العاملون في القطاع الخاص .. حقوق مهدرة ومستقبل مجهول


نحو ثلاث سنوات ونيف امضتها سارة اسماعيل وهي تزاول عملها لدى احدى المؤسسات الخاصة العاملة في مجال الدعاية والإعلان ,وفي ابسط خلاف مع مالك المؤسسة تم فصل سارة بـ”شخطة قلم” , لتجد نفسها فجأة في الشارع وبدون أي مستحقات قانونية لسنوات الخدمة الثلاث في هذه المؤسسة.

حاولت سارة التفاوض مع مدير المؤسسة بغرض السماح لها بالعودة الى العمل , الا أن الرفض المعزز بـ” إغلاق سماعة التلفون في وجهها” كان حصاد تلك المحاولات , فما كان منها سوى اللجوء الى احد المحامين واستشارته حول امكانية مقاضاة هذه المؤسسة , غير أن طلب المحامي منها عقد العمل الموقع مع الشركة أصابها باليأس كونها لا تمتلك عقد عمل يضمن لها حقوقها.
حاليا تعتزم سارة اسماعيل مع بعض القانونيين والإعلاميين تأسيس جمعية خاصة بالدفاع عن العمال والموظفين المسرحين من القطاع الخاص بالإضافة الى تنظيم حملات اعلامية وورشات عمل لتوعية العاملين في القطاع الخاص بحقوقهم القانونية وذلك من خلال التنسيق مع اتحاد الغرف التجارية والصناعية وعدد من المؤسسات والشركات الخاصة .
ليست هذه الفتاة سوى انموذج بسيط لآلاف العاملين في القطاع الخاص ممن يعيش معظمهم في مثل هذا الاضطهاد والظلم والاستغلال من قبل ملاك القطاع الخاص ,مع الاحترام لقلة من المنشآت الخاصة النموذجية, فبالإضافة الى ساعات العمل المكثفة والتي تصل احيانا الى 14 ساعة في اليوم الواحد لا يعرف العاملون في القطاع الخاص شيئا اسمه بدل إضافي أو إجازة سنوية كما يحدث في المنشآت الخاصة في الدول الاخرى.. اما التامين الصحي فهو في معظم المنشآت الخاصة يعد من سابع المستحيلات.. وفي هذا التحقيق نستعرض بعضا من معاناة العاملين في القطاع الخاص ومناقشة أسبابها والحلول التي قد تحد منها .

إجازات
منذ قرابة أربع سنوات وابراهيم النونو يعمل لدى احد المحلات التجارية الكبيرة براتب خمسين الف ريال في الشهر يستلمها ابراهيم “صافي – حد قوله- مضيفا :”الصرفة اليومية اكل وقات على صاحب المحل والمعاش نستلمه صافي خمسين الف ريال”.
ورغم التزامه بالعمل واتقانه له لم يحصل ابراهيم على أي إجازة سنوية مدفوعة الراتب سوى بضعة ايام في عيد الفطر المبارك وعيد الأضحى كما أنه لا يعرف شيئا اسمه بدل اضافي , يقول ابراهيم:” عملنا يبدأ من الساعة الثامنة صباحا وحتى الساعة الحادية عشرة مساء وأوقات المواسم يستمر العمل حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ومع ذلك لا نحصل على أي أجر إضافي سوى زيادة في المصروف اليومي”.

بدون إضافي
ويتشابه ابراهيم مع عز الدين الذي يعمل في دكان بيع بالجملة من حيث ساعات العمل الطويلة وعدم حصولهم على أجر إضافي غير ان عزالدين يحصل على مكافآت لا بأس بها من صاحب العمل في الأعياد الدينية تسمى عيدية وهذه العيدية بحسب عزالدين ليست محددة بمبلغ ثابت مثلا راتب شهر وانما تخضع لـ”كرم” صاحب المحل وبحسب حركة البيع والشراء, “فاذا كان العمل جيدا والمكاسب مرتفعة كانت مكافأة العيد لا بأس بها وإذا كان السوق راكداٍ والمكاسب قليلة كانت العيدية ضعيفة” حد قوله.

انعدام الثقافة القانونية
وفي هذا الصدد يقول الخبير الاقتصادي حمزة سالم النهاري: إن السبب في عدم مطالبة العمال لأصحاب العمل بتوقيع عقد عمل بين الطرفين يعود الى انعدام الثقافة القانونية لدى معظم العاملين في القطاع الخاص, مشيرا الى أن بعض العمال إن لم يكن معظمهم يعتقدون أن عقد العمل ضدهم وليس في صالحهم وانه يقيد حريتهم في الاستمرار في العمل أو تركه والبعض يرى أن عقد العمل يكون دائما لمصلحة صاحب العمل وهذا مفهوم خاطئ.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أن القانون اليمني وجميع القوانين العربية والدولية تلزم أصحاب العمل على توقيع اتفاق مع العمال بما يضمن حصول العمال على حقوقهم الكاملة والمتمثلة في تحديد ساعات العمل بما هو محدد في القانون وما زاد عنها يعتبر عملا إضافيا يتقاضى العامل حقه فوق الراتب.. وأيضاٍ ينص العقد على إجازة سنوية وضمان صحي وتأهيل وتدريب العمال وتطوير مهاراتهم وعدم تشغيلهم في ظروف غير صحية وغير ذلك من الحقوق التي يجهلها الكثير من العاملين في هذا القطاع.
ويضيف خبير الاقتصاد قائلا: حاولنا القيام بعمل استطلاع ميداني لنوعية عشوائية من المنشآت الخاصة لمعرفة مدى التزام هذه المنشآت للمعايير القانونية في التعامل مع العمال فوجدنا إنما نسبته 5 بالمائة فقط من العينة المبحوثة ملتزمون بمنح العمال حقوقهم القانونية وعمل دورات تدريبية لهم لتطوير مهاراتهم وبالتالي تطوير عملها..”
مشيراٍ الى إن 30 بالمائة من العمال الذين تمت مقابلتهم في تلك المنشآت لا يعرفون ماهي حقوقهم وواجباتهم و45 بالمائة يرغبون في أن يكون عملهم مبنياٍ على عقد اتفاق مع جهات العمل فيما أشار 25 بالمائة الى أن أرباب العمل من يرفضون توقيع عقود عمل مع العمال.

تمييز العامل الأجنبي
الى ذلك اكد الدكتور على محمد احمد وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لقطاع علاقات العمل , ان واقع العمل في القطاع الخاص باليمن فيه الكثير من المصاعب.
وقال في لقاء صحفي سابق :” هناك القطاع الخاص الأجنبي الذي تعمل فيه العديد من الشركات واقعها ارتبط بواقع الحياة اليمنية وبالاقتصاد اليمني نعاني من بعضها شيئاٍ من المخالفات القانونية سواء في استخدام عمالة أجنبية اكثر من النسبة المحددة لها في القانون وكذلك تمييز العامل الأجنبي على العامل اليمني ونقص في مستحقات بعض العمال “, مشيرا الى أن هناك شركات نموذجية لا ينطبق عليها ما ذكر أعلاه.
ووصف الدكتور علي محمد القطاع الخاص المحلي بأنه لايزال متراجعا في كثير من الجوانب ,حيث يمارس مخالفات من حيث تطبيق تشريعات العمل وحقوق العاملين , الا أن هناك بعضا من هذا القطاع يمثل نماذج لا بأس بها , مؤكدا أن” البعض قليل جدا”.

قوانين ولوائح
ويشير وكيل وزارة العمل لقطاع علاقات العمل الى أن القوانين واللوائح المنظمة للعمل تضمن للعامل كافة الحقوق ويعتبر قانون العمل اليمني من أفضل القوانين في المنطقة كونه يستوعب الحقوق الأساسية في العمل ويحدد ساعات العمل الأساسية بثماني ساعات ويتم احتساب مازاد عند الثمان الساعات في اليوم عملا اضافيا ويحتسب الساعة الإضافية بساعة ونصف وعلى الا يزيد العمل الإضافي عن اربع ساعات في اليوم , أما العمل الإضافي في العطل والإجازات فتحتسب الساعة بساعتين ,ويضمن قانون العمل اليمني حماية وسلامة العمال وضرورة تأمينهم الاجتماعي في القطاع الحكومي والخاص والمختلط والعام على ان يدفع صاحب العمل 9 بالمائة ويدفع العامل 6 بالمائة .
ويضيف: في جميع انحاء العالم يهتم القطاع الخاص بالعاملين وفي بلادنا لا يعطي القطاع الخاص الاهتمام الكافي لذلك, لأنه لا يستوعب انه كلما اعطى العمال مزيدا من التحفيز كلما اعطوه مزيدا من الانتاج كما ان معظم القطاع الخاص المحلي لا يهتم ببناء قدرات العاملين وتطويرها لأنه لا ينظر للعملية الانتاجية على المدى البعيد.

30 مفتشا لنصف مليون منشأة
تراقب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عملية تطبيق القطاع الخاص لقوانين العمل وفقا لمعايير العمل الوطنية والعربية والدولية عن طريق فرق تفتيش العمل وتفتيش الصحة والسلامة المهنية .
وبحسب مسؤول في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل فإن هذه الفرق تقوم بالتفتيش على جميع المنشآت الخاضعة للقانون , مشيرا الى ان الوزارة تواجه مصاعب كثيرة في ذلك الأمر الذي قد يساعد على حدوث بعض المخالفات ومن تلك المصاعب ان هناك نحو 500 الف منشأة عمل فيها حوالي 4.4 ملايين عامل وعاملة ولا يوجد لدى الوزارة سوى 30 مفتشاٍ فقط على تلك المنشآت ولا تتوفر لديهم امكانيات التفتيش الكافية.

التأمين والحماية الاجتماعية
وفي سياق آخر قال عضو المكتب التنفيذي للنقابة العامة للمصارف في اليمن رفعت حســـن حمـــود , إن نحو 98.5% من العاملين في القطاع الخاص في اليمن لم يشملهم التأمين سواء في القطاع المنظم أو القطاع غير المنظم والذي يشكل نسبة كبيرة من اليد العاملة .
وأوضح في ندوة نظمها مركز منارات عن أوضاع المتعاقدين أن عدد المؤمن عليهم في الجهاز الإداري للدولة والقطاعين العام والمختلط(545817) وهم إجمالي القوى العاملة في هذا القطاع مقارنة بـ (523312) موظفاٍ بنهاية العام 2008م بنسبة زيادة قدرها (4%) في حين شكلت نسبة الذكور المؤمن عليهم عام 2009م 83% ونسبة الإناث 17%.
واشار الى أن أنظمة التأمينات والحماية الاجتماعية اليمنية قد شملت العاملين في القطاعين الحكومي والخاص ونصت على إلزامية التأمين للعاملين في القطاعين الحكومي والخاص ويأتي استبعادها لوجود ثغرات في القانون .مضيفا: هذه النظم التأمينية مجتمعه لا تغطي سوى 10% من إجمالي أعداد السكان البالغ عددهم 23000,154 وهذه النسبة بين اقل النسب العربية.
وقال :” إن ما يقارب مائتي الف عامل متعاقد وبالأجور العرضية والموسمية في القطاع الحكومي لا يشملهم التأمين الاجتماعي وهو ما يقدر نسبته 25%من إجمالي العاملين الفعليين في القطاع الحكومي المدني , وهو ما انعكس سلباٍ على حياتهم المعيشية خاصة في ظل ضآلة الأجور المعتمدة لهم .

استطلاع رأي
من جهة اخرى أظهر استطلاع للرأي أن60% من النساء العاملات في اليمن لم يطلعن على قانون العمل أو أية قوانين أخرى تتعلق بحقوق المرأة العاملة مقابل 15% فقط قلن بأنهن اطلعن على تلك الحقوق و24% اجبن بأنهن يعرفن تلك الحقوق بصورة محدودة.
واوضح الاستطلاع الذي أجراه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بالتعاون مع الصندوق الكندي وشمل 282 عاملة في أكثر من 60 مؤسسة حكومية وقطاع خاص ومجتمع مدني أن 82.5% من العاملات لم يتسلمن لائحة توضح الحقوق والواجبات عقب انضمامهن للعمل مقابل 13% تسلمن لائحة بذلك و4% لم يجبن بنعم او لا.
واكدت 67% من العاملات أنهن لم يحصلن على حقهن في الترقي الوظيفي بصورة مساوية للرجل مقابل 12% يقلن إنهن حصلن على حقهن و21% يقلن إلى حد ما. كما ان 56 % يعتقدن ان هناك تمييزاٍ لصالح الرجل في الترقيات كما ان 50% يقلن أنهن لم يحصلن على فرص متساوية مع الرجل في التدريب والتأهيل.
وكشف الاستطلاع عن تدني نسبة مشاركة المرأة العاملة في صنع القرارات داخل المؤسسات التي تعمل فيها حيث اجابت بعدم المشاركة 56.6% مقابل 11% يقلن انهن يشاركن و32% إلى حد ما.
وبين أن 92% من العاملات بحاجة إلى التوعية بحقوقهن في العمل مشيرا إلى أن 30% يقلن أن الجهل بالحقوق سبب في ترك المرأة لعملها مقابل 44.7% يعزون ذلك إلى أسباب أخرى.
وأشارت 40.5% من العاملات إلى ليس لديهن المعرفة الكافية بحقوقهن في العمل في حين من يعرفن حقوقهن 16.7% فقط.
69% من العاملات يقلن أن قيادتهن في العمل لن تسمح لهن بتشكيل لجان نقابية للدفاع عن حقوقهن مقابل 14.6 % اجبن بالسماح وتعتقد 58% من العاملات أن نشاطهن في الدفاع عن حقوق زميلاتهن في المؤسسات يمكن أن يعرضهن للعقاب.

قد يعجبك ايضا