وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ

 

امين الجنيد

(أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)
ماهي الفتنة وكيف تفتن الأمم والأفراد؟ التي يتحدد على ضوئها نتيجة هؤلاء فإما أن يكونوا مؤمنين صادقين أو منافقين كاذبين ”
الفتنة : هي مجموعة الصعوبات، والعقبات، والتهديدات ، والاعتداءات، والتزين ، والوعود ، التي نواجهها في مسار حياتنا لحرفنا ، أو اخضاعنا ، أو ثنينا عما نؤمن به نحن أبناء البشر سوء بشكل فردي أو جماعي أو أممي تشن علينا من أقرب الناس إلينا ثم من محيطك العائلي فمجتمعك ودولتك وتنتهي بعالمية أعدائك.
لذلك : وضح الله تعالي لنا حالات الفتنة وتدرجها في نفس سياق تسلسل آيات سورة العنكبوت، ومن يعتقد ان شيئاً عظيماً مصيرياً مثل هذا لم يرد أو يوضح في آيات الذكر الحكيم ، وبنفس السورة فهو ضال وجاهل .
تدرجت مداخل الفتنة أو حالة الاختبار من مسؤولياتك تجاه أسرتك وما ستلاقيه من إرهاب وضغوط ومجاهدة والديك لثنيك ، ثم إرهاب وتجريم وترويع وتعذيب المجتمع والقبيلة والدولة لك وصولا الى إرهاب العالم ووقفه ضدك ، كما وضح لنا الجانب الآخر من الوعود الناعمة في الآيات التي تليها من دغدغة المشاعر والمناصرة والتزين والولاءات والتحالفات وغيرها كأساليب ابتلاء وفتنة.

_ أدلة ذلك _
أولاً : ما تتعرض له من مجاهدة وتعذيب وطرد واذلال من داخل بيتك وأسرتك على مستوى الفرد (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۚ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، من هنا تجد أن أي مشروع حق يومن به أي شخص سيتعرض لفتنة تتبلور بشكل ضغوط وإرهاب وطرد ووو إلخ من قبل أقرب الناس اليك. فكم من مجاهد أنطلق في سبيل الله وهو يعاني من القهر والمطاردة والظلم والحرمان من قبل والديه وأسرته . فحدد لنا الله آليات التعامل معه.
ثانيا : مواجهة آلات التعذيب والضغوط والتشريد لك من قبل المجتمع أو الدولة أو العالم تحت عناوين متعددة من باب التسلط والاستعلاء عبر القوانين والاحكام والتشريعات والحروب المجحفة والظالمة ليضلوك ويحرفوك عن مشروعك وقناعاتك ومسؤولياتك فتنقلب منافق ، أو تتحمل كل الأذى فتظل صامداً مؤمنا بالله كما وضح لنا في الآية التي تليها (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ) حيث انتقلت حالة الابتلاء الى إرهاب وضغط مجتمعي بأساليب تعذيب وإقصاء وتهميش وفصل ومضايقة وسجون وقتل ، ومن سينهار أو سيستسلم أو يعتبر كل هذه الضغوط مثل عذاب الله وتصبح عنده حالة التعذيب واحدة فقد فشل في الامتحان .
وقياسا على ذلك، يواجه أي مجتمع أو مجاميع مؤمنة أو حركة أو حزب أو دولة أو ثورة أو جماعة نفس التهديد والارهاب والضغوط والحرب والقتل والتنكيل والحصار. وفي حال الاستسلام سيفشل الجميع في الامتحان ومن تجاوز مرحلة التخويف والقتل وحصل له نصر وتأييد فقد ربح النتيجة ، في المقابل من ادار ظهره أو تعمد الحياد في مرحلة الابتلاء فلن يستطيع ضم نفسه للفائزين المنتصرين مهما عمل فيحكي لنا الله أنها حالة نفاق فهو العالم بما في الصدور .
الحالة الثالثة : الوعود والارهاب الناعم وصنع الولاءات والتحالفات والتقارب (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ ۖ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ ۖ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ) سورة العنكبوت 12 – 13
أي أنه في المقابل هناك فتنة من نوع آخر ليس فيها تنكيل بل اختبار بطريقة ناعمة ووعود وتحالفات وتناغم وارتزاق غير مبرر لأمة أو لدولة أو فرد أو لجماعة من قبل آخرين فتسقط في الاختبار ويصبحون في الاوزار والجرم سواء .
وبالتالي هذه هي أهم الابتلاءات والرهانات والاختبارات التي لا يمكن لشخص أو مجتمع أو أمة تجاوزها قبل أن تتدعي أو تزعم أو تركن أنها مؤمنة ولم يبق سوى دخولها الجنة .
أما من يعتبر الرزق والمرض والمصائب ووو إلخ فتنة فهي لا تأتي إلا كهامش لا يذكر.
لأن الضغوط والارهاب والتسلط والتنكيل والقتل والتشريد والتزين والارتزاق هي الحالة الوحيدة التي تجرفك أو تحرفك أو تظلك أو تأخذك الى سياق ومنحى وطريق وتوجه آخر.. قد تصبح على إثرها مستسلماً فتكتب منافقاً.. أو تتحمل تبعاتها وعذابها وقسوتها وتتجاوزها وتظل صامدا مؤمنا فتستحق الجنة بجدارة.
وخير مثال ما مرت به المجاميع المؤمنة من أبناء الشعب اليمني منذ انطلاق صرخة الحق في وجه المستكبرين وكيف مروا بمجموعة المراحل المذكورة وتجاوزوها ومنهم من فشل. ومنهم من يحاول ضم نفسه دون تعرضه لأي ابتلاء .

قد يعجبك ايضا