الكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف هما أقدس مقدسات المسلمين، وإليهما تهوي أفئدتهم، وبهما تتعلق قلوبهم، وهما ملك للمسلمين جميعًا ولا يحق للنظام السعودي التفرد بإدارتهما؛ لأنه اتخذ من موسم الحج موسمًا للاستغلال المادي والتهريج السياسي والتصيد الأمني وهذه الممارسات بعيدة كل البعد عن روح الإسلام وشعيرته الكبرى التي ترمز للوحدة والأخوة والتسامح، فمن ممارسات النظام السعودي التعسفية لتسييس الحج. منع من يشاء والسماح لمن يريد بأداء مناسك الحج، ومن تلك الشعوب التي منعت سوريا وليبيا وإيران ممنوعة. من أداء فريضة الحج، أما عن اليمن فلم يكتفِ النظام السعودي بعدوانه علينا وارتكابه أبشع الجرائم والمجازر الوحشية والحصار والتجويع والقصف المتواصل العشوائي، بل قام أيضًا بمنعنا من أداء فريضة الحج، بل وصل به الحال إلى اعتقال من يذهبون لأداء الحج والعمرة كما فعل باليمنية المعتمرة» مروة الصبري» بدون أي وجه حق أو ذنب اقترفته سوى أنها تضرعت لله بأن ينصر اليمن، وهل تُعد استغاثة المظلوم جرمًا؟
فاستخدام السعودية للحج والعمرة كوسيلة للترصد لأي شخص كان، إنما هو خرق للمواثيق الدولية وحقوق الإنسان والتي تضمن حق التنقل للإنسان، خصوصا بعدما يتم منحه تأشيرة الدخول.
ولا ينتهي تسييس الحج عند هذا الحد، بل يتجلى استغلال الحج في أهم حدث في الحج وهو وقوف الحجاج في عرفة وحضورهم لسماع خطبة ذلك اليوم المشهود سنويًا، معروف ما لخطبة عرفة من تأثير على نفوس ملايين المسلمين في أرجاء المعمورة، ولكن من المؤسف أن هذه الخطبة تحولت إلى مهرجان ترويج سياسي باهت، وتسويق بلباس ديني متهالك لسياسات تسبح بحمد زعمائها بدلاً من ربها، والأعجب أن يتم استغلال هذا المنبر للترويج لسياسات الظلم وانتهاك حقوق الإنسان تحت غطاء ديني، فقد حرض مفتي البلاد ذات مرة من على منبر يوم عرفة على قتل اليمنيين وبارك العدوان ونعت شعب الإيمان والحكمة بالمجوس والروافض، لذا صار من غير المفاجئ أن يتم تهميش القضايا المركزية الكبرى للأمة مثل قضية فلسطين، ليحل محلها التسبيح بحمد قادة البلاد وشكرهم على تدمير الأمة الإسلامية، والقول بأن نظامهم السعودي وأمريكا هما قطبا قطبي السلام في العالم.
ناهيكم عن تكاليف أداء شعيرة الحج أو العمرة التي تتزايد كل عام بشكل جنوني ضمن سلسلة تسييس الحج وتسليعه ليكون أحد مصادر دعم الخزينة الأمريكية، وجزء منها يتم به شراء الأسلحة من إسرائيل وأمريكا ليمعنوا في عدوانهم الهمجي الغاشم على اليمن أرضًا وإنسانًا، فآل سعود سلبوا الفرضية قدسيتها وروحانيتها، والأمر من هذا أن نصف أموال الحج والعمرة تدفع لتمويل الحروب على الشعوب العربية خاصة حرب العدو الصهيوني على غزة، والنصف الآخر تدفع لترامب، كما صرح بذلك المجرم الأصفر بأن الرب للجميع ويجب أن يتقاسمها مع آل سعود، والذي هدد بأن أمريكا هي من تحمي عروش آل سعود النجسة، وسيتم حلب أموال الحج والعمرة كما تم حلبهم قبيل بضعة أيام خمسة تريليونات دولار، لكن لو أن المسلمين طالبوا بأنهم شركاء في أموال الحج والعمرة وبأن الأموال ليست حكرا على آل سعود وترامب فقط لقامت الدنيا ولم تقعد.
ولم يكتفِ النظام السعودي بهذه الأعمال بل قام بالتواطؤ مع الكيان الصهيوني بتسهيل وصول اليهود الصهاينة لتدنيس أشرف البقاع وأطهرها (الحرم المكي والمسجد النبوي)، في سابقة خطيرة مستنكرة، استفزت مشاعر المسلمين، وتعدّت على الأوامر الإلهية وخانت الدين الإسلامي والأمة الإسلامية، وأظهرت حالة الخسة والانحطاط والذلة والهوان للكيان الصهيوني، في السعي بكل الوسائل والتنازلات لكسب رضا عدو تاريخي أزلي للإسلام وأهله.
ألم يحن الأوان للتحرك الجاد -الفعلي نحو تدويل إدارة الحرمين الشريفين؟ والتدويل المعني هنا ليس تدويلاً دولياً بإشراف الأمم المتحدة، ولكن التدويل يكون بين الدول الإسلامية، وبمعنى أكثر وضوحًا عدم احتكار النظام السعودي للإشراف على الأراضي المقدسة فيكون لكل دولة إسلامية إشراف، إما من خلال هيئة منبثقة عن هذه الدول، أو تداول الإشراف بين الدول الإسلامية بالتناوب.
هذا المطلب القديم الجديد بات ضروريًا ومطلبًا عادلًا لكسر هيمنة الإشراف السعودي، وكبح استبدادها وانفرادها بإدارة الأماكن المقدسة، والأمر هذا ليس بالصعب ولا المستحيل، بل هو من أهم البدائل لوحدة المسلمين الفكرية والدينية المذهبية والسياسية، وهو يستحق عناء بذل المال والجهد، لأنه مشروع الإسلام نفسه.