
قراءة / محمد محمد إبراهيم –
من افتتاحية رئيس الجمهورية للوثيقة:
الوثيقة تمثل خلاصات آمال شعبنا اليمني منذ فجر نضاله من أجل الحرية والحياة الكريمة والخلاص من الاستبداد والاستعمار
– (52) عاماٍ منذ قيام الثورة اليمنية 26 سبتمبر 1962م و14 أكتوبر 1963م وشعبنا في الصراعات لكنه لم يستسلم وظل يناضل عاكساٍ جوهره الأصيل
– الوثيقة كفيلة بنقل اليمن إلى روح العصر متمسكاٍ بشريعته الإسلامية فالشعوب العظيمة هي التي تبني نهضتها دون التخلى عن معدنها الأصيل
من نهج الوثيقة:
– رفض كل أشكال الوصاية على الوطن من مذهب أو قبيلة أو حزب أو أسرة أو فرد في حدود الايمان بحق كل يمني بالعيش الكريم
المواطنة المتساوية والحكم العادل والرشيد وتحكيم الشعب مرجعاٍ للسلطة وشرعية لها والثبات على قيِمú يِمِنú آمن مْوِحِد مستِقر
– تأمين الحريات لكل شرائح ومكونات المجتمع اليمني واحترام الفكر والتوجه والاعتقاد والتعايش والقبول بالآخر
قراءة / محمد محمد إبراهيم mibrahim734777818@gmail.com
في ظرف استثنائي -من الصعوبات والتحديات- يمر به اليمن واليمنيون يأتي هذا العام العيد الثاني والخمسون لثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م.. ورغم ما تمثله هذه المناسبة من مساحة تاريخية لاسترجاع أهم محطات النظام الجمهوري ومسار حركته النضالية الوطنية التي حملت على عاتقها هدف تخليص الشعب اليمني من معاناة التمييز والطبقية والتشرذم إلى فضاء الكيان الجماهيري المالك لذاته والصانع لقراره في اختيار حاكمه وطريقة ونظام الحْكúم وإعادة رسم ملامح التعايش تحت مظلة دولة قوية تحمي وترعى وتنصف الجميع..
وأمام هذا الظرف الاستثنائي يظل الأهم في هذه المناسبة هو أن اليمنيين يقفون اليوم على مشارف عهد جديد رسمه الإنجاز الأهم والأنصع في المسار الجمهوري والوحدوي.. إنها وثيقة مؤتمر الحوار الوطني الشامل التي انتصرت لنضالات اليمنيين عبر خمسة عقود من التجاذبات وصراع القوى السياسية على السلطة لتعزز هذه الوثيقة مبادئ وأهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 المباركة التي كانت اللبنة الأولى والأساسية للفعل الثوري الذي امتد في أرجاء الوطن وكانت العْمúق البشري والنضالي لثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م وما تلى الثورتين من تحولات ومسيرة نضالية ولدت من رحمها مشاريع وطنية كبرى من أبرزها إعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة في 22 مايو 1990م.
في هذه المادة سنتتبع نقاط الالتقاء بين المسارات القيمية والوطنية لوثيقة الحوار الوطني ومبادئ الثورة السبتمبرية والتحولات النضالية لليمنيين في المسار الجمهوري…
«القضية الجنوبية/ قضية صعدة/ قضايا ذات بعد وطني والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية/ بناء الدولة (الدستور: مبادئه وأسسه) الحكم الرشيد/ أسس بناء الجيش والأمن / استقلالية الهيئات ذات الخصوصية وقضايا اجتماعية وبيئية خاصة/ الحقوق والحريات/ والتنمية الشاملة والمتكاملة والمستدامة».. وفق هذه المسارات التسعة تحاورت القوى السياسية اليمنية لحلحلة المعضلات التي عانى منها اليمنيون أكثر من نصف قرن من العمل السياسي وما شهدته خمسة عقود من أخطاء هنا أو هناك في إطار كل المحاور المذكورة.. وأمام هذا الكم السياسي والأيديولوجي والموضوعي وأمام احتمالات التحديات الحتمية نتيجة اتساع اسباب الصراع الذي وصل حد التناحر استطاعت هيئة رئاسة مؤتمر الحوار الوطني الشامل ولجنة التوفيق واللجنة المصغرة وغيرها من اللجان -التي تشكلت وفق قرارات جمهورية – أن تجتاز أخطر المنحنيات وأكثرها تماساٍ لتصل إلى مخرجات التوافق وبنسبة تجاوزت المطلوب في اللائحة الداخلية المنظمة لمسارات عمل مؤتمر الحوار الوطني الشامل.. ليتم الاعلان عن ميلاد وثيقة الحوار الوطني في الـ 25 من يناير 2014م ووفق هذه المسارات مشكلة نقطة التقاء خيوط الاتساق القيمي بين ما تضمنته هذه الوثيقة وبين عنته أبعاد ودلالات الأهداف الستة لثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م..
رؤية القيادة السياسية
اهتمام القيادة السياسية ممثلة بفخامة رئيس الجمهورية المشير عبد ربه منصور هادي كان العامل المحرك في انجاز هذه الوثيقة وبهذا الاتساق المتناهي الدقة والمترجم لخلاصات النضال اليمني خلال نصف قرن مضى والأهم في هذا الاهتمام السياسي أنه لم يتدخل في حدود الهدف العام لمؤتمر يجمع كل أبناء اليمن ولا يتجاوز تدخله الإداري والقيادي إلا في حدود ما تحدده لائحة ونظام عمل مؤتمر الحوار الوطني الشامل كاتخاذ القرارات الإدارية تجاه كل نقطة وبالتالي تحويل هذا الحشد الحواري التاريخي إلى مصادق على قرارات فقط.. بل صار هذا الحشد صانعاٍ لقرارات رأت القيادة السياسية ورأى الجميع أنها مصيرية لكل اليمنيين فاقتصر اهتمام القيادة السياسية الاشرافي والإداري على الرعاية الكاملة لكل الأطياف السياسية المتنافرة وكل شرائح الشعب المختلفة بمن فيهم المهمشين كي يخرج الجميع إلى حيث تترجم طموحات ونضالات وتضحيات الجمع اليمني الواسع ليسهموا في صناعات القرارات التي ستنتصر لنضالاتهم .. وقد اتضح هذا في سياقات الافتتاحية العامة للوثيقة التي كتبها الرئيس عبد ربه منصور هادي – رئيس الجمهورية والتي قال فيها: « أنه لمن دواعي اعتزازي الكبير أن أتشرف بكتابة التقديم الخاص بالوثيقة الأهم في تاريخنا اليمني المعاصر وهي الوثيقة النهائية لمؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي استمر من 18 مارس 2013م واختتم أعماله في 25يناير 2014م هذا المؤتمر الأول من نوعه في تاريخ اليمن سواء من حيث أسبابه وفي مقدمتها الثورة الشبابية الشعبية السلمية أو من حيث آلية الإعداد والتحضير له أو من حيث آلية تشكيله والتمثيل فيه أو من حيث أسلوب إدارته وتوزيع فرق العمل فيه أو من حيث نوعية القضايا التي بحثها وناقشها ووضع الحلول لها أو من حيث الرؤية المتفردة التي خرج بها الكفيلة بقطع الطريق أمام عودة الاستبداد أو حكم الفرد والقبيلة والعائلة ووضع لبنة حقيقية لبناء دولة المؤسسات دولة النظام والقانون دولة العدل والمساواة دولة الحريات المسؤولة..
وأضاف المشير عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية: إن الوثيقة التي بين أيدينا تمثل خلاصات آمال وطموحات شعبنا اليمني العظيم منذ فجر نضاله من أجل الحرية والحياة الكريمة والخلاص من الاستبداد والاستعمار.. اثنان وخمسون عاماٍ منذ قيام الثورة اليمنية في 26 سبتمبر 1962م و 14 أكتوبر 1963م وشعبنا يعاني من دوامة صعبة وصراعات لاتنتهي لكنه لم يستسلم وظل يبتدع أساليب نضال فريدة تعكس جوهره الأصيل وعمقه الحضاري التليد بغرض تحقيق الأهداف التي فجر من أجلها رواد نضاله ثوراتهم المتتالية وهاهي هذه الأهداف تتجسد اليوم بشكل غير مسبوق بين دفتي هذه الوثيقة التي يحمل خلاصة تلك الآمال والطموحات الكفيلة بنقل اليمن إلى آفاق الحداثة وروح العصر متمسكاٍ بشريعته وقيمه الإسلامية وأخلاقه الأصيلة التي بدونها يفقد روحه ويخسر نفسه فالشعوب العظيمة هي التي تبني نهضتها دون أن تتخلى عن معدنها الأصيل وشخصيتها وقيمها.
وأضاف: إن هذه الوثيقة لن ترى النور ولن تتجسد واقعاٍ جديداٍ في حياتنا نحن اليمانيين إلا إذا واصلنا العمل الجاد لتنفيذها وتطبيق رؤاها وتصوراتها رجالاٍ ونساءٍ شيوخاٍ وشباباٍ على السواء بروح واحدة لاتفرقنا الخلافات الصغيرة أو العصبيات الضيقة أو مخلفات الماضي وأمراضه.. نستلهم دروس وعبر نضالنا ونستحضر على الدوام مصالح أبنائنا وأحفادنا في وطن عزيز يظلهم تحت راية الأمن والعدل والحرية والمساواة والحياة الكريمة.. بهذه الروح فقط سنبني اليمن الجديد.. اليمن الذي ضحى آلافْ الشباب من أبنائنا حتى يروه حقيقة واقعة بعد أن كان حلماٍ يراودهم ويراودنا جميعاٍ لكنهم كانوا يرونه قريباٍ فكان ماأرادوا وبعد أن استكملنا الرؤية الموجودة بين دفتي هذه الوثيقة التاريخية الخالدة سننتقل جميعاٍ إلى العمل على تنفيذها دون تردد أو خوف أو تكاسل.
القضية الجنوبية وقضية صعدة
إن العدالة الاجتماعية في سبيل العيش ومعيار المواطنة المتساوية هي أهم ما ارتكز عليه مؤتمر الحوار الوطني الشامل ووثيقته النهائية..
لذا فقد انعكس هذا الهدف في محوري القضية الجنوبية وقضية صعدة وهما القضيتان اللتان تصدرا محاور مؤتمر الحوار التسعة إذ تضمنت مخرجات فريقي القضيتين (صعدة والجنوبية) اعتراف كل الأطراف السياسية التي تشاركت في الحكم والسلطة والسياسة زمنا ما وافترقت عليها أزمنة كثيرة بأن هناك خطا حدث وأن إصلاحه صار من الواجب الوطني وتجسيداٍ لأهداف وقيم نضالات اليمنيين.. وهو ما يعني الانتصار للأهداف المذكورة خصوصا الهدف الأول.. هذا الخطأ حدث في جنوب الوطن من خلال الخروج الواضح لدى بعض القوى عن مسار ترسيخ المشروع الوطني الكبير وهو الوحدة اليمنية عبر ممارسات خاطئة أوردتها الوثيقة بالتفصيل ليس لنبش الماضي وانما لمعالجته وارضاءٍ بالحق لكل من له حق سْلبِ بطريقة الاغتصاب أو التحايل عليه كالأراضي في الجنوب والمبعدين من السلك العسكري والمدني بعد حرب صيف 94.. وكذلك ما حصل في صعدة من ستة حروب كانت ظالمة وخروجاٍ عن مسار سيادة القانون وبالتالي فلا بد من معالجة قضية صعدة وما لحق بها من ضرر معنوي ومادي واعلنت الحكومة اعتذارها عن ما حدث في الجنوب بعد صيف 1994م من خلل في المسار الوحدوي واستفراد طرف واحد بالأمور رغم انتصاره للوحدة وبقائها إلا أنه لم ينتصر لدولة قوية تعيد الحقوق لأصحابها.. كما تم الاعتذار رسمياٍ عن ما ارتكب في شمال الشمال «صعدة» من حروب ستة وتحملت الدولة مسؤولية المعالجات في قضيتي الجنوب وصعدة.. حيث تضمنت الوثيقة النهائية وتحديداٍ في التقرير النهائي لفريق القضية الجنوبية (14) رؤية حملت في طياتها(14) مبدأٍ أساسياٍ تخللها نقاط فرعية والتزامات واشارات مهمة شكلت أرضية الحلول المنصفة والمتسقة مع كل ما تضمنته أهداف الثورتين سبتمبر واكتوبر واتفاقية إعادة تحقيق الوحدة اليمنية التي أعلنت سلمياٍ في 22 مايو 1990م.. كما شكل جزء كبير من هذه التوصيات قرارات وموجهات دستورية وجزء منها محددات وترتيبات مزمنة لتحديد الأقاليم وترتيبات بناء الدولة اليمنية الاتحادية كما ضمنت هذه المبادئ صياغة دستور يقضي بأن احترام الإرادة الشعبية والمساواة والتزام أعلى المعايير الدولية لحقوق الانسان أساس سلطة وشرعية الدولة الاتحادية على جميع المستويات وفق ما تقتضيه الديمقراطية التمثيلية والتشاركية والتداولية لضمان التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة.. وهذا المبدأ الأول يتسق مع كل ما يقتضيه النظام الجمهوري الذي أعلن في صنعاء صبيحة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م ليمتد على وهجه اعلان تفجير ثورة 14 أكتوبر 1963م ويوم انتصار الخلد الوحدوي في 22 مايو 1990م وصولاٍ إلى فضاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي وضع طاولة النقاش أمام كل اليمنيين ليقرروا حلول معضلاتهم الممتدة منذ 62م حتى تاريخ انعقاد مؤتمر الحوار الوطني وصولاٍ إلى 25 يناير 2014م الذي ولدت فيه وثيقة الحوار الوطني..
فيما تضمن التقرير النهائي لقضية صعدة نحو (59) قراراٍ وتوصيةٍ وموجهاٍ دستورياٍ وقانونياٍ.. لتشكل القاعدة الصلبة لضمان الحلول التامة لقضية صعدة ومعالجة اسبابها جذريا من خلال ضمان الحرية المذهبية والفكرية وممارسة الشعائر وتحريم فرضها أو منعها بالقوة من أية جهة كانت وأن تكون الدولة وأجهزتها محايدة ولا تقوم بتبني أو دعم مادي أو معنوي أو تقديم تسهيلات لأي مذهب او فكر وبما يضمنه الدستور وينظمه القانون.. وكذلك تحريم كل ما يثير النزاعات الطائفية والعرقية والمذهبية ونبذ ثقافة الكراهية وتمجيد الحروب الأهلية كما ضمنت تلك القرارات بناء الدولة اللامركزية على اسس وطنية بما يعزز مبادئ الحكم الرشيد والشراكة الوطنية والعدل والمساوة وسيادة القانون وحيادية المؤسسة العسكرية والأمنية والفصل بين السلطات وضمان استقلاليتها وضمان الحقوق والحريات..
قضايا ذات بعد وطني والمصالحة والعدالة الانتقالية
القضايا ذات البعد الوطني والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية شكلت محوراٍ مهماٍ وفصلاٍ لافتاٍ في وثيقة الحوار الوطني حيث تضمن التقرير النهائي لفريق (قضايا ذات بعد وطني والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية) نحو 126 قراراٍ وتوصية ومحدداٍ دستورياٍ توزع انتصارها النصي على جملة من المسارات والمشكلات التي من أهمها مكافحة الارهاب أكدت هذه الموجهات والقرارات على ضرورة حماية الحياة وإعلاء قيم التسامح الديني والمذهبي وترسيخ ثقافة العيش المشترك وحماية حقوق الانسان وحرياته العامة وأخذت القضية المتعلقة بمكافحة الإرهاب نحو (32) قراراٍ وتوصية من إجمالي قرارات وتوصيات خرج بها الفريق.. فقد خصص نحو (25) قرار وتوصية معنية بتنظيم اجراءات استرداد الاموال المنهوبة الخاصة والعامة في الداخل والخارج بسبب سوء استخدام السلطة.. وخصصت (9) توصيات وقرارات رتبت معالجة قضايا النازحين.. وتم تحديد أربعة مبادئ أساسية لإجراءات المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية تفرعت منها (9) محاذير والتزامات قيمية وحقوقية تقع على عاتق من ينفذ برامج العدالة الانتقالية وثلاثة مبادئ دستورية تكفل للضحايا مصالحهم وحقوقهم وكرامتهم وثلاثة ومبادئ كفلت سبل انصاف المرأة والطفل في الحقوق والحريات والحياة الكريمة.. كما تضمن تقرير الفريق النهائي (7) مبادئ دستورية وقرارات وتوصيات فرعية تحدد آلية ومرجعية انشاء هيئة العدالة الانتقالية والتزاماتها وشروط عضويتها ومهامها الوطنية.. وحدد التقرير 6 مبادئ تفرعت منها نحو 15 خطوة من الاجراءات والتوصيات المتعلقة بمهمة جبر الضرر ورد الاعتبار على المستوى الشخصي والعام ..
الأهم من هذا أن تقرير فريق قضايا ذات بعد وطني والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية تضمن نحو (32) مبدأٍ دستورياٍ وتوصيةٍ حددت مسار وقانونية التعاطي مع قضية الإخفاء القسري والصراعات السياسية وانتهاكات حقوق الانسان وثلاثة قرارات تفرعت منها نقاط متعددة تنظم مسار إصلاح المؤسسات وضمان عدم تكرار الانتهاكات..
بناء الدولة والحكم الرشيد
منذ قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م وثورة 14 أكتوبر 1963م شهد المسار السياسي اليمن جملة من التحولات الايجابية باتجاه بناء الدولة المؤسساتية لكنها كانت تحولات ومحاولات مصحوبة في نفس الوقت بسلسلة من التحديات والافرازات الطبيعية لانزياحات محركات قطار النظام الجمهورية عن مساره الصحيح ما ثبط من ظهور مشروع بنيوي لدولة متكاملة بقدرتها على بسط هيبتها وجعل القانون حاكم الجميع (حكاما ومحكومين) وفقاٍ لحكم رشيد يكفل العدالة الاجتماعية والتنموية كما هو قائم في دول العالم المتقدم ذات النظام الجمهوري.. وثيقة الحوار الوطني الشامل انتصرت لقضية بناء الدولة كمحور يدور حولها مشهد نهضة اليمن الجديد حيث توافق فريق بناء الدولة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل على (23) قراراٍ وتوصية ومبدأٍ دستورياٍ كأسس يؤدي حاصل جمعها والسير عليها إلى دولة متكاملة البناء وتوزعت هذه الاسس على الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية كما تضمن التقرير (58) قراراٍ وتوصية تفرعت عنه مجموعة من النقاط والعوامل التي حددت هوية الدولة وشكل نظام الحكم والنظام الانتخابي ومكونات السلطة التشريعية (مجلس النواب والمجلس الاتحادي والجمعية الوطنية التي ستتكون من الاجتماع المشترك لمجلس النواب والمجلس الاتحادي وشروط عضوية مجلس النواب والمجلس الاتحادي).. كما شملت تلك القرارات الأطر العامة والقاعدة النصية وتفصيلاتها المحددة لأسس تكوين الجهاز القضائي والمحكمة الدستورية وكذلك النظام الاداري على المستويين الاتحادي والاقليمي موصية بمراعاة وضع خاص لمدينتي عدن وصنعاء..
كما تضمن التقرير النهائي لفريقي الحكم الرشيد بمؤتمر الحوار الوطني الشامل جملة واسعة من المحاور ذات الأساس السليم والمنير لقيام الحكم الرشيد حيث تواقف الفريق على (52) قراراٍ وتوصية تفرع منها عدداٍ من المبادئ والالتزامات في باب الموجهات الدستورية ونحو (157) قرارا وموجهاٍ قانونياٍ.. خرج الفريق بنحو(38) توصية وقراراٍ نهائي يشمل كل مرتكزات وعوامل نجاح إقامة الحكم الرشيد..
بناء الجيش والأمن
هيكلة الجيش وفق أْسس وطنية لا تخضع ولاءاتها للقبيلة أو الحزبية أو الجهوية أو السلالية وانما تخضع للوطن وما يخدم مصالحه العليا ظل هذا الهدف هو محور دورنا المسار السياسي اليمني وتحولاته منذ قيام ثورة السادس العشرين من سبتمبر 1962م ولكن التحديات والصعوبات التي واكبت التحولات والانزياحات التي ذكرناها سابقاٍ حالت دون ذلك, وظل الشعب اليمني يناضل بإصرار للخروج بوفاقُ يبلور الهدف السبتمبري الأهم
« بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكتسباتها».. ولهذا فقد توافق فريق بناء الجيش والأمن على نحو (19) قراراٍ كمبادئ دستورية ونحو (51) كموجهات قانونية ونحو (42) قراراٍ تنفيذياٍ كمعالجة آنية وأوصى الفريق بما يزيد عن (50) توصية موزعة على محاور الدفاع المدني والبحث الجنائي والاحوال المدنية ومصلحة السجون ومصلحة الهجرة والجوازات ومصلحة خفر السواحل وشرطة السير وامن الطرق ومصفوفة توصيات أساسية وفرعية بشأن قوات الامن الخاصة وتحسين المستوى المعيشي والخدمات الطبية للأفراد مقترحات ومعالجات عاجلة بخصوص ميزانية القوات المسلحة وإعادة تشكيل حرس الحدود وإعادة البناء والتنظيم لقوات الأمن..
استقلالية الهيئات والحقوق والحريات
أما فريق استقلالية الهيئات ذات الخصوصية فقد تضمن مصفوفة متكاملة من القرارات والاحكام العامة والموجهات الدستورية والقانونية التي حددت الاسس والمبادئ التي تقوم عليها منظومة استقلالية الهيئات ذات الخصوصية بنصوص دستورية وقانونية وحددت ملامح التوجهات الدستورية القانونية للتعامل مع القضايا الاجتماعية والبيئية.. كل هذه المصفوفة جاءت ضمن التقرير النهائي لفريق استقلالية الهيئات ذات الخصوصية حيث عمل الفريق لإنجاز هذه المصفوفة بناءٍ على أهداف دقيقة أهمها تعزيز استقلالية الهيئات وفقاٍ للقوانين التي تنظم اعمالها وتحدد مهامها هذه الهيئات بما يضمن أداء دور فاعل كأجهزة رسمية وضمان الوضوح والشفافية في وظائف الهيئات..
أما فريق الحقوق والحريات فقد تضمن نحو (226) قراراٍ وتوصيةٍ كفلت تأمين كافة الحقوق والحريات لكل شرائح ومكونات المجتمع اليمني واحترام الفكر والتوجه والاعتقاد والتعايش والقبول بالآخـــر..
التنمية المستدامة.. محور النهوض المنشود
فريق التنمية المستدامة والمتكاملة والشاملة بدا رغم ثقل المهمة ثابت الخطى منتصراٍ لكل ما يتعلق بتعثر التنمية المزمن منذ نصف قرن وانحراف عجلة قطار التنمية عن مساره نظراٍ للصراع السياسي المستحكم بمجريات الحياة العامة والحياة المؤسسية.. ما يعكس هذا الحكم هو ما تضمنه التقرير النهائي لفريق التنمية المستدامة والشاملة والمتكاملة من خلال جمع حاصل عمل مجموعاته الأربع المتمثلة في: مجموعة التنمية السياسية والثقافية والاجتماعية التي نالت نحو(56) توصية – ومجموعة التنمية الاقتصادية والدعم الخارجي وترشيد استخدام الموارد والتي حظيت بنحو(24 ) توصية – فيما خرجت مجموعة التنمية الصحية والبشرية والتعليم بأكثر من (26 ) توصية- أما مجموعة دور الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأفراد في التنمية فقد خرجت بــأكثر ( 12) توصية ليخرج الفريق في تقريره النهائي بإجمالي 128 توصية كفيلة –إذا ما أخذ بها- بتجاوز عثرة التنمية اليمنية المزمنة..
الأهم من هذا أن الهدف العام لمجاميع هذا الفريق وما بذله من جهد جبار انصب على الإسهام في تحديد أولويات برامج التعمير والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة لتوفير فرص عمل وخدمات اجتماعية أفضل للجميع وتفرِعت منه أهداف فرعية ثلاثة شملت وضع مشروع مسودة للقضايا التي سوف يشملها الدستور الجديد لليمن.. وتحقيق مشاركة مجتمعية فاعلة. وتحديد السياسات والتعديلات القانونية العادلة وبما يحقق التنمية المستدامة في الأجل القصير بما يعني أن هذا الفريق الأكثر توافقاٍ وحضوراٍ والتزاماٍ قد وضع الدولة المرتقبة أمام مسؤولية التنفيذ لأكثر من 155 قراراٍ تنموياٍ وصل لبنية كل مفاصل المجتمع اليمني.. واختزالاٍ تلك القرارات والمحددات التشريعية والدستورية نستعرض باختصار أهم ما ركزت عليه تلك القرارات .. فعلى صعيد التنمية الاقتصادية توافق الفريق على رفع 15 قراراٍ أساسياٍ -إضافة إلى ما تخلله من فروع وأسس مختلفة – للجلسة العامة الختامية لإقرارها وتبنيها من قبل المؤتمر ركزت القرارات على حرية الاقتصاد الوطني نشاطه وملكيته وتنافسيته على قاعدة من العدالة الاجتماعية في العلاقات الاقتصادية الهادفة إلى تنمية الانتاج الحقيقي وتطويره وتحقيق التكافل والتوازن الاجتماعي وتكافؤ الفرص ورفع مستوى معيشة المجتمع.. أما على صعيد دور الدولة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والافراد في التنمية فقد توافق الفريق على أكثر من (16) قراراٍ تخللها جملة من التوصيات الفرعية والأسس التشريعية الكفيلة بإكمال دائرة الاسهام التنموي شملت محددات سن التشريعات اللازمة لحماية المستهلكين واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لمنع الاحتكار الضار بالمنافسة والاقتصاد واتخاذ الإجراءات والتشريعات اللازمة لتوفير الرعاية الكافية في حالات الشيخوخة والعجز والوفاة من خلال شبكة أمان واسعة وتحمل الدولة لمسؤولية سن التشريعات المتعلقة بالبنوك وسوق الأوراق المالية والخدمات المالية والتأمين. على أن يتمتع البنك المركزي بالاستقلالية ويرسم السياسة النقدية للبلد من منطلق المصلحة العامة.. كما تتخذ الدولة الإجراءات اللازمة لضمان النمو الاقتصادي المنتظم بما يحقق الحد من البطالة والغلاء على كل المستويات الإدارية للدولة.. والالتزام بضرورة مشاركة المرأة في كل سلطات اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية وعلى وجه الخصوص التنفيذية وبما لا يقل عن نسبة 30%.. فيما وصلت القرارات الأساسية في محور التنمية السياسية والاجتماعية والثقافية نحو (18) قراراٍ تخلله جملة من التوصيات الفرعية وكلها تركزت على ضمان حق كل يمني في التداول السلمي للسلطة وضمان حقه في التجمع السلمي بلا سلاح دون الحاجة إلى الإبلاغ المسبق عن ذلك أو الحصول على ترخيص وينظم القانون ضوابط التجمع في الساحات والميادين العامة ألزمت الدولة العمل على رعاية أسر شهداء الوطن عامة ومعالجة أوضاع الجرحى وضحايا كل الصراعات وأعمال العنف. وضمان سلامة السكان وسلامة أراضي الدولة في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع. مع ضرورة أن تتبنى الدولة رؤية المجتمع الشامل الذي تشعر فيه كل المجتمعات الصغيرة بأهميتها وقيمتها كما تتاح لها الفرصة بالمشاركة الكاملة في الحياة العامة وتعمل على القضاء على أي شكل من أشكال الامتهان والممارسة الضارة بأي فئة من فئات المجتمع أو تنطوي على تمييز أو تحيز ضد أي فئة وبالخصوص الفئات الضعيفة والأكثر فقراٍ.
أما التنمية التعليمية والبشرية كواحدة من المحاور الهامة في إطار الفريق فقد توافق الفريق فيها على ( 35) قرارا ركزت في مجملها على ضرورة استكمال خارطة البنية التحتية للتعليم وفقاٍ لمتطلبات واحتياجات كل المحافظات. والتزام الدولة بتوفير خدمات تعليمية مناسبة لذوي الاحتياجات الخاصة. وتوفير الحوافز الكافية والبيئة المناسبة لضمان تعليم الفتاة استقلالية الجامعات مالياٍ وإدارياٍ وتطبيق مبادئ الحوكمة الرشيدة فيها. وضع تشريعات قانونية تضمن الحرية الأكاديمية للأستاذ والطالب والباحث في مؤسسات التعليم والمراكز البحثية المختلفة. وإعادة النظر في المناهج الدراسية للتعليم العام والاستفادة من تجارب البلدان الناجحة في هذا المجال ما عدا ما يخص مواد التربية الإسلامية والتاريخ والتربية الوطنية التي تحتاج إلى إعادة صياغتها بأسلوب علمي ونوعي بعيداٍ عن الرؤى والقناعات التعصبية المذهبية والسياسية وغيرها من القرارات الكفيلة بضمان مستويات تكوينية تأهيلية عالية الجودة.. وتوافق الفريق فيما يتعلق بالتنمية الصحية على أكثر من ( 14) قراراٍ وتوصية صبت في معظمها في توفير بيئة صحية وأسرية عالية الأمان وضمان الصحة كحق لكل مواطن يمني.. وفي قطاع الكهرباء توافق الفريق على أكثر من (21) قرارا وتوصية شملت إصلاح المحطات المعطلة القائمة حاليا وإعادة تأهيلها للعمل. وإنشاء محطات توليد كهرباء لتغطية العجز القائم مع إعطاء الأولوية للمناطق الحارة وفتح باب الاستثمار في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية ووضع الأسس الفنية والقانونية لتنظيم هذه العملية بالتنافس العادل بناءٍ على معايير متفق عليها. واتخاذ الإجراءات العادلة لحماية خطوط نقل الكهرباء وضمان تحصيل قيمة فواتير الكهرباء من قبل جميع المستهلكين ومن الممتنعين عن الدفع بوجه خاص وتلتزم الدولة بتنفيذ حملة لإلزام كبار المستهلكين المتهربين من سداد قيمة استهلاكهم من الكهرباء.. وتشجيع استخدامات الطاقة الجديدة والمتجددة (الشمسية –طاقة الرياح-الطاقة الجوفية وغيرها) بحيث تكون طاقة احتياطية يتم بواسطتها تخفيف الاعتماد على الوقود التقليدي وتوفير الاعتمادات اللازمة لذلك. كما يجب أن تعمل الدولة على تنفيذ استراتيجية الطاقة النظيفة والبديلة (الغاز – الرياح – الطاقة الشمسية – الينابيع الساخنة).
قطاع المياه تضمن (11) قرارا وتوصية تم التوافق على رفعها للأمانة العامة للحوار الوطني لإقرارها النهائي.. فيما تم التوافق على (10) قرارات وتوصيات تتعلق بمحور الأمن الغذائي والحماية الاجتماعية من الفقر ونحو (10 ) قرارات وتوصيات تتعلق بـالاتصالات و(12) قرارا في قطاعات البناء والأشغال والنقل و(18) قراراٍ وتوصية في قطاعات السياحة والصناعة والتجارة.. أما في قطاعي الزراعة والأسماك فقد توافق الفريق على نحو (28) قرارا وتوصية بين الأساسية والفرعية و(6) قرارات في البطالة و(4) في المغتربين وفي الاستثمار توافق الفريق على قرارين رئيسيين هما توفير البنية الأمنية والقانونية والخدمية الضرورية لجذب الاستثمار عبر تطوير قانون الاستثمار وتحديد مناطق الاستثمار الصناعي السياحي السكني …..الخ وتزويدها بالخدمات وكذلك تفعيل المناطق الاقتصادية مع الأشقاء والمحددة في حرض الوديعة المزيونة وتنشيط المنطقة الحرة عدن.
وتطوير آلية القرار الواحد والموقع الواحد بحيث تقوم على تحديد الدولة للمناطق والمشروعات الاستثمارية والامتيازات والتسهيلات الممنوحة للمستثمر فيها. وأن يتجه المستثمر مباشرة إلى إدارة المنطقة المحددة لنوع الاستثمار الذي يريد إنشاءه للمشروع الاستثماري واستكمال الإجراءات كلها بنفس الموقع وفق الشروط المقرة من مجلس إدارة هيئة الاستثمار.
وتوافق الفريق على (8) قرارات متعلقة بالشراكة بين القطاع الخاص والحكومة ومنظمات المجتمع المدني و(13) قراراٍ تتعلق بالإجراءات والسياسات المالية العاجلة في الأمد القصير ونحو (6 ) قرارات تتصل بالسياسات النقدية والائتمانية.. فيما تم التوافق على ( 20) قراراٍ أساسياٍ ونحو(12) توصية فرعية في مجال النفط والغاز والمعادن.. أما على المستوى المحلي فقد تم التوافق على ( 15) قرار وتوصية ركزت في مجملها على خلق بيئة قانونية واجتماعية وثقافية قابلة لأن تمارس السلطة المحلية والحكم المحلي تنموياٍ وسياسيا واقتصادياٍ.. وتم التوافق على نحو (13) قراراٍ وأكثر من (12) توصية فرعية على المستوى الوطني وترسيخ الأمن والسلم الاجتماعي من خلال تشريعات تكفل تقنين حمل السلاح ثم الحد منه..
مخرجات الحوار الوطني وأهداف الثورة
أخيراٍ .. يجد ممعن النظر في المعنى الدلالي والإنجازي العام لوثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل وأهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م حيث يجد تجلي معانيها العظيمة في طليعة أهداف ثورة السادس العشرين من سبتمبر حيث نصت أهداف الثورة السبتمبري الستة على: « التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة نظام جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات/ بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكتسباتها/ رفع مستوى الشعب اقتصادياٍ واجتماعياٍ وسياسياٍ وثقافياٍ/ إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل يستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف/ العمل على تحقيق الوحدة الوطنية الشاملة / احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي وعدم الانحياز والعمل على إقرار السلام العالمي وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم»..