مجازر غزة لا تتوقف عن النزيف، ومشاهدها الدامية تفوق كل تصور، لا يضاهيها هول في أية بقعة من الأرض، هي ليست مشاهد من فيلم ليوم القيامة، ولا عرض سينمائي من نسج الخيال، بل هي واقع مرير يعيشه أهالي القطاع منذ بدء الاحتلال، ووصمة عار أبدية تطارد كل من لا يزال حيا بضمير ميت.
في غزة ينام الطفل على أنين الجوع الذي ينهش أحشاءه كل ليلة، ويستيقظ قبل أن يغمض عينيه على دوي انفجارات تهز قلبه قبل جدران منزله، في غزة يغفو الطفل ممسكا بيد إخوته، خشية أن يرحلوا دون وداع، لتوقظه الفاجعة على نصف يد أو جسد ممزق أو بقايا أحلام وردية لم يتبق منها سوى رماد، هنا تحت وطأة القهر والمعاناة لا مكان للرحمة، ولا صوت يعلو فوق صراخ الألم.
وفي مشهد يدمي القلب تتجلى قصة الطفلة ورد جلال، التي فتحت عينيها على مذبحة مروعة التهمت إخوتها وأخواتها، فلم يكن لها سبيل إلا أن تنجو بنفسها من براثن اللهب، ومعها ظلها الوحيد الذي لم يفارقها.
الظل الذي بات دليلا صارخا على أن طفولة غزة مهما تكالبت عليها النيران ولفحتها قسوة الزمن، ترفض الموت والانكسار، فالظل وحده كان شاهدا على صمودها، وأقوى من كل المجازر، هذا الظل ليس لورد وحدها، بل هو امتداد لكل طفل حاول النجاة، ولم تدركه أيادي الإنقاذ، هو لكل روح قاومت ثقل الركام الذي سحقها، ورزحت تحت هول المصاب، تنتظر بصيص أمل ينجيها من العدم.
هذا الظل ليس مجرد لأثر، بل هو رمز للصمود الذي لا ينكسر، شعلة للمقاومة التي لا تخبو، وصرخة كل طفل في غزة يصارع الموت في كل لحظة، هذا الظل رسالة إلى أولئك الذين تعاموا عن الجرح النازف، وأغمضوا أعينهم عن النزيف المتواصل، وهدموا صروح الإنسانية ببرود، وصفقوا لمسرحية الدم التي لا تتوقف، وإلى من وقفوا إلى جانب الظلم، ومولوا استمرار نزيف الدم المهدور ظلما وعدوانا، في كل شبر من قطاع غزة، وفي كل نبضة قلب فيه.