
تحقيق/ حمدي دوبلة –
لا مكان للفشل عندما يتعلق الأمر بإرادة الشعوب
د. المقالح: الثورة كانت الحل الأمثل والوحيد أمام الشعب للخلاص من الكهنوت
المؤرخ باجل: نجاح سبتمبر كان أمراٍ حتمياٍ وضرورة تاريخية
المناضل حسان: الشعب يستسلم وزمن القهر والاستبداد لن يطول
■.. كانت ثورة سبتمبر ضد الحكم الإمامي المتخلف ضرورة ملحة وإرادة شعبية حددت الانتصار هدفاٍ لها في سبيل التحرر من الاستبداد والقهر الذي مارسه الائمة ضد أبناء الشعب لذلك ما كان لهذه الثورة الإنسانية أن تفشل وإذا كان الاخفاق قد حدث في ثورتي 8491 و5591م فإن ذلك الفشل هو الذي هييء فيما بعد للنجاح وبالرغم من طرحنا لسؤال افتراضي عن ماذا كان سيؤول إليه حال اليمن إذا لم يحالف ثورة سبتمبر النجاح كسابقتها فلابد لنا هنا من التأكيد أن الشعب اليمني قد اختار الثورة ضد حكم الإمامة المستبد طريقاٍ وحيداٍ للخلاص والخروج بالوطن من الواقع المميت.. وإن القمع والتنكيل الذي طال خيرة أبناء اليمن عقب ثورتي 8491 و5591م لن يستطيع مهما بلغت وحشيته أن يخمد جذوة الثورة التي راحت تترسخ في نفوس وعقول اليمنيين مرحلة بعد أخرى وبحسب عدد من مناضلي ثورة سبتمبر والمختصين في شئون التاريخ اليمني فإن فشل الثورة السبتمبرية إذا ما حدث لا قدر الله فإنه لن يعني إلا شيئاٍ واحداٍ وهو إطالة أمد المعاناة إلى حين قبل أن يعيد الشعب المحاولة مجدداٍ حتى يكون النصر والخلاص الحتمي الذي لا مناص منه.
تحقيق/ حمدي دوبلة
مقدمات النجاح
باستقراء الحقائق التاريخية المستوحاة من أحداث ثورة 8491م وما تلاها من ممارسات قمعية تجاه رجالات الوطن وخيرة أبنائه وكذلك حركة 5591م وتداعياتها فإن النتيجة التي يصل إليها أي باحث تكمن في حقيقة لا تقبل الشك كما يقول الدكتور/ عبد العزيز المقالح وهي أن طريق الثورة هو الطريق الوحيد للخروج باليمن من ذلك الواقع المميت.
ويضيف المقالح في دراسته حول الأخطاء التي صنعت فشل حركة 84 والتي وردت ضمن كتاب ثورة 8491م الميلاد والمسيرة والمؤثرات الذي أعده مركز الدراسات والبحوث اليمني.
«كيف يستطيع شعب يعاني من الظلم» شعب تخنقه العزلة ويطحنه القهر.. كيف يستطيع أن يغير من نهج حياته وأن يخرج من زمن الصمت والقمع مالم تكن الثورة على مراحل والثورة بمختلف الاساليب هي اختياره الوحيد الاختيار الذي لم يكن منه بد ولا عنه محيد وكون حركة 84 اختياراٍ ثورياٍ ورفضاٍ بالدم لكل الحلول الإصلاحية التدريجية فإن ذلك يبقى أهم مميزاتها وأنصع ما تركته دماء شهدائها الأبرار للآجيال.
النصر المزعوم
للإجابة على التساؤل الافتراضي عن السيناريو الذي كان سيطغى على المشهد الاجتماعي والسياسي في اليمن إذا ما فشلت ثورة 62 سبتمبر 2691م لابد من استحضار بعض المشاهد التي تلت ما أعتبر أنه إخفاق لثورة 8491م حيث خيمت على سماء اليمن إثر هذه المحاولة الثورية الأولى سحابة شؤم ومرارة حزن وتخوف ومرت البلاد بمحنة قاسية باستسلام قاداتها ورجالاتها وصفوة أبطالها وأحرارها وإعدامهم على مرأى ومسمع من العالم.
لقد مارس الإمام أحمد أبشع أنواع البطش والتنكيل بحق مناوئيه ومعارضيه وأسرف قتلاٍ وإعداماٍ في صفوف النخبة من أبناء الشعب وساق الباقي إلى السجون والمعتقلات.
ويقول المؤرخ عبدالله بن أحمد الثور في كتابه «ثورة اليمن 8491-8691م».
لقد ظن الإمام أحمد بأنه بهذه الممارسات الوحشية قد نجح في خطته وفاز بانتصاره الموهوم والقضاء على معارضيه وأنه أصبح الحاكم المطلق والمسيطر المستبد على كل اليمن فأصدر أوامره إلى كل مدن اليمن وقراها بالقبض على رجال الثورة وكل من اشتبه بمساهمته في حركة الأحرار وزج بهم في السجون.
وهكذا انطلقت الأيادي «الحميدية» في كل انحاء البلاد تتبع رجال الثورة للقبض عليهم وأصبحت السجون في إب وتعز وصنعاء وحجة تغص بالعلماء والشباب والمشائخ الذين سيقوا إلى سجن حجة الرهيب حيث يقيم الإمام أحمد وقد طاف بهم على أغلب مدن اليمن وقراها وهم مكبلون بالسلاسل والحديد وفي أعناقهم الأغلال وفي أيديهم المغالق والسلاسل تشد بعضهم البعض ليمارس ضدهم أهوالاٍ يشيب لهولها الوليد وأعمالاٍ إجرامية تقشعر منها الجلود وتشمئز منها النفوس المؤمنة».
ويضيف: المؤرخ الثور: وصل الجميع إلى حجة وأودعوا سجني نافع والقاهرة تحت سياط الجلادين وتعذيب زبانية الحبس الذين راحوا يذبحون بسيف الطاغوت في أبناء اليمن من دون محاكمة لتفقد البلاد في تلك المرحلة العصيبة أعظم رجالها وأبرز قاداتها.
بشائر الانتصار
لقد خيل للإمام أحمد ومناصروه أنه بهذا الإرهاب والقتل سيميت جذوة الثورة ويقتل معنوية الشباب المؤمن بعدالة قضيته. ومضى العامان الأول والثاني بعد فشل الثورة وإعدام قادتها وصفوة رجالها وأعلامها وإيداع البقية في سجون حجة وصنعاء وتعز في انتظار المصير المحتوم والإمام أحمد وإخوته سيوف الإسلام منغمسون في نشوة النصر المزعوم ظانين أن الشعب قد استسلم للثورة والجبروت ولم تمض سوى سنوات قليلة حتى تحركت القوى الوطنية من الداخل والخارج وبدأت حركة الأحرار تظهر وتعيد أنفاسها من جديد وتعمل على تقويض حكم الإمام الظالم.
ويوضح المؤرخ عبدالله أحمد الثور في كتابه ثورة اليمن 84-86م الصادر ضمن سلسلة دراسات يمنية بأن أول شرارة الثورة الجديدة انطلقت من سجني نافع والقاهرة بحجة واستطاع الأحرار أن يجذبوا قلوب الشباب إلى صفوفهم ويستأثروا بعطف القائمين على حراستهم حيث أصبح الناس يفكرون بالتقرب إلى الإحرار والعطف عليهم وتقديسهم واحترامهم وانقلب السخط إلى الرضا والسخرية إلى تودد والقطيعة إلى وصال فاستغل الأحرار هذه الفرصة في نشر فكرة ولاية العهد للأمير محمد البدر بن الإمام أحمد وتوسعت هذه الفكرة من نافع وقاهرة حجة واتصل بعضهم بالأمير محمد البدر حيث لقت هذه الفكرة إقبالاٍ من الأمير البدر ورواجاٍ في أوساط الشباب وانتقلت الأخبار من حجة إلى صنعاء وتعز والمدن اليمنية الأخرى وبدأ البدر يعطف على الأحرار ويتودد إليهم ويمد لهم يد المساعدة ويسهل لهم الاتصال والدراسة والتخفيف على بعضهم من القيود والضغوطات التي كانوا يلاقونها واستطاع أن يؤثر على والده بخروج بعضهم إلى حجة للدراسة والتدريس وبعضهم تم نقله من نافع إلى القاهرة والبعض إلى المنصورة بحجة.
ولم تمض فترة من الزمن حتى تحولت سجون حجة ومنطقتها إلى جامعة فكرية ترسل أفكارها وآمالها إلى خارج حجة وإلى عموم مدن اليمن… وكانت البداية التي سنحت خيوط نهاية الطاغوت لاحقاٍ.
لامكان للفشل
السيناريو الافتراضي للمشهد اليمني في حال إخفاق ثورة سبتمبر سيكون مرعباٍ بكل المقاييس هكذا يقول المؤرخ المتخصص في التراث اليمني عبد الجبار نعمان باجل.
ويضيف: باجل نجاح ثورة سبتمبر كان أمراٍ حتمياٍ وضرورة تاريخية لابد منها فالاستبداد والقهر الذي مارسه نظام الأئمة في حق أبناء الشعب اليمني ما كان أن يطول أمده إلى أزمان أخرى فإرادة الشعوب لاتقهر أبداٍ.
وبالنظر إلى أهداف ثورة سبتمبر المباركة تجد أنها أهداف إنسانية عظيمة بكل معنى الكلمة لذلك كان النصر حليفها وهي النتيجة المنطقية والحقيقة التاريخية الثابتة بانتصار الحق على الباطل وظهور الخير على الشر والطغيان في كل العصور والأماكن.
من جهته يقول المناضل حسان حزام وهو من أبناء مديرية جبل حبشي بتعز وممن شاركوا بفاعلية في العمل الثوري للإطاحة بنظام الأئمة لن يكون هناك فشل أبداٍ وإذا كتب لثورة سبتمبر أن تتعثر مثلاٍ فلن يعني ذلك إلا شيئاٍ واحداٍ وهو إطالة أمد معاناة هذا الشعب الصابر إلى حين ولن يستطيع الظلم والبطش أن يفت في عضده ولن يطول الأمر كثيراٍ حتى يعيد الكرة مجدداٍ.
وفي أحداث ثورة 8491م وما أعقبتها من ممارسات قمعية تأكيدات واضحة على الحقائق المعبرة عن رفض إنسان هذه الأرض للظلم والجبروت مهما بلغت في سطوتها ووحشيتها.