ريدان 18 .. وادي مَذاب يتكلم

رغم العدوان..إصدار عدد جديد من مجلة ريدان

عُبَاد بن علي الهَيّال

 

القراء الكرام…

قامت على جانبي وادي مَذاب بالجوف مُدن حضارية كثيرة كان لها ملوكها و تشريعها وتجارتها في بلاد اليمن وكان لها صلات تجارية واجتماعية بشعوب أخر في شمال جزيرة العرب ومصر وغيرها وأبرز دليل ما خلفه المعينيون وغيرهم من حواضر وادي مذاب من نقوش تمثل عقود زواج بنساء من شمال الجزيرة العربية.

وقد عرف الناس من أحوال تلك المدن شيئاً وغابت أشياء، وعُنِي ناسٌ بإظهار شيء من تلك الاحوال (حديثنا هنا عن المساند والزبور لا الإخباريات)،

وها نحن في مجلة “رَيْدان” نقوم بما نراه واجباً علينا بقراءة نقوش أسلافنا ودراسة ما تحمله من دلالات تاريخية واجتماعية..

وها هنا تقدمنا خطوة- وإن كانت خجلى- بالالتفات الى الجانب الفني في نقوش الجوف ومحاولة الوصول الى ما أراده الفنان اليماني القديم من تصوير الإنسان و الحيوان والنبات والزخرفة.. وإننا لنأمل أن تتلوَ هذه الخطوة خطوات أوسع وأعمق.

و أيضا فقد وضع باحثونا قوائم بمُلُوك مُدن وادي مَذاب (ملوك مَعين وملوك نشّان وملوك كمنا…)، منهم من وضع قائمةً طويلة بأسماء الملوك مستفيداً من جهود السابقين ومضيفاً إليهم بما أفاده من نقوشنا ومصححاً قوائم غيره، ومنهم من اقتصر على قائمة بأسماء الملوك ضمن ما درسه من نقوش وحسب،

وفي كلٍ خير، لكننا كنا نرغبُ إليهم بتدارس النقوش التي نُمكّنهم منها جميعهاً ليخرجوا معاً بقائمة موحدة لكل مدينة لا أن يعمل كُلٌ على حِدة، وبوجه أعم فإننا قد نصحناهم أن يثاقفَ بعضُهم بعضاً فيما يكتبونه ل “ريدان”، فيُكمل أحدُهم ما قد يعتري بحث الآخر من نقص، أو يضيف اليه، أو يصححه وليس في هذا غضاضة.

ثم إننا حثثنا باحثينا على أن يتخففوا من أحمال الباحثين الأجانب في دراسة تاريخنا وحضارتنا لأننا نريد أن ننظر إلى حضارتنا بعيوننا لا بعيون الأجانب وأن نقرأ ماضيَنا بعقولنا نحن لا بعقولهم لتجيء كتاباتنا أقرب الى الواقع، وأدنى الى الروح اليمانية .

ثم إننا صرنا نتوجس خيفة من تناول الأجانب- الغربيين خاصة- لنقوشنا وحضارتنا، فليس بعد ما حدث في غَز.ة- وما زال- من إبادة لأهلها وحرق لهم وتجويعهم في صمت مخزٍ من مؤرخي الغرب ومفكريه لا بل إن منهم من يجاهر بتأييده للمعتدين ا.لصهاينة، وتلاشت كل دعوات حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل ومباديء الحرية والمساوة والتسامح واتضح جلياً زيف مدعيها، وخبث منطقهم.

وكان كثير من مثقفينا قد انطلت عليه مباديء أولئك زمناً، ثم ثاب بعضنا إلى الصواب وبعضنا ما زال سادراً في غفلته.(ولا ننسى احتلال الصهاينة لأجزاء عزيزة من القطر السوري وحديثهم عن إ.سرائيل الكبرى)

يأتي هذا العدد وقد أحيا أهل اليمن قاطبةً ذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وآله إحياء لا نعرف له نظيراً عند أمة من أمم الأرض اليوم، لا سيما في زمن اشتدت فيه وطأة ا.ليهود وا.لنصارى على المسلمين خاصة أهلنا في غز.ة التي خذلها الأقربون والأبعدون ما خلا اليمانين الذين نهضوا لمصاولة أمر.يكا وإسر.ائيل مع الفارق الكبير بين قدرات اليمن وأعدائه، وما حرصُ اليمانين على إحياء ذكرى المولد النبوي إلا وسيلةً من وسائل المواجهة مع أعداء الله، ألم يقل علي ابن أبي طالب في صدر الإسلام:

” كنا إذا احمرّ البأسُ اتقينا برسول الله فلم يكن أحد منا أقرب إلى العدو منه”!!

ومع هذه المناسبة ايضا شيّعنا رئيس وزرائنا ورفاقه من الوزراء (تسعة) وبعض موظفي رياسة الوزراء الذين استشهدوا بغارة للعدو الصهيوني على مكان اجتماعهم، ففازوا بالشهادة والحياة الأبدية.

وعشية إصدار هذا العدد الذي بين يديك أغارت طائرات العدو الصهيوني الامر.يكي على مبان ومنشآت مصاقبة لمبنى المتحف الوطني فاستشهد ما يقارب الأربعين نفسا وجرح ما يزيد عن المئة و تضررت مباني المتحف الوطني وما تحويه من قطع أثرية معروضة تضررا بالغا.

أيها القراء الكرام..

إن تناولنا للوقائع التي تنزل بنا هنا في اليمن او في سائر الأقطار العربية او المسلمة لا يخرجنا عن السياق العلمي والثقافي، بل إن ذلك من صميم رسالتنا في “ريدان”، فنحن لا ننبش التأريخ لأجل النبش ولا نقرؤه لتزجية الوقت أو للتكثر بالعلم، كلا..

إننا نرى أن علينا مسؤولية عظيمة ونبيلة بالانحياز لقضايا امتنا؛ فلا خير في علم او ثقافة لا تدفع بصاحبها إلى جانب الحق وأهله.!

ثم إننا لنرجو أن نرى المثقف والمؤرخ في اصطفافه إلى جانب أهل الحق وإن كانوا قلة في مقابل أهل الباطل وإن كانوا كغثاء السيل، ونأمل أن يمتاز المثقف والمؤرخ المسؤول من المثققف والمؤرخ المتربص دعك من المجاهر.

*رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف

قد يعجبك ايضا