مأساة اليمنيين في ثقافة الضم والإقصاء وغياب المواطنة المتساوية


الطائفية السياسية والتطرف الديني وعمق الإقصاء والهيمنة والتوظيف السياسي للدين الإسلامي أسباب رئيسية للأزمات والصراعات والحروب بين اليمنيين.
راهن اليمنيون على ثورة سبتمبر لإنهاء الطائفية السياسية التي هيمنت على الحكم في الشمال 1160 عاماٍ لكن الاستبداد تعمق بثقافة طائفية وبثوب جمهوري.
نجحت ثورة الرابع عشر من أكتوبر 63م بنضال الحركة الوطنية في بناء دولة وطنية موحدة في الجنوب تم وأدها وتصفية مؤسساتها في حرب صيف 1994م وباستدعاء الثأرات السياسية القبلية والمذهبية لما قبل الاستقلال.
مارس حلفاء حرب صيف 94م الإقصاء والتهميش والتخوين والتكفير للهيمنة والاستحواذ على مقدرات الجنوب وثرواته.
بعد انقلاب 5 نوفمبر 67م واتفاق فبراير 1970م تم تصفية وإقصاء القوى التي دافعت عن الثورة والجمهورية في أحداث أغسطس 68م على أساس مذهبي جغرافي وسياسي.
ظلت النخب السياسية والثقافية اليمنية تئن في الغرف المغلقة وتتهرب من مواجهة ومعالجة المشكلة الطائفية السياسية حرصاٍ على الوحدة الوطنية.
لقد نص الإعلان الدستوري لمجلس قيادة الثورة الصادر في 3 أكتوبر 1963م على إزالة الأحقاد بين الزيود والشوافع.. إلا أن الخلل في المعادلة السياسية والوطنية ظل سائداٍ حتى اليوم.
ما حدث في أغسطس 68م عمق الفوارق والامتيازات بين الطبقات وأفرغ ثورة سبتمبر من مضمونها الوطني السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والإنساني.
غياب البرنامج والقيادة الموحدة لانتفاضة 11 فبراير 2011م مكن أصحاب المصالح والنفوذ من احتواء الثورة الشعبية ومصادرتها بل وإفسادها وتهميش وتحجيم شركائهم في الحياة السياسية كموروث لماضيهم الإيديولوجي والسياسي.
تحالف صالح مع الحوثيين كان رغبة مشتركة للطرفين كل له أهدافه.
سقوط صنعاء في 21 سبتمبر 2014م أريد من خلاله فرض واقع وبيئة سياسية واجهته المعلنة أنصار الله والحوثيين لكن إيران وفاعلين إقليميين ودوليين هم من ينفذون ذلك على الأرض اليمنية بأدوات يمنية.
أنصار الله ينبغي أن يستفيدوا من تجارب من سبقوهم ويتوقفوا عن التوسع لفرض بيئتهم السياسية فالتحالفات المريحة لهم اليوم قد تتحول إلى كوابيس وخصومات غداٍ.
بإزاحة الرئيس السابق عن السلطة تحمل الرئيس الانتقالي تركة ثقيلة من الحروب والقضية الجنوبية وبدأت أطراف معينة محاولة فرض الوصاية على السلطة التنفيذية وعلى الرئيس التوافقي وقراراته لما يخدم أهدافها ومصالحها.
منذ تولي الرئيس هادي السلطة وهو يواجه مصاعب جمة وحملة إعلامية وابتزازاٍ سياسياٍ وعدم رضى من مركز سياسي هيمن على السلطة وأذكى الطائفية في حروب يمنية متتالية عبر تحالفات مختلفة بينما كان البعض يريد أن يحول هادي إلى واجهة وجسر عبور للمحافظة على المصالح من جهة وعلى سلطة اعتبرها البعض كحق إلهي.
الرئيس هادي عند انتخابه لاقى دعماٍ شعبياٍ كبيراٍ كما حظي بدعم المجتمع الإقليمي والدولي لمكافحة الإرهاب وتأمين التسوية السياسية لكن الرجل أدار السلطة بطريقته وبرؤيته وحساباته وتقديراته الخاصة مراعاة للتوازنات على الأرض وبدون أدوات عملية مجربة تساعده.
انتقل صراع وتربص مراكز القوى إلى داخل حكومة الوفاق الوطني معظم أعضائها يفتقد إلى المهنية والخبرة الاقتصادية وتمكنت مراكز القوى القبلية والعسكرية في تمرير بعض من مصالحها.
برزت المأساة والمشكلة داخل الشعوب العربية والإسلامية ومنها اليمن عندما نشأت المذاهب والطوائف فأفرزت التعصب والتطرف وأنتجت الصراعات وتم توظيف الدين الإسلامي الحنيف والمذهبية والطائفية السياسية للظفر بالسلطة .. هذا التعصب والتوظيف السياسي أدى إلى التفكك ومكن الآخرين من السيطرة على أراضي وثروات الشعوب العربية والإسلامية وسلبهم حقهم وأبقاهم مسلوبي الإرادة يعانون من الفقر والتخلف والبطالة والاعتماد على ما تنتجه مصانعهم وبلدانهم وعلى حمايتهم لهم في الوقت الذي ظلوا غارقين في الصراعات والاقتتال والفتاوى وتوظيف ثروات الشعوب العربية والإسلامية ضد بعضهم تشرد أبناؤهم وعلماؤهم في مشارق الأرض ومغاربها مجندين ضد مصالحهم وضد بعضهم ما يحدث اليوم ومنذ سنوات في الصومال وليبيا وسوريا والعراق واليمن ولبنان ومصر وما حدث في الجزائر من سقوط لملايين الضحايا من البشر تطحنهم أسلحة الموت بكل تبعاتها ونتائجها الثقافية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية بما فيها تدمير البنى التحتية ونهب الثروات وغيرها من التبعات اللاحقة هو امتداد لكل ذلك.
من هنا يمكن القول: إن حقيقة وجوهر المشكلة الرئيسية تكمن في التطرف السياسي الطائفي الإقصائي للآخر والتوظيف الديني والمذهبي لمصالح سياسية واقتصادية وثقافية واحتكار السلطة والثروة هذه مشكلة مزمنة عمرها 1160 سنة أي منذ العام 352-1382 هجرية وحتى اليوم.
ثورة 26 سبتمبر 62 وسقوط الإمامة
سقط نظام الإمامة بثورة 26 سبتمبر 62م الموافق 1382هـ وظلت الطائفية السياسية كثقافة سياسية إقصائية توظفها السلطات المتتالية لخدمة مصالحها السياسية والاقتصادية ومع غزو الفكر الوهابي الحنبلي السلفي المتطرف عام 1882م انتشر في اليمن وتعمقت المشكلة وكلا الفكرتين قدمتا إلى اليمن من خارجها فالأولى زرعت الطائفية السياسية والإقصائية والثانية غرست التطرف الديني السلفي المتشدد وكلاهما وظفا الدين الإسلامي الحنيف لأهداف ومصالح سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية مع أن التعايش المذهبي ظل سائداٍ بين اليمنيين إلا أن مشكلة الإقصاء للآخر وغياب المواطنة المتساوية والتوظيف السياسي للمذهبية والطائفية بقيت سبباٍ رئيسياٍ في إنتاج الأزمات والصراعات والحروب الداخلية المتواصلة بين اليمنيين .. هيمنت السلطة في شمال البلاد من خلال سيطرة مركز سياسي استحوذ على السلطات المختلفة وعلى القرار السياسي والثروة والمال العام وأدوات القمع الأمنية والدفاعية وعلى السلطة القضائية وثورات الحكم طيلة «1160» عاماٍ وفرض على الشعب اليمني بيئة سياسية وثقافية وإدارية استبدادية سيئة وخاصة على مواطني وسكان الوسط والجنوب الذين عملوا كرعية ومواطنين من الدرجة الثانية رغم أن نسبة السكان لهذه المناطق الخصبة تشكل 75% تقريباٍ من إجمالي سكان اليمن إضافة إلى ما تشكله من ثروات ومساحة جغرافية ممتدة تطل على موانئ بحرية وبرية بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي على الممرات الدولية وامتلاكها لخبرات بشرية مؤهلة كما فرضت عزلة سياسية خارجية على اليمن وكان الأمل يحدو كل اليمنيين الذين ظلوا متعايشين مذهبياٍ على أرض الواقع زيود وشوافع سنة وشيعة في الشمال والوسط والجنوب .. إن القضاء على نظام الإمامة الإقصائي المتخلف والمستبد يمكن أن يقضي على هيمنة وثقافة الإقصاء الطائفية والاستبداد وينهي المركزية الشديدة بالقيام بثورة «26» سبتمبر 1962م لتصحيح هذا الخلل العميق لكن ذلك لم يحدث فقد تعمقت المشكلة أكثر وأخذ تنفيذها لباساٍ جمهورياٍ بجذرها السياسي والثقافي القبلي المذهبي الذي تم توظيفه وتطويعه لمصالح سياسية واقتصادية منذ أحداث أغسطس عام 1968.
استقلال الجنوب
أما جنوب اليمن فقد ظل مجزءاٍ إلى سلطنات ومشيخات وإمارات ثم وقع تحت حكم الاستعمار البريطاني لفترة طويلة (129) عاماٍ ونال استقلاله الوطني في 30 نوفمبر 1967م بعد ثورة شعبية مسلحة وحدته من أقصى مناطق حوف في محافظة المهرة حتى جزيرة سقطرى وباب المندب بجزره المختلفة واستمر موحداٍ أرضاٍ وإنساناٍ متعايشاٍ مع بعضه بفضل نضال الحركة الوطنية والعمالية ودولة النظام والقانون التي قامت على كافة أراضيه رغم التركة الاستعمارية الثقيلة وما خلفته من فقر وتخلف اجتماعي وتعليمي وثقافي وما حدث من خلافات وصراعات لكنه ظل متماسكاٍ موحداٍ ومدافعاٍ عن استقلاله وسيادته الوطنية يناضل من أجل التقدم والعدالة الاجتماعية تقوده دولة مدنية لكل أبنائه لم يفرط بشبر واحد من أراضيه حتى تاريخ 22 مايو 1990م حيث تمكنت الدولة وبتعاون الشعب ودعمه وبقوة القانون تمكنت دولة اليمن الديمقراطية من القضاء على الثارات القبلية ولم تقع أي حادثة ثأر قبلي منذ الاستقلال حتى يوم تحقيق الوحدة اليمنية في 22مايو 1990م. … فكان من منجزات حلفاء حرب صيف1994م المنتصرون عسكريا على الجنوب عملوا على استدعاء الماضي بخصوماته وثقافاته المختلفة, سلطة 7/7/1994.م الثارات السياسية والقبلية والمذهبية ونبشت وأحيت كل ما هو سيئ في الموروث السياسي والاجتماعي ورافق ذلك حل مؤسسات وأجهزة الدولة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية المدنية والعسكرية واستحوذ المنتصرون عسكريا على كافة المؤسسات والعقارات والأراضي والثروة وتم إلغاء القوانين المدنية الضامنة لحقوق المواطن والأسرة والمرأة والمنظمات الجماهيرية, ومورس الإقصاء والتهميش والتكفير والتخوين وتم توظيف الدين لمصالح سياسية فحدثت مظالم لا تحصى, وتم إلحاق الجنوب بعقلية وثقافة المركز المقدس وبمواطني وسكان الوسط الذين أصبحوا (درجة ثالثة).
جوهر المشكلة
إن هذا الوضع وهذا الخلل السياسي والحقوقي الكارثي القائم على ثقافة الاقصاء والمواطنة غير المتساوية هو جوهر وأساس المشكلة القائمة اليوم في اليمن, فرفض القوى المختلفة وأصحاب المصالح لدولة القانون المدنية الديمقراطية الحديثة والعادلة ظل مشكلة مزمنة متوارثة عبر المراحل والأجيال المتعاقبة عمقتها الإمامة ثقافيا ودينيا واجتماعيا وطبقيا وسياسيا وتم توظيفها وممارستها بشكل سياسي بعد أن تم تصفية كافة القوى المدنية الجديدة التي دافعت عن النظام الجمهوري وثورة 26سبتمبر 1962م تمت التصفية على أساس الجغرافيا المذهبية والتوجهات السياسية والحزبية وبثوب جمهوري, رغم أن النضال ضد الإمامة والملكية كان مشتركا والتعايش المذهبي ظل قائماٍ بين المظلومين اليمنيين من أقصى مناطق وقرى شمال اليمن إلى أقصى جنوبه جيلاٍ بعد آخر, إلا أن ماحدث من سياسات وممارسات وتصفيات إقصائية ولد الغبن ورسخ الأنين الذي ظل جاثما في نفوس الغالبية العظمى نتيجة المظالم واحتكار السلطة والثروة وما تم ممارسته من إقصاء.
الإعلان الدستوري
لقد ظلت النخب من السياسيين والمثقفين وقيادات الأحزاب بمختلف مشاربهم وتحت شعار الحرص على الوحدة الوطنية يئنون في الغرف المغلقة ويتهربون من الاعتراف الصريح الواضح والعلني بالمشكلة كحقيقة قائمة وتسميتها باسمها, ظلوا يتهربون من المناقشة المسؤولة الجادة والصريحة التي تساعد على إيجاد المخارج والحلول العملية العادلة التي تؤدي لوحدة وطنية صحيحة ثابتة ودائمة قابلة للحياة مبنية على المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات والعدالة الاجتماعية والتعايش والتكافل الاجتماعي, قيادة ثورة 26سبتمبر 62م. كانت قد وقفت أمام المشكلة بنص صريح في الإعلان الدستوري المؤقت الصادر في (3) أكتوبر 1963م الذي أصدره مجلس قيادة الثورة وقدم اعترافا صريحا بالمشكلة دون تردد لكنه لم يضع التفاصيل والمخارج العملية بحكم الأوضاع التي سادت مباشرة بعد قيام الثورة وما تعرضت له الثورة والجمهورية من تدمير عسكري وحصار وتآمر داخلي مدعوم إقليميا من عدد الأنظمة العربية وإيران وبريطانيا بشكل خاص, أفرغت ثورة سبتمبر من أهدافها ومضمونها الوطني والسياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي.
لقد نص الإعلان الدستوري لمجلس قيادة الثورة في الفقرة (3-على إزالة الأحقاد بين الزيود والشوافع) إلا أن هذا الخلل في المعادلة السياسية والوطنية ظل سائدا حتى اليوم, حكم مركزي إقصائي مقدس ومتوارث ومنتج للأزمات والصراعات والحروب الداخلية على السلطة بما في ذلك الصراع في إطار الطائفة والسلالة والمذهب نفسه بل وداخل الأسرة.
إن سيطرة طائفة أو فئة أو أسرة على السلطة والقرار السياسي ومصادر الثروة والمال العام والوظيفة العامة والمؤسسات الأمنية والدفاعية دليل قاطع على غياب المواطنة المتساوية والشراكة الوطنية وتجاوز مصالح وحقوق المواطن واستمرار غياب الاستقرار والوحدة الوطنية واستمرار الفساد والمظالم والأزمات والصراعات والحروب الداخلية والكوارث المتلاحقة كي تبقى وتظل يمن (اللادولة).
الحنين لثقافة الماضي
قد يقول البعض إن هناك أشياء تحققت خلال المرحلة الماضية ولكن ومن وجهة نظري الشخصية ما تحقق خلال الفترة الزمنية منذ العام 1962م وحتى اليوم يعتبر قشوراٍ مقارنة بالفترة الزمنية فعندما نقف ونراجع ما حدث نتيجة الأزمات والصراعات والحروب والتصفيات الداخلية من خسائر بشرية واقتصادية وما خلفته نتائجها من آثار سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية سيئة وضياع للوقت والفرص المختلفة إضافة إلى ما تم نهبه من ثروات وأموال وممتلكات الشعب من قبل أفراد وقوى النفوذ المهيمنة, ومقارنة ذلك مع ما حدث من حولنا من نهضة وتطور كبير نتيجة للاستقرار الأمني والسياسي, نجد أنه لم يحدث أي تغيير جوهري اقتصادي وثقافي واجتماعي ومعرفي في حياة ووعي الناس ومواقفهم وسلوكهم , بل العكس تدهورت القيم الإنسانية وأعيد الناس خلال العقود الثلاث الماضية في ثقافتهم وممارساتهم إلى الوراء وبرزت ثقافة الكراهية خلال الـ33 عاماٍ الماضية لم تشهد اليمن مثيلا لها ظلت المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية مجرد شعارات وأحلام وخطابات للاستهلاك والدعاية الانتخابية, أما الحقوق السياسية والمدنية والثروة والحكم بقيت محصورة ومسيطر عليها بيد أسرة وفئة صغيرة من الناس استأثروا وأثروا على حساب 97% من السكان وبقيت حقوق المرأة ضائعة, وارتفعت أعداد الفقراء ونسبة البطالة والأسعار وتدهورت الخدمات وزاد النمو السكاني, وأهدرت القيم , وانتشرت تجارة السلاح والمخدرات والفساد والإرهاب, وجرى توظيف سياسي لبعض المثقفين لخدمة المصالح المختلفة للحكام تارة بالترغيب وتارة أخرى بالترهيب والقمع.
وبالتأكيد هناك عدد من العوامل الداخلية والإقليمية أسهمت ولعبت دورها الفاعل والمؤثر في توظيف التناقضات والخلافات الداخلية المختلفة بما يخدم استراتيجيتها وأجندتها ومصالحها لكن يظل العامل الداخلي هو الأساس.
مصادرة واحتواء الثورة
يمكن القول بكل وضوح وصدق مع النفس أن ثورة 26سبتمبر 1962م. تم احتواؤها ومصادرتها من خلال ما حدث من تصفيات متتالية للقوى المدنية العسكرية التي دافعت عنها والتي بدأ تنفيذها في أغسطس 1968م.
وبالتالي فإن ماحدث من اجتياح درامي في 21سبتمبر 2014م. يعطينا إجابة بدلائل وصور واضحة أن أهداف ثورة 26سبتمبر لم تر النور … فلا تم (بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها) كما ورد في أهداف ثورة 26سبتمبر .. لأن ماتم بناؤه هو جيش لحماية الحاكم وأسرته ومصالحهم.
التجنيد الإجباري كخدمة وطنية إلزامية تم تعليقه وتجميده منذ سنوات لأسباب واضحة ومعروفة للجميع لأن الممسكين بزمام السلطة لا يريدون بناء جيش وطني, لذا لا أريد الدخول والحديث عن العقيدة العسكرية ولا عن كيف يتم اختيار المنتسبين والتجنيد للمؤسسات العسكرية, ونوعية ومستوى التدريب وحقوق الجنود والضباط ولا كيف تتم الترقيات, ولا الحديث عن العتاد العسكري¿ ولا قوام القوة المسلحة الفعلية لدى وزارة الدفاع أو الداخلية وفقاٍ للموازنة المعتمدة بقانون الموازنة¿ لكن يمكن وضع سؤال كم كان العدد الحقيقي الفعلي الموجود من الجنود والضباط جيشاٍ وأمناٍ في عمران قبل سقوطها¿ وهل كان سقوط عمران نتيجة قوة الطرف المهاجم وتفوقه بشريا وعتادا أم أن الفساد والأرقام الوهمية ونهب حقوق المنتسبين للقوات المسلحة والسياسة الخاطئة والظلم الطاغي في المؤسسة العسكرية كان هو سبباٍ رئيسياٍ للهزيمة¿ فالإجابة مهمة ومسؤولية مناطة بقيادة وزارة الدفاع والدولة والحكومة ومجلس الدفاع الوطني.
وبالعودة لأهداف ثورة سبتمبر التي أكدت على (إزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات) .. لكن هل أزيلت حتى نسبة معينة من تلك الفوارق ¿ وهل (رفع مستوى الشعب اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا) ¿ وهل تم (إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل)¿ وهل تحققت الوحدة الوطنية)¿ أما في الجنوب فإن المنتصرين في حرب صيف 1994م. عملوا كل ما في وسعهم على تصفية منجزات ثورة 14أكتوبر 1963م. ونظامها ومؤسساتها المدنية والعسكرية وكل الحقوق والمكتسبات التي حصل عليها المواطن في الجنوب من الخدمات العامة (الصحة والتعليم والأمن والسكن .. الخ).
أما انتفاضة الشباب والشعب اليمني التي انطلقت في 11فبراير 2011م. تم احتواؤها نتيجة لغياب البرنامج والآلية والقيادة الموحدة التي تقود الانتفاضة الشعبية والرؤى داخل تكتل المشترك بكل تناقضاته مكن أصحاب المصالح والنفوذ وقوى الفساد وبعض الأطراف من احتواء ثورة الشباب وتجييرها وتوظيفها واختلاسها ثم مصادرتها لمصالحهم الحزبية والسياسية والتجارية لم يكتفوا بذلك بل إنهم عملوا على إفسادها وعلى تهميش وتحجيم وإقصاء الأطراف الأخرى الذين شاركوا من الشباب والمرأة والكتاب والمثقفين المستقلين غير المنتمين حزبياٍ وكذلك على بعض شركائهم , تحالفوا مع أطراف أخرى كعادتهم للخروج عن القضايا المقرة في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني سواء فيما يتعلق بالضمانات أو شكل الدولة .. لم يستطيعوا تجاوز ماضيهم الإيديولوجي والسياسي, فمارسوا نفس السياسة التي مارسها المنتصرون بعد حرب صيف 94م, في الجنوب تصرفوا بتعالُ وأقصوا قيادات صدرت بهم قرارات جمهورية ووزارية مستخدمين نفوذهم وسلطتهم, عرقلوا عدداٍ من القرارات بحق كوادر وطنية مستحقة وأبقوا ترشيحاتهم في الأدراج وضايقوا من صدرت بهم قرارات , هذا الغرور والتكبر والعجرفة والتعالي السياسي تزامن مع ممارسة التخوين والتفكير ضد عدد من شباب وشابات الانتفاضة الشعبية ومن لون وجغرافيا محددة كل هذا أدى في الأخير إلى وصول الأوضاع الأمنية, والسياسية إلى ما وصلت إليه من سقوط درامي في 21 سبتمبر 2014م. وفرض واقع سياسي آخر لازال حتى اللحظة.
واجهته المعلنة أنصار الله (الحوثيين) ومن خلفهم خارجياٍ إيران كما صرح بذلك علي أكبر ولايتي وزير الخارجية الإيراني الأسبق في 18/10/2014م مبقياٍ اللاعبين الأساسيين الذين ظلوا يعملون من وراء الستار متربصين يسعون للثأر مهما كانت النتائج.. ولذلك اليمن اليوم هي تحت الوصاية الدولية بموجب قرارات مجلس الأمن (تحت البند السابع) الذي ترك الحبل على الغارب للاعبين يفعلون بها ما يحلو لهم.
على المظلوم بالأمس أن لا يكون ظالماٍ اليوم.. وعلى أنصار الله أن يستفيدوا من تجارب من سبقوهم لأن استمرارهم في التوسع لفرض آرائهم ومواقفهم, وأجنداتهم وبيئتهم السياسية بالقوة وكبت ومصادرة الحقوق والحريات وممارسة الإقصاء والتهميش على الآخرين والقفز على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني والشراكة الوطنية فإن مستقبلهم سيكون كمن سبقهم فالإمامة حكمت ألف ومائة سنة لكنها سقطت ولن تعود وعلي عبدالله حكم 33 سنة وخلع نفسه بتوقيعه على المبادرة الخليجية وغادر السلطة وأصبح من الماضي.
فالتحالف وإن أجدى في فترة من الفترات لكن ستأتي فترة يتحول إلى كابوس ثم خصومة كما أن الاعتماد على الدعم السياسي والمادي الخارجي قد يساعد لفترة لكنه لا يدوم لأنه مرهون بمصالح وفي نفس الوقت لن يكون بديلاٍ أو أقوى من إرادة الشعوب.
انتقال السلطة للرئيس هادي:
التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب اليمني طيلة المرحلة الماضية كان آخرها ما قدمه في نضاله السياسي وحراكه السلمي في الجنوب منذ العام 2006م وانتفاضة 11 فبراير 2011م من شهداء ومعاقين وجرحى من الشباب والمرأة والشيوخ والأطفال أدت إلى وقف التمديد والتوريث وإزاحة الرئيس السابق علي عبدالله صالح من السلطة في 23 نوفمبر 2011م بتوقيعه على المبادرة الخليجية وبحضور إقليمي ودولي في الرياض برعاية الملك عبدالله بن عبدالعزيز والتوافق على الأخ عبدربه منصور هادي رئيساٍ توافقياٍ.
مباشرة التوقيع على المبادرة الخليجية برزت بعض الأطراف المتصارعة على المصالح والسلطة كأنها كانت تنتظر بفارغ الصبر مثل هذه اللحظة معروف أن الاحتكاك والخلاف كان قد بدأ بين حلفاء حرب صيف 1994م على السلطة والمصالح بعد انقضاء شهر العسل ثم تطور الخلاف في الانتخابات النيابية عام 1997م بعد تمكنهم من السيطرة على الجنوب واتفقوا على تصفية مؤسسات دولة الجنوب وتقاسم الأرض والثروة والوظيفة العامة وعلى التعديل الأول لــ(70%) من مواد الدستور في أكتوبر 1994م ثم التعديل الثاني للدستور في 2001م وجرى التمديد للرئيس صالح فترة رئاسية أخرى تلتها تبني فترة التوريث للحكم لكنها كانت من طرف واحد فسرعان ما تصاعد الخلاف على المصالح والقرار السياسي والتوريث واشتد الخلاف في الانتخابات البرلمانية عام 2003م كما تشير اللد سائل المتبادلة بينهم فتركوا قضايا الشعب ومصالحه وتناسوا أن هناك نتائج وآثاراٍ سياسية وحقوقية واقتصادية ومآسي نتيجة حربهم على الجنوب في صيف 1994م وما أحدثته من أضرار الوطنية مثلما رفضوا الحوار حول إصلاح مسار الوحدة رفضوا المصالحة الوطنية واستمر الصراع بينهم على السلطة والثروة وتقاسم المصالح وتعمقت معاناة الشعب وانتشر الفساد والبطالة وزادت المظالم وممارسة الإقصاء والتهميش ضد أبناء الجنوب بشكل خاص واليمنيين بشكل عام وفجأة انفجرت أزمة جديدة وحرب صعدة الأولى في يونيو 2004م فوصلت إلى ست حروب متتالية توقفت عام 2010م بكل ما تركته من مآسُ وأضرار.
بإزاحة الرئيس السابق عن السلطة.. انتقلت نتائج الأحداث والأفعال والحروب التي حدثت خلال فترة حكمه وفي مقدمتها حرب صيف 1994م وما حدث من سياسات وممارسات ومظالم نتج عنها انطلاق الحراك السياسي السلمي في 7يوليو 2007م وتم مواجهته بعنف مفرط من قبل أجهزة السلطة القمعية (كانت أكثرها دموية ما حدث يوم 16/2/2011م في عدن وسقط فيها(19) شهيداٍ و(124) جريحاٍ وأحداث 25/2/2011م سقط فيها عدد من الشهداء كما حدثت العديد من الأحداث المماثلة في عدد من محافظات الجنوب تلتها مجزرة جمعة الكرامة في ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء 18/3/2011م ومحرقة 29 مايو 2011م في مدينة تعز وأرحب وغيرها من الأحداث كل ذلك أعتبر صالح هو المسؤول الأول عنها لأن السلطات كانت بيده ثم أتى حادث جامع الرئاسة الذي استهدف فيه الرئيس السابق صالح في 3 يونيو 2011م وسقط عدد من الشهداء والجرحى وتتالت الأحداث الدامية وغيرها من الأفعال فتركت جراحات عميقة وظلت تشد الأطراف المتصارعة على السلطة لعملية الانتقام والثأر السياسي كل ذلك أسهم في عرقلة تنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وأعاق أي تقدم نحو المستقبل وظل استغراق البعض وطموح البعض الآخر في الانفراد بالسلطة والسعي الحثيث في العودة إليها بأي ثمن من أبرز المشكلات.
أبرز المعوقات
بعد التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية بدأت أطراف معينة محاولة فرض الوصاية على السلطة التنفيذية وعلى الرئيس التوافقي وقراراته لما يخدم أهدافها ومصالحها وتركوا شباب الثورة من شهداء وجرحى ومخفيين ومعتقلين يعانون مثلما تركوا الموضوعات الأساسية وفي مقدمتها إزاحة الفاسدين وإصلاح وتغيير النظام فاتجه كل طرف يضغط بطريقته وبخطابه السياسي والإعلامي لفرض أجندته أراد بعضهم أن يقول للرئيس التوافقي أنه لولاه لما كان رئيساٍ ومورست حملات سياسية وإعلامية تجاوز بعضها آداب التخاطب ومورست ضغوط وابتزاز وحصار كل له أهدافه الخاصة وهناك من أراد أن يكون رئيساٍ مكرراٍ إلى أن يأتي الوقت المناسب وآخر من لم يكن يقبل أصلاٍ بأن يأتيه رئيس من طائفة أو مذهب آخر بعد هيمنة مركز سياسي دام (1160) عاماٍ على هذا الموقع وهذا ما بدأ واضحاٍ من خلال التحالفات التي برزت والحروب الدائرة اليوم التي تذكي الطائفية بين أبناء الوطنهناك من أراد أن تكون فترة رئاسة عبدربه منصور هادي مجرد جسر عبور وكأن هذا الموقع حقاٍ إلهياٍ تاريخيا مقدساٍ محصوراٍ على طائفة ومذهب وجغرافيا محددة.
المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي كان لهم موقف آخر هو دعم الرئيس عبدربه منصور هادي والتعاون معه حول مكافحة الإرهاب والمرور بالتسوية إلى بر الأمان بما يحفظ مصالحهم بينما ظل الرئيس التوافقي كما يبدو له رؤيته الخاصة في عملية إدارة السلطة.. عمل هو الآخر على السير وفقاٍ لرؤيته وأسلوبه مراعياٍ الوضع وميزان القوى على الأرض ما لم يكن يستند على فريق سياسي اقتصادي وعقل جماعي يساعده في إدارة العملية السياسية وفقاٍ للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وعلى تنفيذ نتائج مخرجات مؤتمر الحوار ظل في موقف دفاع لأنه أتى على جهاز ليس له نفوذ عليه ويعتمد على جهاز سياسي وإداري خبرات أعضائه متواضعة وعلى بعض من أدوات سلفه المتربص به وعلى الدعم السياسي الإقليمي والدولي في ظل مؤسسات أمنية وعسكرية تدين بالولاء لغيره.
فالقوات المسلحة والحرس الجمهوري والأجهزة الأمنية تم بناؤها على أساس الولاء الشخصي والعائلي والقبلي والمصالح الشخصية وحصر منتسبيها على محافظات معينة لهذا كان نفوذ الرئيس هادي على هذه المؤسسات محدوداٍ جداٍ لأن معظم أفرادها يدين بالولاء للرئيس السابق ونجله وهذا هو حال السلطة التشريعية (مجلس النواب(80%) من أعضاء المجلس ينتمون لحزب المؤتمر الشعبي العام) وشارك الرئيس السابق في ترشيحهم للانتخابات البرلمانية في 27 ابريل 2003م وانتهت فترة المجلس الدستورية عام 2009م وهنا تكمن المشكلة للرئيس عبدربه.
غياب المؤسسات الوطنية
الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي ظل 18 عاماٍ نائب للرئيس السابق وكان مجرد واجهة بلا مهام أو صلاحيات ولم تتح له الفرصة ليكون شريكاٍ في السلطة لم تكن هناك مؤسسات لدولة وطنية وفي نفس الوقت لم يكن له مركز نفوذ مثل الآخرين أي أنه ليس له «أنياب ومخالب» كما يقول المثل فالمؤسسات الأمنية والدفاعية وغيرها موزعة الولاءات على مراكز قوى خارج نفوذه وهناك مليشيات مسلحة أخرى تتبع أفراد وأحزاب وشيوخ قبائل وتملك أسلحة ثقيلة ومتوسطة وخفيفة ويتواجد حوله كرئيس توافقي مراكز وقوى الفساد وأصحاب المصالح وذئاب السلطة من منافقين وانتهازيين من كل اتجاه بمالهم وسلاحهم وقبائلهم عمل بعضهم كل ما في وسعهم ومنذ الوهلة الأولى على أن يكون مجرد رهينة يبتزونه ليصفوا حساباتهم مع الآخرين بوجودهيعملون على تعزيز تواجدهم ومواقعهم في السلطة بواسطته ورافق ذلك تصاعد عمليات إرهاب واغتيالات واسعة جداٍ طالت المئات من العسكريين والمدنيين الأبرياء لا ذنب لهم وجرى تدمير للممتلكات والمؤسسات وللعملية السياسية برمتها ولعبت أطراف عدة من ذوي المصالح المتصارعة على الحكم وقوى الفساد دورها بعضها بأدوات وإمكانيات السلطة.
معضلة حكومة الوفاق
تم تشكيل حكومة الوفاق الوطني برئاسة الأخ محمد سالم باسندوة حمل التشكيل فشله منذ اللحظة الأولى تشكلت حكومة غير مهنية لم يكن فيها شخصاٍ اقتصادياٍ واحداٍ بما فيها وزارات (المالية والتجارة والصناعة والتخطيط) فقد غابت المعايير والأسس عند تشكيلها كما تم استئثار حزبي المؤتمر والإصلاح بالحكومة وظل كل منهم متربصاٍ بالآخر نقلوا خلافاتهم وصراعاتهم إلى الحكومة مما أدى إلى شلل لعمل الحكومة ونشاطها بعض الأطراف بعد تشكيل الحكومة ركزت على متابعة الأحداث والسير خلفها لم يكن للمشترك كتكتل أي دور إيجابي رقابي بعد تشكيل الحكومة أو تأثير على مجرى التطورات والأحداث انحصر الأمر في متابعة القضايا ذات المصالح السياسية أو الخاصة هناك مؤسسات واجهزة لم يكن للحكومة علاقة بها من جهة أخرى تحول وجود البعض في مجلس الوزراء كغطاء لتمرير مصالح لأطراف أخرى الأطراف المختلفة ظل كل منهم يحرض ويعطل ضد الطرف الآخر على حساب قضايا الناس عدد من القضايا الأساسية لم يتوافقوا عليها هناك العديد من الإجراءات تمت لم تكن مبنية على الشفافية ورؤى واضحة ودراسة وافية وتوقيت مناسب لاتخاذها بما في ذلك رفع الدعم عن المشتقات النفطية وكيف يمكن توظيف ما ستحصل عليه الحكومة جراء القرار¿ وما هي الإجراءات والإصلاحات السياسية والاقتصادية التي ينبغي أن تتخذ وأن تكون إما في مقدمة القرار أو مرافقة وفي المقدمة هيكل الأجور والمرتبات والأسعار.
الاستحواذ على الوظيفة العامة
لقد شكلت مراكز القوى وعلى وجه الخصوص العسكرية والقبلية منذ اللحظة الأولى عوامل كابحة للسلطة التنفيذية وحجر عثرة أمام أي تغييرات جوهرية في النظام السياسي مارست ضغوطات متعددة ومختلفة في هذا الاتجاه وتصرف البعض بأدوات السلطة وإمكانياتها لتهيئة الملعب لأنفسهم ليكونوا البديل بعد ضمانهم إزاحة الرموز القيادية للنظام السابق كما فعل المنتصرون بعد حرب صيف 94م ضد الجنوب والجنوبيين ومحاولة توظيف بعض الأطراف السياسية الأخرى لما يخدم مصالحهم وأجندتهم مع الاحتفاظ والإبقاء على مؤسسات النظام الذين أسهموا في بنائه والمتواجدين في معظم مؤسساته مارس هذا الطرف سياسة التهميش وشكل ضغوطاٍ متعددة على مواقع القرار من أجل الاستحواذ على الوظيفة العامة امتدادا للسياسات وللثقافة نفسها « تهميش ضم وإقصاء لكفاءات وطنية مستقلة» تحت عنوان الحزب الأكبر مع أن الوظيفة العامة ليس لها علاقة سواءٍ كان حزباٍ صغيراٍ أو كبيراٍ فحزب الأغلبية المنتخب دائما ينحصر حقه السياسي بالوظائف السياسية فقط من نائب وزير حتى رئيس الوزراء ووفقاٍ لمعايير وطنية وأسس مهنية خلال العامين والنصف حدث استحواذ على الوظيفة العامة على حساب الكفاءات والمعايير.
الهيكلة وتدوير المواقع
الضغوطات التي مورست على مواقع إصدار القرارات قابلها الحسابات المبالغ فيها والتي لم تكن موفقة فالتردد في اتخاذ القرارات الاستراتيجية للإصلاح والتغيير أعطت فرصاٍ لمن لا يريد التغيير رغم الهيكلة التي حدثت في المؤسسات العسكرية (الدفاع والأمن) معظمها كانت تدوير للمواقع لم يحدث أي تغيير في مراكز مكافحة الفساد الجاثمة على مفاصل السلطة ومؤسساتها وذلك ناتج للمعارضة ولغياب أدوات التنفيذ لدى السلطة التنفيذية وشكل التنافر والتربص الدائم عنواناٍ رئيسياٍ وعدم الوقوف أمام وضع الحلول العملية لمشكلات دائمة أدى إلى شل فعالية الحكومة ومؤسساتها حيث لم تتمكن بمؤسساتها المختلفة من جهة والألغام التي تزرع يومياٍ للرئاسة والحكومة من خارجها لإفشالها من جهة أخرى…وعدم إتاحة الفرص للشباب وإشراكهم في معركة التغيير كل ذلك أثر على الإرادة السياسة وبقي القرار السياسي أسيراٍ ورهينة بيد مراكز القوى وأصحاب المصالح المتصارعة على السلطة منذ العام 1997م.
مؤسسات فاقدة للشرعية
إن بقاء السلطة التشريعية المنتخبة عام 2003م والمنتهية صلاحياتها في 27 ابريل عام 2009م حيث وصل عمر مجلس النواب الحالي 11 عاماٍ وبقى هو السلطة المشرعة بدون انتخاب وكذلك الحال لكل المجالس والسلطات المحلية للمحافظات لم يحدث أي تغيير فيها.
فرض حصار على أطراف سياسية وطنية حزبية وشبابية مستقلة وتم ممارسة الإرهاب الفكري والسياسي وصدرت فتاوى التكفير والتخوين في حق عدد من الناشطات وشباب الثورة هذا الخطاب السياسي التحريضي الذي يخاطب مشاعر الناس وليس عقولهم تم استخدامه وتوظيفه لغايات ولأهداف هي في حقيقتها ضد مصالح الناس أنفسهم وتخدم في الأخير مصالح قوى وأفراد وتيارات سياسية متطرفة تمكنت من توظيف المال العام والسلطة والعلاقات الخارجية لنفس الغايات والأهداف وهي نفس السياسة التي تم ممارستها خلال العقود الماضية.
الاستقطاب الإقليمي الطائفي
لقد تم استغلال وتوظيف الموروث الثقافي السلبي بأبشع صوره من عصبية.. تخلف وفقر وأمية وتدنُ في مستويات التعليم والمعرفة وحاجات الناس الأساسية قاد هذا الخطاب السياسي والإعلامي الوبائي إلى القفز على العديد من القضايا الأساسية وإلى التخلص التدريجي من صراعات الماضي السياسية والقبلية وحل مرضي وعادل للقضايا الداخلية الوطنية
ومنها القضية الجنوبية ومشكلة صعدة وإلى تجاهل مشكلات سياسية وحقوقية فكانت من نتائجها شن ست حروب متتالية لم يحسب أن هناك تنافساٍ وصراعاٍ إقليمياٍ يدور في المنطقة وأن هناك استقطابات سياسية ومذهبية وطائفية يتم توظيفها ليس في اليمن فحسب وإنما في المنطقة العربية بكاملها واليمن واحدة منها يوظفها ويستخدمها المتصارعون داخل أرض اليمن بما يخدم أجندتهم ومصالحم يتم التجنيد والنشاط بين الخصوم المتصارعين على أساسهاهذا التوظيف أدى إلى زرع الأحقاد والكراهية بين أبناء الوطن وساعد ذلك على تدهور في القيم وغياب تام للتربية السياسية والبرامج الثقافية والحوارات وحلقات النقاش بما في ذلك داخل الأحزاب ووسط أعضائها ومع منظمات المجتمع المدني.
مارست أطراف عدة ضغوطات سياسية كلا بطريقته وأساليبه على السلطة التنفيذية مستغلة نفوذها وهيمنتها على المؤسسات العسكرية والأمنية ذات التركيبة الأسرية المنحصر ولاؤها العائلي لرموز معينة في النظام كان قد تفنن في بنائها خلال 33 عاما فتمت ممارسة الإرهاب وسياسة الضغط والترهيب والتخريب والإعاقة لأي تغيير فعلي حقيقي.
لقد جرى تحايل على تنفيذ النقاط العشرين التي تم اقرارها في مؤتمر الحوار الوطني وفي كل الهيئات والمؤسسات المعنية واللجان وصدرت قرارات وتوجيهات رئاسية وكما هي العادة استمرت المماطلة في تنفيذها من قبل مراكز القوى المتضررة التي ظلت نافذة بحكم سيطرتها على مفاصل السلطة المركزية والمحلية وعلى المؤسسات العسكرية وما تملكه من أموال وأدوات وهناك العديد من الأمثلة لبعض الإجراءات التي صدرت بقرارات جمهورية وتوجيهات رئاسية ومن مجلس الوزراء لم تر النور حتى اللحظة.
في العديد من التعيينات التي صدرت لم تراع المعايير المتعارف عليها والواردة في قانون الخدمة ولا الوحدة الوطنية ولا المحافظات التي أقصيت بعد حرب صيف 1994م ولم يجد الشباب مكانا لهم رغم ما قدموه من تضحيات إذ هيمن المعيار السياسي والعلاقات والولاءات على كل المعايير.
وبرز وبشكل حاد انفلات أمني وسياسي مبرمج وغير مسبوق وسقط الآلاف من الضحايا شهداء وجرحى تداخلت فيه أطراف مختلفة «القاعدة» والثأر السياسي بين مراكز القوى وأصحاب المصالح والنفوذ من تجار السلاح والمخدرات ومراكز الفساد ومن يسعون إلى العودة السلطة طالت شخصيات وطنية سياسية بارزة أبرزهم د.عبدالكريم جدبان والدكتور أحمد عبدالرحمن شرف الدين ود محمد عبدالملك المتوكل وعشرات من ضباط المؤسسات العسكرية والأمنية ومواقع خدمية كمؤسسات الكهرباء والطرقات وأنابيب النفط والغاز إضافة إلى تدهور الخدمات العامة من تربية وتعليم وخدمات صحية وغيرها كل ذلك الهدف منه تدجين وإفشال ثورة الشباب وهو ما حدث فعليا.
ما حدث من إجراءات وقرارات وتغيرات لم تمس جوهر وثقافة وسياسة النظام بدليل ما حدث خلال عام 2014م توج في يوم 21 سبتمبر 2014م باجتياح العاصمة بطريقة درامية وهو ناتج لتحالف حدث بين خصوم الأمس أصدقاء اليوم الذي لا أتوقع أن يدوم طويلا وما تلاه من الأعمال التي حدثت وما زالت حتى اليوم لعبت قوى مختلفة داخلية وإقليمية ودولية دورها كل ذلك يعطي مؤشرا واضحا على حقيقة تركيبة منتسبي المؤسسات العسكرية والأمنية الخاص وعلى هشاشة السلطة.

المشترك فقد الرؤية

تشكل المشترك عام 1997م وتمكن من تحقيق خطوات طيبة وبالذات بعد الاتفاق على برنامج عام 2005م ومشروع الإنقاذ الوطني عام 2009م بعد الانتخابات الرئاسية عام 2006م كان الشارع يتطلع إلى أن المشترك يمكن له أن يتجاوز الماضي لكن بعد انتفاضة 11 فبراير وبعد تشكيل الحكومة برز واضحا أن المشترك فاقد للرؤية الموحدة وللآلية المشتركة لم يعد ذلك الإطار الذي اتفق على برنامج عام 2005م وبرنامج الإنقاذ الوطني عام 2009م فقد هيمنت وطغت المصالح السياسية والحزبية وبالذات لدى الجناحين القبلي والعسكري الذي كان أكثر نفوذا اعتبرت بعض الأطراف وإن لم تقل ذلك علنا بأن مهمة المشترك لم يعد لها ما يبررها بعد أن حقق البعض ما كان يريد أن يصل إليه فتصور انه لم يبق معه إلا القليل هذا البعض رغم خبراتهم السياسية الطويلة لكنهم قفزوا على أمور وقضايا عدة لم يقرأوا الواقع والمشهد السياسي ومصالح الأطراف السياسية المختلفة في الداخل الوطني في الجنوب وفي شمال الشمال وفي الوسط ولا مصالح الأطراف المختلفة في الإقليم ونشاطها وفعلها في الداخل اليمني ولا ما يدور في المنطقة العربية وبالذات بعد أحداث يونيو في مصر 2013م قراءة دقيقة كما هي كانت قراءتهم بعقلية وحساب تاجر التجزئة .. الربح والخسارة الخاص بهم كأحزاب وكأشخاص وكخصوم سياسيين متجاهلين مصالح الشعب اليمني وما قدمه من تضحيات خلال 33 عاما من شهداء وجرحى وخسائر مادية لم يفكروا أن هناك لاعبين كباراٍ ولهم مصالحهم لما تحتله اليمن من موقع استراتيجي وممرات هامة جدا البعض منهم بقي يفكر كيف ينتصرواهم وليس الشعب والوطن اختزلوا الوطن بمصالحهم وبما يخدم أجندتهم وليس بمستقبل الوطن والمواطن وفي المقدمة منها قيام الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة الضامنة لمصالح الناس اتجهوا لعقد صفقات لعراقلة العديد من قضايا مخرجات مؤتمر الحوار بمواقفهم السياسية وفتاويهم وتحريضهم السياسي والإعلامي لعبوا دورا معطلا وحجر عثرة لعرقلة تنفيذ العديد من القضايا.
لم يتمكن المشترك من الاتفاق على وضع تصور متفق عليه بخطوات عملية موحدة للإصلاح والتغيير وفقا لأهداف ثورة الشباب ومصالح الشعب اليمني وما تم الاتفاق عليه في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني برز طرف كعادته معارض للدولة المدنية الديمقراطية وبدأ ينشط سياسياٍ وإعلامياٍ بما يخالف كل الاتفاقات احدث ذلك خللاٍ في الثقة داخل المشترك وفي الحكومة كما لم يتمكن المشترك من أن يقف بالتحليل والتقديم والنقد أمام تجربته بصدق مع النفس وبشفافية تأسيساٍ على ما كرره العديد من قياداته وما صرح به البعض من أنها تجربة نموذجية في المنطقة العربية السبب في تقديري الشخصي أن بعض الأطراف اعتقدت بأنها تكتكت وتمكنت من تحقيق جزء معين من أجندتها وبقي لها الخطوة التالية لم تستفد من تجربة الإخوان في مصر والأخطاء التي وقعوا فيها لم تتصور أن خصوم الأمس الذين خاضوا ست حروب يمكن لهم أن خصومتهم وبعض القضايا الخلافية المذهبية والسياسية (وإن كان بشكل مؤقت) أن ينسقوا ويتحالفوا ليقفوا أمام خصمهم المشترك فاعتبروا أن دعاة الدولة المدنية الحديثة هم الخصوم الأساسيون الذين ينبغي توجه الحزب والحملة الإعلامية والحصار عليهم وبرز ذلك واضحا في عدد من المواقف السياسية والإعلامية والصفقات الخاصة التي تمت داخل مؤتمر الحوار الوطني وبعده والضغوطات التي تم ممارستها هنا وهناك للالتفاف على عدد من القضايا المقرة والمعروفة للجميع أبرزها قانون العدالة الانتقالية وشكل الدولة ومسألة الأقاليم والضمانات الضامنة لتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار ورغم التوافق حول العديد من القضايا الأساسية مع الجيل الجديد من كوادرهم وقواعدهم عاد العديد من قياداتهم من جديد إلى مربعهم الأساسي الأول يعتبرون الحزب الاشتراكي اليمني خصما أساسيا لهم هروبا من المشكلات التي تدور بداخلهم والتي صنعوها بأنفسهم فذهبوا يفتشون عنها خارج تصرفاتهم وبعيدا عن مواقفهم وسلوكياتهم الايديولوجية والسياسية الجامدة بكل ما يعني ذلك من انحدار وسقوط سياسي وأخلاقي.

الإرهاب والانفلات الأمني

برز الانفلات الأمني والإرهاب بجانب الفقر والبطالة وتدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي والخدماتي لحياة الناس وهشاشة الدولة هذه القضايا لم تكن هي الأساس التي ينبغي أن يوحد المشترك صفوفه ويقف أمامها ولا العديد من الظواهر السيئة التي لم يكن يعرفها المجتمع اليمني من قبل من تدهور في الأخلاق وفي القيم والعادات والتقاليد الطيبة ويرجع ذلك إلى ما تركته الحروب الداخلية المتتالية من مآسُ إلى الفقر والبطالة وحاجة الناس إلى إصلاح الخلل الجوهري في مناهج التربية والثقافة والإعلام وما يفعله الفساد وسط المجتمع والتطورات المتسارعة في المحيط الإقليمي والعربي وتأثيرها على اليمن واليمنيين حيث أصبح المواطن اليمني اليوم في أي مكان يذهب إليه من دول الإقليم أو غيرها من بلدان العالم تحت المجهر وعليه علامة استفهام مهما كان حبه وتقديره للبلد المتجه إليها أو يعيش فيها فهو في أحسن الأحوال مستفز يلقى الإهانات في الموانئ والمطارات عليه علامة استفهام حتى يثبت العكس وكأنه هو من صنع وأنشأ مزارع الإرهاب بينما هو في الأصل ضحية من ضحايا الأنظمة نفسها.

الخلاصة

لقد جرى التوافق وأجمع الداخل والخارج على أن يكون الأخ عبدربه منصور هادي رئيسا توافقيا برضى وقناعة الجميع فهو كما قلت سابقاٍ لم يكن يفكر أو يسعى لهذا الموقع لكن البعض اعتبر ذلك خروجا عن القاعدة وعن الحق الإلهي المقدس الذي حصر هذا الموقع في مذهب وسلالة وجغرافية محددة لم يتقبل البعض أن يكون رئيساٍ للجمهورية أو كما يقولون صاحب الولاية العامة من خارج المركز المقدس فما بالكم أن يكون من الجنوب من هنا حدثت تطورات وتحالفات متسارعة بين قوى وأطراف عدة وجرى تحريض وتمرد على قراراته بهدف إفشاله أما البعض الآخر فقد أراد من الرئيس التوافقي أن يهيئ لهم الملعب كي ينفذوا برامجهم وأجندتهم لتصفية الحسابات مع خصومهم خلال الفترة الانتقالية من حكمه بطرق وأساليب مختلفة هناك من ظلوا مشدودين إلى خصومة وصراعات الماضي لم يتمكنوا من تجاوزها ولم تجد ثقافة التصالح والتسامح التي تعبوا وأتعبوا الآخرين من ترديدها ممرات للعبور لعقولهم ونفسياتهم وممارساتهم كما كان لغياب الإدارة السياسية والاقتصادية التي تتمتع بالخبرة والجرأة والديناميكية حول الرئيس لتساعده على اتخاذ القرارات السياسية والأمنية والاقتصادية المدروسة دورها بل في أحيان عدة خلقت له الإرباك أمام أطراف عدة.
إعاقة عملية التغيير
لقد لعبت أطراف داخلية دوراٍ فعالاٍ ونشطاٍ حيث قامت بعملية استقطاب سياسي وجغرافي وطائفي تم استخدامه لإعاقة وعرقلة حركة التغيير والإصلاح الحقيقية وتمكنت من الإبقاء على مراكز وقوى الفساد بالمقابل كانت هناك أطراف داخلية وخارجية تخطط لما هو قائم على الأرض اليوم من أحداث نتمنى أن لا تتحول إلى بيئة سياسية وثقافية تؤدي إلى ماهو أخطر أما ما سيحدث غداٍ فالعلم عند الله أهم قضية اليوم أن تبتعد القوى السياسية اليمنية عن خلق المشكلات بداخلها ولبعضها وتجنب الأفعال التي تزيد من الخصومة في إطارها أو البحث عن الحلول من خارج أرضها وتربتها حتى لا يْفرض على اليمنيين نظام وبيئة سياسية اقتصادية واجتماعية يرفضونها وتكون استمراراٍ لخلق المزيد من المعاناة والانقسام والتشظي الوطني.
هناك محاولات متواصلة من قبل أطراف مختلفة شاركت في مؤتمر الحوار ووافقت على مخرجاته تعمل اليوم ليلاٍ نهاراٍ لتغيب نتائج مؤتمر الحوار الوطني كي يتم في الأخير احتواؤها كما حدث لوثيقة العهد والاتفاق عام 1994م. اليوم تجرى محاولات مستميتة وتحت عناوين ومسميات متعددة لوأدها ويمكن للإنسان البسيط العادي قراءة ذلك بكل بساطة من خلال رصد وقائع مختلفة لما حدث منذ اللحظة التي اختتم مؤتمر الحوار الوطني أعماله في 25 يناير 2014م وبعد ساعات من اغتيال الشهيد الدكتور الأستاذ أحمد عبدالرحمن شرف الدين.
تقييم تجربة المشترك
إذا ما أراد المشترك أن يواصل عمله عليه أن يقف ويتحدث بصوت عالُ أمام تجربته منذ البداية من خلال تقييم موضوعي نقدي صادق مع النفس بعيداٍ عن الديبلوماسية والمخاتلة والهروب والتكتيك الذي لا زال يشد البعض إلى الأيديولوجيات والخصومة عليه أن يحدد أين أخطأ وأين أصاب .. وما الذي أوصل الأوضاع إلى هذه الحالة التي هي عليه الآن¿ هل القضية الجنوبية كقضية عادلة .. أو شكل الدولة والموقف من قيام الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة أو الضمانات لتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار¿ أو بفعل نشاط من غادروا السلطة ودورهم الهادف العودة إلى السلطة¿ أو نتيجة للممارسات الخاطئة¿ أو نتيجة لسياسة الإقصاء والاستحواذ على الوظيفة العامة التي حدثت منذ تشكيل حكومة الوفاق وما تركته من توجس وشكوك بين أعضاء المشترك¿ أم هي نتيجة الممارسات ومحاولات الضغط والابتزاز التي مورست على الرئيس هادي كما تشير بعض الوقائع¿ أم لسوء إدارة السلطة التنفيذية¿ أو أن أطرافاٍ خارجية إقليمية ودولية نتيجة لما يدور في المنطقة العربية وما نفذ من سيناريو بدأ بدماج ثم عمران وصنعاء وما نشاهده كل يوم من سقوط عشرات الضحايا من اليمنيين .. خلال أربعة أشهر فقط سقط آلاف الضحايا من اليمنيين البسطاء وقادة سياسيين.
الخروج من النفق المظلم
إن التغلب على المشكلة في رأيي الشخصي والخروج من النفق السياسي المظلم ليس في الحشد والسيطرة بالقوة والفرز على أساس مذهبي طائفي ومناطقي وتوظيفه لغايات وأهداف سياسية ولا بفرض بيئة سياسية طائفية للسيطرة على السلطة والثروة وتغييب مخرجات مؤتمر الحوار الوطني كما تحاول بعض الأطراف فرضه اليوم ولا بإقصاء الأغلبية للأقلية أو تهميشها كما يفهم البعض أو العكس ولا على أساس سلوك عرقي أو مذهبي طائفي ولكن بنظام شراكة وطنية حقيقية يؤسس نظاماٍ ودولة مدنية ديمقراطية اتحادية حديثة للجميع .. نظام قائم على المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية والعيش المشترك محمي بدستور كعقد اجتماعي وقضاء نزيه وقضاة مستقلين ومؤسسات وقوانين وتشريعات تجرم الحروب الداخلية والإقصاء والتخوين والتكفير والفساد مسنود بسلطات وبمؤسسات أمنية ودفاعية وطنية كل منتسبيها قيادات وقاعدة من كل الوطن تحمي الوطن وتدافع عنه وعن الدستور والنظام الديمقراطي ولا تتدخل في السياسة وبمناهج تربوية وثقافية وإعلامية حديثة تغرس في عقول ووجدان الناس حب الحياة والرحمة والوحدة الوطنية والديمقراطية والتضامن والتكافل وحب العمل والإنتاج.
إن عدم معالجة القضايا الوطنية الجوهرية السياسية والحقوقية والمدنية يعني بقاء الأزمات وحالة الانقسام والصراعات والحروب سائدة وتزايد الفقر والبطالة والتخلف الاقتصادي والثقافي والاجتماعي واستمرار التدخل والوصايا الإقليمية والدولية على اليمن واليمنيين قائماٍ .. الحل يكمن في الاعتراف الواضح بالمشكلة كما هي وتعاون الجميع لحلها من خلال تنفيذ ما أجمع عليه اليمنيون بالحوار ووضع الخطوات العملية الضامنة لمعالجتها حقوقياٍ وسياسياٍ وثقافياٍ وتربوياٍ واقتصادياٍ.
خطوات مهمة لعبور النفق
– نزع فتيل التوتر وتجنيب اليمن من الانزلاق إلى مربع العنف والفوضى والاقتتال الأهلي وذلك من خلال بسط سلطات الدولة المركزية والمحلية ومؤسساتها الأمنية والعسكرية وممارسة مسئولياتها الوطنية لضمان الأمن والاستقرار وفرض النظام والقانون وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط والمتفجرات للدولة من قبل كافة الميليشيات القبلية والأحزاب والأفراد والجماعات المسلحة وغيرهم.
– إخلاء جميع المدن اليمنية من السلاح ومنع دخول السلاح والتجول به في المدن الرئيسية كخطوة أولى ومنع الأفراد والجماعات من استيراد كافة أنواع الأسلحة كون ذلك هي مهمة الدولة وحدها فقط وفقاٍ لخطة وقرارات الحكومة ومجلس الدفاع الوطني.
– وضع استراتيجية وطنية سياسية وتربوية وثقافية وإعلامية وأمنية لمكافحة التطرف والإرهاب تشترك فيها مؤسسات الدولة والأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني في البلاد والتعاون مع المجتمع المدني والأحزاب والصحفيين والحكومة.
– التقيد والالتزام بالمخرجات التي أقرها مؤتمر الحوار الوطني كما هي وفقاٍ لاستراتيجية وآلية تنفيذية وتنفيذ بنود اتفاق السلم والشراكة الوطنية وتصحيح وضع الهيئة الوطنية العليا لمراقبة تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني المتوافق عليها بحيث تبدأ بممارسة فعلية لمسئولياتها وفي المقدمة مناقشة مسودة مشروع الدستور الجديد الذي نأمل أن يكون فعلياٍ دستوراٍ لدولة مدنية ديمقراطية اتحادية عادلة لكل اليمنيين ويتم إجراء استفتاء شعبي حر ونزيه عليه وإقرار قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وضع برنامج وآلية لتنفيذ الـ»31» نقطة وتنظيف المؤسسات المدنية والعسكرية من مراكز وقوى الفساد.
ليس هناك أي ضرر من إعادة مناقشة مشكلة الخلاف حول عدد الأقاليم وأرى أن الحل الذي أتصوره شخصياٍ لشكل الدولة يكمن في قيام دولة مدنية ديمقراطية اتحادية حديثة وفقاٍ لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني مكونة من ثلاثة أقاليم كحد أعلى يتمتع فيها كل إقليم بصلاحيات تقريرية كاملة عدا ماهو سيادي فقط مع تحديد دستوري واضح لتوزيع الثروة بين الولاية المنتجة والإقليم والدولة الاتحادية .. بحيث تكون هذه الأقاليم على النحو التالي:
* جنوب:
– إقليم عدن: ويتكون إقليم عدن من محافظات عدن والمهرة وسقطرى وحضرموت وشبوة وأبين ولحج والضالع.
* وسط:
– إقليم الجند: ويتكون إقليم الوسط من محافظات: تعز – مأرب – البيضاء – إب – الحديدة – ريمة ومديريات وصابين الأعلى والأسفل من محافظة ذمار.
* شمال:
– إقليم آزال: ويتكون إقليم آزال من محافظات أمانة العاصمة وصعدة والجوف وعمران وحجة والمحويت وصنعاء وذمار مع ضم مديرية يريم من محافظة إب وضمها لمحافظة ذمار على أن يتم بعد عشر سنوات مراجعة التجربة.
– تنظيف وتصحيح السجل الانتخابي والتحضير الشفاف الآمن والنزيه لانتخابات نيابية ورئاسية شفافة حرة ونزيهة تشكل مدخلاٍ للإصلاح والتغيير وتضع اليمنيين على قدم المساواة.
– تقضي الضرورة والمصلحة الوطنية من كافة منظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية المستقلة والأحزاب والتنظيمات السياسية المؤمنة فعلياٍ ببناء دولة ديمقراطية اتحادية حديثة وعادلة بوحدة نشاطها الثقافي والسياسي والإعلامي وفقاٍ لرؤية وآلية لنشاطها وعملها تضمن من خلال تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وضمان انتخابات شفافة حرة ونزيهة.

قد يعجبك ايضا