صعـدة القديمـة.. لازالـت تبكـي أوجاعهـا

أكثر من 800 منزل ومعلم تاريخي تضررت في الحرب السادسة معظمها لم يصل إليها الإعمار…

تعد مدينة صعدة القديمة واحدة من أجمل وأقدم المدن التاريخية اليمنية على الإطلاق ففيها الكثير من المقومات والخصائص التاريخية التي تجعل منها مدينة فريدة ذات تنوع حضاري كبير والذي يميز هذه المدينة أنها لازالت مسورة من كافة اتجاهاتها.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن عمر المدينة يزيد عن 1100 عام وأول من اختطها الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين سنة 284 للهجرة ويعد جامع الهادي من أبرز المعالم التاريخية في المدينة وهو آية من آيات المعمار البديع  بهندسة فنية راقية ونقوش وزخارف غاية في الجمال.
ولكن هذه المدينة التي ظلت طوال سنوات عمرها الطويلة تحافظ على طابعها ومقوماتها الفريدة لتصل إلينا وهي بأحلى وأزهى  حضارتها استطاعت آلات الحرب المدمرة أن تصل إليها وتغوص في ثناياها وتعيث فيها دماراٍ وتخريبا حارات ومباني قديمة ومساجد دكتها الحرب دن هوادة.

وخلفت الحرب أضراراٍ كثيرة ووصل عدد المنازل التي تأثرت نتيجة هذه الحرب السافرة إلى 816 منزلاٍ تقريبا بحسب احصاءات فرع الهيئة العامة المحافظة على المدن التاريخية بصعدة وأن ما نسبته 80% من هذه المنازل المتضررة مبانُ ذات قيمة تاريخية عريقة وتشير الإحصائيات أيضا إلى أن عدد المنازل أو المباني التي تحتويها هذه المدينة بشكل عام يبلغ 2400 مبنى بحسب مسح ميداني نفذته إحدى المنظمات الهولندية المهتمة بالتراث في العام 2003م.
وتواجه المدينة منذ سنوات أخطاراٍ جمة هذه الأخطار تهدد عراقتها وأصالتها فبعد الحرب لم تتم معالجة الأضرار الناجمة عنها بشكل سريع وعاجل أو بشكل سليم بل تم التعامل معها كما يقول المعنيون بإهمال منقطع النظير.
معالجات على نطاق محدود
تقول الأخت أمة الرزاق جحاف وكيلة الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية مورست أخطاء كثيرة عندما تم التدخل في ترميم ما ضربته الحرب وأن كانت المعالجات قد تمت على نطاق محدود إلا أنها لم تكن تراعي الخصوصية التاريخية للمدينة فقد كان صندوق الإعمار يتجاهل تماماٍ فرع الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية بالرغم من أنه الجهة المعنية بالحفاظ على المدينة القديمة ولم يتم إشراكه والأخذ بتقاريره أو رأيه فيما يخص الترميم وكان مغيبا حتى في الاجتماعات واللقاءات التي كانت تقوم بها السلطة المحلية فيما يتعلق بالإعمار.
إذا كانت الهيئة تؤكد وجود أخطاء قام بها الصندوق فلماذا لم تقم بإيقاف هذه الأخطاء أو على الأقل الرفع للجهات العليا لإخلاء مسؤولياتها وهنا تجيب وكيلة الهيئة: لدينا الكثير من الخطايات والمراسلات سواء بين الهيئة وصندوق الإعمار أو بين الهيئة والجهات العليا ننبه فيها من هذه الأخطاء ونحذر من استمرارها ولكن للأسف الشديد لم يتم شيء حتى أن الهيئة تفتقر إلى أبسط الإمكانيات التي تمكنها من القيام بواجباتها تصور أن فرع الهيئة بصعدة لا يمتلك أي كادر أو موظفين سوى شخص واحد وما زاد الطين بلة أن رئيس الهيئة عندما وجهت له دعوة لحضور لقاء مع الأخ محافظ صعدة للنظر في الإجراءات المناسبة في المدينة القديمة قام بتكليف شخص يمثل الهيئة وهذا الشخص ليس على دراية بالعمل من الناحية الفنية والتقليدية وهي الأهم وبالتالي نقر أن الهيئة تتحمل جزءاٍ من المسؤولية تجاه ما حدث ويحدث للمدينة فالهيئة لازالت تفتقر إلى العمل الإداري المنظم.
فرادة وتميز
مدينة صعدة التاريخية لم تسجل بعد ضمن قائمة التراث العالمي بالرغم من أنها تستحق أن نكون ضمن هذه القائمة وبجدارة ولكن للأسف لازالت في قائمة الانتظار لدى اليونسكو وهنا يورد المهندس المعماري ياسين غالب- مستشار الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية- وأحد المهندسين الذين عملوا لسنوات طوال في هذه المدينة بعضاٍ من الخصائص والسمات المميزة لهذه المدينة والتي تجعلها درة اليمن الشمالية يقول غالب: صعدة التاريخية تعد إضافة نوعية للتراث اليمني بل للتراث الإنساني بشكل عام وتشكلت هذه المدينة نتيجة للتفاعل بين الإنسان وبيئته الشبه صحراوية طبعاٍ والتي تفاعلت مع المحمول الاجتماعي وبالتالي فهي ترجمة واقعية للمناخ شبه الصحراوي من حيث تشكيل البيت الصعدي مثلاٍ البيت الصعدي مفتوح من الأعلى بفتحات تسمى سماوية متدرجة تسمح للضوء أن يصل إلى أدنى دور وتحديداٍ إلى الدور الأرضي وهذه ميزة يمتاز بها المناخ الصحراوي الجاف ولعل خصائص المدينة قد تراكمت بفعل الزمن نتيجة للتغيرات وأيضا كان للتوجه المذهبي أثره حيث أسقط نوعاٍ من تجلياته على حياة الناس فقد كانت صعدة بعيدة عن الأحداث والاختلالات المتواترة في اليمن وبعيدة عن الهيئة التركية وبالتالي لم تتأثر المدينة وطابعها المعماري بالوافد ربما تأثرت قليلاٍ بتلك الجماعات التي صاحبت وجود الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين وهي جماعات جاءت من طبريا وساندت الإمام الهادي ولازالت قبورهم موجودة جنوب جامع الهادي وفي اعتقادي أن كل هذا المحمول وهذا التفاعل عبر المسار الطويل قد شكل مدينة تعتبر درة مدائن اليمن وهي حاضرة اليمن الشمالية.
وضع مزر
وعن وضعها وما آلت إليه خاصة بعد أن امتدت إليها آلات الحرب المدمرة أوضح ياسين قائلاٍ: للأسف الشديد الآن أصبح وضع المدينة مزرياٍ للغاية فقد تعرضت أولاٍ لاستهداف همجي في الحرب السادسة أصابها بمقتل في أهم مكوناتها المتمثلة بثلاث حارات: الدرب – التوت – الجربة وإن كانت المنطقة عند باب نجران وحارة عليان قد تأثرت أيضا إلا أن تلك الحارات الثلاث تمثل أهم المكونات التاريخية فيها من نفائس العمارة العدد الكبير ولكن باتت آيلة للسقوط ليس بفعل آلات الحرب فقط ولا بفعل التقادم وإنما بفعل الإهمال الممتد منذ خمس سنوات هذا الإهمال جاء نتيجة القصور المعرفي والمهني والفني الذي تعامل به صندوق إعمار صعدة مع هذه المدينة الفريدة إذن أولاٍ الحرب وثانياٍ الإهمال هما ما جعلا هذه المدينة تعيش شقاء وبؤسا كبيرين.
تضاعف الأضرار
حسب ما نعلم أن صندوق إعمار صعدة استعان بمختصين وخبراء في مجال الحفاظ على المدن التاريخية ومنهم المهندس ياسين غالب فلماذا يتهم غالب الصندوق بالجهل المعرفي وهنا يجيب ياسين أن الصندوق استعان به كاستشاري في مجال الحفاظ وقدم الكثير من الآراء والنصائح للصندوق ولكن اتضح له أن الصندوق فقط كان بستعين بتلك المقترحات والنصائح ليزين بها تقاريره لدى المجلس الأعلى للإعمار فقد أخذ الصندوق الكثير من الأفكار ولكن للأسف ليس بما يخدم الهدف وإنما بما يشوه هذه الأفكار وأضاف غالب: لازال الصندوق حتى الآن يركز عمله في صعدة القديمة على الإضرار البسيطة أو الجزئية وفي المباني التي لا تحمل تلك القيمة التاريخية فقط لأنها تقع في نطاق المدينة التاريخي لكن البيوت في حارات الدرب أو التوت أو الجربة لم يكن تدخل الصندوق ملموساٍ مثلاٍ بيت حسين عركاضي يعد من أجمل وأقدم البيوت في المدينة بالإضافة إلى بيت عبدالله الضوء في شارع المصموط هاذين المنزلين يتآكلان ويتهدمان للسنة الخامسة على التوالي ولم يلتفت إليهما صندوق الإعمار ولهذا أعتقد أن الإضرار داخل مدينة صعدة القديمة تضاعفت من بعد الحرب إلى اليوم.
تدخل لا يتناسب مع المدينة
وبدوره يناشد مدير فرع الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية بصعدة الأخ عبده جتوم الجهات المعنية والجهات الداعمة سرعة إنقاذ مدينة صعدة القديمة فكثير من المباني مهددة بالسقوط والاندثار والتهدم فوق ساكنيها خاصة مع بداية موسم الأمطار الأمر الذي يجعل المدينة والكثير من منازلها عرضة للأخطار وبشكل كبير.
وقال جتوم: عمل صندوق الإعمار طوال سنوات عديدة في المدينة لكن للأسف الشديد كنا نتمنى أن يعمل على معالجة أكبر قدر من الأضرار التي لحقت بالمباني نتيجة الحرب السادسة لكنه للأسف الشديد بدأ الصندوق واستمر بالعمل في المباني الأقل تضرراٍ والأقل قيمة تاريخية وترك المباني ذات القيمة التاريخية لم يتدخل فيها وها هي الآن ومع مرور الزمن تتأثر تدريجياٍ ومهددة في أي لحظة بالسقوط كما أن عمل الصندوق في المدينة لم يكن بما يتناسب مع مكانة المدينة وقيمتها التاريخية سواءٍ من حيث الترميم أو استخدام المواد التقليدية فلم يكن هناك تنسيق بين الهيئة والصندوق والابتعاد واضح حاولنا التدخل وإبلاغ الجهات المعنية ولكن دون جدوى استمر الصندوق بسياسته تجاه المدينة وها هو المكتب التنفيذي بوقف أنشطة الصندوق بشكل عام الشهر الماضي بسبب عدم توفر الموارد المالية.
وقدم جتوم شكره للأخ محافظ صعدة والذي يتعامل مع مدينة صعدة التاريخية باهتمام كبيرة ويوليها عناية خاصة.
ترميم قلعتي المنارة والقشلة
وحول اهتمام المحافظ وعنايته لمدينة صعدة القديمة كيف ينظر المعنيون بالهيئة لتوجيهات المحافظ الأخيرة الخاصة بترميم قلعة القشلة والمنارة بصعدة القديمة أوضحت الأخت أمة الرزاق أنها بداية إيجابية جيدة كون السلطة المحلية أدركت أهمية المبادرة والإسراع إلى ترميم المعالم التاريخية داخل مدينة صعدة القديمة وأبدت جحاف خشيتها أن يتم الترميم بشكل عشوائي ويتم تجاهل الجهات المختصة وبالتالي عدم التركيز على القيمة التاريخية والمعمارية وهذا يحتاج إلى خبرات فنية متخصصة في هذا المجال وبالتالي لا بد وأن تكون الهيئة مشاركة في هذا المشروع.
وتحت إشرافها حتى تم الحفاظ على القيمة التاريخية للمبنى وفي الوقت نفسه استخدام المواد التقليدية المناسبة وبالطرق التقليدية عبر (أساطئة) المدينة من جانبه يقول جتوم أن العمل على تنفيذ توجيهات المحافظ لم يتم بدء الخطوات التنفيذية لها بسبب عدم توفر الدعم اللازم لإقامة هذا المشروع ولازالت الجهات المعنية تبحث عن تمويل من الجهات الداعمة لتنفيذ مشروع ترميم هذين المعلمين التاريخيي0ن البارزين .

قد يعجبك ايضا