لتحقيق معاني الصوم في رمضان

 

محمد أحمد المؤيد

لأن الله قد جعل الصوم له وهو يجزي به عبادة المؤمنين الصائمين بل ومن جوده وكرمه حدد لهم باباً من أبواب الجنة لا يدخل منه إلا الصائمون اسمه الريان ” اللهم جعلنا من يكتب لهم الدخول إلى جنة الفردوس منه بمشيئتك سبحانك ” , ولأن شهر رمضان الكريم قد فرض علينا صومه كمسلمين من رب رحيم ودود كريم وضوعفت فيه الحسنات حتى غدا الفرض فيه بسبعين من مثله والنافلة بفرض في الأجر والثواب بالإضافة إلى الكثير من دروب الخير والثواب التي تنهال على عباده الصائمين من ذلك الثواب وتلك المثوبة التي تغدق المرء المسلم بجزيل العطاء والمغفرة والبركة وهو نعم الثواب , الذي هو في الأخير سيرجح بإذن الله كفة الحسنات التي هي تعتبر سبب رئيسي في دخول جنة الله , التي ذكرها سبحانه بجنة عرضها كعرض السموات والأرض أوعدت للمتقين , التي قال عنها علماء الدين في التفسير إن قوله سبحانه في الآية الكريمة في الكلمة ” عرضها ” وحدد عرضها ولم يقل جل في علاه طولها , وذلك أن عرضها فقط يبدو بهذه الصفة ولذا فكيف سيكون طولها ” لا إله إلا هو سبحانه ” , ولذا فالحسنات في رمضان المبارك مضاعفة على غيره من الشهور من السنة الهجرية وهذه بحد ذاتها فرصة ثمينة لهذا الإنسان المسكين الضعيف الذي بطبعه مذنب حتى وإن اطمأن لوضعه الملتزم , لأن لا أحد بإمكانه أن يزكي نفسه فالله أعلم بما تكنه النفوس وما تخفيه الصدور , التي دائما ًما تظل تنهم إلى ابتغاء ملذات وشهوات الدنيا الغرارة بطبعها والزائغة على الأقل من نقطة حومها حول الحماء , ولذا فجدير بالمؤمن الفطن المتطلع إلى الخير أينما وجد أن يقتنص لثواب الله العظيم وأجره الشاسع فيحاول أيما محاولة أن ينهل من روحانية وأجر رمضان الكريم , باعتباره سيد الشهور لما له من جزيل الثواب والعطايا والمنح من إله جواد كريم , فيغدو مجندا ًشخصه وروحه المتوددة لاقتناص كل ما من شأنه أن يزيد في الحسنات , التي كما ذكرت لكم أنها رصيدنا للدخول إلى الجنة , التي فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت , متحاشياً ومبتعداً بتقوى الله ما استطاع عن أي طريق لكسب السيئات , التي قد تنهال وتتوافر ولو بمجرد الغفلة وعدم تعظيم شعائر وحرمات الله , التي يعتبر شهر رمضان المبارك من أهم وأزكى شعائر الله على الإطلاق ويجب تعظيمه وتعظيم ما فيه.
إن الحديث عن رمضان المبارك حديث لا يقف عند حد ما ولا ينتهي عند كلمة صيام وقيام , كون رمضان له خصوصية تجعل منه شهراً ثرياً بالمعاني والعبر , التي لو تأمل فيها الناس لوجدوا فيه دروساً تربي وتعلم وتترجم واقع الحياة بشكل لا يخطر إلا عند المتمعنين لآيات الله على هذه البسيطة , لأن رمضان دروس من الصبر ودروس من البذل والعطاء ودروس من تغيير نمط الحياة الروتيني , بل وأهم دروسه الوقت ودقة التعامل معه وكيفية استغلاله وانتهازه , بل وضرورة التحلي بشيء من الحكمة في تسيير شؤون يومنا نهاره وليله كي يغدو في سلاسة وسلام لا يتخلله أي تقصير , في الوقت الذي بمجرد الغفلة أو السهو للحظات ولم نستغلها فندخل حينها في وقت آخر يطلب منا الالتزام بشيء آخر ونعاني من تلك الغفلة البسيطة , كما هو الحال وقت أذان الفجر وعبر انشغال أو تساهل الناس بأمور كالعمل والنوم والجلوس مع العائلة ومتابعة التلفزيون أو التلفون الخلوي أو ما إلى ذلك بأمل أن يشرب أو يأكل أو على أقل تقدير شربة الماء قبل النداء , فلا يسمع الفرد منا مع غفلة إلا لصوت النداء “الأذان” للإمساك عن المفطرات وبدأ يوم الصوم الجديد , ساعتها لا يجد الشخص إلا أن يؤنب نفسه ويوبخها على غفلة داهمه الوقت فيها ولم يعد بوسعه عمل ما غفل عنه , ولذا فالوقت مهم في رمضان فيبدو متسارعاً وغير ملائم للكثيرين لتأدية أمور حياتهم بشكل متباطئ أو مع عدم الاكتراث لمسألة الوقت , فهي تمرة وكوب ماء وإقامة الصلاة وبعدها تناول طعام العشاء ثم صلاة العشاء ثم التراويح لمن أراد ثم الذهاب للعمل أو للاجتماع مع الأصدقاء في المقيل ثم نزر قليل من النوم والجلوس مع العائلة ثم صلاة القيام وتلاوة القرآن ثم السحور ثم الفجر ثم يأتي النوم لقليل من الوقت بعد ليلة مضنية من التنقل بين مضامينها ثم الذهاب للوظيفة أو العمل وتلاوة القرآن وأداء الفروض في أوقاتها ومصارعة الملل المصاحب للجوع والعطش وانتظار الفطور وسماع دوشة المذياع والتنقل بين خزعبلات البرامج الإذاعية والتلفزيونية وأفضلها تدارس القرآن والاستماع لمحاضرات دينية قيمة وهادفة هذا للرجال أما النساء والمطبخ وعناء تحضير الوجبة الرمضانية التي بدلاً من اختصارها بكونه صياماً وإذا بها تضاعف ” والله يكتب الأجر ” , وكل هذا وذاك يتطلب التحري والتدقيق في الوقت لأنه لو فات وقت فاتت معه خصوصية هذا الوقت أو ذاك وما يستحب أو يحلو العمل به وفيه في هذا الوقت بالتحديد , لأن فوات وقت صلاة الظهر في جماعة وما تحمله من أجر مضاعف لن نحصل عليه كصائمين مصلين بتسليم إمام المسجد وإنهاء الجماعة , وهكذا لو فات وقت ما بين صلاة الظهر والعصر وما تتخلله من روحانية لتلاوة القرآن في المسجد والاستماع لمحاضرات دينية هادفة كما يحصل في كثير من المساجد وعلى رأسها الجامع الكبير بصنعاء والجو الرمضاني البحت الذي لا توجد هذه النكهة الفريدة المنسجمة مع الجو الرمضاني إلا في رمضان , وهذا الكلام فيه ترميز مني لأولئك الذين يتمتعون بحلو المنام في يوم الصيام.

قد يعجبك ايضا