راهن عليها كورقة رابحة في تحقيق الانكسار

الاستعمار الجديد يفشل في توظيف الورقة الاقتصادية لتغيير مسار الانتصارات وتحقيق الاستقلال

 

يعود اهتمام الاستعمار البريطاني باليمن إلى القرن السابع عشر الميلادي عندما حاول احتلال جزيرة ميون الواقعة في مضيق باب المندب ليتحكم في طريق الملاحة البحرية بين الشرق والغرب، ناهيك عن الأهمية الجيوسياسية، المتيحة للاستعمار البريطاني، التحكم بمستعمراته في شرق وجنوب أفريقيا وغرب وجنوب آسيا انطلاقاً من عدن، أضف لذلك الأطماع البريطانية في الثروات التي تزخر بها بلاد اليمن.
في العقد الثالث من القرن التاسع عشر حققت بريطانيا حلمها باحتلال جنوب اليمن ومعه كل الجزر اليمنية، من سقطرى في البحر العربي إلى كمران في البحر الأحمر مرورا بميون في مضيق باب المندب.
الثورة / يحيى الربيعي

خرج الاحتلال بعد قرن ونيف ونضال مرير تكلل بالاستقلال في الثلاثين من نوفمبر 1967م ولكن حنين المحتل لا يزال يراوده للعودة إلى اليمن من جديد.
وفي سباقٍ مع الزمن، وخشية تسارع الأحداث وامتداد الإنجازات الميدانية التي تُحقّقها قوّات صنعاء على الأرض إلى مكانٍ يفقد فيه تحالف أدوات الاستعمار الجديد إمكانية تحقيق ذات الفرص من الاهتمامات بصيغ جديدة لأهداف قديمة هي ذاتها آنفة الذكر، يتحرك الشريكان الغربيّان الرئيسان لتحالف العدوان على اليمن، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بكل إمكانياتهما وأدواتهما في المنطقة لمحاصرة هذه الإنجازات وتقويض تحقيق الهدف الأسمى لها في نيل اليمن حريتها، وأهمها حرية القرار السياسي والاقتصادي ووضع اليد على الثروة اليمنية.

تحركات
لعلّ الإنجازات الأخيرة للجيش اليمني واللجان الشعبية في البيضاء ومارب، وشبوة دقّت ناقوس الخطر لدى واشنطن ولندن، ما دفع أمريكا تحديداً إلى الانخراط المباشر في مجريات العدوان.
وهي الحلقةٌ التي تستهدف تعزيز وجود أمريكي في المواقع الاستراتيجية اليمنية، وتحديداً في السواحل والجزر والممرّات البحرية، تمهيداً للسّطْو على نفط البلاد، وغازها وثرواتها الطبيعية الأخرى، في ما يمثّل تجلّياً للحنين إلى الاستعمار الذي يبدو أنه لا يزال يراود لندن.
وهذا ما يمكن من خلاله فهم تحركات التصعيد العسكري الأخير، ومن قبله قدوم قوّة عسكرية بريطانية إلى محافظة المهرة اليمنية- في أعقاب استهداف الناقلة الإسرائيلية (ميرسر استريت) قبالة المياه العمانية في بحر العرب- على أنه دلالة واضحة على أنّ المملكة المتّحدة تُواصل احتلال موقع الصدارة في الانخراط الغربي في العدوان على اليمن، في إطار عمليّة انتشارٍ أوسع تشترك فيها لندن وواشنطن في منطقتي المحيطَ الهندي والبحر العربي، وباب المندب وخليج عدن.
وهذا ما يتماشى مع المراجعة التي أجرتها حكومة بوريس جونسون، بخصوص السياسات الخارجية، والتي من ضمنها تعميق التواجد البريطاني في آسيا بدوافع أمنية وعسكرية، ولو تحت ستار ذرائع كاذبة لتبرير التدخّل العسكري الهادف إلى تثبيت الهيمنة مباشرةً أو من خلال دعم الأنظمة القمعية لتبقى مصالح المملكة المتحدة، سواءً الاقتصادية أو العسكرية أو الاستراتيجية، المتحكّم الرئيس ببوصلة تحركها في اليمن.
في الآونة الأخيرة، حاول التحالف الأميركي- البريطاني- الإسرائيلي توظيف حادثة (ميرسر استريت) في أكثر من اتجاه، فإلى جانب السّعي إلى تشكيل تحالفٍ دولي تحت عنوان حماية الممرّات البحرية والتجارة العالمية، عمدت لندن إلى توسيع معركة التوظيف ليطال اليمن، حيث حاولت إلصاق المسؤوليّة على “أنصار الله” في مهاجمة السفينة، وكان ذلك ذريعة للدفع بالمزيد من القوات البريطانية إلى محافظة المهرة.
وبما أن السعودية تمثل- الذراع والأداة الطولي في العدوان البريطاني- الأمريكي- الإسرائيلي على اليمن- فقد وقّعت، بداية العام الجاري، اتّفاقاً عسكرياً مع بريطانيا لتنفيذ ما اسمي بـ(أعمالاً أمنية) في المحافظة المذكورة، بدعوى (تعزيز أمن وسلامة الملاحة الدولية ومكافحة تهريب المخدرات والسلاح).
ومن ذلك الحين، قوات عسكرية وأمنية بريطانية تتواجد إلى جانب قوات أميركية وسعودية، في مطار الغيضة وعشرة مواقع أخرى، وهو ما سبقه قيام وفد من كبار ضباط المخابرات البريطانية، برفقة مسؤولين سعوديين، بزيارة إلى المهرة.
بالإضافة إلى ما كشفته الأجهزة الأمنية في صنعاء، بداية العام الجاري، عن (خلايا) تُدار مباشرة من قِبَل المخابرات البريطانية، وتعمل على رصد تحرّكات الجيش واللجان الشعبية.

متغيرات
لا يمكن فصل ما يجري على الساحة الاقتصادية اليمنية من تغيرات وتقلبات عن الأهداف الاستراتيجية للاستعمار الجديد، فالمعروف منذ الأزل أن تدمير البني الاقتصادية للخصم هو تمهيد استراتيجي مدروس مسبقا بغرض إضعاف القدرات وتوسيع الهوة بين سلطات الخصم وتابعيه بخنقه اقتصاديا بما يجعله غير قادر على تلبية احتياجات البقاء وتمويل خطوط المواجهة.
فإلى ذلك تفيد التقارير الدولية بشأن خسائر اليمن الاقتصادية المتصاعدة بتصاعد العدوان والحصار الأمريكي السعودي على البلد منذ العام 2015م، وأدت إلى تداعيات وخيمة على اقتصاد البلد، وتسببت بانخفاض ناتجه المحلي الإجمالي من 35.7 مليار دولار في عام 2014م إلى 20.1 مليار دولار عام 2019م.
وكانت تقارير (تقييم تأثير الحرب على اليمن) الصادرة عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، توقعت بلوغ الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاد البلد في عام 2030م نحو 100.3 مليار دولار، أي أنه سينمو بنسبة ثلاثة أضعاف ما كان عليه في عام 2014م عندما بلغ 35.7 مليار دولار.
وخلال الأعوام الخمسة الأولى من العدوان الأمريكي السعودي على اليمن وهي الفترة الممتدة من 2015م وحتى 2019م، انخفض الناتج المحلي الإجمالي إلى 20.1 مليار دولار.
وتؤكد التقارير أن معدل نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بدأ بالتحسن منذ عام 2014م، وهو العام الذي شهد اليمن خلاله قيام ثورة 21 سبتمبر، إذ ارتفع من -2.7 في المائة إلى 2.3 في المائة عام 2019، بينما كان سيرتفع إلى 4.7 في المائة عام 2030م، أي ما يساوي 5900 دولار سنوياً.
وشملت الآثار الاقتصادية للعدوان والحصار المفروض على اليمن، أيضاً ما يسمى خسائر الناتج الاقتصادي والتي بلغت 88.8 مليار دولار خلال عام 2019م، أما إذا استمر العدوان والحصار على اليمن فإن فاقد الناتج الاقتصادي سيزيد إلى 180.8 مليار دولار عام 2022م.
وبحسب التقارير فإن الخسائر ستزيد إلى 656.9 مليار دولار بحلول عام 2030م، أي 26 ضعفاً عمّا كان عليه حجم اقتصاد اليمن عام 2014م في حال تواصل العدوان على البلد.
إلى ذلك خسر الاقتصاد اليمني جراء العدوان والحصار، قرابة 90 مليار دولار خلال الفترة من 2014م وحتى 2020م، إذ فقد جزءاً كبيراً من التكوين الرأسمالي للقطاعين العام والخاص والذي يمثل خلاصة العمل والإنجازات الاقتصادية على مدى العقود الماضية، إلى جانب تدمير وتعطيل مؤسسات الدولة وإيقاف الرواتب والعمليات الإنتاجية وضياع الإيرادات وخصوصاً النفط والغاز، مما انعكس سلبا على الوضع الاجتماعي والإنساني لملايين اليمنيين.
وتشير التوقعات إلى أن اقتصاد اليمن الذي يمر بظروف حرجة للغاية، بعدما وصلت معدلات التراجع التراكمي لمؤشرات الاقتصادية الكلية إلى أسوأ مراحلها، ما يزال يواصل الانحدار طالما وأن العدوان والحصار مستمران.

أحداث ومفاجآت
ومع هذا جاءت المفاجأة للاستعمار الجديد صادمة وغير متوقعة بما حدث من انتصارات لم تكن في حساباته، لأنه بهذه الضغوط الاقتصادية، وما خفي أعظم، كان يتوقع إحداث شروخ وتدهور وتفكك في الجبهة الداخلية خاصة في المناطق الحرة.. لكن الله ألف بينهم وثبت أقدامهم، وأيدهم بنصر مبين، وأحبط كيد الماكرين.
ولا ننسى تأكيد ما نذهب إليه بالإشارة إلى أن أهمية المنطقة تنبع من أمرين، الأول (جيوسياسي) من حيث الموقع كنقطة متوسطة في العالم تربط الشرق بالغرب والشمال بالجنوب، والأمر الثاني (اقتصادي) لثراء المنطقة المحيطة بالثروات الطبيعية مثل النفط والغاز والمعادن، وذلك ما فطنت إليه أمريكا عقب الحرب العالمية الثانية وما قامت إليه بريطانيا قبلها عندما احتلت جنوب اليمن.
كما أن الأهداف السياسية والاستراتيجية من محاولة السيطرة الأمريكية البريطانية السعودية على الثروات السيادية لليمن آبار النفط والغاز في محافظات مارب وحضرموت وشبوة يضاف إليها أهمية المحافظات الثلاث كموقع استراتيجي مهم في مناطق النفط والغاز فهي تحتوي على احتياطي كبير من النفط والغاز يُعد مطمع احتلال وكشواطئ ممتدة على خليج عدن وبحر العرب.
إن تأثير الانتصار في معركة تحرير مارب والجوف وشبوة على العدوان الأمريكي السعودي بشكل مباشر لن يصيب تلك الأطماع في عمقها الاستراتيجي فيفشله فحسب، وإنما سيعزز من فرص تعميق الوحدة، لأن محافظتي حضرموت وشبوة وما تبقى من مارب واقعة حاليا تحت سيطرة العدوان ومرتزقته ويشكل ذلك حجر عثرة أمام وحدة البلاد وسبباً كبيراً في تمزقها، لهذا، فإن الانتصارات التي نشهدها تضع العدوان ومرتزقته على مفترق الطرق وتؤثر عليهم ليس فقط في انتهاء العدوان والحصار، بل وفي انتهاء نفوذهم ومصالحهم التي راكموها خلال عقود.
كما تأتي- أيضا- عملية التطبيع العربية الإسرائيلية لمد جسور التعاون الاقتصادي ووصل الطرق البحرية وكل ذلك بحاجة إلى تأمين الطريق الملاحي البحري على امتداد الساحل اليمني وخصوصا الساحل الغربي وباب المندب بدليل ما تتلقاه الإمارات من مساعدات إسرائيلية أمريكية مباشرة في عمليات التموضع في جزر ميون وسقطرى والساحل الغربي وبناء قواعد عسكرية أمريكية وإسرائيلية على جزيرة ميون الاستراتيجية الواقعة في باب المندب الذي يمر فيه ما يزيد عن أربعة ملايين برميل نفط يوميا، وأكثر من 90 % من تجارة اليابان العابرة إلى أوروبا وهو ما زاد من الاهتمام الأمريكي بعد دخول الصين خط المنافسة الاقتصادية وتمر فيه أيضاً ما يقارب 38 % من الملاحة العالمية.
كل ما سبق يعبر عن جزء من أطماع ودوافع أمريكا للسيطرة الاقتصادية على اليمن، ووفقا لذلك فنحن بحاجة أولاً إلى استعادة السيادة باستقلال جديد تحققه روح الوحدة في 30 نوفمبر جديد يخرج أرتال الاستعمار الحديث من كامل تراب وجزر وبحر اليمن الحبيب، ثم إنشاء جيش قوي يدافع عن المصالح الاقتصادية في المياه الإقليمية وكل بر من تراب الجمهورية اليمنية.

قد يعجبك ايضا