المال السياسي يهدد المسار الانتخابي في تونس

تونس/وكالات –
أطلقت الأحزاب العلمانية التونسية صيحة فزع من استشراء المال الفاسد خلال حملة الانتخابات البرلمانية وحذرت من إمعان بعض الأطراف في شراء ذمم التونسيين بدلا من تقديم برامج انتخابية واقعية قادرة على إيجاد حلول لمشاكل المواطنين.
وشددت هذه الأحزاب على أن “المال الفاسد المتأتي من ليبيا والخليج يضرب في العمق العملية الديمقراطية” ويقود إلى نتائج انتخابية لا تعكس إرادة التونسيين في تأسيس مؤسسات دولة تحظى بالتأييد الشعبي.
واعتبرت أن الانتخابات تعد فرصة تاريخية للتونسيات وللتونسيين لإرساء نموذج ديمقراطي في حال تمت بصورة شفافة ونزيهة مشددة على أنها لن تقبل بنتائج الانتخابات “إذا لم تتوفر الشروط الأساسية والواضحة لإجراء عملية انتخابية سليمة”.
وعلى الرغم من أن الأحزاب العلمانية تتجنب ذكر حركة النهضة الإسلامية بالاسم وتفضل التلميح إليها فإن غالبية التونسيين يتحدثون بتذمر عن التجاء الحركة الإسلامية إلى ضخ أموال طائلة من أجل “شراء” أصوات الناخبين.
وفاحت رائحة المال الفاسد خلال عيد الأضحى حين وزعت النهضة الأضاحي والمال على عدد من أهالي الأحياء الشعبية والجهات المحرومة التي تعتبرها معاقل لها واستغلت حالات الفقر والعوز لشراء ذمم الناس.
وقال زعيم الائتلاف الحزبي “الإتحاد من أجل تونس” سمير الطيب إن “أخطر ما يهدد سير المسار الانتخابي هو المال الفاسد وقد بدأنا نتلمسه ونتحسسه” مضيفا “اليوم نلاحظ أن بعض الأحزاب والقوائم الانتخابية تلتجئ دون احترام القانون الانتخابي إلى ممارسات تمس من شفافية الحملة الانتخابية”.
وأكد أن عددا من القوائم قامت بتوزيع حواسيب على الأطفال من أجل حث عائلاتهم على التصويت لها كما قامت قوائم بتوزيع الأضاحي ومبالغ مالية بل هناك شركات تشتغل لفائدة أحزاب سياسية في ادارة الحملة الانتخابية”.
واعتبر الطيب أن هذه الممارسات “غريبة عن الأخلاق السياسية ونحن نعتبر أن السياسة والأخلاق يتعايشان إذ لا معنى لسياسة بلا أخلاق” مضيفا “بالتأكيد فإن شراء الذمم باستعمال المال الفاسد يضرب في الأعماق عملية التحول الديمقراطي في تونس”.
ويقول متابعون للشأن التونسي أن “المال الفاسد” هو مؤشر واضح يعكس فشل بعض الأحزاب في تقديم برامج انتخابية واقعية تستجيب لمطالب التونسيين في التنمية والتشغيل ملاحظين أن ما يحصل اليوم خلال الحملة الانتخابية هي ممارسات تتلاعب بإرادة التونسيين إلى درجة أن “بعض الأحزاب باتت لا تراهن على تجاوب الناخبين مع برامجها بقدر ما تراهن على شراء أصواتهم”.
وكانت حركة النهضة قدمت برنامجا انتخابيا قالت إنه “واقعي” غير أن خبراء رأوا فيه “برنامجا دعائيا فجا” لم تتم صياغته وفق مشاكل التونسيين الحقيقية وفي مقدمتها التنمية والتشغيل والحرية والديمقراطية وإنما تمت صياغته وفق مشروع حركة النهضة التي تسعى إلى العودة إلى الحكم مستخدمة طرقا تتنافى مع القانون الانتخابي ومع الأخلاق السياسية.
وأضاف الطيب “نحن يقظون لأننا نعتبر أن تجربة 2011م التي فازت فيها النهضة شهدت إخلالات لذلك سنعمل خلال الانتخابات القادمة على تجاوزها حتى لا يكون هناك تلاعب بإرادة التونسيين”.
وكشف أن كتلة النهضة في المجلس التأسيسي لم تكن متحمسة من أجل سن عقوبات رادعة ضد استعمال المال الفاسد قائلا “هنا أحمل المسؤولية لأغلبية حركة النهضة إذ كنا نريد أن يسن المجلس عقوبات تتعلق بالمال الفاسد عقوبات رادعة وذات طابع جزائي لكن للأسف لم يحدث ذلك”.
من جانبه شدد القيادي في الجبهة الشعبية زياد لخضر على أن تعكس نتائج الانتخابات إرادة التونسيين داعيا الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى ضرورة توفير الظروف اللازمة لإجراء عملية انتخابية سليمة حتى لا يشكك أي طرف في نتائجها ونزاهتها.
وهددت الأحزاب العلمانية بـ”أنها لن تقبل بنتائج انتخابات حسمتها بعض الأطراف بضخ المال الفاسد على الفئات الهشة والفقيرة من أجل شراء أصواتها لأن تلك النتائج وفي هذه الحال لا تعكس الإرادة الحرة للتونسيين في اختيار من سيمنحونهم أصواتهم”.
وقال زياد لخضر “إن الشكوك بدأت تساور التونسيين بشأن نزاهة الانتخابات في ظل انتشار المال السياسي وعدم التصدي له” وشدد على أن “الجبهة الشعبية لن تقبل بنتائج الانتخابات إذا لم تتوفر الشروط الأساسية والواضحة لإجراء عملية انتخابية سليمة” .
ويعتبر علمانيو تونس أن الانتخابات البرلمانية تعد “فرصة للتونسيات وللتونسيين لإصلاح ما أفسدته حكومة الترويكا بقيادة النهضة لأن الوضع لم يعد يطاق” في إشارة إلى الأزمة الخانقة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا التي تعيشها البلاد نتيجة فشل الحركة الإسلامية في الحكم.
وردا على تصريحات الغنوشي التي قال فيها إن النهضة مستعدة أن تشكل “حكومة وحدة وطنية” تشارك فيها جميع الأطراف الممثلة في البرلمان قال سمير الطيب “نحن قلنا لا ولن نتحالف مع النهضة لسبب بسيط وهو أننا لا نحمل نفس المشروع من حق النهضة أن تدافع عن مشروعها ولكن من حقنا أيضا أن ندافع عن مشروعنا ونحكم تونس حسب المشروع الديمقراطي”.
غير أنه أوضح أن “الحالة الوحيدة التي نكون فيها إلى جانب النهضة في الحكومة القادمة هي في صورة لم تفز أغلبية وأفرزت الانتخابات مشهدا سياسيا مبعثرا تعجز فيه الأطراف السياسية أن توجد أغلبية. في هذه الصورة هناك حل وحيد وهو حكومة وحدة وطنية تشارك فيها الأحزاب الممثلة في البرلمان طبعا ولكن بشرط أن تترأس الحكومة شخصية مستقلة”.
وهذا هو نفس الموقف الذي أعلنه زياد لخضر حين أكد أن “الجبهة الشعبية لن تتحالف مع أطراف الترويكا بعد الانتخابات القادمة لأنهم لا يتفقون معهم في وجهات النظر في كيفية إدارة شؤون البلاد”.
وأوضح “لا نستطيع التحالف والاتفاق مع أطراف شكلت ميليشيات تسمى برابطات حماية الثورة”. في إشارة إلى الذراع الميدانية لحركة النهضة.
ويقول مراقبون أن المال السياسي مكن حركة النهضة من أن تتقدم بقوائم انتخابية في كل الدوائر البالغ عددها 33 دائرة 27 داخل تونس و6 بالخارج فيما فشلت غالبية الأحزاب اليسارية والعلمانية في تغطية كل الدوائر الانتخابية ليس فقط بسبب محدودية انتشارها الشعبي وإنما أيضا بسبب تواضع إمكاناتها المالية.

قد يعجبك ايضا