مواطنون بين نارين.. انعدام الغاز واسطوانات تالفة تهدد حياتهم

 

تحقيق/ رجاء عاطف
الحيضاني: المصابون بحروق الغاز في تزايد وأسعار أدوية الحروق ترتفع في الأسواق دون رقيب
عُقال الحارات: نعاني من مشاكل أثناء التوزيع وتبديل الاسطوانات بين المندوبين والمواطنين
أسطوانات الغاز المنزلي منتج له عمر افتراضي كباقي المواد الاستهلاكية، ويجب أخذ الحيطة والحذر في التعامل معها، وأن تخضع كل الاسطوانات المتداولة في الأسواق والتي تصل إلى المنازل أو المطاعم لفحص وصيانة، إلا أننا نجد ذلك غائباً تماماً في بلادنا خاصة في ظل عدوان وحصار وتحكم جهات دون أخرى فيما يتعلق بمصير المواطن اليمني الذي يُقتل بشتى أنواع الأسلحة ابتداء بصواريخ وأسلحة العدوان وحصاره، وانتهاء بالقتل والحريق بسبب انفجار اسطوانة الغاز المنزلي..
وتساؤلنا هنا: هل يعي المواطن العمر الافتراضي للاسطوانة وحاجتها إلى صيانة وعدم التعامل معها بشكل عفوي؟! وإلى متى سيظل القصور مستمراً من قبل الجهات ذات الاختصاص؟… الحصيلة في التحقيق التالي:

في مركز الحروق والتجميل في المستشفى الجمهوري بصنعاء وجدنا اعتماد الخياط التي لازالت في ربيع الطفولة فلم تتخط الحادية عشرة من العمر في إحدى الغرف هي ووالدتها، ملامح وجهيهما وكافة جسديهما اختفت معالمهما بسبب الضمادات والعلاجات، فأردنا معرفة الحادثة التي تعرضتا لها، وقابلتنا مرافقتهن في الغرفة والتي بدأت تحكي بعض التفاصيل، حيث قالت: استلمت أم اعتماد حصتها من الاسطوانات اسطوانة يتسرب من صمامها الغاز فحرصت على إغلاقها في أول يوم، لكنها نسيت في اليوم التالي ، فظلت الأسطوانة تسرب الغاز طوال الليل حتى الصباح، وكالعادة تصحو اعتماد لعمل الإفطار ففتحت النافذة لتترك مجالا لخروج الغاز ظنا منها أن ما تسرب هو القليل ولم تتوقع أن يصل كل أرجاء المنزل، وقامت بإشعال البوتجاز فكانت الفاجعة والكارثة بأن تسبب ضغط انفجار الاسطوانة بإغلاق باب المطبخ عليهما ولم تجد نفسها وطفلتها إلا في خبر كان حتى تطاير سقف المطبخ لتقفز من النافذة وابنتها لاتزال حبيسة بين نيران ولهيب الانفجار، فكانت دقائق مؤلمة لاعتماد ووالدتها.. نهشت النار جسديهما ما أدى إلى تشوه ربما يستمر مدى الحياة، حيث سبَّب الانفجار فاجعة كبيرة لهما وتضرر المنزل، ولم تتوقف المعاناة هنا فقط بل إن المكوث في المستشفى لأكثر من أسبوعين زاد العبء والألم، ولازال هناك الحاجة إلى العلاج وتكاليف الأدوية التي تحتاجها الأم وابنتها باهض الثمن ولا يتوفر داخل المركز.
وحتى يعي الجميع الأمر فما ذكرناه باختصار هو معاناة لضحايا اسطوانات الغاز المنزلي، ومركز الحروق مليء بالضحايا مثلهن في قسمي النساء والرجال .
التعامل العشوائي
إن عمر الاسطوانة الافتراضي هو 10 سنوات والتعامل بطريقة عشوائية وسوء استخدام من قبل المواطن هو ما يقلل من عمرها الافتراضي ويسبب تلف الصمامات، وهذا ما وجدناه في تعامل الكثيرين مع اسطوانات الغاز المنزلي بشكل عفوي ولا مبالاة رغم ما قد يتسبب من خطورة، حيث يقومون بنقل الأسطوانة من مكان الشراء إلى منازلهم بطريقة الدحرجة أو رميها أثناء النقل الذي بدوره يحدث إتلافاً للأسطوانة، وكل جوانب القصور هذه مشتركة يجب أخذها بعين الاعتبار.
إلى جانب ذلك فإن المواطن أو ربة البيت حتى بعد معرفتهم أن هناك خللاً في الأسطوانة (صمامها تالف وهناك تسريب للغاز، ويجب تركها وعدم استخدامها) إلا أن ظروف الحياة تضطرهما لفتحها لتشغيلها خاصة أنه لا بديل آخر مهما كانت حالتها رديئة وكل ما يهم في الأمر أن يتم الطبخ بها.
حلول
الحاجة أم الاختراع ..هذا ما أكدته كثير من ربات البيوت، حيث اختلفت الطرق من شخص إلى آخر في تلافي خلل الصمام الذي عجز المواطنون عن إصلاحه ، إذ لا خبرة لديهم ولا يوجد من يتابع الأسطوانات التالفة من قِبل الجهات المختصة أو بث توعية بالطرق السليمة لتفادي أي خطورة قد تسببها، كما لا يعرفون إلى اين يتجهون لاستبدالها، ولذلك هناك من ربات البيوت من تتلافى التسرب بتبليل قطعة ثقيلة من القماش (منشفة) ووضعها مباشرة على صمام الأسطوانة، فيما تجد أخرى أن الحل بوضع عجينة أو وضع شيء ثقيل كحجرة على رأس الصمام كأداة ضغط ليمنع التسرب قدر المستطاع، وآخرون يجتهدون بإصلاح الصمامات من خلال إشعال قطعة من الفلين والتنقيط مباشرة حول منطقة التسريب وبهذا يعتقدون أنهم حلوا المشكلة ناسين أن الأمر ما هو إلا مجازفة بأرواحهم قبل ممتلكاتهم..
30% شبه تالف
رغم المعاناة التي يعيشها المواطن وعُقال الحارات بسبب توزيع الغاز المنزلي إلا أن مسألة تبديل الاسطوانات معاناة أكبر تضاف إلى رصيد معاناتهم، إذ ليس بأيديهم أي حل، وهنا أكد علي محسن الزنداني – عاقل حارة الشهيد عبدالقادر هلال- أن30% من الأسطوانات تأتيهم شبه تالفة و70% مسربات، وقال: الأسطوانات التالفة والتي تحتاج إلى صيانة تشكل خطورة كبيرة على المواطنين، حيث يتحمل مسؤولية هذا الخطر الوكلاء وشركة الغاز في عدم تفعيل بند الصيانة المحسوبة من قيمة الغاز، إلى جانب تهاون أجهزة الرقابة في فحص الاسطوانات، وأضاف: إننا نعاني من إشكالية آليه الصرف عن طريق الوكلاء حيث يتم استبدال أسطوانات الموطنين الجديدة والنظيفة باسطوانات الوكلاء التي هي شبه تالفة، ونستغرب من شركة الغاز سماحها للوكيل بتعبئتها وهي تشكل خطورة على الموطن، ويرى الزنداني أن يتم جمع أسطوانات الحارات ونقلها إلى الشركة مباشرة وتعبئتها وإرجاعها لأصحابها كما كانت الآلية السابقة لتجنب أي مشاكل قد تحدث مع المواطنين بسبب تبديل اسطواناتهم باسطوانات قد تودي بحياتهم، مشيراً إلى أن رسوم الصيانة يدفعها المواطن بعد كل اسطوانة وهي مضافة على القيمة لكن لا يوجد أي تعاون من قبل الشركة وإن وجد خلل في أي أسطوانة أو تلف لا يقبلها الوكيل إلا بعد أن يدفع المواطن قيمة الاصلاح بالرغم من أن الأسطوانة من الوكيل السابق ..
مشاكل تبديل الاسطوانات
ومن جانبه يقول جمال التركي – عاقل بحارة الجرداء: تصل إلينا أسطوانات شبه تالفة من حيث الصمام أو من أسفلها، فإلى جانب ما نواجهه من مشاكل أثناء التوزيع بسبب الكمية إلا أننا نواجه أيضا مشكلة تبديل الاسطوانات من المندوب المكلف بإيصال الاسطوانات إلى العاقل كون الكثير من الاسطوانات تالفة ولا يستطيع أخذها وأيضا بعد التعبئة تظهر الإشكالية بين العاقل والمواطن الذي لا يريد التالفة، وهنا يكون العاقل أمام أمرين إما أن يقوم بتبديل الأسطوانة بأخرى من مواطن آخر ويُحرم الآخر المنتظر حصته منذ أسابيع أو أن لا تُبدل ويرجع المندوب بالأسطوانة ويُحرم الاثنان، إلا أن المشكلة ليست في أسطوانة واحدة فقط إنما عدة أسطوانات ما يضطر المواطن لأخذها مهما كانت الاسطوانة وخطورتها، لهذا ندعو كل الجهات المعنية إلى أن تقوم بدورها لما فيه مصلحة المواطن.
الحروق بالغاز النسبة السائدة
كانت النتائج وخيمة بسبب التعامل دون وعي مع مادة الغاز في المنازل أو أي مكان.. هذا ما أشار إليه الدكتور صالح الحيضاني – مدير مركز الحروق والتجميل بمستشفى الجمهوري حيث قال: نسبة الحروق التي تصل إلى المستشفى من مختلف المحافظات من 60-70 % والنسبة السائدة للحروق ومشاكله سببها الغاز بأنواعه، والعدد في تزايد مع الأحداث الأخيرة، حيث أن الإناث والأطفال هم أكثر عرضة من الذكور لحروق الغاز المنزلي، أي أن المتضررين تقريبا بنسبة 65% من الإناث و35% ذكور، وأرجع سبب الإصابات إلى الاسطوانات التالفة وسوء النقل وعدم العناية بالأسطوانة، إلى جانب أنه لازال الغاز اليمني يفتقر لوجود المادة النفاذة (الميثالين) فيه التي تعطي رائحة لاستشعار الخطر وعدم إشعال الغاز لتفادي أي أضرار بإمكانها أن تحدث، وأضاف: الاخطاء مشتركة بين المواطن وشركة الغاز، فهي لا تقوم بعمل صيانة دورية للأسطوانات واستبعاد التالف واستبداله خاصة في الوقت الراهن وفي ظل نظام التوزيع عبر العقال، وربما تكون اسطوانة المواطن سليمة وترجع إليه أسطوانة أخرى تسبب الخطر .
أسعار الأصناف الضرورية
ويقول مدير مركز الحروق والتجميل: نعاني في المركز من نقص في العلاجات خاصة مادة الالبومين التي يحتاجها 99% من المصابين بالحروق والتي ارتفعت أسعارها في السوق من 12 ألف إلى 24 ألف قيمة العبوة الواحدة دون وجود رقيب ولا حسيب، مشيرا إلى أن بعض المصابين قد يحتاج استخدام هذا الصنف صباحا ومساء لمدة خمسة أيام على الأقل بعدد عشر عبوات من صنف (الألبومين) إلى جانب الحاجة إلى بعض المضادات التي لا تتوفر في المركز وكذا السوائل والتي يقوم المريض بشرائها بنفسه إلا إن وجدنا فاعل خير يتكفل بها، لكن هذا نادرا ما يحدث، ونحن في المركز نقدم خدمات المجارحه والمتابعة والاشراف على العلاج وصرف بعض العلاجات المجانية الموجودة لدينا سواء من الدولة أو الجمعية التي تدعمنا، لكن تظل الحاجة للأدوية المهمة والمستلزمات الخاصة بالعمليات التي يحتاجها المركز والمريض وهي مكلفة عليه، ويفترض أن تكون موجودة لدينا لكنها غير متوفرة بسبب عدم وجود موازنة للمستشفى، لذلك نتمنى من الجهات المختصة أن يراعوا الله في عملهم وأن يقوموا بواجبهم الوطني لما فيه مصلحة المواطن خاصة من ذوي الدخل المحدود الذين نرى أنهم أكثر عرضة لمثل هذه الحوادث، ودعا الجميع إلى أن يأخذوا الحذر، ويتعاملوا بشكل صحيح مع اسطوانات الغاز بوضعها في مكان فيه تهوية إما على شرفة المنزل أو سطحه لأن الغاز عندما يتسرب في غرف مغلقة يسبب انفجاراً يدمِّر المنزل كاملا، وتمنى أن تقوم الجهات المعنية بالصيانة الدورية لكل الأسطوانات الموجودة في الجمهورية بالإضافة الى توعية المواطن.
الفحص والاستبعاد
ومن جهته يقول حميد الحظاء- مدير محطة الحظاء: الأسطوانات التالفة في تزايد بسبب كثرة الاستخدام اليومي، ونحن في المحطة نقوم قبل التعبئة بفحص الاسطوانة إن كانت مسربة أم لا عبر موظف مختص لفحصها، ويتم استبعاد الاسطوانات التالفة والتزويد بحوالي 15 -20 اسطوانة بدلا عنها، وقال: المصنع الذي يتم فيه الصيانة متوقف منذ 3 سنوات ومن الضروري أن تقوم شركة الغاز بإعادة تشغيله، ويجب أن تتحمل الاعباء الخاصة بالأسطوانات التالفة وتبديلها بجديدة وبالتالي ستُحل المشكلة الخاصة بالأسطوانات التالفة.
3ملايين اسطوانة والعدد يتزايد
بدورنا توجهنا إلى الجهات ذات الاختصاص لمعرفة ما إذا كان هناك متابعة مستمرة للأسطوانات التالفة وصيانتها، حيث أكد علي معصار- الناطق الرسمي للشركة اليمنية للغاز قائلاً: عدد الاسطوانات التالفة اصبح كبيراً فآخر إحصائية لعام 2009 كان العدد حوالي 3ملايين أسطوانة ولاشك أن العدد قد ازداد بسبب توقف الصيانة والمصنع اليمني للأسطوانات، وقال: الشركة اليمنية للغاز قامت بتحريز عدد من الاسطوانات التالفة وتوجيه رسائل إلى المحطات المركزية بعدم تعبئة هذه الاسطوانات، كما تم التأكيد من قبلنا لكل العُقال بعدم استلام الاسطوانات التالفة وإرجاعها مع مندوب الشركة واستبدالها بأسطوانات غير مسربة، لكن أحيانا إصرار العُقال على استلام حتى المسربة يضعنا في مواقف مع العُقال والمواطنين، ونحن حريصون على عدم نزول هذه الاسطوانات وتم تحرير اكثر من عشرين رسالة بهذا الشأن للمحطات والمندوبين، وتسعى الشركة جاهدة للبحث عن سبل تمويل أعمال الصيانة، ونظرا لأن الشركة اليمنية للغاز لا توجد لديها الامكانات المالية لأعمال الصيانة فقد تم تحرير رسائل إلى الحكومة بتوفير مبالغ الصيانة وكخطوة أولى تم طلب صرف 700.000 ألف دولار قيمة مائة ألف صمام لكن لم يتم صرف المبلغ، وكذا تم مخاطبة قيادة الشركة في صافر بهذه المشكلة وضرورة البدء بأعمال الصيانة وهناك تفاهمات مع صافر نتمنى أن تثمر، لأنها أصبحت مشكلة تؤرقنا جميعا.
ضرورة تشغيل مصنع الاسطوانات
وأرجع الناطق الرسمي سبب توقف المصنع اليمني للأسطوانات إلى عدم صرف تكاليف الصيانة، حيث كانت أعمال الصيانة واستبدال التالف بموجب العقد الموقَّع مع المصنع، ولعدم وجود الامكانات المالية لم يتم استئناف العمل، مشيراً إلى أنه يتم خصم 10ريالات في صافر مقابل إهلاك “أي صيانة” وهذا ما تخاطبنا به مع شركة صافر نظرا لأننا لا نمتلك أي إيراد مالي في صنعاء، ونحن نرجو من المسؤولين في الحكومة وفي صافر النظر في هذا الموضوع بعين المسؤولية وتوفير الامكانات المالية ليتم البدء بأعمال الصيانة، ونأمل إعادة فتح المصنع اليمني للأسطوانات لما لهذا الموضوع من أهميه بالغة.
منشور يجب تداوله
وأخيراً وجدنا في مواقع التواصل الاجتماعي منشوراً يدعو كل مواطن ممن يحصلون على اسطوانات غاز مسربة إلى أن يقوم المواطن بالكتابة عليها بالرنج وبالخط العريض (دبة الغاز تالفة) كي يتسنى للجميع معرفة الاسطوانة الصالحة للاستخدام من الاسطوانة التالفة لتجنب التعامل معها واستخدامها حرصا على الأرواح، ونأمل أن يكون العمل بهذا المنشور كخطوة إيجابية يتداولها المواطنون إلى أن تجد الحكومة حلولاً لصيانة الاسطوانات.

قد يعجبك ايضا