سيادة الأفكار المتخلفة للقبيلة


والعسكر والأحزاب وراء خيباتنا منذ 1948م
■ ثورة سبتمبر أقامت كياناٍ بالشرعية الثورية ولم تبن فيها الدولة بالمعنى العام للكلمة
كانت الوحدة طموحاٍ عظيماٍ لبناء الدولة أطاحت به فكرة التقاسم والمشاريع المتخلفة للقبيلة
عندما يصبح الشيخ فوق المواطنة لا يمكن أن نطمـح إلى بناء نظام أو سيادة قانون أو دولة
انقلاب الخامس من نوفمبر عام 1967م وضع السلطات على أساس القبيلـة وليس الدولة
انتصار الثورة المضادة على ثورة سبتمبر الحقيقيـــة حرفها عن مسارها كلياٍ وألغى بناء الدولة
يرجع المفكر والسياسي والباحث والأديب المعروف عبد الباري طاهر بداية التفكير في مشروع بناء الدولة المدنية الحديثة في اليمن إلى العام 1948م ويرى أن ثورة سبتمبر أقامت كياناٍ بالشرعية الثورية لكنها لم تبن فيها الدولة بالمعنى العام للكلمة وأن انتصار الثورة المضادة حرف ثورة سبتمبر عن مسارها كلياٍ وألغى بناء الدولة بوضع السلطات على أساس القبيلة.
ويؤكد طاهر أن تسييد القبيلة فكراٍ وثقافة يعني كارثة لأنه ليس نفياٍ للدولة فقط وإنما نفياٍ للشريعة يقوم على الجاهلية الأولى معتبراٍ أن تقاسم النفوذ والمصالح بأفق متخلف لا تزال سمة مشتركة للقوى التقليدية والسياسية لا تخدم بناء الدولة بأي مفهوم مؤكداٍ أن سيادة الأفكار المتخلفة والتقليدية للقبيلة و العسكر و الأحزاب وراء الخيبات المتعاقبة التي مني بها اليمن منذ 1948م.. وغير ذلك مما يرد في هذا الحوار:

*هل كانت مقومات الدولة غائبة كلياٍ في اليمن قبل ثورة سبتمبر كما يشاع¿
– طبعاٍ للأسف الشديد اليمن في العصر الحديث لم تتمكن من بناء الدولة.. كان هناك زعامة روحية للإمام إمام ديني ولكن يمتلك مفاتيح الدنيا والآخرة وبيده كل السلطات فلا يوجد مجلس وزراء ولا يوجد مجلس تشريعي ولا قضاء أيضاٍ ولا يوجد جيش وطني حقيقي ويعتمد على مليشيات شعبية التي هي القبائل الموالية لمشايخ الضمان.

مشروع مبكر
*يطرح البعض أن مشروع بناء الدولة المدنية لم يجر تبنيه إلا متأخراٍ جداٍ مارأيك¿
– في 1948م كان الميثاق المقدس ينص على بناء دولة فيها فصل بين السلطات وفيها مجلس نواب منتخب وفيها مجلس وزراء له صلاحيات محددة بحسب الميثاق المقدس.. وكان مشروع بناء دولة حقيقية ولكن فشلت الثورة أو الانقلاب الدستوري كما يسمونه خلال أسابيع فأجهض المشروع.
*ماذا عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وهدف بناء الدولة¿
– جاءت ثورة 1962م وطرحت أيضاٍ قضية الدولة ولكن هذه الثورة أيضاٍ شْنت عليها حرب خلال سبع سنوات ولم تتمكن خلال هذه الفترة من بناء أجهزة الدولة الحقيقة بما في ذلك مجلس نواب ومجلس وزراء وإن كان قد سْن أكثر من دستور مؤقت ودستور دائم كلها كانت تنص على بناء الدولة.
لكن بسبب الحرب كان كل شيء موظف لصالح الحرب وأعيق بناء الدولة المنتظرة في المتوكلية اليمنية خاصة وفي الجمهورية العربية اليمنية فيما بعد.

إخفاق الدولة
* إلى أي مدى نجحت ثورة سبتمبر في تحقيق التغيير الاجتماعي للأفضل¿
-ثورة سبتمبر أقامت كياناٍ بالشرعية الثورية ولكن لم تبن فيها الدولة بالمعنى العام للكلمة العدل الحرية الديمقراطية الفصل بين السلطات مجلس منتخب شرعية ديمقراطية. كل هذه الأشياء لم تبنها. كان هناك شرعية ثورية تقوم على أساس تكريس كل جهودها لحماية الثورة والجمهورية.
ولكن لم تبن مؤسسات حقيقية للدولة وهذا الذي أعاقها قضية حرب السبع السنوات وأيضاٍ العمر القصير للثورة لأن انقلاب الخامس من نوفمبر عام (1967م) وضع السلطات على أساس القبيلة وليس الدولة.

ثورة مضادة
*معنى هذا أنك تؤيد ما يطرح أن ثورة سبتمبر أجهضت أو انتكست أو حرفت عن مسارها¿
-بالضبط أعيقت الثورة بحرب السبع سنوات. ثم انتصرت الثورة المضادة في نوفمبر 1967م على الثورة الحقيقية (ثورة السادس والعشرين من سبتمبر) وحرفتها عن مسارها كليا.
*ألهذا السبب ظل مشروع بناء الدولة متعثراٍ حتى بعد انتهاء الحرب¿
– انقلاب الخامس من نوفمبر ألغى بناء الدولة وألغت بناء الجيش الوطني وأصبحت مراكز نفوذ ومراكز قوى واستحوذ عليها المشايخ فكان الشيخ سنان (أبو لحوم) في الحديدة والشيخ عبد الله (الأحمر) في صنعاء و(الشيخ) مجاهد أبو شوارب في حجة و(الشيخ) عبد ربه العواضي في (البيضاء) و(الشيخ) محمد علي عثمان في تعز. فتلاشى حلم بناء دولة عصرية وحديثة.

الحمدي وسالمين
*ماذا عن تجربة الرئيس الحمدي في إحياء مشروع بناء الدولة¿
– جاء الشهيد إبراهيم الحمدي وأراد أيضاٍ أن يعيد الاعتبار لبناء الدولة لكن الفترة الزمنية القصيرة لم تمكنه من بناء هذه الدولة رغم الخطوات الطيبة التي سارت في هذا الاتجاه.
*تجربتا الحمدي وسالمين كادتا تحققا حلم الدولة.. فأين نجحتا وأين أخفقتا¿
-التجربتان كان الشعار الرئيس لحركة 13 يونيو 1974م بناء دولة عصرية وحديثة. وكان الطموح لدى سالم ربيع علي أيضاٍ بناء دولة عصرية وحديثة. وتوافق البطلان الوطنيان على بناء هذه الدولة.
ولكن قتل الرجلين أدى إلى إجهاض المشروع ودخل الشمال والجنوب في صراعات وفي تطاحن وتقاتل على السلطة بين الشمال والشمال والجنوب والجنوب وبين الشمال والجنوب.

امتطاء التغيير
*هل كان مآل اصطدام الحمدي مع المشايخ مبرراٍ لنهج من خلفه¿
– مجيء علي عبد الله صالح خلال ثلاثة وثلاثين عاماٍ ألغى الطموح إلى الدولة نهائياٍ ووضع السلطة تحت أقدام القبيلة وكان مجلس الوزراء يْهان من قبل القبيلة والوزراء يلطمون. ليس هناك مجلس تشريعي ولا قضاء مستقل. والجيش أيضاٍ حول من جيش وطني إلى جيش عائلة. وكانت الكارثة التي عشناها خلال الثلاثة والثلاثين عاماٍ ولم تكن تعبيراٍ عن الدولة بأي مفهوم من مفاهيم الدولة.

تحالف الشر
*هناك من يرى أن القوى التقليدية نفسها من ظلت تمتطي موجات التغيير في اليمن وثوراتها وتحرفها عن غاياتها لصالحها.. هل تتفق مع هذا الطرح¿
-اتفق تماماٍ تماماٍ.. القوى التقليدية سواء في الحكم أو في المعارضة التي لم تعد موجودة اليوم لأنها كلها صارت في السلطة وجميعها قوى تقليدية وشكلت كلها عائقاٍ أمام بناء دولة حقيقية لأنها تركز على التقاسم والنفوذ وعلى المصالح بأفق متخلف لا يخدم بناء الدولة بأي مفهوم ولا دولة عصرية كما يطمح الشعب اليمني.
*هل يشمل هذا الطرح الأحداث الأخيرة في اليمن ¿
-نعم بما فيها موجة التغيير الأخيرة.. نعم.

قوى الخيبة
*البعض يطرح أن ثمة يداٍ خارجية طولى ظلت الحائل دون بناء الدولة في اليمن مارأيك¿
– الخارج ما كان يستطيع شيئاٍ لولا وجود قوى داخلية تغلب مصالحها على ما عداها ومالك بن النبي يطرح مسألة قابلية الاستعمار بمعنى قابلية الجسد للداء.. فهذا الجسد المنهك داخليا والمنخور هو الذي لديه قابلية للتدخل الأجنبي. وهذا التدخل الأجنبي قد يكون عاملاٍ مساعداٍ وقد يلعب أيضاٍ دور البطولة لكن العوامل الداخلية تظل هي الأساس.
*ماذا عن الوحدة ألم تؤذن لبناء مشروع دولة يمنية حديثة¿
– كانت الوحدة طموحاٍ عظيماٍ لبناء هذه الدولة ولكن فكرة التقاسم وأيضاٍ الاحتراب والمشاريع المتخلفة للقبيلة أدت أيضا إلى حرب العام 1994م فكان القضاء على طموح بناء الدولة مرة أخرى.
*أفهم من كلامك أن القوى التقليدية وراء خيبات اليمنيين المتعاقبة¿
– نعم الطموح لبناء دولة للأسف الشديد منذ 1948م الثورة الدستورية إلى 26 سبتمبر 1962م و14 أكتوبر 1963م الوحدة في 22 مايو 1990م الحراك في الجنوب 2007م ثورة التغيير 2011م كلها تعطل بسيادة الأفكار المتخلفة والتقليدية سواء للقبيلة أو للعسكر أو لقوى سياسية تقليدية أيضاٍ ليس لديها طموح لبناء دولة حقيقية.

معوقات الدولة
*إذن.. معوقات قيام دولة مدنية حديثة في اليمن هي نفسها لا تزال قائمة¿
-تماما تماماٍ.. لا تزال قائمة بذات الحدة.
*هلا أوجزت لنا في نقاط أبرز هذه المعوقات الماثلة اليوم¿
– تسويد القبيلة فكراٍ وثقافة ليس نفياٍ للدولة وإنما نفياٍ للشريعة. الله سبحانه وتعالى يقول في سورة التوبة الآية سبعة وتسعين: “الأعراب أشد كفراٍ ونفاقاٍ وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم”.. أنت أمام عرف قبلي يقوم على الثار ويقوم على الجاهلية الأولى ويقوم على نبذ النظام والقانون أو الاحتكام للشريعة.

الحل الوحيد
*إذن ما الحل لتجاوز هذه المعوقات وبلوغ حلم الدولة المدنية الحديثة في اليمن¿
-ليس هناك أي حل عدا أن تقصى هذه القوى التقليدية عن النفوذ وتصبح جزءاٍ من المواطنة وليس فوق المواطنة. عندما تصبح القبيلة فوق النظام والقانون وفوق المواطنة. ويصبح الشيخ هو الأساس ورئيس الدولة تابعاٍ للشيخ هنا تكمن الكارثة ولا يمكن أن نطمح إلى بناء نظام أو قانون أو دولة.
* شكراٍ جزيلاٍ لك أستاذ عبد الباري
– ألف شكراٍ لك وللثورة الصحيفة.

بروفايل:
في قرية صغيرة بشط وادي “سهام” في تهامة كان مولده في العام 1941م لأسرة “كبيرة نسبياٍ تحتكر التعليم الديني والإفتاء وقسمة التركات وكتابة البصائر والتقاضي وحتى العلاج بالأعشاب وعقود الزواج والمعاملات وخْطب الجامع الكبير في قريته”.
وفي المدرسة الابتدائية اليتيمة بقريته “المراوعة” تلقى تعليمه الأولي التقليدي الديني واللغوي “وبين كتاتيب القرية والحديدة وقرى تهامة وزع وقته وبعمر 16 عاماٍ واصل دراسته في مدن العلم زبيد وصنعاء وذمار ومكة المكرمة (1958-1961م).
كانت موجة ثورات التحرر الفكرية والعلمية والشعبية في المنطقة والعالم بأسره واجتياحات التيارات السياسية والفكرية المتباينة التي عصفت رياحها باليمن ودول المنطقة البدايات الحقيقية لتشكل وعيه بالتزامن مع العمل مدرساٍ وموجهاٍ تربوياٍ (1963-1967م).
ومن بوابة الاهتمام بالنقد الأدبي وللتجربة الشعرية الحديثة والرواية والقصة ولج إلى محطة الصحافة فظل فترة يكتب في النقد الأدبي بأسماء مستعارة جراء “ظروف القمع الشامل والتجريم والتخوين في أنظمة شمولية آنذاك”.
بيد أن سرية الفكر وتقنية التخفي امتدت إلى غايات اجتماعية نبيلة فظل وزميله الراحل عبد الله السندي يتناوبان على تحرير باب المرأة في مجلة الكلمة ويكتبان بأسماء نسائية مستعارة لكسر تخوف النساء وتشجيعهن على المشاركة في طرح قضايا المرأة.
وفي مجتمع يودع العزلة وبدأ ينفتح على ذاته أولاٍ سرعان ما لمع نجمه في ساحة الفكر والصحافة فأصبح في مطلع السبعينيات عضواٍ في هيئة تحرير مجلة “الكلمة” ومدير تحرير مجلة “اليمن الجديد” الصادرة عن وزارة الإعلام والثقافة.
ساهم في تأسيس اتحاد الأدباء والكْتاب اليمنيينعام 1971م كأول اتحادات الأدباء العربية وأول كيان جماهيري يمني موحد في أوج الصراعات السياسية بين شطري البلاد ورأس تحرير مجلته “الحكمة” (1973-2006م) ولا يزال عضواٍ في مجلسه التنفيذي.
حاز دورة تأهيل في معهد الإعلام بالقاهرة سنة 1976م وعْين مديراٍ فرئيس تحرير صحيفة “الثورة” خلال عامي 1975-1976م ثم رئيساٍ لتحرير صحيفة الثوري لسان حال الحزب الاشتراكي اليمني (1990-1996م).
وفي العام نفسه ساهم في تأسيس ما عرْف جمعية الصحافيين واستحق لقب “عميد نقباء الصحافيين اليمنيين” لانتخابه نقيباٍ في ثلاث دورات (1976-1998م) شهدت توحيد التمثيل الخارجي للصحافيين اليمنيين 1977 ثم توحيد نقابتيهما عام 1990م.
شارك بفاعلية في التصدي لقانون الصحافة عام 1990م وإدخال تعديلات كبيرة ثم في التصدي لسن قانون جديد للصحافة عقب عام 1994م والمطالبة بإقرار مشروع كادر خاص لأجور الصحافي.
وشغل منصب الأمين العام المساعد لاتحاد الصحافيين العرب وممثلاٍ مقيماٍ لجمعية الصحافيين اليمنيين في لبنان وسوريا (80-1982م) كما شغل منصب رئيس منظمة الصحافيين العالمية (1979-1998م).
من باب الصحافة وآراءه المنادية بالحريات العامة كان خوضه معترك السياسة منتصف الستينيات فانغمس في العمل الحزبي السري وأحرر بأسماء مستعارة في صحافة وأدبيات وبيانات الأحزاب المحظورة في بلد كانت الحزبية لا تزال تعتبر فيه خيانة عظمى.
شارك في تأسيس: منظمة العمال والفلاحين التي أصبحت حزباٍ للعمل عام 1979م ثم حزب الوحدة الشعبية ثم الحزب الاشتراكي اليمني وفي ثلاثتها كان عضو لجنة مركزية ومكتب سياسي.
وفي العام 1978م كان مطلوباٍ للاعتقال من منفذي انقلاب الناصريين وفي الوقت ذاته مطلوباٍ للاعتقال بتهمة الاشتراك في تنظيم الانقلاب وظل متخفياٍ عامين ولم ينج من الاعتقال خمس مرات أخرها عام 1983م أسبوعاٍ كاملاٍ أما أطولها فدامت ثلاثة أشهر.
حاز الليسانس في علوم اللغة العربية وآدابها من جامعة صنعاء عام 1984م وعمل باحثاٍ بمركز الدراسات والبحوث اليمني (1976-1999م) وصدر له: “اليمن الإرث وأفق الحرية” 1997م و”اليمن في عيون ناقدة” 1998م و”فضاءات القول..لقاءات أدبية” 1999م.
ولا يزال حتى بعد الـ 69 في أوج العطاء رئيساٍ للهيئة العامة للكتاب اعتباراٍ من 2012م ورئيساٍ للمكتب التنفيذي لمؤسسة العفيف الثقافية وعضواٍ في لجنة تأليف وتحديث “الموسوعة اليمنية” الصادرة عن المؤسسة.

قد يعجبك ايضا