ثورة سبتمبر جاءت كضرورة لإنقاذ الشعب من العزلة والإنغلاق


السمة السائدة للحكم الإمامي كانت الجهل والفقر والمرض وغياب الخدمات والتضييق على الحريات العامة

قال الأستاذ عبد الباري طاهر – رئيس الهيئة العامة للكتاب وأحد الذين عاشوا فترة الثورة اليمنية سبتمبر في ستينيات القرن المنصرم ورافق العديد من مثقفيها ومفكريها – أن الثورة اليمنية سبتمبر كانت ضرورة وطنية نظرا لكون اليمن كانت تعيش في حرمان كبير للخدمات وغياب للحريات ونظام ظالم تمثل المملكة المتوكلية اليمنية والتي عمد ملوكه على جعل اليمن في عزلة وإنغلاق وكان الجهل والفقر والمرض هو السمة السائد في ذلك الحين ..
وأضاف ( .. ولذلك توجب على أبناء اليمن من الوطنيين القيام بتلك الثورة وكان لأبناء تهامة الدور البارز بيد أن من تولى الحكم بعد ذلك لم ينصفوا الثوار ولم يعملوا على تحقيق أهداف الثورة ..

* أستاذ عبد الباري طاهرصف لنا الأوضاع قبيل قيام ثورة سبتمبر ¿
كانت اليمن تعيش قبل قيام الثورة سبتمبر مشطنة ومشطرة .. فاليمن الجنوبي كان معزولاٍ عن اليمن الشمالي بفعل سياسات المملكة المتوكلية اليمنية التي كانت تدير الحكم في شمال اليمن .. وكان أبناء الجنوب اليمني يرزحون تحت المستعمر البريطاني والذي حول الجنوب إلى محميات .. أما اليمن الشمالي والذي كان يحكم من قبل بيت حميد الدين فكانت أوضاعه سيئة جدا .. حيث كان _ اليمن – يعيش عصر القرون الوسطى مغلق أمام الانفتاح الحاصل عالميا والانفتاح والتطور الذي كان في شقيقات اليمن من الدول العربية .. يعيش حالة من الجهل المخيف في كل شأن من شؤونه حيث وصلت الأمية في صفوف الرجال في ذلك الحين 80% وفي صفوف النساء 100% وأصبح المرض يفتك بأبناء اليمن نظرا لعدم وجود المشافي والمراكز الصحية .. كما أن بقية الخدمات لم تكن موجودة بفعل رغبة وسياسة نظام المملكة المتوكلية اليمنية التي حرمت اليمنيين من كل شيء فلا مواصلات ولا وسائل إتصالات ولا جيش وطني وأصبح السمة السائدة في هذه الوضع كله ( الفقر والجهل والمرض )
وفي المقابل فإنه لا يمكن الحديث عن الحريات في ظل نظام ديكتاتوري استبدادي حرم اليمنيين من حرية الكلام وأقصى المثقفين والمفكرين وأصحاب الرأي من أن يقولوا كلمتهم بل وصل الأمر الى ملاحقتهم والتنكيل بهم .. حتى الصحف فإن أبناء الشعب اليمني كانوا محرومين من أن يكون لهم صحف يعبرون فيها عن آرائهم سوى 3 صحف كانت تصدر عن المملكة المتوكلية اليمنية منها صحيفتا (الإيمان وسبأ ) وهي الأخرى كانت تطبع بضع مئات وتوزع على عدد محدود من الناس ولا يصل صداها الى عامة اليمنيين كما أن كل ما فيها كان يعبر عن سياسة المملكة وتوجهها ..
فاليمن الشمالي كان معزولاٍ عزلة تامة عن التطورات والتقدم الحاصل في العالم عموما وفي الوطن العربي على وجه الخصوص فلم يسمح لليمنيين أن يستفيدوا من ذلك التطور وعلاوة على ذلك عمد النظام الحاكم في ذلك الحين إلى عزل اليمن الشمالي أرضا وإنساناٍ عن الجنوب لأسباب سياسية لذلك النظام .
مقارعة الفلول
* متى انضم الأستاذ عبد الباري للحركة الثورية ¿
** كنا قبل الثورة على علاقة ببعض المثقفين والمفكرين من الثوار وكنا نعمل على قراءة المنشورات الثورية وتوزيعها على الناس .. وكانت علاقتي أثناء وبعد الثورة بالاستاذ المناضل عبد الله الصيقل أحد الثوار من أبناء تهامة وكذا الاستاذ والمفكر علي حمود عفيف وعثمان عميرة ومساوى حكمي و طه رجب وغيرهم من الثوار الذين أسهموا في إنجاح ثورة 26 سبتمبر وقدموا الكثير من أجل هذا الوطن .. كما كنا نقيم الفعاليات الثقافية والفكرية للتعريف بالثورة وأهميتها في ذلك الحين نظرا لوجود بعض الجهات والأفراد والذين كانوا يعملون عقب الثورة مباشرة لإعادة النظام الملكي .. والحقيقة إنه ومن خلال هذه الأنشطة التي كانت تقام والتي شهدت الحديدة أثناء وعقب قيام الثورة عملنا على مقارعة فلول الحكم الإمامي وكشف حقيقتهم وعملنا على التبشير بالنظام الجديد نظام الدولة المدنية وفق الأهداف الثورية التي رسمها الثوار في ذلك الحين ..
دعم الثوار
* ماذا عن دور أبناء تهامة في ثورة 26 سبتمبر ¿
الحديث عن الثورة السبتمبرية ودور أبناء تهامة حديث طويل نظرا للدور الكبير الذي لعبه أبناء تهامة في هذه الثورة المجيدة في ذلك الحين فأبناء تهامة ومنذ بدايات القرن المنصرم عمدوا على مقاومة ومقارعة الحكم الإمامي المتوكلي ولم يستكينوا للظلم الذي كان يمارسه هذا النظام والقائمون عليه .. فالعديد من المعارك خاضها أبناء تهامة ضد ذلك النظام وكان لرجالات تهامة دور بارز في مقاومة ذلك النظام .. ناهيك عن الأدوار الثقافية والفكرية والأدبية التي كان أبناء تهامة يبذلونها لتحقيق ثورة سبتمبر والتخلص من ذلك النظام الإمامي وكثير هم الثوار من أبناء هذه المنطقة لكني هنا سأذكر الأستاذ والثائر عبدالله الصيقل والذي كان مرجعية لكل الثوار في هذه المنطقة بل أن هذا الرجل كانت تربطه علاقة مع بقية الثوار من المناطق الأخرى وعلى سبيل المثال فالشيخ عبد الله بن حسين الأحمر وأثناء خروجه من سجن حجه توجه الى منزل الصيقل ليمكث فيه فترة من الزمن وليكون الصيقل حاميا له في ذلك الحين ..
كما أن مدينة الجديدة وبسبب وضعها الجغرافي ولاحتوائها على ميناء بحري ظلت داعما للثوار حتى بعد قيام الثورة فهي التي مدت الثوار بالمؤن والسلاح لمقاومة فلول الحكم الإمامي وساهم أبناؤها في فك حصار السبعين وعملوا على ملاحقة بقايا ذلك النظام في المناطق الشمالية المحاذية لتهامة وفي الطريق الرئيسي الحديدة صنعاء .. كل ذلك يضاف إلى تضحيات ومقاومة القبائل التهامية للحكم الإمامي المتوكلي قبل ذلك .. فمعارك الجرابح في شمال تهامة ومقاومة أبناء المراوعة وكذا المقاومة الشديدة لأبناء الزرانيق والذين أظهروا استبسالاٍ منقطع النظير وأرهقوا جيوش النظام الإمامي طوال عقد ونيف وكبدوهم الكثير من الخسائر في الأرواح والمعدات .. وأريد أن أؤكد من ان ثوار الحديدة جميعا أفراداٍ وقبائل قد تسببوا في إرهاق النظام الإمامي وهو الأمر الذي ساهم في خلخلته وسقوطه بعد ذلك ..
فعل متكامل
* ما الدور الذي لعبه المثقفون والمفكرون من أبناء تهامة لإنجاح ثورة سبتمبر ¿
** مما لا شك فيه أن الثورة فعل متكامل في شتى الجوانب وكل يؤدي مهمته في إطار القدرات التي لديه لكن الحقيقة أن ثوار تهامة كان الكثير منهم على درجة كبيرة من الثقافة ومنهم الأدباء والشعراء والمفكرون ولهذا كان بعضهم نموذجا للثائر متعدد المواهب والإمكانات .. فالعديد من النشرات التي تحوي على بعض القصائد الثورية كان يتم توزيعها بل أن بعض هؤلاء الثوار من أبناء تهامة ساهم في نشر ثقافة الثورة داخليا وخارجيا كما هو الحال مع الثائر أبكر بيروه أحد كتاب جريدة الأهرام المصرية .. ولا أنسى هنا من الثوار الشاعر والأديب إبراهيم صادق والذي كان من أوائل الشعراء الذي كتب القصيدة الثورية ضد الحكم الإمامي في أربعينيات القرن المنصرم ومن أشهر تلك القصائد عودة بلقيس .. كما هو الحال أيضا مع الثائر والأديب والمثقف يوسف الشحاري والشاعر عبد العزيز نصر ويحيى عوض والذي اسس الاتحاد اليمن وهذا الاتحاد هو اول نادى بالجمهورية وكان في طليعة شباب اليمن المدافعين عن الثورة السبتمبرية .. وهناك عشرات المثقفين والمفكرين من أبناء هذا السهل التهامي الذين رفدوا الحياة الثقافية والأدبية الثورية في ذلك الحين بالكثير ..
غياب التوثيق
* برأيك لماذا لم يوثق نضال أبناء تهامة لا من أبنائها ولا من الدولة¿
** الحقيقة ان من حكموا اليمن بعد ثورة 26 سبتمبر لم يكونوا على مستوى آمال الثوار وأهدافهم كما انهم لم يثمنوا تضحيات الثوار ولم يقوموا بتكريمهم ولا حتى تكريم أبنائهم .. وأعظم تكريم للثوار هو ان يتم تحقيق الأهداف التي ضحوا من أجلها .. وللأسف لم تقم تلك الأنظمة والتي جاءت نتاج للثورة ولتضحيات الثوار بتوثيق ما قام به الثوار حتى تعرف الأجيال حجم تلك التضحيات وما بذله الآباء والأجداد في سبيل ان ينعم أبناء اليمن في حياة كريمة ودولة مدنية يكون العدل والمساواة فيها أساس الحكم ..
ونحن في تهامة تم التعمد لطمس تأريخنا النضالي من قبل الأنظمة الحاكمة التي أعقبت الثورة السبتمبرية .. فلم يذكر شهداء أبطال الزرانيق ولم يوثق لمثقفي الثورة من أبناء تهامة وعلمائها وكذا دور تهامة في المقاومة الشعبية ضد بقايا النظام الإمامي .. هذا الأمر يحتم علينا .. على كل أبناء تهامة شخصيات وهيئات ومنظمات مهتمة أن نعمل على توثيق ذلك التاريخ الكبير من نضال هذه المنطقة من اليمن ..
وأود ان أذكر أن هناك توثيقاٍ يقوم به بعض الاخوة من أبناء تهامة مشكورين لتوثيق تلك الحقبة التاريخية المهمة في حياة اليمن .. فالثورة لا يمكن احتكارها في منطقة .. ورجالها هم رجال كل اليمن .. هناك توثيق قام به الأخ عبد الرحمن الحضرمي والذي بذل جهودا مشكورة .. وكذا الجانب الأدبي والثقافي لثوار سبتمبر من أبناء تهامة والذي قام بتوثيقه عبد الله خادم العمري .. وهناك بعض المحاولات لكن الامر يتطلب الى جهود كبيرة فما بذله أبناء تهامة من بدايات القرن المنصرم وحتى الستينيات لم يكن بالشيء القليل بل أنه عمر من التضحيات والنضال والأمر يتطلب إلى توجه دولة يضاف إليها كل أبناء المنطقة ممن كان على علاقة أو عايش تلك الأحداث أو لديه بعض المراجع والوثائق …
انقلاب على النظام الجمهوري
* كيف تنظر اليوم الى اليمن .. وهل هي اليمن كما كنتم تحلمون به¿
** للأسف أن النظام الجمهوري تم الإنقلاب عليه من قبل بعض الاطراف في 5 نوفمبر 1965 وعاد الناس الى نظام هو أسوأ من الإمامي ووصل الناس إلى درجة من اليأس والقنوط بفعل الممارسات التي كانت تتم من قبل من عملوا على إدارة الحكم في ذلك الحين وتم تهميش وإقصاء الآخرين وظلت مجموعة بسيطة التي تدير الحكم وتستأثر بكل شيء وأصبح القرار لا مشاركة فيه للمناطق وإنما لأشخاص .. واستمر هذا الوضع حتى جاء تاريخ 13 يوليو 1974م أقصد حركة التصحيح بقيادة المقدم إبراهيم الحمدي والذي عمل على إيجاد مشاركة حقيقية لكل المناطق وكانت فكرة التعاونيات والتي انتشرت في كل أرجاء البلاد وشاركت كل اليمن في رسم خارطة صحيحة للدولة اليمنية التي يحلم بها كل اليمنيين .. لكن هذه الفرحة لم تستمر حيث تفاجأ اليمنيون بمقتل الحمدي وبهذا عادت الأوضاع الى ما كانت عليه من السوء والتدهور وعدنا الى النظام الديكتاتوري .. نظام لا يتساوى فيه أبناء اليمن على حد سواء ولا توزع فيه الثروات بين كل أبناء الوطن حسب الضوابط والقوانين بل ساد العبث والعبث وحده هو السائد ..
معالجة جادة
* اليوم هناك دعوات للاصطفاف الوطني للحفاظ على المكتسبات الوطنية¿
** البلد اليوم بحاجة إلى مخرج من التوتر والحروب التي تشهدها بعض المناطق في الوطن .. نحن لا نريد العودة الى زمن العصور الوسطى وليس لنا إلا أن نسير للأمام .. نحن ينبغي أن نكون دعاة سلم وسلام ووئام .. ينبغي أن نسهم جميعا في بناء الدولة اليمنية الحديثة هذا هو المفترض .. اليوم هناك لدينا في الوطن جهات تمتلك ميليشيات وهي تعيق الدولة المدنية الحديثة وتحاول فرض سياساتها بالغلبة والقوة .. ونحن نقول ينبغي أن يشارك كل أبناء اليمن في بناء هذا الوطن أبناء الجنوب ينبغي ان يشاركوا في بناء الوطن وكذا أبناء صعدة وأبناء تهامة .. لابد من تصحيح الأوضاع التي سادت في الفترات الماضية ولا بد من معالجة جادة لكل الأخطاء التي حصلت ولابد للدولة أن تحقق العدالة والمساواة وتبسط هيبتها بالعدل في كل رقعة من الوطن .
صوت العقل
* هل من كلمة أخيرة تود قولها¿!
** أتمنى أن تخرج البلاد من هذا الوضع الذي تعيشه وأن يستجيب الجميع لصوت العقل بدلاٍ من الاستحكام للقوة والسلاح .. ليس من حق أي طرف أن يفرض آرائه وأجندته بقوة السلاح لا بد من توافق للخروج من هذه الأزمة الراهنة التي نعيشها اليوم لا بد من عزل السلاح وتركه جانبا .. اليوم كل أبناء الوطن يحلمون بيمن مستقر يحلمون بدولة مدنية حديثة لا غالب فيها ولا مغلوب .. العدل فيها أساس الحكم أتمنى أن نرى ذلك قريبا .

قد يعجبك ايضا