أهمية الوعي بطبيعة الصراع

صادق البهكلي
الصراع بين الحق والباطل هو جزء لا يتجزأ، من سنن الله في خلقه منذ أن أوجد البشر على هذه الأرض، فقد بدأت أولى فصول هذا الصراع عندما تحدى إبليس أمر الله برفضه السجود لآدم، ليكون الصراع بين الخير والشر مبدأً مستمراً في حياة الإنسان،{قَالَ ٱهبِطَا مِنهَا جَمِيعَا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوّ فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشقَىٰ} (طه:١٢٣) ثم تكرر في قصة أبني آدم هابيل وقابيل و كانت أول عملية قتل ظلما وعدوانا في التاريخ البشري
هذا الصراع ليس مجرد صراع مادي بين قوى متصارعة على الأرض، بل هو في جوهره اختبار لإرادة البشر في اتباع الحق أو الانجراف نحو الباطل. الحق دائماً يكون معه الفطرة السليمة والعدل والهدى الإلهي، بينما الباطل يرتكز على الظلم، الهوى، والخروج عن طريق الله.
ومع توالي العصور والدهور، لم يتوقف هذا الصراع، بل تجلى في أشكال متعددة، بدءاً من الصراعات بين الأنبياء مع أقوامهم، وصولاً إلى المعارك الفكرية والعسكرية التي تشهدها البشرية حتى يومنا هذا. ويستمر هذا الصراع بين الحق والباطل حتى قيام الساعة، ولكن الله سبحانه قد وعد بنصر الحق وإنجاز وهزيمة الباطل مهما بلغ طغيانه. وقدم الله الكثير من الضمانات – إن صح التعبير – مع من يقفون مع الحق ويدافعون عنه في كل عصر، فقد وعدهم الله أن يقف معهم ويعينهم في هذا الصراع ، وفق السنن الإلهية، هناك الكثير من وعود الله لمن يسيرون على الطريق التي رسمها في مواجهة الباطل والتصدي للمفسدين في الأرض منها:
الثبات: قال الله تعالى :”يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ” (إبراهيم: 27).
النصر والعاقبة: قال الله تعالى:{ …وَكَانَ حَقًّا عَلَينَا نَصرُ ٱلمُؤمِنِينَ} (الروم:٤٧) {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (الأعراف: 128)،
الأجر في الآخرة: قال الله تعالى:
{ فَليُقَٰتِل فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشرُونَ ٱلحَيَوٰةَ ٱلدُّنيَا بِٱلأٓخِرَةِ وَمَن يُقَٰتِل فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقتَل أَو يَغلِب فَسَوفَ نُؤتِيهِ أَجرًا عَظِيما} (النساء:٧٤)
في هذا التقرير سنحاول تقديم بعض الحقائق عن أهمية الوعي بطبيعة الصراع وضرورة الثبات في مواجهة التحديات على ضوء محاضرة الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه [معنى التسبيح] التي ألقاها في 9 فبراير 2002م، حيث قدم رؤيته للصراع بين الحق والباطل وكيفية التعامل مع الأحداث الكبرى التي تواجه الأمة. وسنحاول ربط ذلك باستشهاد القادة.

التسبيح كقاعدة إيمانية لمواجهة الشدائد
يبدأ الشهيد القائد في محاضرته بالحديث عن معنى التسبيح وأهميته في حياة المؤمنين، مشيرًا إلى أن التسبيح يمثّل قاعدة روحية مهمة ويربط التسبيح بضرورة تنزيه الله عن كل ما لا يليق بعظمته، وهو مقياس لاختبار الإيمان والاستقامة في مواجهة الصعوبات. يقول الشهيد القائد: “التسبيح… يمثِّل قاعدة مهمة، ومقياساً مهماً جداً؛ لذلك كان من المهم أن يتكرر في الصلاة التي تتكرر هي في اليوم خمس مرات”.
التسبيح ليس مجرد ترديد للأذكار، بل هو فعل يعبر عن عمق الإيمان والثقة في حكمة الله وعدله، فالمؤمن حينما يمر بالمحن والشدائد يجب أن يستمر في تسبيح الله، ما يعزز من صموده أمام التحديات، والشدائد التي يواجهها وهو في ميدان الصراع بين الحق والباطل. يتجلى التسبيح كوسيلة روحية ترفع من مستوى التوازن النفسي للمؤمن، وتجعله قادرًا على رؤية الحكمة من وراء الأحداث الصعبة.
يشرح السيد حسين: كيف يمكن للتسبيح أن يكون سلاحًا روحيًا فعّالًا في مواجهة الشدائد، في التغلب على المحن الكبرى، يذكرنا الله بالتسبيح، كما حدث مع النبي يونس عليه السلام عندما نادى في الظلمات: “فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”.
هذا يظهر أن التسبيح ليس مجرد فعل عادي، بل يمثل قاعدة أساسية في إيماننا، نكرره في صلاتنا وأوقاتنا المختلفة لترسيخ مفهوم تنزيه الله وتقديسه. نظرتنا تقوم على إدراك محدود مقارنة بحكمة الله وأفعاله، والتي قد لا نفهم الغاية منها دائمًا. لذا، عندما نستشعر باستمرار تنزيه الله في ذاته وأفعاله وتشريعاته، نضمن سلامة إيماننا، وحسن ظننا بالله، واستمرار إيماننا بنزاهته وقدسيته.

الشدائد مقدمات فتح
يعزز التسبيح، الإيمان بأن الله لا يظلم أحدًا، وأن كل الشدائد التي يمر بها الإنسان هي مقدمة لفتح جديد أو نصر، ويشير الشهيد القائد إلى أن التسبيح يتجلى في كل الأوقات وفي مواجهة الأحداث الكبرى، إذ يجب أن يكون التسبيح حاضرًا في السراء والضراء، يقول رضوان الله عليه :”التنـزيه لله سبحانه وتعالى… لا بد أن تكون قاعدة لديك ثابتة”.
و يقول أيضا: (يجب علينا أن نسبح الله سبحانه وتعالى في كل أحوالنا، في كل الأحوال التي تمر بنا، عندما يحصل لك مرض شديد، عندما يحصل لك شدة من المصائب, أو من الفقر, أو من أي نكبة تحصل عليك، أو أي مشكلة تقع فيها يضيق بها صدرك. بعض الناس يسيء الظن بالله، وهذا حصل في يوم الأحزاب عند بعض المسلمين: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}(الأحزاب: من الآية10) عندما حاصرهم المشركون فحصل لديهم رعب كما حكى الله عنهم في [سورة الأحزاب]: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً}(الأحزاب:11) كما قال: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}(الأحزاب: من الآية10) بدأت الظنون السيئة.
عندما يدخل الناس في أعمال، ونكون قد قرأنا قول الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}(الحج: من الآية40) فيمر الناس بشدائد إذا لم تكن أنت قد رسخت في قلبك عظمة الله سبحانه وتعالى, وتنـزيه الله أنه لا يمكن أن يخلف وعده فابحث عن الخلل من جانبك: [أنه ربما نحن لم نوفر لدينا ما يجعلنا جديرين بأن يكون الله معنا، أو بأن ينصرنا و يؤيدنا] أو ابحث عن وجه الحكمة إن كان باستطاعتك أن تفهم, ربما أن تلك الشدائد تعتبر مقدمات فتح، تعتبر مفيدة جداً في آثارها.
وقد حصل مثل هذا في أيام الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في الحديبية، عندما اتجه المسلمون وكانوا يظنون بأنهم سيدخلون مكة، ثم التقى بهم المشركون فقاطعوهم فاضطروا أن يتوقفوا في الحديبية، ثم دخل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في مصالحة معهم، وكانت تبدو في تلك المصالحة من بنودها شروط فيها قسوة، لكن حصل في تلك المصالحة هدنة، هدنة لعدة سنوات كأنها لعشر سنوات تقريباً)).

ضعيف الإيمان هو من يهتز عند الشدائد
ويشير السيد حسين رضوان الله عليه إلى أن الإنسان ضعيف الإيمان قد يهتز عند الشدائد، تهتز ثقته بالله وبموقفه، فيبدأ بالتساؤل: “لماذا لم ننتصر؟ لماذا لم يأتِ النصر؟”، مما قد يؤدي إلى إساءة الظن بالله وكأنه تخلى عنهم. على العكس، فإن المؤمن يزداد إيماناً وقوة عند مواجهة الصعوبات، كما قال الله سبحانه وتعالى: {فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران: 173). فكل أحداث الحياة بالنسبة له آيات ودروس تزيده إيماناً، كما تزيده آيات القرآن يقيناً، وهنا يتضح الفارق الكبير بين من يهتز إيمانه في الأزمات وبين من تزداد بصيرته وثقته بالله في نفس الظروف.

قد يعجبك ايضا