داعش في أفغانستان .. تجنيدٌ أمريكيٌ مبكرٌ لما بعد الانسحاب

عبدالرحمن الأهنومي – رئيس التحرير

مع إنهاء أمريكا لحربها واحتلالها الذي امتد عشرين عاما في أفغانستان _ وبمعزل عن مشهد الانسحاب المذل الذي يعكس فشلا أمريكيا ذريعا داخل الإدارة الأمريكية نفسها_ فإن السيناريوهات لما بعد الانسحاب ظلت غامضة في البدء مع حدوث الفوضى في مطار كابول خلال الانسحاب المذل والمريع، لكنه غموض أزيل بالتفجيرات التي ضربت محيط مطار كابول الخميس الماضي وإعلان داعش_خراسان_ مسؤوليته عنها، وعلى الإثر نفذ الجيش الأمريكي أول غارة جوية على أفغانستان ليرسم بذلك مشهد ما بعد الانسحاب.
لربما كان الغموض سيستغرق أسابيع قبل أن يتمكَّن المُحللون- بشكل كامل- من فهم الصورة الكاملة لديناميات الوضع في أفغانستان- لكن التفجيرات التي ضربت محيط المطار وإعلان داعش المسؤولية عنها- وما أعقبه من اندفاعة أمريكية في أجواء أفغانستان، بمبرر ملاحقة داعش- كشف عن مشهد ما بعد الانسحاب بصورته الكاملة.
أعيدت طالبان إلى كابول وإن لم يكن وفق السيناريو المعد؛ لأسباب تعود إلى فشل الإدارة الأمريكية، إلا أنه انتشار متفق عليه مسبقا فقد تم بالتفاوضات والتفاهمات، ظهرت داعش خراسان من خلال تفجيرات كابول في أفغانستان لتمنح الإدارة الأمريكية ذرائع جديدة، تعيد إشراك أمريكا في أفغانستان وفي دول آسيا الوسطى دول الاتحاد السوفياتي تحت مبررات منع تمدد الإرهاب.
فبعد التفجيرات التي أعلنت داعش مسؤوليتها بساعات قليلة فقط، شن الجيش الأمريكي أول غارة جوية متذرعا بأنها استهداف لمسؤول التخطيط داعش، وقال بيان الجيش الأمريكي «البنتاغون»، إن تنفيذ الضربة تم بطائرة درونز بدون طيار ضد مسؤول التخطيط في تنظيم «داعش خراسان» خلال تواجده في إقليم نانغارهار، شرق أفغانستان على الحدود الباکستانية.
المؤكد أن الإدارة الأمريكية هي التي صنعت داعش في العراق وسوريا والكلام حول هذا كثير جدا، والمؤكد أن الإدارة الأمريكية هي من قامت بنقل داعش من العراق وسوريا إلى أفغانستان، حين بدأت التفاوض مع طالبان حول الانسحاب من أفغانستان عام 2015 م، والمؤكد أن الإدارة الأمريكية على علم بالطريق الذي سلكه الداعشيون للانتقال من العراق إلى أفغانستان، والمؤكد أنها على علم وثيق بأماكن قيادات داعش في أفغانستان ومقراتهم، وأنهم يتحركون تحت أنظارها وبأعينها، وإلا لما تمكنت من القضاء على مخطط داعش بتلك السرعة.
وبوضوح عادت أمريكا إلى أفغانستان من بوابة داعش، وبموازاة الذريعة فإن تمدد طالبان يأتي ضمن صيغة توازن القوة التي ترتبها الإدارة الأمريكية، فما إن أعلنت داعش مسؤوليتها عن التفجير الانتحاري الذي ضرب محيط المطار حتى باشرت الطائرات الأمريكية المسيرة في التحليق وتنفيذ الطلعات الجوية في كل أرجاء أفغانستان، أمريكا سحبت قواتها من أفغانستان لكنها لا تغادرها فقد صنعت البدائل وهيأت الظروف، أعادت نشر طالبان، وحتى لا تكتسب القوة التي قد تصبح عقبة أمام أمريكا ولتوجد توازن قوى، أوجدت داعش كذلك لهذه المهمة، وكذريعة توفر لها مناخات سياسية للبقاء في دول آسيا الوسطى.
أمريكا اليوم وبعدما سحبت قواتها من أفغانستان، لا تريد مغادرة منطقة آسيا الوسطى، فهي تسعى إلى التمدد داخل دول آسيا الوسطى أو ما يعرف بدول الاتحاد السوفيتي سابقا، وداعش هي الذريعة الأفضل التي ستعيد أمريكا إلى أفغانستان بتموضعات جديدة، وهي الذريعة التي ستدفع الدول المحيطة بأفغانستان لفتح قواعدها العسكرية أمام الجيش الأمريكي وأجهزة الاستخبارات الأمريكية كذلك، هذا الأمر بطبيعة الحال بحثته قيادات عسكرية أمريكية بالفعل مع المسؤولين في دول الاتحاد السوفيتي السابق مثل أوزبكستان، وعقدت لقاءات عديدة خلال الأشهر الماضية، كانت أوزبكستان ودول أخرى تخشى مُعارضة كبيرة من جانب روسيا التي ترى أن دول آسيا الوسطى- التي كانت تتبع في السابق الاتحاد السوفيتي- مُهمة للغاية لحماية مصالحها الاستراتيجية، وهو ما تسعى الإدارة الأمريكية لتفاديه من خلال إظهار داعش في أفغانستان وقبل ذلك نقلها من العراق وسوريا.
خلاصة الأمر، أن الغارة الأمريكية الأولى رسمت مشهد ما بعد الانسحاب من أفغانستان، وتبقى الأسئلة المطروحة عمن أوصل داعش من العراق وسوريا إلى أفغانستان، وكيف تمكنت داعش من الانتشار فيها في وقت ما تزال فيه القوات الأمريكية جاثمة على رأس تحالف دولي من جيوش الناتو، قبل ذلك تمددت داعش في العراق في ظل وجود التحالف الدولي ذاته الذي تقوده أمريكا بزعم مواجهة داعش نفسها!
منذ بدأت أمريكا التفاوض مع طالبان بداية العام ٢٠١١م ثم ٢٠١٥م، عملت على تهيئة الأوضاع لما بعد الانسحاب الذي حددته بـ11 سبتمبر أيلول، بدأت الأخبار وقتها تتحدث عن انتقال داعش من العراق وسوريا إلى أفغانستان، والمؤكد أن نقلها أتى في سياق استراتيجية أمريكا في إحلال البدائل ونقل الذرائع من بلد إلى آخر، هي أمريكا التي لن تترك بلدا احتلته إلا بعد أن ترتب أوراقها إذا لم تغادره تحت ضغط المقاومة والتحرير المسلح.

قد يعجبك ايضا