
دقت عدد من التقارير العربية والدولية ناقوس الخطر حول تنامي نزيف العقول والكفاءات العربية التي تختار الاغتراب بديلا عن تخلف الأوضاع المهنية والمادية في الوطن الأم , داعية الدول النامية التي تعاني من استنزاف كوادرها الشابة والعقول المفكرة ومن بينها اليمن بالعمل على الحد من هجرة الشباب إلى الخارج واستثمار طاقاتهم الجبارة والإبداعية داخل الوطن وتوفير فرص العمل لهم بما يتناسب مع مستوياتهم العملية وبما يشجع الطلاب الدارسين في المرحلة الثانوية والجامعية على اختيار تخصصات دراسية كبيرة والقيام ببحوث عملية تعود بالنفع الاقتصادي على الوطن ومستقبل البلد الأم بدلا من تقديم عصارة أفكارهم وجهودهم لبلدان أخرى.
اكثر من 200 مليون عاطل
وفي هذا الصدد أشارت منظمة العمل الدولية إلى تزايد عدد العاطلين عن العمل في العالم بشكل مستمر وخصوصا فئة الشباب وتزايد معدلات الهجرة من الدول النامية , وقال المدير العام لمنظمة العمل الدولية “غاي رايدر سبل” انه ونظراٍ للحالة الراهنة للاقتصاد العالمي وآفاقه المستقبلية من المرجح أن تزداد تدفقات الهجرة وتغدو أكثر تعقيداٍ خاصة مع توقع ارتفاع عدد العاطلين عن العمل عالمياٍ ليصل إلى 208 مليون بحلول العام 2015 ما يشكل تحدياٍ هائلاٍ أمام المجتمع الدولي بيد أنه يقدم لنا فرصة كبيرة لمضاعفة جهودنا وتغيير طريقة تعاملنا مع موضوع الهجرة.
مليار مهاجر
وفيما يعتبر دعوة إلى تحرير الهجرة في العالم وتأكيدا على أن الهجرة احد محركات التنمية البشرية, أشار تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة إلى إيجابية الهجرة على الدول المضيفة وأن على الدول إضافتها كمكون أساسي من مكونات استراتيجيات التنمية في البلدان الأصلية .
وأفاد التقرير بوجود نحو مليار مهاجر في العالم من بينهم نحو 740 مليوناٍ من المهاجرين الداخلين ,في مقابل نحو 70 مليونا من المهاجرين الدوليين.
هروب الكفاءات
وأقر التقرير بمشكلة تؤرق الدول النامية وهي استنزاف عقولها وكفاءاتها وخصوصا من بعض الدول في الخارج أكثر من عددهم في دولهم بينما 44.5% من المهاجرين من لبنان وسوريا هم من أصحاب التخصصات العلمية الكبيرة.
وأشار تقرير التنمية البشرية العربية إلى أن نحو “70 ألفاٍ” من خريجي الجامعات العرب يهاجرون سنويا للبحث عن فرص عمل في الخارج ,في حين أن نحو “54%” من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم الأصلية.
وبحسب دراسة صادرة عن إدارة السياسات السكانية والهجرة في الجامعة العربية فإن وقف الهجرة واسعة النطاق لرأس المال البشري من شأنه أن يوفر على الدول العربية المصدرة للكفاءات نحو “1,57 مليار ” دولار أمريكي سنويا , عن أن المنطقة تخسر هذا الرقم سنويا بسبب هجرة كفاءاتها .
100 ألف عالم وطبيب ومهندس
ووفقا لإحصائيات صادرة عن منظمات دولية فإن نحو 100 ألف عالم وطبيب ومهندس يغادرون لبنان وسوريا ودول عربية أخرى سنويا , كما أفادت الإحصائيات أن 70 % من هؤلاء العلماء لا يعودون إلى بلدانهم الأم في حين أن نحو 50% من ينتقلون للعيش في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا.
وأكد تقرير صادر عن قسم الأبحاث في شركة ” تالنت ريبا بلك دوت نت” المتخصصة بتوفير خدمات التوظيف ان امام الدول العربية المصدرة للتوزيع حاليا فرصة مواتية لتطبيق سياسات محفزة تهدف الى تغيير اتجاه هجرة العقول في ظل الواقع الاقتصادي الراهن , وذلك من خلال وضع تدابير استباقية لخلق فرص العمل والاستثمار في الداخل الأمر الذي من شأنه أن يستقطب الكفاءات الشابة المحلية والمهاجرين , التي يمكن أن تسهم معارفهم وخبراتهم وأموالهم في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول .
دليل الكتروني
وفي سياق مواجهة نزيف العقول العربية إلى دول أوروبا والغرب يعتزم اتحاد الجامعات العربية إصدار دليل الكتروني لآلاف العقول العربية العاملة بمختلف مراكز البحث العملي في الغرب.
وحيث لم تفلح صفارات الإنذار التي أطلقتها منذ سنوات غير قليلة تقارير عربية ودولية وفعاليات في مجال التنمية في إحداث تأثير ملموس على حركة هجرة الكفاءات العربية إلى أوروبا وأمريكا فانه لايبدو من خيار أمام الدول والمنظمات الإقليمية العربية سوى العمل على توظيف خبرات ومهارات أبنائها المغتربين في أوروبا وأمريكا.
وبحسب تقرير صادر بهذا الخصوص فإن الدليل الالكتروني سيوثق أسماء الكفاءات العربية المهاجرة والتخصصات العلمية التي تنشط بها في أفق ربط الصلة معها واستثمار طاقاتها بالبلدان العربية.
وأبدى التقرير تشاؤما بخصوص قدرة البلدان العربية على الاحتفاظ بكفاءاتها العلمية والفنية بالنظر إلى الانفجار الطلابي الذي تعرفه الجامعات العربية ,حيث تضاعف عدد الملتحقين بالمؤسسات الجامعية ثلاث مرات ونصف ليبلغ أكثر من ثمانية ملايين طالب العام الماضي ,, وتوقع التقرير مستقبلا أكثر قتامة للمتخرجين العرب الذين سيكونون معرضين لمعدلات متنامية من البطالة بسبب عدم انسجام تكوينهم العملي مع حاجيات سوق العمل المتغيرة وتوجهات العولمة الاقتصادية.
البحث العلمي
وفي تأكيد على ارتباط هجرة الكفاءات بضعف استثمار الدول العربية في البحث العلمي ,قال الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية إن معظم الدول العربية لا تتخطى سقف 1% من دخلها القومي في تمويل البحث العملي , مشيرا إلى ضرورة تغيير أولويات التعليم العالي في العالم العربي باتجاه التركيز على تخصصات مرتبطة مباشرة بحاجيات مسلسل التنمية الاقتصادية والاجتماعية من قبيل الالكترونيات والفيزيا والعلوم النووية والتكنولوجيا الحيوية والزراعة والطاقة.
بيئة طاردة
وكان التقرير العربي الأول حول العمل والبطالة قد رصد ارتفاع وتيرة هحرة العقول العربية الى الخارج بسبب وجود بيئة طاردة تتمثل اساسا في الشعور بالاغتراب من جراء التضييق المنهجي على حرية البحث العلمي.
وفي سياق مماثل أوضح تقرير للجامعة العربية أن الدول العربية لا تنفق سوى دولار واحد على الفرد في مجال البحث العلمي بينما تنفق الدول الأوروبية نحو 600 دولار لكل مواطن ويصل المبلغ الى 700 دولار في الولايات المتحدة الأمريكية .
وبينما يسجل العالم العربي نسبة 318 باحثا لكل مليون عربي تصل النسبة في الغرب الى 4500 باحث لكل مليون شخص.
هجرة الكوادر الصحية
الى ذلك تعقد المنظمة العربية للتنمية الإدارية إحدى منظمات جامعة الدول العربية بالتعاون مع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب بمجلس التعاون الخليجي, المؤتمر العربي حول هجرة الكوادر الصحية وتأثيراتها على القطاع الصحي العربي وذلك بدولة الإمارات العربية المتحدة من8-10 ديسمبر المقبل.
وقال الدكتور رفعت الفاعوري مدير عام المنظمة: “إن المؤتمر يهدف إلى مناقشة هجرة الكوادر الصحية وتأثيراتها سلبا وإيجابا على القطاع الصحي العربي كما يهدف لمؤتمر ايضا إلى تحديد ودراسة العوامل الوطنية والإقليمية والدولية المؤثرة في هجرة الكوادر الصحية واختيار الوسائل والطرق المفضية إلى خلق توازن بين احتياجات ومكاسب الدول المصدرة والدول المستقبلة في المنطقة العربية”.
وأضاف الفاعوري قائلاٍ: إن هجرة العقول والكفاءات العربية يزداد مع الوقت وتحول إلى نزيف مستمر يكلف الدول العربية حوالي 200 مليار دولار سنوياٍ.
وأشار د. الفاعوري إلى أن الوطن العربي يساهم في ثلث هجرةالكفاءات من البلدان النامية 50% من الأطباء و23% من المهندسين و15% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية المتخرجة يهاجرون إلى أوروبا والولايات المتحدة وكندا ويشكل الأطباء العرب 34% من مجموع الأطباء العاملين في إنكلترا وتستقطب الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا 75% من المهاجرين العرب.