نفحات إسلامية: فاطمة الزهراء (عليها السلام) في أحضان النبوة والإمامة

 

مما لا شك فيه ان السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) امتازت بعدة خصائص حباها الله (عزوجل) ليجعلها فوق نساء العالمين ,إن ذرية النبي الاكرم محمد(صلى الله عليه وآله) انحدر منها فهي الكوثر الذي استمر نسل النبي الاكرم منها، وكانت سورة الكوثر إشارة إلى ذلك إذ قال تعالى ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ* وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ).
وبالإضافة لمكانتها (عليها السلام) عند الله فقد أمر (عزوجل) النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله) أن يزوج ابنته (عليها السلام) من الإمام علي بن أبي طالب الهاشمي القُرشي حسب ما رواه جابر بن عبد الله الأنصاري قال: “لما زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة الزهراء(عليها السلام) آتاه أناس من قريش, فقالوا: انك زوجت فاطمة بمهر قليل, فقال لهم (صلى الله عليه وآله) : ما أنا زوجت فاطمة , ولكن الله تعالى زوجها ليلة أسرى بي عند سدرة المنتهى فأوحى الله (عزوجل) إلى السدرة إن انثري فنثرت الدر والجوهر على الحور العين فهن يتهادينه ويتفاخرن به ويقلن : هذا من نثار فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) فلما كانت ليلة الزفاف آتي النبي (صلى الله عليه وآله) ببغلته الشهباء وثنى عليها قطيفة وقال لفاطمة (عليها السلام) : اركبي وأمر سلمان المحمدي أن يقودها والنبي (صلى الله عليه وآله) يسوقها ، فبينما هو في بعض الطريق إذ سمع النبي (صلى الله عليه وآله) فإذا هو بجبرائيل(عليه السلام) في سبعين ألفاً وميكائيل في سبعين ألفاً فقال النبي (صلى الله عليه وآله) ما أهبطكم إلى الأرض ؟ قالوا : جئنا نزف فاطمة (عليها السلام) إلى زوجها، وكبر جبرائيل (عليه السلام) وكبر ميكائيل (عليه السلام) وكبرت الملائكة وكبر النبي محمد (صلى الله عليه وآله) فوضع التكبير على العرائس من تلك” ، وقال النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله) :” لو لم يخلق الله علي بن أبي طالب لما كان لفاطمة كفء من الخلق”[1].
يمكن القول تعدّ السيدة فاطمة (عليها السلام) همزة الوصل بين النبوّة والإمامة أي انها المرأة الوحيدة التي ربطت بين النبوَّة والإمامة، فهي زوجة أوّل إمام، وأمّ الأئمّة الباقين، وهذه ميزة خصَّها الله (عزوجل).
وفي رواية أخرى عن الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال:” بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس ذات يوم إذ دخلت أم أيمن في ملحفها شيء فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا أم أيمن أي شيء في ملحفتك ؟ فقالت : يا رسول الله فلانة بنت فلانة أملكوها فنثروا عليها فأخذت من نثارها شيئاً، ثم إن أم أيمن بكت ، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما يبكيك ؟ فقالت : فاطمة زوجتها فلم تنثر عليها شيئاً فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا تبكين فو الذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً لقد شهد أملاك فاطمة جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في ألوف من ملائكة ولقد أمر الله طوبى فنثرت عليهم من حللها وسندسها وإستبرقها ودرها وزمردها وياقوتها وعطرها فأخذوا منه حتى ما دروا ما يصنعون به ، ولقد نحل الله طوبى في مهر فاطمة فهي في دار علي بن أبي طالب (عليه السلام)”[2].
في الوقت نفسه كانت (عليها السلام) تعيش مع النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله) في فكره، وبذلك رأينا ان السيدة (عليها السلام) التي لم تدخل إلا مدرسة النبي الاكرم، ولم تتعلم إلا في بيته (صلى الله عليه وآله)، أنها كانت تملك من الثقافة ما لم تجده في التراث الذي وصلنا من المسلمين في تلك المرحلة.
وذلك يمكن القول ان كلمة أنها “سيدة نساء العالمين”، أي كانت (عليها السلام) تجمع عناصر الشخصية التي تتميّز بها المرأة وترتفع بها حتى تكون في مواقع القمّة، لأنّ قضيّة أن تكون سيدة نساء العالمين، ليست مجرد مرتبة تُعطاها دون أن تملك عناصرها في شخصيّتها، ولكنها مرتبة تعطاها من خلال ما يعرفه الله (عزوجل) الذي خلقها من عناصر هذه الشخصية.
وقد نستوحي من بعض الروايات التي وردت عن الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) عندما سأل كم عاشت فاطمة(عليها السلام) بعد النبي الاكرم محمد(صلى الله عليه وآله) ؟ فقال :”أربعة أشهر وتوفيت ولها ثلاث وعشرون سنة”[3].
وبذلك عاشت السيدة فاطمة موجات عاتية من الآلام على فقد أبيها وغصب حقّها، فقد برح بها المرض، وقد فتكت بها الآلام، ومشى إليها الموت سريعاً، وهي في فجر الصبا وروعة الشباب، فقد حان موعد اللّقاء بينها وبين أبيها (صلى الله عليه وآله) الذي طلبت لقياه بفارغ الصبر[4].
أما في استشهاد السيدة (عليها السلام) اختلف الموقف فأشار الامام علي بن ابي طالب(عليه السلام) في دعائه عندما توفيت (عليها السلام) إلى جوانب مختلفة الأولى أعلن عن رضاه عنها قائلا:” اللهم إني راض عن أبنت نبيك اللهم إنها قد أوحشت فأنسها” وهذا جانب مهم في الحياة الزوجية , ثم أشار ما حل بها بعد النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله) من وحشتها، وكذلك مظلوميتها من ان سقط جنينها, والاستيلاء على الخلافة والإمام بهذه الشهادة قائلا:” اللهم إنها قد هجرت فصلها ، اللهم إنها قد ظلمت فاحكم لها وأنت خير الحاكمين” أراد أن يعلم محبيها التعرف بمظلوميتها حتى ترسخ في الأذهان وهي راسخة فعلاً نتوارثها جيل بعد جيل.
ثمّ أودع (عليه السلام) الجثمان في قبرها وأخفاه امتثالا لوصيّتها (عليه السلام) ووقف على حافّة القبر وهو يروي ثراه بدموع عينيه واندفع يؤبّنها بهذه الكلمات:
“السّلام عليك يا رسول الله عنّي وعن ابنتك النّازلة في جوارك، والسّريعة اللّحاق بك! قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري، ورقّ عنها تجلّدي، إلّا أنّ في التّأسّي لي بعظيم فرقتك وفادح مصيبتك موضع تعزّ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، فلقد استرجعت الوديعة، وأخذت الرّهينة! أمّا حزني فسرمد، وأمّا ليلي فمسهّد، إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم، وستنبّئك ابنتك بتضافر أمّتك على هضمها، فأحفها السّؤال واستخبرها الحال؛ هذا ولم يطل العهد، ولم يخل منك الذّكر، والسّلام عليكما سلام مودّع، لا قال ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد الله الصّابرين”.

قد يعجبك ايضا