“لقاء الأربعاء”

مصطفى عامر

يبقى طوفان الأقصى فارقًا في تاريخ الصراع مع العدو منذ النكبة، ويبقى أهمّ ما يميّزه طول أمده، ومنه فقد انتهى عصر المعارك الجژئية على الهامش، وبدأ عصر الصراع العلنيّ المفتوح.

من هنا يُفهم كيف أن سماحة السيد حسن – سلام الله عليه – قد وضع مفهوم “النصر بالنقاط” عنوانًا لهذه المرحلة من تاريخنا!

لهذا فلا ينبغي عليك الوقوع في فخ المنطلقات السهلة للتفسير، لأنّ كلّ ما تستسهله في قراءة آنيات الطوفان سينطوي في الأغلب على خطأ.

ومن المنطلقات السهلة المتداولة، مثلًا، أن تفتّش في يوميات حرب الطوفان عن مفهوم “النصر الحاسم” أو- في المقابل- الهزيمة الكاملة.

واللبس في قراءة الطوفان- في الأغلب- نتاجٌ لاختلاف التجربة، وتشظّي الساحات، وعلى نحوٍ ينطبق معه مفهوم: يومٌ لك ويومٌ عليك، فرحٌ لك وحزنٌ عليك، حادثٌ لك وآخر عليك؛ فيما يبقى الثابت أن الحرب ما زالت في مجملها مفتوحة، والصراع مستمر!

وعلى اختلاف التجربة عن سابقاتها بالنسبة لأجيال ما بعد النكبة، فإنّ الطوفان وفقًا لمقاييس القرآن هو المفترض، فيما كانت معاركنا السابقات ضد يهود محض خروجٍ عن المطلوب، وعصيانٍ للأوامر الإلهية كان من شأنه- مع الوقت- تصعيب المهمة.

ولو كانت الحرب بيننا ويهود منذ النكبة مفتوحة، لما وجدنا اليوم في أمتنا من ينحاز إلى جواره، ولما تمّ خداع الأجيال لعقودٍ طوال، وتنشئتها على مغالطات أن التطبيع مع اليهود ممكن، وأن التعايش مقبول، والسلام مع أراذلها مُفترض.

بدون الطوفان كان بمقدور صفقة القرن أن تمر، والفتنويات في الأمة تتصعّد، وكان من المطلوب أن تغرّكم اللّحى، ويغرّر عليكم حكامكم المرذولون، وجيوشكم الممسوخة، وإعلامكم الأوسخ من بواقي خنزيرٍ متعطّن.

ولكشف عوار الأمة، واستكشاف منافقيها، والتأليف بين قلوب أحرارها رجال الرجال بعد أن كانوا “أعداء”، فلا بدّ أن تكون الحرب مع عدوّنا الحقيقيّ مفتوحة، وهذا بلا مراءٍ أعظم وأجلّ وأكبر انتصارات الطوفان التي تتراكم على نحوٍ يومي!

وإذا كانت الدعايات قبل الطوفان قد حرفت من وعيك البوصلة، فأنت الآن، وبالتأكيد، تعرف عدوّك! وتفهم مخطّطاته! وتقرأ العلاقات بين ساحات عالمنا الإسلاميّ واحدة!

وإذا كنت من قبل الطوفان لا تفهم مبدأ وحدة الساحات كما ينبغي، فأنت لا تحتاج الآن لنابغة؛ لتفهم ارتباط ما يحدث في سوريا بما يخطط له في لبنان، وارتباطهما معًا بفلسطين!

أن تفهم كيف أن تحركات أذناب العدوان في اليمن، في المخا كان تحركهم أو مارب، من أتباع طارق أو من أزلام عيدروس؛ يرتبط أيضًا بما يحدث في فلسطين.

وأن تفهم كيف أن داعش وإن غرّك منها قبل الطوفان ما غرّك، محض زنّارٍ تخفّى بلحية، وأنّ فقهاء الجهاد بالسيف إبان ربيع سوريا، هم ذاتهم دعاة الجهاد بالسنن في شتاء فلسطين.

بعد هذا فينبغي عليك أن تقرأ كل المشهد، وأن تفهم بأنّ الإيلام مبدئيًا من مفترضات الصبر في المفهوم القرآني، إذ لا معنى للصبر ما دمت لا تستشعر الإيلام!

لكنهم في الضفة الأخرى يألمون كما تألمون، وترجون من الله- في المقابل- ما لا يرجون ولهذا فلا تستمع- على الإطلاق- لمن يقدّم إليك نصف المشهد!

ومن حيث السرديات تحديدًا، فلولا معول الطوفان، بالذات، لما كان في مقدورنا تحطيم سرديّات كثيرة!

وإذا تساءلت عن تكلفة الدم، المصاحبة!

فبالتأكيد أن تكلفة التطبيع مع العدو أكبر!

وكل الفرق أن دمك الآن لا يذهب سُدى، إنّك وإن تقتل فعلى يد عدوّك الحقيقي، في معركةٍ يسيل فيها- أيضًا- دمه!

وأمّا بالتطبيع معه فإنّ دمه سيبقى معصومًا، فيما تسيل دماؤنا جميعًا في حروبنا البينية التي لا تنتهي، وبمنأى عن مآلاتها فإنّه يحصد النصر الخالص منها، وبلا تكلفة!

ليحتفظ بعد إنهاكنا بميزة توجيه الضربة الأخيرة، وعلى أرواحنا المهزومة بالتطبيع فإنه لن يقرأ حتى الفاتحة؛ ولولا طوفان الأقصى لما كان من الميسور إقناع الناس بحقائقها أعلاه، ربّما لافتقارنا من قبله للمثال المفهوم التوضيحي! وفي صبيحة الأربعاء القادم، في الزاوية ذاتها بإذن الله.

يبقى لنا حديث.

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا