المصالحة الوطنية .. لا مفر


من بين ركام التحديات تنهض مسيرة بناء اليمن الجديد ومع الظروف الصعبة تتجلى الحكمة اليمانية في محاولة الوصول بسفينة الوطن إلى بر النجاة هذا ما يعصف بذهن المجتمع اليمني اليوم وهم ينظرون للقيادة السياسية ممثلة بالمشير عبدربه منصور هادي, رئيس الجمهورية وهو يغالب التحديات والعراقيل عازماٍ بثبات وقوة على مواصلة استكمال مسار التسوية السياسية اليمنية ولم شمل اليمنيين.
هذا ما أكده مجموعة من السياسيين والمراقبين لمسيرة العمل السياسي الوطني في هذه الظروف الراهنة, مشددين – في أحاديثهم لصحيفة “الثورة” – على ضرورة التفاف القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الجماهيرية في اصطفافُ شعبي صادق إلى جانب القيادة السياسية ممثلة بفخامة المشير عبدربه منصور هادي – رئيس الجمهورية من أجل تجاوز التحديات والعراقيل التي تكتنف طريق التسوية السياسية وتهدد مسار التحول السياسي والمتمثلة بخطر الإرهاب أو الجماعات المسلحة والقطاعات والاعتداءات على خطوط الكهرباء وأنابيب النفط.. إلى التفاصيل :
ربما تأخرت المصالحة الوطنية حتى الآن حسب كثير من المراقبين والمتابعين المهتمين لمسار محطات زمن التسوية السياسية لكن ذلك لم يكن ناتجا عن فراغ أو تباطؤ في مسيرة التسوية السياسية بشكل اعتباطي كما يحلو للبعض من متشددي الخطاب والخلاف السياسي تجشم عناءه بفعل حالة بويهمية تتلبسهم بل كان ناتج عن سلسلة من التعقيدات والتحديات التي استهدفت وتستهدف إعاقة مسار العملية السياسية وكان من أبرزها هجمات تنظيم القاعدة واستمرار الصراع المسلح بين الجماعات المسلحة وغيرها من التحديات التي رغم شدتها لم تثن القيادة السياسية ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي- رئيس الجمهورية عن مواصلة العزم باتجاه بناء الدولة المدنية الحديثة والمصالحة الوطنية التي تجري الآن لتمثل الجزء الأهم من هذه الخطوات.
هذا ما لفت إليه في البداية المحلل السياسي والعسكري المناضل محسن خصروف موضحاٍ أن دعوة فخامة رئيس الجمهورية المشير عبدربه منصور هادي للمصالحة الوطنية والشروع في جمع اطراف الصراع المعروف خطوة جاءت في وقتها المناسب -إن لم تكن تأخرت بسبب الظروف والتحديات المحدقة- لأن اليمن الأرض والإنسان بحاجة ماسة لهذه المصالحة على أن تكو على أساس المصلحة الوطنية العليا لا على أسس المحاصصة الحزبية أو الجهوية أو المناطقية أو المذهبية أو السلالية الضيقة أن تكون مرتكزة على الثوابت الوطنية التي تؤمن كل شرائح المجتمع والتي تتمثل في الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة, كما يجب أن تستهدف هذه المصالحة تحقيق حياة كريمة للمواطن وامنه واستقراره.
وأشاد خصروف بمضامين القرارات الجمهورية التي اتخذها فخامة رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي تجاه حلحلة المعضلات التي تكتنف مسار التسوية السياسة مشدداٍ على ضرورة أن تضطلع الجهات التنفيذية بمسؤولية وطنية وضمير حي لترجمة قرارات رئيس الجمهورية إلى واقع ملموس في حياة الناس وقال : على القوى السياسية أن تفي بما وقعت عليه من مضامين وحلول تضمنتها مخرجات الحوار الوطني الشامل, مؤكداٍ أن العملية السياسية برمتها تقتضي التفاعل الإيجابي والخلاق والصادق في الخطاب والعمل فهناك فرق بين أن يكون لبعض القوى السياسية رؤى ووجهات نظر إيجابية تخدم مسار العملية السياسية وبين مواقف تعبر عن قصر النظر لدى بعض القوى السياسية التي تستميت عند مصالحها لتخلق العراقيل والتحديات والاحتراب هنا أو هناك وبما يعيق التقدم في مسار التسوية السياسية.
المصالحة والعدالة الانتقالية
المصالحة الوطنية مقرونة –افتراضاٍ – بالعدالة الانتقالية وكان موعد القضيتين أثناء مؤتمر الحوار لولا تلك القلاقل والتحديات والصراعات التي تسارعت مشهديتها في حالة دراماتيكية معيقة مثلت متاريس شائكة أمام التسوية برمتها, هذه هي رؤية القيادي الناصري اللواء حاتم أبو حاتم – نائب رئيس فريق الجيش والأمن في مؤتمر الحوار الوطني الشامل تجاه زمن إطلاق القيادة السياسية لمشروع المصالحة الوطنية, الذي يضيف أيضا: هذا التأخير يعود لما شهدته اليمن من أحداث عكسية فرضت نفسها على واقع العمل السياسي موضحاٍ أن هجمات القاعدة واستمرار صراع القوى ذات البعد المسلح وحالة احترابها بين منطقة وأخرى لم يكن هدفها سوى إرباك القيادة السياسية والسلطة في البلد عن مواصلة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل التي هي ضمان أساسي للمصالحة الوطنية والتسامح السياسي والعدالة التنموية والمواطنة المتساوية وهذا ما تخافه قوى النفوذ التي تسلطت منذ زمن وتحافظ الآن على مصالحها ولو على حساب التسوية السياسية والمجتمع والسلام والأمن.
وقال أبو حاتم : أن دعوة الرئيس هادي للمصالحة الوطنية وشروعه بها في العيد من خلال جمع أقطاب الصراع خطوة مهمة وتحولاٍ جديداٍ باتجاه جمع أشتات الخلافات لكن ما نتطلع إليه وتتطلع إليه جماهير شعبنا من قوى النفوذ المتصارعة أن تكف عن اختلاق الأعذار الجديدة لاستمرار صراعها وحروبها.
وتابع موضحا :صحيح أن الجرعة تبعت أولى خطوات المصالحة في وقت وجدت القوى السياسية نفسها مجبرة على الموافقة عليها محاولة لإيقاف التداعي في مسار الاقتصادي الوطني وهذا أثقل الشعب وزاد من معاناته لكن هذا الوضع لا يعني أن نرهن المصالحة الوطنية بهذه الجرعة خصوصا وهناك معالجات يمكن لها إيقاف تداعيات الجرعة المعيشية على العامة واتخاذ الإجراءات الحازمة تجاه من يحاول إعاقة الإصلاحات.
داعياٍ في المقابل حكومة الوفاق أن تنفذ كافة التوجيهات الرئاسية المتعلقة بمعالجة أضرار الجرعة على السلك الوظيفي وتوسيع دائرة الضمان الاجتماعي وكذلك اتخاذ إجراءات حاسمة بحق الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة وغيرها من الإجراءات التي تعتبر عوامل مساعدة لقيام مشروع المصالحة الوطنية ونجاحه في هذه الظروف.
واشترط أبو حاتم على القوى السياسية لنجاح هذه المصالحة الجدية تقديم التنازلات عن كل ما شهده الماضي من صراعات وخلافات وإقصاءات فيما بينها لصالح الهدف الوطني العام وهو الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره, داعياٍ القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والهيئات والتكوينات الجماهيرية والشعبية الالتفاف حول القيادة السياسية.
المصالحة والأحزاب
للأحزاب السياسية في البلد تطلعات كبيرة تعلقها على المصالحة الوطنية في هذه الظروف لكن هذه التطلعات محكومة بمشاريع سياسية تختلف حسب اختلاف توجهات تلك الأحزاب فماذا يتوجب على هذه الأحزاب عمله تجاه المصالحة فهل تتنازل الأحزاب لصالح القضية الوطنية العليا وتقف إلى جانب القيادة السياسية في الوقت الراهن¿ خاصة وهو الوقت الذي يعتبره المحللون والمتابعون السياسيون الزمن القياسي لحصاد الشعارات التي تحملها القوى السياسية والأحزاب عن الوطن والوطنية, وهل تتخلى قوى النفوذ القبلي والسياسي عن مشاريعها الضيقة التي تشرعن الفوضى في البلد تحت مسميات لا علاقة لها بالشعب والوطنية¿
في هذا السياق يرى نائب رئيس الدائرة الإعلامية بالمؤتمر الشعبي العام الدكتور عبدالحفيظ النهاري أن دعوة فخامة رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي جاءت والوطن في أحوج الظروف إليها بعد أن دفع الجميع ودفع الشعب اليمني من إمكاناته ومقدراته السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية ومن وحدته وسلامه الاجتماعي أثمانا باهظة لرغبات المحاولين- عبثاٍ- الخروج على روح المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني الشامل, مؤكداٍ أن هذه الدعوة وضعت جميع قوى النفوذ وأطراف العمل السياسي أمام اختبار حقيقي ومحك خطير سيفرز -مجدداٍ- تفاعلات العمل السياسي وشعارات أطرافه ليستبين من يقف إلى جانب الوطن عن غيره.
وشدد النهاري على ضرورة أن يدرك ويستوعب الجميع خصوصاٍ في هذه الظروف الصعبة أن الأوطان لا تبنى بالشعارات ولا بالأحقاد ولا بالحروب بل بالسلام والحوار والتسامح والمحبة والإخاء والتعاون والشراكة مع ضرورة التحرر من أغلال الأحقاد السياسية والثأر السياسي ومعالجة جروح الأزمات بإعادة الاعتبار لقيم الانتماء والإخاء والتسامح والتلاحم الوطني وتجاوز خطاب الأزمة والفرقة والشقاق في كل مسارات العمل السياسي, مشيراٍ في نفس الوقت إلى أن مشروع المصالحة الوطنية ما كان له أن يتأخر حتى اليوم وأنه كان ينبغي أن تتحول قيمة الوفاق السياسي والوطني إلى خطاب حكومي رسمي طبقا للمبادرة الخليجية التي شكلت مضامينها آليةٍ لتحقيق السلام وتكريس قيم التصالح والتسامح بين فرقاء السياسية وصراعها المزمن, لولا كل تلك التحديات الأمنية والتعقيدات السياسية والرفض المتعمد لخطاب التصالح والتسامح لدى كثير من القوى المتعصبة فكرياٍ وعقدياٍ وسياسياٍ وهي العراقيل التي تحولت في كثير من المحطات إلى أزمات معقدة أجلت من خطوات التسوية السياسية.
وأوضح النهاري أن المؤتمر الشعبي العام كان وما يزال وسيظل مع أمن واستقرار وبناء وتنمية اليمن بتعاون وتضافر وشراكة كل أبنائه دون استثناء وهي الثقافة التي تأسس عليها المؤتمر من خلال الحوار الوطني والشراكة السياسية والشعبية في التنمية, وهو في هذه الظروف أكثر حرصاٍ على تحقيق مصالحة وطنية شاملة لا تستثني أحداٍ ولا طرفاٍ من الأطراف.
وواصل النهاري حديثه : اليمن اليوم أمام مخاطر حقيقية تهدد حاضره ومستقبله, والسفينة تكاد تغرق بالجميع ولن يفيد أن يتشفى طرف بآخر أو يستمرئ طرف الأخطاء والمخاطر لأننا جميعا نركب هذه السفينة وسلامتها مسؤولية الجميع وأصبح لزاما أن يجنح الجميع إلى السلم والوسطية والاعتدال والشراكة والمسؤولية الجماعية.
وأضاف عبدالحفيظ النهاري: على الجميع التخلص من النزعات الحزبية والمناطقية والفكرية والأيديولوجية الضيقة وتوسيع نظرتهم إلى المخاطر المحدقة بالوطن والتي تكاد تعصف بالجميع ولن تستثني أحدا لأن الاصطفاف الوطني أصبح ضرورة أكثر من كونه حتمية وطنية ولازم من لوازم البناء, مؤكداٍ أن لا خيار اليوم أمام القوى السياسية كافة إلا المصالحة الوطنية التي يمليها واجب إنقاذ الوطن وحماية المكتسبات من الضياع فضلا عن العبور إلى المستقبل الآمن والمستقر.
وتابع بالقول : لا نريد للمصالحة الوطنية أن تكون خاضعة لمآلات وموازين الصراع المسلح أو مسلمة من مسلمات العنف الذي يمارس خارج الدولة ولا نريد للمصالحة أن تأخذ طابع التحالف ضد أي طرف من الأطراف الوطنية, بل أن تكون نهاية للصراعات الجانبية والحزبية والطائفية والفكرية وتأسيس للسلام الاجتماعي.
وحول أهمية المصالحة الوطنية في إنجاح ما تبقى من مراحل التسوية السياسية, قال الدكتور عبدالحفيظ النهاري: المصالحة الوطنية آلية أساسية من آليات تطبيق مخرجات الحوار الوطني وتطبيق التسوية السياسية وهي منذ البداية رهن بتضافر جهود كافة القوى السياسية والاجتماعية, معتبرا أن القبول بنتائج الحوار الوطني يعني أن نتخلص جميعا من الأهواء الشخصية والحزبية ومن دوافع وتبعات ما قبل الحوار ومن المواقف والتمترس السابق والمواقف الحزبية والشخصية والمناطقية الضيقة وتعزيز الشعور بأننا أمام إنقاذ وطن, الجميع شركاء فيه وجزء منه, من خلال الاتجاه إلى تطبيق مخرجات الحوار وما تبقى من بنود التسوية للانتقال من الوضع الانتقالي إلى الوضع الثابت ووضع روزنامة وبرنامج تنفيذي لبناء الدولة الحديثة المدنية الديمقراطية يتضمن إنجاز الدستور وإنجاز أسس الديمقراطية التي نص عليها الدستور سواء على المستوى المركزي أو المحلي وتنفيذ الاستحقاقات الانتخابية الديمقراطية الممثلة للشعب وتحقيق التحديث والتغيير الملتزم بالمسار الديمقراطي والمرجعية الشعبية وبناء الدولة اليمنية المدنية الحديثة التي تجعل الدولة المالك الوحيد للقوة والمتصرفة فيها بإرادة الشعب.
الحوار والمصالحة
في أجندة الحوار الوطني تشكل المصالحة الوطنية الشاملة عموداٍ محورياٍ في التعاطي الخلاق بين المكونات حول مختلف القضايا الخلافية وهو ما تم الالتقاء عليه في قاعات الحوار الوطني الشامل الذي جمع كل ممثلين الأطراف السياسية المتصارعة وجمع كافة فئات المجتمع ومنظمات عمله المدني لكن تأخر المصالحة الوطنية بين رؤساء أو رؤوس القوى السياسية المتصارعة كان يتطلب نفساٍ وطنياٍ أعمق وهو ما تحلت به القيادة السياسية ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي – رئيس الجمهورية الذي حرص على اكتمال عوامل الظروف المناسبة خصوصاٍ والتحديات والعراقيل الأمنية وتبعات هجمات تنظيم القاعدة كانت تلقي بظلالها على الجو العام وتفاعلات المسار العملي للتسوية السياسية.
في هذا السياق ومن وجهة نظر مؤتمر الحوار الوطني يرى الدكتور محمد عبدمراد- عضو مؤتمر الحوار الوطني الشامل أن المصالحة الوطنية هي القاعدة الصلبة لمجريات التسوية السياسية القائمة على المبادرة الخليجية التي تمثل أساس وخارطة مجريات الانتقال السلمي للسلطة في اليمن وبالتالي تقدم إعلان المصالحة بشكلها الرسمي أو تأخر إعلانها لا يشكل بْعداٍ جدلياٍ لدى الكثير من أعضاء مؤتمر الحوار الوطني فإعلانها في أي محطة من محطات التسوية السياسية يشكل باباٍ واسعاٍ للأمل والتفاؤل بمستقبل هذه التسوية السياسية لكن الأهم هو الأثر الذي سيعطي التسوية ذاتها دفعة قوية نحو الإنجاز وهو العمل بمحددات هذه المصالحة على الواقع العملي الخادم لمسار التسوية.
وقال مراد : في كل الأحوال فقد جاءت الدعوة للمصالحة الوطنية في الوقت الأكثر حساسيةٍ ودقةٍ في مسار التسوية التي تواجه الآن أخطار كبيرة وتحديات تتطلب الاصطفاف الشعبي والوطني الكبير من أجل الخروج بالوطن إلى بر الأمان وعلى القوى السياسية اليمنية أن تدرك أن الوطن في هذه الأيام في أمس الحاجة إليها وإلى جهودها كما أنها الفرصة المواتية لتترجم شعاراتها الوطنية على أرض الواقع عبر التنازلات لبعضها لصالح الوطن ومصالحه العليا, مؤكداٍ أن جهود وخطوات فخامة الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي- رئيس الجمهورية- جادة وتعكس حرصه على لم شمل اليمنيين في هذه الظروف الصعبة وهو ما يتطلب من كل القوى السياسية السير قدما باتجاه هذه المصالحة والاضطلاع بالمسؤولية الوطنية الجماعية في بناء اليمن الجديد من خلال المصالحة الوطنية الصادقة والاصطفاف الوطني الشامل لجميع القوى والفعاليات السياسية على الساحة اليمنية وبدون استثناء لأنه ليس لليمن ولليمنيين من مخرجُ من دوامة الصراعات سوى المصالحة الوطنية الشاملة والعمل بروح الفريق الواحد من أجل بناء الوطن.
mibrahim734777818@gmail.com

قد يعجبك ايضا