عبدالفتاح حيدرة
وضعنا الليلة حديث السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في محاضرته الخامسة من سلسلة محاضرات (رمضان عبادة وعمل) في مشهد وموقف بصري ثلاثي الأبعاد ليوم المحشر الذي يعيش فيه الإنسان مرحلة مهيبة، شرح هذا المشهد التصويري من خلال آيات الله في القرآن الكريم، يجعل المتلقي وهو يستمع فقط لحديث محاضرة السيد يعيش تلك اللحظات المهيبة، متخيلا نفسه في يوم المحشر ومستحضرا مشاعرة وأحاسيسه لذلك..
جميعنا سمعنا وقرأنا القرآن وسمعنا من علماء الدين ودرسنا، عن يوم المحشر، ولكن المستمع لمحاضرة السيد اليوم فيها شيء آخر، وهداية أخرى، ومعرفة أخرى، تمس مشاعر وأحاسيس وضمير وهوية المستمع، وسوف يجد أي واحد منا وهو يستمع لهذا الشرح، إنه معني وان الكلام موجه له شخيصا، ليجد نفسه امام مشهد جلي وصورة واضحة، يجيب عن امر يتسأل الانسان عنه دوما، ماذا بعد الموت..؟!!
إن إصرار السيد سلام الله عليه على هذا التذكير للناس، يعد مرحلة أخيرة من مراحل رحمة الله بالبشر، بحيث ان اي انسان مننا أصبح اليوم يعرف ما تقوم به التكنلوجيا، ومن خلال التطور التكنلوجي هذا، فإن أي مستمع لتذكير السيد هذا سوف يجد امامه عرض فيلم (ثلاثي الابعاد) فيلم كامل عن يوم المحشر، ووصف ترتيبات وإجراءات الحساب، ويوم العرض على الله..
هذا يحث الانسان السوي لاستشعار واستحضار أعماله ومدى التزامه بتوجيهات وطاعة الله، يضع نفسه في موقف استلام كتابه الذي فيه كل التفاصيل، حتى ما اخفائها عن الناس، من العداوات بغير حق والمعاصي التي في الصدور تظهر كلها في كتاب امام البشر والملائكة، في موقف لا مجال فيه للمخادعة وتضليل الحقائق، ولا يوجد فيه أي قدرات إعلامية أو سياسية لتغطية الحقائق..
استمعنا ليوم، بل شاهدنا المحطة الاخيرة في يوم المحشر، ويوم العرض، كبداية للفرز الجماعي، فرز لتجلي الحق من الباطل، عرض الانتصار للمؤمنين والمستجيبين لله في هذه الحياه الذين كانوا يخشون الله وعملوا حسابهم ليوم الحساب، وعرض خسران الكافرين الذين لم يلتزموا بتوجيهات الله وعصوا أوامره، عرض لمعرفة المؤمن من الكاذب والصادق من المنافق..
هذا الانتقال الذي ينقلنا إليه السيد في هذه المحاضرات، ونحن لازلنا على قيد الحياة إلى مرحلة يوم القيامة، يعد من أسس المعرفة والوعي بقيم الايمان والتقوى ومعرفة الله، انتقال روحي لطرح الأسئلة التي بدونها لن نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، فالسؤال هو أول طريق المعرفة والوعي، وبدون طرح الأسئلة لا معرفة ولا وعي يحركنا نحو بناء روحية الارتباط بالله، فأجوبة الماضي السياسية الجاهزة لن تفيدنا في شيء، بل تدفعنا نحو الاستغراق في الماضي الذي استخدم قيم ومبادئ الدين لصالح مكائد ودسائس هوى أصحاب السلطة والثروة، التي تضعنا في طريق الباطل والشر وعذاب وغضب الله..
ان الإجابات الجاهزة وغير الواعية بمعرفة هدى الله، تسد علينا منافذ مشروع بناء المستقبل الأبدي، هذا المشروع المرتبط كليا بالوعي بهدى الله وقيم الايمان وتقوى الله، والذي لن تبنيه سوى العقول المتمكنة والممتلئة بمعرفة الوعي بهدى الله، ولن تحميه سوى المعرفة المتمسكة والعاملة بقيم كتاب الله..
ان المتابع لمحاضرات السيد الرمضانية، وبما فيها من معرفة (وعي وقيم ومشروع) الهداية لله، سوف يجد ان هناك مشروع، مشروع رباني إلهي لبناء الانسان في الدنيا، هذا المشروع سوف يجعل مخيلة الانسان مليئة بالصور الكثيرة عن ماهية او خلاصة الوقوف أمام الله، ويغرس السؤال في عقل الانسان حول ماذا يطلب الله سبحانه وتعالى منه، وماذا ستكون النتائج والفوائد التي سيحصل عليها الإنسان إذا ما التزم بما طلبه الله منه؟، وأيضاً النتائج والعواقب المترتبة على رفض اوامر وتوجيهات الله؟..
خلاصة محاضرة السيد الخامسة الواعية لما يتطلب ان يتسلح به الانسان لمواجهة يوم الحشر، هو أن تقوى الله يهدي إلى الرشد، والرشد هو إصابة وجه الحقيقة، السداد، السير في الاتجاه الصحيح، وبقيم الايمان وتقوى الله ووعي الرشد، يختصر الإنسان المراحل كلها، ويختزل كثير من المعاناة والخوف في يوم الحشر، وتتعاظم النتائج الإيجابية لصالح مشروع بناء قيم عالية وسامية متحكمة ومسيطره بمعاملات وتصرفات ومواقف وعمل الانسان السوي والخير وصاحب الحق، وتندثر وتتلاشى وتنهزم اخلاقيات وهوى وظلم وجور الانسان غير السوي والشرير وأهل الباطل..