
8300 منظمة مدنية حتى 2011م والعدد في تزايد
* شهدت اليمن في العشرين سنة الماضية زيادة في عدد منظمات المجتمع المدني حيث وصلت في عام 1990م إلى « 283» منظمة فيما وصل عددها في عام 2010م إلى حوالي “6350” منظمة وتظهر الأرقام نمواٍ سريعاٍ إذ يوجد حالياٍ أكثر من 8300 منظمة وجمعية مدنية وأهلية مسجلة في عموم محافظات الجمهورية اليمنية مسجلة بذلك زيادة ملحوظة عن العام 2010م خاصة بعد بدء الفترة الانتقالية في اليمن عام 2011 ولمنظمات المجتمع المدني مشاركات كانت في الماضي رمزية في حين يدرك الجميع أنه يجب أن تكون المشاركة أكثر فاعلية وترسم بشكل أكثر وضوحا دورها المستقبلي لتعمل بشكل وثيق مع الحكومة والقطاع الخاص ويكون لها تأثير ولن يتحسن أداء هذه المنظمات إلا مع زيادة مشاركتها في استراتيجيات التنمية وقد لعبت بعضها أدوراٍ فاعلة في زيادة مشاركتها في صنع القرار وتشكيل السياسات والقوانين والترويج لاحتياجات المواطنين.. وهنا يتأكد دور العمل المدني من خلال هذه المنظمات التي تعكس مدنية الدولة وانتقالها إلى آفاق أكثر تطورا ومساهمة في العمل العام .
استطاع المجتمع المدني أن يلعب دوراٍ رائداٍ في العديد من مجالات الحياة العامة مستنداٍ في ذلك إلى تأثير المنظمات المتخصصة للأمم المتحدة في ضغطها على الدول في إرساء الإحداثيات الكبرى للثقافة المدنية الحديثة وإن الدول التي تتبنى النضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان تدرك تمام الإدراك أن هذا التوجه ما هو إلا وجه آخر لبناء مجتمع مدني سليم وناضج فاليمن قد أفسحت مجالاٍ واسعاٍ للمنظمات غير الحكومية في المشاركة الفاعلة في التخطيط والتنفيذ ومتابعة التقييم في إطار منسق ومتكامل وقد امتلكت منظمات المجتمع المدني الديناميكية والفاعلية المطلوبة لممارسة دورها في المناصرة والتوعية بين أوساط المجتمع وفي وضع الخطط وتنفيذ المشاريع بالتنسيق مع الجهات المحلية والحكومية والإحساس بامتلاك مشاريع التنمية والمساهمة في صناعة السياسات واتخاذ القرارات بل ورسم السياسات العامة للدولة في إطار مجموعة المتغيرات الدولية والإقليمية وبما اعتمدته الحكومة اليمنية لمفهوم الشراكة.
ازدهرت في الشمال والجنوب
* ويشير الدكتور حمود العودي – في الكتاب الذي أعده بعنوان « موقف المجتمع المدني في رسائل مفتوحة إلى « أن الكثير من منظمات المجتمع المدني في اليمن كانت حتى قيام الثورة في شمال الوطن على الأقل من بين محرمات النظام الامامي المتخلف فلا نقابات ولا اتحادات ولا جمعيات ولا أي تجمعات من أي نوع ناهيك عن الأحزاب السياسية أما بعد الثورة المباركة والاستقلال فقد ازدهرت منظمات المجتمع المدني في شمال الوطن كما في جنوبه حيث تأسست في ظل الإدارة الاستعمارية البريطانية وتعاظم دورها السياسي والوطني بعد الاستقلال كما بدأت بالبروز العلني لأول مرة في شمال الوطن ولم يعد في إمكان السلطات السياسية قبل الوحدة ولا بعدها أن ترفض أو تتنكر لهذه المنظمات .
وذهب إلى أن انتصار الثورة والجمهورية في حصار السبعين كان انتصارا للمجتمع المدني الذي كان له دور في نصرة الوطن عند الخطر ونجدته عند الشدائد فيكفي أن يتذكر شهود العيان وجنود النصرة من الكبار في حرب السبعين يوما ويسأل الصغار عن تلك المعركة التي حسمت الصراع مع فلول الملكية والتحالف الرجعي العربي والاستعماري الدولي ومن وراءها لصالح النظام الجمهوري ووضعت نقطة النهاية للنظام الملكي المتخلف رغم حصاره لمدينة صنعاء على مدى سبعين يوما وهي أيام ما يعرف بحرب أو حصار السبعين الذي انتصرت فيه صنعاء بمقاومتها الشعبية المدنية بالدرجة الأولى تحت شعار (الجمهورية أو الموت) وبالاسناد الجوي والشعبي المقاوم والمهاجم من بقية مناطق الجمهورية خلف خطوط الحصار وبعد أن كان قد غادرها السياسيون ومعظم العسكريين وكان النصر للجمهورية والموت لأعدائها.
وتابع بالقول: هذه الملحمة التاريخية يجب أن ينسى التاريخ عدم تسجيلها باعتبارها ملحمة المجتمع المدني بالدرجة الأولى بعد أن غاب عنها دور الدولة والسياسة والسياسيين وحتى القوة العسكرية المنظمة وقادتها الكبار بالذات إما خوفاٍ أو عجزاٍ أو استسلاما .
دورها وهويتها
ويؤكد الدكتور العودي على وجوب أن ندرك بأن المجتمع المدني ومنظماته ليست ثقافة غربية أو شرقية أو سلعة مستوردة من الآخرين كما يظن البعض بقدر ما هي هوية اجتماعية ووطنية في كل مجتمع عبر تاريخ البشر جميعا وهي الأصل الذي تنبثق عنه كل أشكال البنى الفوقية للمجتمع من القوانين والتشريعات والنظم وحتى الدولة نفسها وهي التي تبقى حينما تتعرض هذه البْنى السياسية والقانونية للضعف أو الانهيار لأنها هي الضرورة الأولى لوجود الإنسان والمجتمع من أجل حماية نفسه وتلبية حاجاته المشتركة شأنه شأن بقية الكائنات الحية الأخرى ومن المعيب أن لا تعطى هذه المنظمات دورها وهويتها وأن تستمر في مجتمعنا مجرد كلمة حق يراد بها باطل .
وتابع بالقول: ما يميز اليمن هو فاعلية التعاون والتكاتف الاجتماعي كأهم مظهر من مظاهر العمل المدني أكثر من غيره أستناد إلي طبيعة ظروفه المعيشية والبيئية الصعبة التي لا يتم التغلب عليهما إلا بالتعاون والعمل الجمعي والمدني المشترك .
حماية الوحدة وتحقيق التغيير
* هناك دعوة جادة ورسالة من منطلق المسؤولية الوطنية والتاريخية من أجل مصلحة وحماية الجميع عبر بوابة المجتمع المدني وهذا ما أكدته مخرجات مؤتمر تنسيقي عام لأكثر من 55 منظمة وطنية فاعلة حتى الآن شددت خلاله على ضرورة القيام بواجبها الوطني والتاريخي تجاه ما يجري تعبيراٍ عن الأغلبية الصامتة من الناس والسواد الأعظم من الشعب الصابر وبالشعب وكشاهد حق وقوة ضغط وتوازن حاسم لخدمة وحماية المصالح الوطنية العليا للوطن ومن موقع البعد التام والمطلق عن أي مصالح ذاتية ودور المجتمع المدني وحقه المشروع كرقيب سياسي وطني عام ومن منطلق واجبه ومسؤوليته التاريخية في مساعدة السلطة والمعارضة معاٍ واعانتهما على إصلاح نفسيهما من جهة وحماية الوحدة وتحقيق التغيير الوطني الديمقراطي بهما من جهة أخرى.
الثقافة الوطنية وترسيخ الهوية
* هناك مهام مناطة بمنظمات المجتمع المدني في تنمية الثقافة الوطنية كمرتكز أساسي وحقيقي لنشاطها وهنا يرى الباحث الدكتور عبدالوهاب شمسان – نائب عميد كلية الحقوق جامعة عدن بأن لمنظمات المجتمع المدني دوراٍ في التوعية بالثقافة الوطنية وترسيخ الهوية اليمينة المستمدة من واحدية الثورة اليمنية والمواطنة باعتبارها علاقة بين الفرد ودولته وفقا لما يحدده قانون هذه الدولة وأن المجتمع المدني عكس المجتمع البدوي يتمثل مدلوله في تنظيم نشاط الأفراد في أطر مؤسسية تسهم في عملية صنع القرار عبر قنوات السياسة المختلفة ويستند في نشاطه على أسس اقتصادية وسياسية وقانونية وعلى المساواة والقيم والافكار.
وقال: الحقوق الاساسية تستند بشكل رئيس على أسس تدعمها منظمات المجتمع المدني وتتمثل في إشاعة الثقافة الحقوقية والمدنية ومنها الثقافة الوطنية فلا فاعلية لهذه المؤسسات دونما إطار ثقافي يؤمن الممارسة الديمقراطية لمبادئها ومضامينها المرتكزة على الإيمان بالمواطنة المتساوية والولاء الوطني وغرس القيم والمبادئ في أوساط المجتمع وعلى وجه الخصوص لدى الشباب.
تعزيز الشراكة
* وتبرز تحديات تعيق منظمات المجتمع المدني عن أداء دورها ومن بينها ضعف القدرات وأسلوب التفكير الذي يقوم بتنميط هذه المنظمات في صورة مؤسسات خيرية ويستبعدها من التنمية والاتجاه إلى إقصائها من المشاركة الحقيقية في صنع القرارات الرئيسية التي تخص البلاد حيث أن الشراكات الشاملة والمستدامة بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني في اليمن تعتبر أحد أركان العملية الانتقالية في البلاد مما يوجب تعزيز هذه الشراكة وتطلب تلك الشراكة – حسب خبراء- توفير الحد المقبول من المؤسسية ودرجة عالية من التفاعل بين السمة الانتقالية للنظام السياسي في الجمهورية اليمنية والسمة الانتقالية للمجتمع المدني الأمر الذي يشكل أساسا يستجيب لمعطيات العصر ومنطلقاٍ لبناء قيمة التسامح والتنوع والابتكار وغرس قيم ومبادئ الولاء الوطني التي لا يمكن بدونها أن ينهض مجتمع مدني حقيقي قادر على استثمار الطاقات الخلاقة لجماهير الشعب .
دور وسطي
* وفي ورقة عمل للمهندس/ معين علي الإرياني بعنوان «مشروع الحوار الوطني ودور منظمات المجتمع المدني» ذهب إلى أن دور منظمات المجتمع المدني والمنظمات الجماهيرية في مشروع مؤتمر الحوار الوطني يمكن أن يشكل علامة فارقة إذا تم توظيفه بما يخدم المصلحة العامة للوطن حيث تتميز المنظمات بكونها تجمع في مكوناتها بين عناصر لا تتوفر للفئات الأخرى مما يجعلها أكثر تأهيلا للقيام بدور وسطي وأكثر قبولا عند جميع الفرقاء كونها أكثر حيادية وتجمع في عضويتها عناصر رسمية (حكومية) وعناصر شعبية تمثل المجتمع بكل مكوناته وكما انها تقدم خدمات مباشرة للمجتمعات المحلية مما يجعلها أكثر تأثيرا في تلك المجتمعات .
وتطرق إلى أنها لعبت دورا فعالا في الحوار الوطني وإنجاحه وأن تجاهل هذا الدور كان سيفوت على المتحاورين والوطن فرصة الاستفادة من كم هائل من الموارد والقدرات المتاحة ويقلل من فرص نجاح وتنفيذ الحوار.
في كل الأحوال يؤيد معنيون ونشطاء في المجتمع المدني أهمية تطوير أداء تلك المنظمات لتكون قادرة على الاضطلاع بالدور الكبير الذي يتوقع منها وأن تعطى دورا فعليا في التحضير والتنفيذ لمؤتمر الحوار الوطني للاستفادة من الخبرات المتراكمة لديها أولا ولضمان إشراك أكبر شريحة ممكنة من المجتمع في ذلك فهذه المنظمات تمثل المجتمع بأوسع تكويناته وهو الأمر الذي يحسن من فرص إنجاح الفعاليات الوطنية الهامة.