إعفاء سفير موسكو لدى اليمن من مهامه .. هل هي صحوة للدب الروسي ؟!

 

الثورة /تقرير / عباس السيد – محمد شرف

أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الثلاثاء، مرسوما يقضي بإعفاء سفير روسيا لدى اليمن، فلاديمير ديدوشكين، من منصبه.
وقرر بوتين- حسب المرسوم الذي نشر على موقع المعلومات القانونية الحكومي- بإعفاء ديدوشكين “من مهامه كسفير مفوض فوق العادة للاتحاد الروسي لدى الجمهورية اليمنية”.
لم تتضح بعد أبعاد هذه الخطوة ، وما إذا كانت مؤشرا لصحوة روسية وبداية دور فاعل لروسيا في الملف اليمني .. لكن المؤكد والثابت أن فترة السفير « المقال « شهدت ضعفا إن لم يكن غيابا لأي دور روسي في الأزمة اليمنية . وما يعتبره الروس حيادا، لم يكن- بحسب مراقبين سوى نجاح أمريكي في تحييد دور روسيا في الملف اليمني .
تركت روسيا الملعب لواشنطن وحلفائها في المنطقة، لكن ذلك الحياد الذي وصل في بعض الحالات إلى التواطؤ وغض الطرف ـ كما في سماحها بمرور القرار 2216 ـ لم يشفع لها في تغيير أمريكا والناتو لسياستهما العدائية تجاه روسيا في آسيا الوسطى والبحر الأسود حيث تستعرض أمريكا بارجاتها العسكرية في المياه الممتدة من سواحل “القرم” إلى السواحل الغربية لروسيا ، والحال كذلك في بحر الصين الجنوبي .
فترة “بيات”
على طول فترة العدوان الممتدة من مارس 2015م وحتى اليوم، ظل الدور الروسي في الملف اليمني محدوداً ، يسوده الارتباك والغموض ، وبدت سياستها في الشأن اليمني وكأنها سياسة دولة نامية وليست دولة عظمى . كما لم تتمكن موسكو حتى الآن من ترجمة ما تحظى به من قبول وعلاقات جيدة مع كثير من الأطراف الفاعلة محليا وإقليميا، إلى دور يُسهم في وقف إطلاق النار واستئناف المفاوضات، وصولاً إلى اتفاق سلام.
المدخل الروسي المحايد والمتوازن في التعاطي مع الملف اليمني، وفق توصيف موسكو، لم يكن- بالنسبة للكثير من المراقبين- سوى « فترة بيات للدب الروسي” لأن تلك المواقف لا تنسجم مع حقيقة التطلّع البراغماتي الروسي في المنطقة كدولة كُبرى لها مكانة وثقل على المستوى الدولي، كما أن ما تدَّعيه موسكو من توازن وحياد لا يعدو كونه نجاحاً أمريكياً بتحييد الدور الروسي، وجعله دوراً ذا سقف مغلق يصب في المصلحة الأمريكية، على الرغم من أنَّ بإمكان روسيا في هذا التوقيت المواتي، وفي إطار علاقاتها وتحالفاتها الدولية، الانتقال إلى دور فاعل في اليمن، مدعوم من قوى دولية وإقليمية، كالصين وإيران، اللتين تشتركان معها في المصالح القائمة على ضرورة الحد من الهيمنة الأمريكية على المنطقة العربية، فمثل هذا الدور يُعزز الحضور الروسي في المنطقة، ولا سيما بعد نجاح موسكو في تحقيق الهدف الرئيسي من تدخلها في سوريا، أي المساهمة في تعزيز صمود سوريا وشرعية نظامها بقيادة الرئيس بشار الأسد.
لذا، إنّ أي دور روسي ناجح في اليمن سيزيد من شعبية واحترام الشعوب العربية لروسيا والرئيس بوتين، وسيُعزز الرؤية الروسية للأمن الجماعي في منطقة الخليج، كما سيؤهل موسكو للقيام بأدوار قوية في مختلف ملفات المنطقة، منها على سبيل المثال: إحداث تقارب خليجي – إيراني.
دور سياسي إنساني
إنَّ ما تتطلّع إليه صنعاء ليس أكثر من دور روسي إنساني مدعوم سياسياً ودبلوماسياً في إطار الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وفي إطار سياسة خارجية روسية نشطة على المستوى الدولي والإقليمي، تستند في تحركاتها إلى القانون الدولي الإنساني وقرارات الأمم المتحدة، وتتبنّى الملف الإنساني لرفع الحصار الشامل والسماح بدخول إمدادات الغذاء والوقود، سيما عبر ميناء الحديدة الذي يعتمد عليه 70% من السكان، إضافةً إلى إعادة فتح مطار صنعاء الدولي، ومن ثم الانتقال إلى جهود السلام الرامية إلى وقف إطلاق النار، وتقريب وجهات النظر بين الأطراف الرئيسية التي تملك القرار لاستئناف المفاوضات، ويُمكن لهذا الدور أن ينطلق مستنداً إلى المواقف الروسية الرسمية تجاه الملف اليمني المتمثلة في ما يلي:
– موقفها المعارض للتدخّل العسكري الخارجي في اليمن، ودعواتها للوقف الفوري لإطلاق النار.
– استئناف عملية المفاوضات، ورفع المعاناة الإنسانيّة والحصار المخالف لميثاق الأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن.
وكذلك مواقفها الداعمة في مجلس الأمن لوحدة اليمن، وعدم السماح بتمرير بعض القرارات والبيانات التي تتبناها الولايات المتحدة وبريطانيا.. وبما يتفق مع رؤية موسكو للأمن الجماعي في منطقة الخليج.
انطلاقاً من هذه المواقف، موسكو مدعوّة إلى تطوير دورها وتوسيعه في الملف اليمني، وإعادة تقييم سياستها، ، ونأمل أن تكون إقالة السفير ديدوشكين هي الخطوة الأولى لدور روسي فاعل ، من خلال تدخل سياسي ودبلوماسي أكبر في إطار مصالحها وتنافسها مع الولايات المتحدة في المنطقة على المدى الطويل ، فمحاولة القوى الغربية المهيمنة على الممر الملاحي الممتد في البحر العربي وخليج عدن إلى البحر الأحمر عبر باب المندب ، لا يعني اليمن فقط ، بل إن روسيا والصين مستهدفتان بشكل رئيسي من هذا المخطط .
قدمت روسيا خدمة جليلة لتحالف العدوان بسماحها بتمرير قرار مجلس الأمن المشؤوم رقم « 2216» الذي شرعن الحرب والحصار، وما نتج عنهما من كوارث إنسانية هي الأسوأ وفقا للشهادات الأممية، وعليها أن تعمل لإيقاف استثمار تحالف العدوان لهذا القرار المشين . .
ويمكن القول ، إن القيادة السياسية في صنعاء ، دون غيرها ، تستطيع ضمان مصالح روسية في اليمن تُنهي الإقصاء الَّذي دام لعقود لمصالح روسيا الاقتصادية والاستثمارية في اليمن لصالح الولايات المتحدة والغرب، من خلال إعطاء الشركات الروسية أولوية في المجالات الحيوية، كالنفط والغاز وإعادة الإعمار، إضافة إلى إمكانية بناء تحالفات سياسية وعسكرية وأمنية.
لا شكّ في أن أي رهان روسي لتحقيق مصالح في اليمن عبر أطراف خارجية سيفشل حتماً، فقد أثبتت السنوات السبع الماضية ، أنَّ حكومة الإنقاذ تملك قرارها في أحلك الظروف، ولا تقبل الإملاءات أو الضغوط، وحتى في إطار المصلحة الوطنية والتفاهمات المشتركة، هناك سقف وطني للتنازلات لا يُمكن لها تجاوزه.
صفحة جديدة
بعد نحو سبع سنوات من العدوان ، أصبح لدى موسكو خبرات متراكمة في الملف اليمني، في حصيلة علاقاتها بمختلف الأطراف ، كما يُفترض أن تكون صورة المشهد قد تجلت لدى موسكو بأنها دعمت الأطراف الأكثر ضعفاً في المعادلة اليمنية.
لذا، إن القراءة المعمقة لمستجدات الوضع في اليمن واستشراف مستقبله تحتم على روسيا طيّ صفحة صالح ، ووقف التعاطي غير المجدي مع قيادات جناح الخارج لحزب المؤتمر الشعبي، لكونها لا تُمثل سياسة الحزب الذي يُعد طرفاً رئيسياً في حكومة الإنقاذ بصنعاء، كما أن الفشل والانحسار الكبير لسلطة الفار هادي وحكومته التي تتلاشى شرعيتها المزعومة، تظهر أن لا جدوى من التعاطي مع ما يسمى المجلس الانتقالي المرهون قراره بالنظام الإماراتي الذي يُهيمن على المجلس وقيادته الضعيفة التي لا تملك أي خبرات سياسية.
وديدوشكين من مواليد العام 1953م، بدأ مسيرته الاحترافية في المجال الدبلوماسي سنة 1976م، حيث شغل مناصب عدة في مقر وزارة الخارجية الروسية وفي الخارج، وعمل من 2011 إلى 2013م كبير مستشارين في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
تجاوز المعوقات السعودية ـ الأمريكية
يدرك القادة الروس وهم يعملون على استعادة روسيا كقوى عظمى من جديد، أن الانسحاب من المنطقة في أعقاب الحقبة السوفيتية، ترك روسيا في موقع يصعب منه حماية مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية المتوارثة مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية وزعزعة الربيع العربي عام 2011م لأسس التوازنات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا .
لا زالت هذه الإحلام الروسية تواجه بعض التحديات، فالسعودية – الجهة الأبرز في الحرب اليمنية – قد تجاهلت حتى الآن عروض روسيا بالدخول كوسيط في الحرب اليمنية ، ومن الواضح أن السعودية – أسوةً بحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية – لا تزال متوجسة من علاقات روسيا الوثيقة والقديمة مع إيران، في حين تبقى الأمم المتحدة إحدى الأدوات التي تحاول روسيا توظيفها لتحقيق حلول متوازنة تحقق المصالح اليمنية والدولية .
وقد سبق لروسيا أن عبرت عن امتعاضها مما ترى أنها جهود أمريكية خارج إطار الأمم المتحدة تسعى من خلالها لصياغة حل للیمن يتماشى مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية.
يمكن أن تمثّل الجهود الروسية، في حال آتت ثمارها، مكسباً اقتصادياً، فضلاً عن الانتصار الجيوسياسي الذي يبقى في النهاية الغاية الأهم في نظر موسكو، فإذا ما كان للدولة الروسية أن تنسب الفضل لنفسها في جلب السلام إلى اليمن، تستطيع موسكو أن تستعيد شيئاً من نفوذها في أحد خطوط الشحن الرئيسية الذي يمر بالشرق الأوسط والقرن الأفريقي .
الهوامش والمصادر :
اليمن في خريطة المصالح الروسية – مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية
ـ دعوة روسيا إلى دور فاعل في اليمن ـ محمد السادة ـ قناة الميادين
ـ السفير الروسي المقال ، فلاديميرديدوشكين من مواليد العام 1953م، وبدأ مسيرته في المجال الدبلوماسي سنة 1976م، حيث اشتغل مناصب عدة في مقر وزارة الخارجية الروسية وفي الخارج، وعمل من 2011 إلى 2013 كبير مستشارين في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

قد يعجبك ايضا