ما وراء حرب داعش

بمجرد ما استكمل حلف شمال الأطلسي حربه على المعسكر الشرقي الذي مثل انهياره مطلع التسعينيات أكبر كارثة جيوسياسية شهدها القرن العشرون اعتلى مفهوم الإرهاب في السياسة الدولية وصار أحد أدواتها في رسم مسار السياسة العالمية لاسيما وقد تحول مفهوم الإرهاب سيفا مسلطا على البلدان النامية ليتم من خلاله تحقيق جملة أهداف سياسية واقتصادية بدرجة أساسية.
حيث تم مع سابق الإصرار والترصد تسويق ذلك المفهوم إلى الوطن العربي وأنشأوا له كيانا لقيطا في فلسطين المحتلة حيث أصبح ذلك الكيان أرقى مشاريع الإرهاب الناجحة في السياسة الدولية كونه إرهابا منظما يجتاح البحار والمحيطات ويتم تحريكه وفقا لمصالح تلك السياسة لاستكمال سيطرتها على مناطق النفوذ وثروات العالم وكل من يعارض ذلك ولا ينطوي في فلك التبعية الشاملة يعتبر في عرف النظام العالمي الجديد مؤطرا ضمن بؤر الإرهاب.
وهو ما يجعلنا بالظرف الراهن نتساءل حول شرعية ومشروعية الحرب الجارية التي يخوضها التحالف الدولي في سوريا والعراق ضد ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي لا يعدو عن كونه مقدمة لتحقيق مشروع كامن في السياسة الدولية أو ما تسميه بمشروع الشرق الأوسط الجديد.
حيث يرى متابعون للتطورات الجارية وما نتج عنها من اشتباك سياسي يجري على قدم وساق بين قوى اقليمية ودولية إزاء الحرب التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية ضد داعش بأن ذلك التحالف أبعد ما يكون عن محاربة الجماعات الإرهابية بقدر ما يمثل تكتلا دوليا ضد دول بعينها الأمر الذي يثير جملة استفسارات إزاء تنظيم الدولة الإسلامية بالنظر لما تحث عليه السياسة الدولية وكأن ذلك التنظيم ليس إلا سوقا للمخابرات الدولية في حال وجود رفض دول وقبول أخرى.
ومعنى ذلك بالتحديد طبقا لما يرى متابعون أن بعض دول اقليمية ودولية لا يستبعد أو محتمل أن يكون لها علاقات سياسية مع بعض أطراف تنظيم الدولة الإسلامية الذي لا يعتبر تنظيما إسلاميا بحسب التسمية المعلنة يخص الدولة الإسلامية بقدر ما يمثل تجمعا كبيرا فيه المتطرفون والمعتدلون.
وهو ما يتطلب النأي بالصراعات الإقليمية والدولية عن الاختفاء بشكل غير مباشر وراء ذرائع واهية ومبررات تطرح في ظاهرها محاربة ذلك التنظيم وفي باطنها استخطاطيات أخرى ما لم يتم عقد مؤتمر دولي تحضره الدول التي جرى استبعادها من الحملة الدولية ضد داعش وعلى أن يكون ذلك المؤتمر حول الإرهاب وسبل مكافحته لا من خلال دعم تمويل ذلك التنظيم من قبل بعض الدول عمليا وفعليا ثم إدانة واستنكار الأعمال الإرهابية وما يقوم به نظريا على غرار ما تقوم به السياسة الدولية حاضرا خصوصا في تعاملها مع بعض المجموعات تصنفها بأنها معارضة معتدلة وهي ليست كذلك وأخرى تصنفها بأنها إرهابية وفي كلتا الحالتين تكون العملية منتجا جديدا تقوم به بعض قوى إقليمية وغربية.

قد يعجبك ايضا