تفكِّك العدوان وتأزم أطرافه العميلة

 

بعد 5 أعوام من العدوان الإجرامي على اليمن جرت تغيرات عديدة، أبرزها تآكل التحالف المعادي الدولي والمحلي لصالح تماسك الجبهة الوطنية الداخلية، فقد حمل التحالف العدواني الدولي والمحلي بذور تفككه منذ البداية؛ فلم يكن منسجماً ولا متوافقا حول قضية عادلة تسموا عليها ما دونها من نزعات ومصالح خاصة.

الثورة / أنس القاضي


جاء التحالف العدواني عبارة عن اجتماع لقوى لديها هدف مشترك في ضرب الدولة اليمنية والقوى الوطنية اليمنية، فيما تختلف على الأهداف التكتيكية ووسائل الوصول إلى الهدف الاستراتيجي المتمثل في ضرب الدولة اليمنية، وكان لصمود الشعب اليمني وقواه الوطنية ورجال الجيش واللجان الشعبية دور كبير في تشقق التحالف العدواني، فحين عجزت القوى العدوانية المتحالفة عن تحقيق الهدف الاستراتيجي العام الذي يوحدها، سارعت أطراف هذا التحالف العدواني إلى تلبية وتحقيق أهدافها الخاصة، بعيداً عن شركائها الأمر الذي أدى إلى تصادم المصالح ومن ثم تصادم القوى المتحالفة، وعادة ما كان يحدث التصادم السعودي الإماراتي عن طريق مرتزقتهما اليمنيين، وفي ذات الوقت فإن المرتزقة اليمنيين لديهم دوافعهم الخاصة للصدام، فالقوى العميلة التي رفضت اتفاق السلم والشراكة الوطنية الذي ابرم مع أنصار الله بعد انتصار ثورة 21 سبتمبر، ليس لديها قبول أن تسود الشراكة فيما بين أطرافها.
تحالف المرتزقة يتفكَّك
يعاني معسكر المرتزقة من خلافات حادة، تحتاج سُلطة العميل هادي لمعالجتها إلى أن تعيد هيكلة نفسها من جديد، بما يجعلها تنقلب على واقعها الفعلي (غير الديمقراطي وغير الوطني) وعلى أطماع دول العدوان، وهو ما لا يمكن تحقيقه.
تطورات الأحداث خلال السنوات الماضية دفعت إلى تأزم الخلافات والعُقد ووصلت إلى المواجهات العسكرية في أكثر من مرة بين قوات المرتزق هادي وقوات المرتزق عيدروس، وبين الإصلاح وأبي العباس، وبين طارق عفاش ومرتزقة تهامة ومع الأهالي والوجاهات في كل من الخوخة والمخا.
التطبيع العسكري والسياسي بين طارق صالح وهادي وعلي محسن لا يزال “باردا” فهو محكوم بالمصالح والحسابات بين أطراف الخيانة أكثر من المجاملات والولاء لقضية “استعادة الدولة والديمقراطية التوافقية” كما يزعمون، كما أن الدعم لطارق عفاش التي تقوم به الإمارات يثير سخط الإصلاح وسرور فرعي الحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري في تعز.
جاء ظهور طارق عفاش على مسار الأحداث بعد فتنة 2 ديسمبر 2017م ليقول بأن “شرعية هادي ومحسن” التي استفردت باستقطاب الكتلة السياسية والاجتماعية الشمالية واحتكار تجنيدها للعدوان، سوف تجد بجانبها منافساً في هذه الاستقطابات الخيانية، وهذا المتغير الجديد زاد من تفكك تحالف المرتزقة الذي كان في الأصل يعاني من تصدعات ومشاكل عميقة يعجز عن حلها.
يخشى الإصلاح من جعل الإمارات طارق والمؤتمر وكيلاً جديداً في الشمال تقتنع به السعودية، وتحول الدعم إليه وهو الأمر الذي بدأ، وهذا يعني لف حبل المشنقة على حزب الإصلاح الذي ليس له موطئ قدم راسخ في الجنوب، وتتمركز معظم قواته في تعز وسيئون بعد خسارته الجوف وهشاشة وضعه في مأرب، الأمر الذي يُنذر بمواجهات بين هذه الأطراف في تعز المحتلة وشواهدها ماثلة.
الخلافات والصراعات حول الملف الجنوبي
خلال الثلاثة الأعوام الماضية سجلت الحكومة العميلة فشلا ذريعاً في إدارة ملفات محافظات الجنوب وفي مقدمتها عدن، ونتيجة لذلك لجأت الحكومة العميلة إلى الدخول بالخلاف السياسي والصراع العسكري لتبرير فشلها من جهة، ولضرب مشروع أخوتهم في الارتزاق من جهة ثانية، وبرز هذا الواقع في تصريح الناطق باسم المجلس الانتقالي الجنوبي سالم ثابت العولقي حين دعا الجنوبيين للاتحاد فيما بينهم. وقال العولقي “إن الجنوبيين يحتاجون لوحدة صف حقيقية اليوم في وجه المخاطر التي يواجهونها.”
بدأت الخلافات تدب في جسد الحكومة العميلة فيما يخص الجنوب، بين الرئيس العميل هادي ونائبه العميل ورئيس حكومته خالد محفوظ بحاح والتي انتهت بإصدار هادي لقرار بإقالة بحاح. فيما بدأت تسوء العلاقة بين السعودية والإمارات بالنسبة للملف الجنوبي، من بعد أحداث “تمرد المطار” حين حدثت مواجهات بين الحرس الرئاسي وبين الحزام الأمني المدعوم من الإمارات، والذي يتزعمه الوزير المقال والمُحال للتحقيق آنذاك هاني بن بريك، وقامت طائرات أباتشي إماراتية بدعمهم ضد قوات الحماية الرئاسية.
أحد أسباب الخلافات الإماراتية السعودية هو جزيرة سقطري وجزيرة ميون، حيث وافقت حكومة بحّاح سابقا على منح الإمارات إدارة الجزيرتين لفترة 99 عاما، وبعد الإطاحة ببحاح انتهى الموضوع. فلجأت الإمارات في فرض سياساتها من خارج حكومة هادي حين ضعفت أياديها داخل الحكومة العميلة وعجزت حكومة هادي أن تكون أداة لتنفيذ الرغبات السعودية والإماراتية معا. وبإيعاز إماراتي محافظ عدن المقال عيدروس الزبيدي، كان يرفض الحضور اجتماعات هادي والحكومة، وكانت السلطة المحلية في عدن تفتعل تهييج الشارع ضد حكومة هادي، وتنظيم مظاهرات أمام قصر المعاشيق حين كان يتواجد هادي أو بحاح. يزيد من الخلافات أن هناك عجزاً للسياسيين الجنوبيين المحتكين بهادي عن التأثير في قراراته السياسية تجاه الجنوب.
وتتمحور الخلافات السياسية بالجنوب في مشروعين غير وطنيين، الأول مشروع الانتقالي وهو (استعادة واستقلال الجنوب) كم يزعمون والثاني مشروع “الشرعية اليمنية” ويتمثل بـ حماية الوحدة اليمنية كما يفترضون.
حرب الإصلاح و”أبو العباس” في تعز
في أواخر العام 2019م شهدت محافظة تعز مواجهات مُباشرة بين، حزب (الإصلاح) و(أبو العباس)، اشتدت المعارك فسيطر الإخوان على الجحملية ونكلوا بالسلفيين التابعين لـ(أبو العباس)، فشكل المحافظ لجنة للتهدئة، فحدث الآتي بالتسلسل:
• حزب (الإصلاح) شكل لجنة رئاسية للتهدئة رئيسها مرشد الإخوان في تعز (سالم).
• نصت اللجنة على خروج كافة القوات والتشكيلات العسكرية من المرافق المدنية.
• قامت اللجنة بتسلم قلعة القاهرة من (أبو العباس)، وكذلك استراحة المحافظ في المجلية، ومستشفى الجمهوري. وقبلها كانت قد تسلمت مقرات كل المرافق التي تقع في الجبهة الشرقية لمدينة تعز.
• رفضت قوات اللواء 22 ميكا التابعة لحزب (الإصلاح) مغادرة منتزه المسبح، وبقية المقرات التي تسيطر عليها.
• في 25 أغسطس أعلن أبو العباس مغادرته وكتائبه مدينة تعز، و”تركها لحزب الإصلاح” كما جاء في البيان.
• أصدر حزب الإصلاح بيانا وديا لـ(أبو العباس)، طالب قائد محور تعز (فضل حسن محمد) بعدم مغادرة (أبو العباس)، ارسل المحافظ (أمين محمود) وفد مكون من وكيل المحافظة محمد الصنوي (اشتراكي) والوكيل عبد القوي المخلافي، والعقيد عدنان رزيق (فرع انصر الشريعة في أبين، قائد ألوية الحماية الرئاسي في تعز).
• قبل أبو العباس الوساطات وأمر قواته بعدم المغادرة.
• تم مهاجمة قوات (أبو العباس) عند فندق تاج شمسان من قبل قوات النجدة (الإصلاحية)
• تم قنص مقاتلين ومصورين تابعين لأبي العباس.
• تم مهاجمة منطقة النسيرية، ومحاصرة المدينة القديمة، وهذه المناطق آخر أماكن تمركز قوات ومساكن الميليشيات التابعة لأبي العباس.
• قوات أبي العباس في مديرية جبل حبشي وجبهة الكدحة تتقطع للإصلاحيين وتنتقم منهم.
بعد هذه الأحداث اتجهت الأمور إلى بسط حزب (الإصلاح) السيطرة على حي النسيرية والمدينة القديمة آخر الحواضن الاجتماعية العسكرية لـ(أبو العباس). وكذلك السيطرة على قلعة القاهرة ومن ثم المدينة القديمة وكامل مدينة تعز المحتلة، كما تم إعادة تموضع كتائب أبي العباس الموالية للإمارات في ريف تعز بمناطق انتشار قوات اللواء 35 العميل للإمارات.
اتسع الخرق
تفتقر قوات المرتزقة إلى التناغم فيما بينها لتستطيع تركيز قواتها المهدورة ضد القوى الوطنية اليمنية، بعد مضي خمسة أعوام من العدوان، فرغم توحد هدفها بإسقاط سُلطة صنعاء، إلا أنها عجزت عن توحيد وتوجيه جهودها العدوانية، وهذه المسألة يتنبه لها ويدعو لمعالجتها دوماً المرتزق ياسين سعيد نعمان بإيعاز بريطاني، والمخلافي وبن دغر، وغيرهم، وجاء اتفاق الرياض بين المرتزقة محاولاً إعادة هذه اللحمة العميلة وتوحيد القوى الموالية للعدوان، إلا أن الاتفاق فشل، ولا يمكن أن يكتب له النجاح.
العوامل التي تصعّب توحّد المرتزقة
أصبحت الحكومة العميلة غير قادرة على بناء عوامل الثقة مع “الجنوبيين” وقواه السياسية والاجتماعية، وخاصة من بعد قرارات هادي التي أقصت أعضاء الانتقالي من السلطة المحلية في المحافظات الجنوبية، وبعد المعارك التي جرت في عدن وعن نقطة العلم، وتفجر “اتفاق الرياض”.
انفتاح الحكومة العميلة على الجناح العميل في المؤتمر مشروط بأن يقاتل تحت قيادتها، هذا الأمر أدى إلى ردة فعل مؤتمرية تطالب بجبهات ومعسكرات مستقلة ووضع طارق عفاش الذي هو حتى اليوم خارج وزارة دفاع هادي يعبر عن هذه الإشكالية.
الموقف الإماراتي يعيق تشكيل هادي الجبهة المتحدة للمرتزقة، لأن الإمارات تعمل على تحديد مسار القتال في اليمن كجزر متعددة ونخب وأحزمة أمنية مناطقية لأهدافها الخاصة.
قوى الإصلاح وعلي محسن بعد فقدان الأمل بالوصول إلى صنعاء مع التطورات الأخيرة في نهم والجوف ومأرب تهتم بالسيطرة على عدن ونفط شبوة أي الدخول في مجال الطرف الثاني “المجلس الانتقالي”.
في السائد فإن حزب الإصلاح في تعز يعمل على تكديس قوته وتكريس نفوذه أكثر من توجهه نحو الحسم العسكري مع الجيش واللجان الشعبية.
منذ مقتل الحمادي في ريف تعز، فهناك استعدادات للمواجهة المسلحة بين طرفي الارتزاق الإصلاح من جهة والمؤتمر والناصريين والاشتراكي من جهة ثانية.
يسعى الإصلاح بكل قواه لاحتكار “الشرعية” والحرب والعلاقة مع التحالف، وهذا يثير جنون بقية أطراف الارتزاق الاشتراكي والناصري يشعر بأنه مقصي من التأثير السياسي داخل حكومة “الشرعية، كما يتخوفان من تنامي القوة المسلحة لحزب الإصلاح في المناطق المحتلة.
نهاية التحالف بداية النصر
أدى تفكك التحالف والصراعات البنية لأطرافه إلى ضُعف القيادة المركزية للقوات المعادية في عمليات التوجيه والسيطرة، كما أن المواجهات التي ما تكاد تخمد لتشتعل بين أطراف المرتزقة تؤدي على الدوام إلى تشتت قوتهم المسلحة من أفراد وسلاح وتدخل في عملية استنزاف، وفي مقابل ذلك يزداد تصلب القوى الوطنية في صنعاء، الأمر الذي يؤدي إلى خسارة القوى العميلة مواقع ومناطق سيطرت عليها على مدار سنوات وأخذتها بالخيانة والخديعة والتكاتف فيما بينها والدعم العسكري السعودي الإماراتي المفرط، وشواهد هذه الحقيقة تهاوي كل الجبهات الذي فتحها العدو مؤخراً بداية من كشر حجور ثم وادي اوب جبارة كتاف والملاحيظ صعدة وحيران حجة ثم جبهة نهم والجوف وقريباً مأرب، وغيرها، مع تمسك القوات المسلحة اليمنية بواجب تحرير كافة الأراضي اليمنية من الاحتلال ومرتزقته.

قد يعجبك ايضا