عقبة «الانسحاب» تقلل فرض الوصول لاتفاق:مفاوضات وقف النار في غزة.. هدنة دائمة أم فاصل لجولة حرب جديدة؟
تواجه الوساطة المصرية القطرية الأمريكية في شأن هدنة الـ 60 يوما بين كيان الاحتلال وحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، عراقيل تحول دون إحراز تقدم في ظل رفض حكومة الكيان مطالب الانسحاب الكامل وإصرارها على خطة انتشار تبقي قواتها مسيطرة عسكريا على نحو 40 % من أراضي القطاع المحاصر، في تداعيات تلوح بانهيار المفاوضات والعودة إلى المربع الأول.
تحليل / أبو بكر عبدالله
تدخل المفاوضات غير المباشرة لوقف النار بين الكيان الإسرائيلي وحركة المقاومة الإسلامية «حماس» أسبوعها الثالث في ظل جمود يخيم عليها من جراء رفض سلطات الاحتلال مقترحات الانسحاب الفوري من مدن القطاع ورفضها كذلك مقترحات الوساطة الثلاثة (مصر، قطر، الولايات المتحدة) بهدنة 60 يوما تشمل انسحابا تدريجيا لجيش الاحتلال مع إجراءات لوقف إطلاق النار وتبادل للأسرى ودخول المساعدات الإنسانية، بما يمهد الطريق لوقف دائم لإطلاق النار.
وبعد رفض الكيان آخر صيغة للتسوية تضمنت انسحابا تدريجيا لجيش الاحتلال من القطاع خلال هدنة الـ 60 يوما، تبدو جهود الوساطة في طريقها لتقديم مقترح جديد يعالج معضلة الانسحاب، برؤية جديدة تقضي بتحديد مناطق معينة لتمركز قوات الاحتلال على تخوم غزة بدلا من خطة إعادة الانتشار التي تتمسك بها إسرائيل بما يتيح وضع المسودة النهائية للاتفاق على طاولة التوقيع نهاية الشهر الجاري.
ويشمل المقترح الجديد كذلك الإفراج عن 28 محتجزا إسرائيليا، بينهم 10 أحياء و18 جثمانا، وتدفق مساعدات إنسانية بإشراف أممي ضمن جدول زمني يقضي بتسليم الأسرى على مراحل وإلزام “حماس” بتقديم معلومات عن باقي المحتجزين مقابل كشف الاحتلال عن بيانات تخص نحو 2000 معتقل فلسطيني من قطاع غزة، فضلا عن وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية وتعليق الطيران فوق غزة 12 ساعة يوميا.
والمقترح الجديد فتح باب التكهنات عن احتمال التوقيع على اتفاق الهدنة في غضون أسبوعين، خصوصا بعد أن أبدل الوسطاء البنود الخاصة بالانسحاب الإسرائيلي من مدن القطاع بأخرى تقترح إعادة تموضع في نقاط معينة لا تزال موضع دراسة من الجانبين، أملاً في تجاوز مخاوف الكيان وحساباته الأمنية المتمسكة بخطة إعادة الانتشار لقواتها في أراضي القطاع والتي ترفضها فصائل المقاومة الفلسطينية كونها ستتيح للجيش الإسرائيلي السيطرة العسكرية على نحو 40 % من أراضي القطاع.
ونجاح المسودة الأخيرة لا يزال مرهونا بما ستقدمه الحكومة الإسرائيلية من خرائط معدلة لإعادة تموضع قواتها خارج حدود القطاع، وقبولها بخطة البروتوكول الإنساني الذي يقترح فتح المعابر لإدخال أكبر كمية من المساعدات الإنسانية إلى غزة لمواجهة محنة الجوع وسوء التغذية، كما لا يزال مرهونا بما ستفضي إليه مناقشات «حماس» في شأن الخارطة التي تحدد مناطق تمركز الجيش الإسرائيلي في المرحلة الأولى من الهدنة.
تقدم بطيء
يمكن القول إن جهود فريق الوسطاء الإقليميين والدوليين استمرت بوتيرة متباطئة من خلال تقديم المقترحات المعدلة الهادفة إلى أحداث اختراق يوقف المجاوز الوحشية وحرب الإبادة التي يتعرض لها نحو مليوني مدني في قطاع غزة، في حين أن العقبات الإسرائيلية لا تزال على حالها.
وخلال الأسابيع الماضية أفضت جهود الوساطة إلى تخفيض نقاط الخلاف من 4 نقاط إلى نقطة رئيسية واحدة هي الانسحاب، والتي لا تزال تمثل العقبة الرئيسية أمام توقيع اتفاق الهدنة، في ظل المحاولات التي يبذلها وفدا القاهرة والدوحة لإقناع حماس بقبول «خرائط انسحاب معدلة» وضغوط تمارسها الولايات المتحدة على حكومة الكيان للتخلي عن بعض المناطق وإعادة تمركز قواتها على مشارفها.
والخطوات التي تم البت فيها حتى اليوم تتعلق بملف الأسرى بعد موافقة «حماس» على الإفراج عن 10 أسرى إسرائيليين أحياء ورفات 18 آخرين مقابل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين، بمن فيهم محكومون بالسجن المؤبد، فضلا عن الهدنة المقترحة بـ 60 يوما، مع ضمانات أمريكية لاستمرارها طوال هذه المدة، وبدء مفاوضات لوقف دائم خلال فترة الهدنة.
يضاف للملفات التي تحقق فيها تقدم خلال المفاوضات السابقة، ملف المساعدات الإنسانية، مع وجود توافق على دخول المساعدات فورا عبر قنوات الأمم المتحدة والهلال الأحمر، مع تركيز توزيعها في المناطق التي ينسحب منها الجيش الإسرائيلي.
لكن هذا التوافق ظل معلقا أمام العقبة الرئيسية التي تتمثل بالانسحاب الإسرائيلي من غزة، حيث تصر حكومة الاحتلال على «إعادة انتشار» وليس انسحابا كاملا، في حين ترفض «حماس» هذه الخطة كما ترفض الخرائط الإسرائيلية المقترحة للانسحاب، كونها تتيح لجيش الاحتلال البقاء في نحو 40 % من القطاع، بما في ذلك محور فيلادلفيا الحدودي مع مصر ومناطق بيت حانون.
وتطالب «حماس» ومعها فصائل المقاومة، بالعودة إلى خطوط وقف إطلاق النار السابق في 2 مارس 2025م، كما تطالب بتخلي العدو الإسرائيلي عن هدفه المعلن بالقضاء على حماس» فضلا عن ضمانات أمريكية ملزمة بتحويل الهدنة المؤقتة إلى اتفاق دائم وهو ما ترفضه حكومة الكيان.
ووفقا لذلك، تركز جهود الوسطاء الإقليميين والدوليين حاليا على إمكانية تسوية خريطة الانسحاب عبر وساطة المبعوث الأمريكي بما يتيح التوصل إلى اتفاق خلال أيام، على أن يبدأ سريان الهدنة المؤقتة أواخر يوليو الجاري.
يتزامن ذلك مع ضغوط دولية متصاعدة لوقف حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، والتي عبر عنها البيان الصادر مؤخرا عن 25 دولة، طالبت جميعها بإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وأعلنت رفضها خطة تهجير الفلسطينيين بنقلهم لما يسمى «مدينة إنسانية» ورفضها التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية ناهيك عن إدانتها الواضحة للممارسات الإسرائيلية في منع تدفق المساعدات الإنسانية لسكان القطاع المحاصرين.
تعقيدات وعقبات
الضغوط الدبلوماسية التي تمارسها الإدارة الأمريكية على حكومة الكيان لتوقيع اتفاق هدنة يدعم طموحات الرئيس ترامب بالحصول على جائزة نوبل للسلام، لا يبدو أنها ستفلح هذه المرة في توقيع اتفاق ينهي حرب الإبادة في قطاع غزة ويعزز من حالة الاستقرار في المنطقة، خصوصا وأن كل ما يسعى إليه ترامب هو « صفقة مؤقتة» ليست في وارد وضع نهاية لمأساة التي تطحن الغزيين في الأراضي المحتلة.
وكل ما فعلته الضغوط الأمريكية والأوروبية حتى اليوم، هو تغيير طفيف في موقف رئيس حكومة الاحتلال الذي تبنى رؤية تدعو إلى شروط أمنية تضمن عدم عودة أي تهديدات من قطاع غزة، وهو الموقف الذي يبدو حتى اليوم ضعيفا أمام موقف اليمين المتطرف الذي يصر على مبدأ الاحتلال الكامل لقطاع غزة.
ذلك أن حكومة نتنياهو ستواجه بلا شك تهديدا بالانهيار إن قدمت تنازلات تلبي مطالب حركة «حماس» خاصة من الوزراء اليمينيين الذين يهددون بالانسحاب من الائتلاف الحكومي إذا تم الانسحاب من غزة.
والتعقيدات التي تواجه مسار اتفاق الهدنة تبدو اليوم متشعبة في ظل التعنت الإسرائيلي بخطة إعادة الانتشار بداخل القطاع بدلا من الانسحاب والاستمرار في السيطرة على المعابر الحدودية وهي عقبات كبيرة تضاف إلى تعقيدات أخرى من جانب حركة «حماس» التي ترفض المقترحات الإسرائيلية وتطالب بضمانات أمريكية لهدنة 60 يوما تتحول إلى وقف دائم لإطلاق النار، وكلها ترجح الذهاب نحو انهيار المفاوضات.
كما أن الخرائط التي تصر «حماس» العودة إليها والمتفق عليها في اتفاق يناير 2025م، تتعارض كليا مع الخرائط الجديدة التي قدمتها حكومة الاحتلال بشأن إعادة الانتشار، حيث أن خرائط يناير تنص على انسحاب تدريجي خلال 60 يوما وعدم بقاء أي قوات في أراضي القطاع، كونها ستستخدم في تقطيع أوصال القطاع وتعطيل إعادة الإعمار، في حين تبقي الخرائط الإسرائيلية الجديدة جيش الاحتلال مسيطرا عسكريا على نحو 40 % من مساحة القطاع بما في ذلك المحاور الاستراتيجية والممرات الحدودية وأكثر من ذلك أحداث مناطق عازلة بعمق 500–1000 متر داخل القطاع.
يضاف إلى ذلك ما تسميه حكومة الاحتلال « الشروط غير القابلة للتفاوض» وفي مقدمها نزع سلاح «حماس» وإبعاد قياداتها عن غزة، فضلا عن ترتيبات أخرى تشترطها لضمان أمنها طويل الأمد.
والمرجح أن استمرار تعنت الكيان برفض الانسحاب الكامل، سيقود في النهاية إلى انسحاب «حماس» من المفاوضات، خاصة مع التصريحات المتوالية لنتنياهو التي تؤكد أن «إنهاء الحرب مشروط بهزيمة حماس» وهو أمر سيعيد بلا شك التصعيد العسكري إلى مستويات خطيرة.
يتزايد ذلك مع ما تكشفه الاجتماعات المتوالية التي تعقدها حكومة الكيان والتي تكرس لمناقشة مستقبل غزة وما تسميه حكومة الكيان «المدينة الإنسانية الأمنية» التي يخطط الاحتلال لبنائها في مدينة رفع المحتلة، فضلا عن توجهاتها ببناء محور مؤقت جنوب محور ميراج الذي سينسحب منه بموجب المقترحات، والذي سيكون بجوار محور فيلادلفيا وربما في وسط مدينة رفح التي يريد جيش الاحتلال استخدامها لبناء مجمعات فلسطينية تفتح الطريق للتهجير الطوعي.
تعنت والتفاف
كثير من التقديرات تتحدث عن أن مفاوضات الهدنة الجارية اليوم تمضي في مرحلة شديدة الحساسية ونجاحها وفشلها مرهون بالتوصل إلى تفاهمات مشتركة بشأن قضية الانسحاب وضمانات إنهاء الحرب، ما يجعل التطورات المرتقبة في جهود الوسطاء وتداعيات الانقسامات في تل أبيب تبقى محورية في رسم مستقبل الأمن في فلسطين والمنطقة.
يشار في ذلك إلى خطة الكيان في إعادة الانتشار والتي لا تزال قائمة رغم الصيغة المعدلة التي تبناها فريق الوساطة، مع إصرار حكومة الاحتلال على تنفيذها كأولوية ضمن أي اتفاق هدنة، سعيا إلى تحقيق أهدافها المعلنة بنزع سلاح «حماس» وتفكيك الحركة وعدم تمكينها من النشاط أو التواجد داخل القطاع، خلال الـ 60 يوما من الهدنة، وهو الأمر الذي شدد عليه نتنياهو في غير مرة، مؤكدا أن عدم تحقيق أهداف خطة إعادة الانتشار سيعيد جيش الاحتلال للقتال.
يزداد الأمر تعقيدا مع استمرار حكومة الكيان في اختلاق الذرائع والظروف التي تقود إلى شروط جديدة تطيل أمد المفاوضات على شاكلة التصعيد الميداني الذي يسجل سقوط عشرات الضحايا يوميا، واستمرار قبضتها القبضة الحديدية على المعابر وعرقلة دخول أي مساعدات إلى المدنيين داخل القطاع المحاصر.
واستنادا إلى تعقيدات المستوى السياسي الإسرائيلي، فإن استجابة حكومة الكيان لمطالب الانسحاب أو حتى إعادة التموضع على ضواحي القطاع، تبدو مستحيلة على المدى القريب على الأقل، وهو أمر صار واضحا بالنسبة للوسطاء الذين عاودوا محاولاتهم للتقريب بين الموافق باقتراح الانسحاب المرحلي من المناطق المأهولة مع احتمال السماح لقوات الاحتلال بالبقاء في المحاور الحدودية تحت إشراف قوات دولية.
مع ذلك فإن أي اتفاق سيتم توقيعه لهدنة مؤقته سيبقى هشا وسيبقى موضوع انتهاء الحرب خارج دائرة اليقين، خصوصا وأنه يتجاوز قضايا أمنية وسياسية وإنسانية يجري تأجيل النقاش حولها وهو مؤشر خطير قد يجعل من الاتفاق مجرد فاصل لجولة حرب قادمة.