍ على أهمية سلة المستهلك- صاحب الأجر في معرفة انعكاس الأسعار على المواطنين فعلياٍ.
القوة الشرائية
تمثل السياسة الأجرية الركن الأساسي لتصحيح العلاقة بين الأجور والأسعار بدءاٍ بتصحيح العلاقة بين الأجور ومستوى الأسعار بمعنى تطابق الحد الأدنى للأجور مع الحد الأدنى لمستوى المعيشة من خلال الاستناد إلى مؤشر الأسعار لتحقيق الربط بين الأجور والأسعار بعد كل ارتفاع في الأسعار ولاسيما أن كل ارتفاع في الأسعار يعني انخفاضاٍ في القوة الشرائية وأن كل انخفاض في القوة الشرائية يعني انخفاضاٍ في الطلب وأن انخفاض الطلب يعني زيادةٍ في المخزون وأن زيادة المخزون تعني الكساد ,وهذا كله حسب الدكتور السالمي تباطؤ الدورة الإنتاجية وبالتالي فإن من يرفع الأسعار ويربح هو بالنهاية من يضرب دورة عملية إعادة الإنتاج من خلال ضرب الإنتاج نفسه وهنا تكمن أهمية وجود مؤشر للأسعار يقيس مقدار الارتفاعات الدورية لها. يضاف إلى ذلك أنه لابد من وجود نظام ضريبي فعال على الأرباح- يسمح بتأمين موارد زيادات الأجور- وعادل يسمح بتطور الإنتاج ولا يسمح بهبوطه.
في حين أبدى أحمد المتوكل (موظف – قطاع عام) استغرابه من الحالة التي وصل إليها الموظفين الحكوميين من معاناة مستمرة مع الأسعار فكل زيادة يحصل عليها الموظفين في الرواتب يلتهمها التجار من خلال رفع الأسعار .
ويضيف أن ارتفاع الأسعار أفسدت فرحة الموظفين بالزيادة الجديدة وهو ما يتطلب من الحكومة ضبط الأسواق فليس من المعقول أن ترتفع الأسعار مع كل زيادة يحصل عليها الموظفين.
حصة الفرد
وبحسب اقتصاديون فأن جوهر المشكلة هي باتساع حجم الهوة بين الأجور والأسعار وهذه الهوة ناجمة بالأصل عن تراجع حصة الفرد من الدخل الوطني وانخفاض العدالة في توزيع الدخل الوطني بين الأجور والأرباح ولا يمكن رد أساس المشكلة إلى الزيادة السكانية إذ إن هنالك أسباباٍ أخرى أكثر عمقاٍ وتكمن في انخفاض وتيرة تطور الدخل الوطني عن النسب المطلوبة الكفيلة بمنع انخفاض حصة الفرد منه.
ويؤكد خبراء الإدارة أن إصلاح الأجور والرواتب أهم بكثير من زيادتها تتطلب رسم سياسة جديدة للأجور والرواتب توسع قوس الرواتب بين الحدين الأعلى والأدنى كما لا ننسى عيوب سياسة الأجور والرواتب في القطاع الخاص
مشيرين إلى أن على الموظفين في المستقبل سيرفضون أي زيادات مادامت مرتبطة بارتفاع الأسعار لأنها ستسهم بشكل كبير في ارتفاع معدلات التضخم في البلاد وهو ما يتطلب على الحكومة أن تعمل إلى تخفيض أسعار المواد الغذائية باعتبار أن الغذاء يستحوذ نحو على غالبية إنفاق الأسر اليمنية .
أهداف
مشيرين إلى أن الزيادة الأخيرة التي أقرتها الدولة على أجور الموظفين والتي تراوحت بين17و25% كان لها أثر ايجابي على المستهلكين غير أنهم أشاروا إلى أن تلك الزيادة لم تحقق أهدافها في رفع المستوى المعيشي للأفراد حيث قابلها ارتفاع في أسعار سلع رئيسية.
واتفق الخبير الاقتصادي سعيد سالم مع سابقه من حيث أهمية زيادة الرواتب والتأثيرات الايجابية الناجمة عن الزيادة خصوصا فيما يتعلق بالموظفين اصحاب الدخول المحدودة والمتدنية.
ويقول سالم: إن الزيادة ساعدت في أن يرتقي الناس بحياتهم اليومية غير انه يشير إلى أن المشكلة تكمن في وجود شركات ومؤسسات تجارية تتحكم في أسعار سلع رئيسية واستهلاكية.
داعيا إلى توفير الرقابة الشاملة على الأسواق لمعالجة الظواهر السلبية التي تحدث من قبل بعض الفئات في استغلال المستهلكين والمغالاة في الأسعار مشيرا إلى أهمية إيجاد مؤشر للأسعار توضع على أساسه مجموعة من السلع الاستهلاكية الرئيسية والخدمات ويتم مراقبة أسعار تلك السلع والخدمات ومعرفة تذبذبات الأسعار وبناء عليه يتم احتساب معدل التضخم.
وشدد على أهمية إيجاد هيئة مستقلة لحماية المستهلك يحكمها قانون خاص على غرار دول العالم مثل الولايات المتحدة ودول شرق آسيا حيث تستطيع هذه الهيئة أن تتدخل في الوقت المناسب كما يكون لها الإشراف على ما نسميه المؤشر العام للأسعار إضافة إلى صلاحيات تشريعية وتنفيذية تستطيع بموجبها أن تقوم بدور رئيسي في كبح جماح ارتفاع الأسعار.
وأعرب موظفون عن تخوفهم من أن تسهم زيادة الرواتب في ارتفاع معدلات التضخم نتيجة استمرار ارتفاع الأسعار خصوصا أن الزيادات كانت متفاوتة ولم تصل الى شرائح كبيرة من المجتمع على رأسها شريحة الموظفين العاملين في القطاع الخاص.
ويؤكد محمد السميري أن الموظفين جزء من المواطنين الذين طاولهم الارتفاع الكبير لأسعار السلع والخدمات ما يستدعي منهم إيجاد وسائل مناسبة لمواجهة هذا الارتفاع أو التقليل من آثاره.
ويضيف أن الموظف يحاول تقليص نسبة الفاقد من دخله الذي يذهب جزء كبير منه ثمنا لارتفاع الأسعار الذي لا يتم تعويضه عبر الخدمة ذات الجودة العالية
ويبين السميري أن دخل الموظفين يتآكل بشكل مستمر نهاية كل شهر مع ارتفاع أسعار السلع الغذائية.
وسط توقعات بموجة غلاء جديدة قد تطال السلع الغذائية خلال الأيام المقبلة تسود مخاوف لدى المستهلكين من أن يسعى تجار ومراكز التجزئة استغلال موجة ارتفاع الأسعار لرفع هامش أرباحهم في مختلف أنواع السلع الأمر الذي يحدث أضرارا كبيرة على المستهلكين.
وبحرقة لا تخلو من سخرية وعتب تساءل عبدالله قطران عن «دور وزارة الصناعة والتجارة في ضبط الأسواق , وقال أن أسعار بعض السلع الغذائية في السوق المحلية وخاصة زيوت الطبخ ومشتقات الألبان والسكر والأرز ارتفاعا ت متفاوتة قاربت 20%.