العيد الكبير .. مناسبة دينية تستحضر الذكريات الجميلة

 

تحقيق / جمال الظاهري

تتسم أيام عيد الأضحى بالإكثار من التكبير والتهليل والصلوات وذكر الله، وإظهار الفرحة والتوسع في الإنفاق والصدقات، والعطف على الفقراء ومساندتهم بالعطايا, والتزاور بين الأقارب, والتأكيد على صلة الأرحام.
عيد الأضحى المبارك، (العيد الكبير) – حسب التسمية الشعبية – عيد استثنائي في ظروف استثنائية, وأبرز ما يميزه الارتفاع الكبير للأسعار في ظل عدوان وحصار غير مسبوق, وندرة مصادر الدخل وانخفاض قيمة العملة الوطنية.
من خلال هذا التحقيق ننقل الانطباعات, وحديث الناس عن العيد الكبير وكيف سيقضون أيامه وماذا أعدوا لاستقباله فإلى الحصيلة:

خمسة أعوام من القتل والقتال المتواصل وتشريد ومجازر لم تتوقف, خمسة أعوام أهم وأبرز حصادها الحصد المستمر لأرواح الناس, التي تحولوا إلى أرقام مضافة إلى ما سبقها, وغلاء فاق كل التصورات أتى على الأخضر واليابس, أبتدع المواطن أمام كل هذه الكوارث كل الحيل وبذل أقصى ما يستطيعه متنازلاً عن الكثير من متطلبات عيشه, حتى أنه فقد القدرة على التكيف مع واقعه.
زيارة المرابطين والجرحى
فاروق مطهر الروحاني: إننا على الأغلب سنقضي العيد في زيارة المرابطين أو زيارة الجرحى إن استطعنا إلى ذلك سبيلا.
أما بخصوص أضحية العيد, فلا نمتلك المبلغ الكافي لشرائها, ولا يغرنّك منصبنا وموقعنا في الدولة, فأسعار الأضاحي قد بلغت حد الجنون, رغم خيرات الله الذي انعم علينا بالغيث والمراعي التي أخضرت نتيجة تواصل انهمار الغيث معظم العام, فنما العشب والحشائش التي تحتاجها الأنعام, ولكن ذلك لم يحدث فرقاً في أسعارها, وباتت لحومها حلماً لعدم استطاعة الكثيرين دفع ثمنها.
استمرار العدوان والحصار الجائر على اليمن, أعاق الحلول التي قد تخفف من المعاناة, وعكس نفسه على حالة الناس وبالأخص منهم البسطاء ومتوسطي الدخل.
وأضاف: إننا كيمنيين وفي ظل العدوان ومع ممانعتنا ورفضنا للتبعية والإلحاق نعيش ملحمة وصراع وجود يسعى المعتدون علينا وبكل الوسائل إلى إركاعنا وسلب حريتنا, وما الحصار الذي نعيش في ظله وما ترتب عليه من غلاء المعيشة وفقدان مصادر الدخل إلا أحد أوجه عدوانهم الظالم, إننا نعيش مخاضاً مجتمعياً جديداً لا وجود فيه لغير الأقوياء وصمودنا في هذه المواجهة وتحدينا عزاء لكل من يعانون لإدراكهم أن كلفة الكرامة والسيادة كبيرة وتحتم علينا التحمل والصبر.
في المنزل
محمد البشيري يقول: والله يحتار الواحد في الإجابة نظرا لعدم توفير الرواتب، لن أستطيع أن اشتري حتى كيلو لحمة, فما بالك بقيمة الطلي الذي يتجاوز سعره الخمسين ألف ريال, الأمر لا يتوقف على أسعار الأضاحي, جميع السلع بأسعار تفوق قدرة الناس على الشراء.
البشيري عرج على الأسباب قائلاً: إنه العدوان وإخواننا الذين انخدعوا بما سوقه من مبررات لعدوانهم على اليمن وأنهم يسعون لتحرير اليمنيين من التبعية كي ينعموا بمستقبل وحياة أفضل, والعجيب كل العجب أن هؤلاء ومن دار في فلكهم لا يزالون يرددون نفس المغالطات ويقدمون أنفسهم كمنقذين ومدافعين عن مصالحنا, لقد فاقوا إبليس في التنكر والتدليس والخبث, يذبحوننا باسم الدفاع عنا ويفقرونا بحجة تحسين أوضاعنا.. بل ويريدون منا بعد كل ذلك أن نكون ممتنين لهم!
ويضيف: ها نحن قد رأينا إنجازاتهم في المناطق التي يقولون أنها محررة, وما يدور في عدن في الأيام الأخيرة خير شاهد على حرصهم على استهداف وحدة اليمن واليمنيين.
وفيما يخص قضاء أيام العيد, لن أتحرك من منزلي نظرا لعدم قدرتي على توفير قيمة المشتقات النفطية, هذا إذا توفر البترول, وحتى لو توفر من أين لنا قيمته حيث وصلت قيمة الدبة إلى7300 ريال..
نكبة الموظفين
أبو عمار آل قاسم قال: سنقضي العيد مع الأهل داخل حارتنا و سنقضي بعض الأوقات في الحديقة من اجل الأطفال.
بالنسبة للأضحية شراء كيلو أو كيلو ونصف يوميا حتى خامس العيد وخلاص, لا توجد أضحية فنحن موظفون بلا رواتب للسنة الرابعة بسبب العدوان ونتيجة لنكث (الدنبوع) بالعهد الذي قطعه على نفسه أمام المجتمع الدولي, حين برر نقل البنك والتزم بالوفاء وبدفع مرتبات الموظفين, لقد غدر بالجميع حتى أولئك الذين يعملون معه, نحن فئة الموظفين من ضحايا العدوان والمرتزقة, نحن أكبر الشرائح المجتمعية التي غدر بها ولم يلتفت إلى معاناتنا أحد.
محمد العرامي: سأقضي أيام العيد في صنعاء, في منزلي أنا وجميع أفراد الأسرة, وستكون هناك زيارات للأهل في إطار صنعاء فقط.
وأضاف: بالنسبة لاستعدادنا لاستقبال العيد فلا يخفى على أحد الظروف المادية السيئة التي أثرت بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطن وبالأخص الموظفين, فالأضحية بالنسبة لي لم يعد لها وجود في اهتماماتي, واستعدادنا يقتصر على توفير المتطلبات الضرورية لتسيير أيام العيد كغيرها من أيام السنة.
رفيقه حافظ المخلافي لم يبتعد كثيراً في حديثه عن صاحبه ولكنه عرض على إيجاز الصورة العامة التي يعيشها في الأيام العادية وواءم بينها وبين أيام العيد وقال: سيكون يوماً كأي يوم عادي لأن (المادة ) شبه منعدمة نتيجة انقطاع المرتبات وقلة الدخل الذي أحصل عليه في عملي الحالي.
وتابع: بالنسبة للوازم العيد التي كنا معتادين عليها فقد تنازلنا أو لم نعد قادرين على تحمل قيمة الكثير منها, كـ(الأضحية), فإذا كنا لا نستطيع شراء اللحم في الأيام العادية فشراؤها في أيام العيد سيكون مستحيلاً لأنها ستكون أغلى بكثير.
ويضيف: سأضحي ( بحبة) دجاج أو كيلو لحم (حبشي) حسب استطاعتي, وسأقضي أيام العيد مع الأصدقاء والأقارب والأصحاب في الحارة, أيضاً سأزور أرحامي المتواجدات في صنعاء.
العيد عيد العافية
محمد الاجهر قال: سأقضي أيام العيد بالبلاد لأن الوضع الاقتصادي والمادي لا يسمح لي بأن أتحرك أو أزور أي مكان, لا اقدر على شراء أضحية العيد لأن أسعارها مرتفعة أكثر حتى من السنوات السابقة, أقل سعر لها 80الف ريال.
محمد حسن غسان يقول من جانبه: اللهم اجعل أيامنا كلها أعيادا ويقول المثل العيد عيد العافية, لذا فإن يوم العيد بالنسبة لي يوم عادي كباقي الأيام, وما باليد حيلة وسلامتكم.
لمن استطاع إليه سبيلا
هلال المرقب يقول: أضحية العيد لمن استطاع إليه سبيلا ..أسعار جنونية حتى إنني لا احدث نفسي عن أضحية العيد .
مضيفاً: بالنسبة للكباش فأسعارها بين خمسين ألفاً لأصغر نوع – والتضحية به الله اعلم- وأما المستوفي لشروط الأضحية فإن قيمته تتراوح بين سبعين ومائة ألف وما فوق, كذلك الأبقار أسعارها خيالية وقيمة السبع يتراوح بين الثمانين والمائة ألف ريال.
من جانبه يقول الأخ صالح مرح: سنقضي العيد بزيارة الأرحام والأقارب, أما بخصوص الأضحية بكل أسف لا نستطيع شراءها فالغلاء هذا العام فوق ما يتصوره عقل …يا الله يا الله با يقع دجاجة, وختم حديثه بضحكة تحمل الكثير من دلالات السخرية الممزوجة بالألم والمعبرة عن قلة الحيلة.
الوجه الآخر
تركنا المستهلك واتجهنا إلى البائع والتقينا ببائعي الأضاحي, كنت قد كونت صورة مختلفة بعد سماعي عن الأسعار وعن أولئك (الجلابين) باعة الأضاحي ولكن؟!
نفس التذمر والسخط من الباعة, شكوى من ارتفاع الأسعار التي يدفعونها للمزارعين ومربي الأغنام والأبقار, ومن ضعف القدرة الشرائية لدى المستهلك, وحالة الركود المسيطرة على الأسواق.
راجح سعد – لم يختلف تقييمه عن المستهلك من حيث ارتفاع الأسعار, وقال: قفزت أسعار الأغنام من 30 و 40 ألف ريال، متجاوزة الـ70 ـ 80 ألف ريال حال الشراء, وأكثر من 100 ألف في بعض الحالات فقد يبلغ سعر الخروف أو الماعز الـ 100 ألف ريال.
ويقول: فقدنا الكثير من زبائننا وفي مقدمتهم الموظفون, فشراء الأضحية من الموظف في الوقت الراهن بات من عجائب الدنيا ، بل ومن المستحيل, لأن أقصى ما يفكر الموظف فيه هو كيف يوفر القوت الضروري له ولأولاده.
وأردف قائلاً: الأضاحي متوفرة برغم الحصار ولكن المشكلة التي تواجهنا تتمثل في قلة القادرين على دفع القيمة نتيجة لحالة الناس المادية التي لا تسمح لهم بشراء الأضاحي.
أخيراً
ما يلاحظ اليوم من اختلاف صار واضحاً ومعبراً عن نفسه, فقد كان لعيد الأضحى خصوصية وطقوس استثنائية لدى جميع اليمنيين, طقوس توارثوها عبر الأجيال تعطيه نكهة وروعة خاصة, ميزتهم عن غيرهم من الشعوب الإسلامية, وطقوس أخرى يشتركون بها وجميع الشعوب الإسلامية, عادات والطقوس أصبحت إرثاً وسمة تدل على أصحابها كـ (المدرهة) وما يردد خلالها من أناشيد توديع وشجن واستقبال لحجاج بيت الله الحرام .
وفي ظل هذه الظروف غابت عن المناسبة زينة المدن وسعادة القرى والحلة الجديدة، كما تدنى الاهتمام والعناية بما يسعد ويفرح الأطفال بعد أن استحوذت أسعار السلع الغذائية على كل ما يوفره رب الأسرة من دخل.
أوضاع مأساوية لا ينكرها إلا ثري أو وارث أو مزايد أو مستفيد من استمرار دوامة الحرب والحصار, شعب جله يستحق الرثا لما أصابه, أصبح أغلبه متجهما بالنادر أن تشاهد ابتسامة أو تسمع دعابة إلا من دعابة ساخرة ممزوجة بالألم والحسرة, بعد أن غادرت حياتهم كل صور ودواعي الفرح والبهجة.
صحيح أن الحالة الصعبة التي يعيشها أبناء اليمن في ظل العدوان لم تثنهم عن مواصلة حياتهم وابتداع الحيل والحلول للكثير من المشاكل على مدى الأربعة الأعوام والنصف منذ بداية العدوان, ولكن الأصح والأكثر دقة أنه صار منهكاً بعد أن استنفد كل طاقاته وحيله في تدبر أموره، لم يعد لديه ما يجعله يفرح, فمهما حاولوا في خلق أي مظهر من مظاهر الفرح بالعيد فإن ذلك لا يتعدى الاحتياط من أن يروا نظرة الشفقة والرثا التي قد يرمقهم بها أحد أولئك الميسورين الذين عزلوا أنفسهم في أبراج عالية عن جيرانهم وأقاربهم ومن تجمعهم بهم الصدفة أو طبيعة العمل.

قد يعجبك ايضا