سقطت كل تموضعات الهيمنة الإمبريالية، من الكيان الإسرائيلي المحتل، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأخواتها في أوروبا الإمبريالية، وأصبحت تلك القوى مجرد أوراق ذاوية، متساقطة في خريفها الحتمي.
سقطت أساطير القوة، والتفوق العسكري البحري والجوي الأمريكي، وسقطت مزاعم التفوق الحضاري، وأقنعة السمو والرقي الإنساني الأوروبي، كما تهاوت عنجهية الكيان المدلل، المغرم بهواية ممارسة التوحش والإجرام، والمولع بإراقة الدماء وحروب الإبادة الشاملة، دون أن يجرؤ أحد على منعه.
رغم مرور عام كامل، لم تستطع أقوى الترسانات العسكرية، وأحدث المنظمات التكنولوجية، أن تجتث قوة وفاعلية، فصائل الجهاد والمقاومة الفلسطينية، ومازالت هذه الأخيرة، تلحق بأعتى جيوش الإمبريالية، أخزى وأنكى الهزائم، رغم الفوارق الهائلة بينهما، على كافة المستويات، ورغم ذلك فإن الفعل المقاوم اليوم، لم يعد ما كانه بالأمس، سواء في غزة أو في الضاحية اللبنانية، علاوة على ظهور جبهات جهاد وإسناد جدیدة، في العراق واليمن وإيران، الأمر الذي جعل الغرب الإمبريالي، يتخلى عن وقاره المصطنع، وعطف أبويته المزعومة، ويقفز إلى حلبة الصراع والمواجهة، معلنا موقفه الاستعماري وشراكته الإجرامية، وهمجيته ونزعته التوحشيه، الموغلة في دماء وأشلاء المدنيين الأبرياء العزل، في قطاع غزة وعموم فلسطين والضاحية الجنوبية، واليمن والعراق وأفغانستان، و….. و…… إلخ.
كانت القضية الفلسطينية – وما زالت – الجرح الغائر، في جسد الأمة العربية والإسلامية، غير أن خروج صورة المعركة وطبيعة المواجهة، من ضيق التصور القومي الخاص، إلى فضاء الواجب الديني، الملزم لجميع المسلمين، قد أعاد لها قوتها وزخمها الحقيقي، وأعادها إلى سياق الاستجابة للأمر الإلهي، وأصبحت المسألة أكبر من مصير مشترك، عرقيا أو قوميا أو جغرافيا، لتشمل المصير الحياتي، والمصير الأخروي معا.
مما لا شك فيه أن وعد الله حق، وسنته ثابتة مؤكدة، لا تتبدل ولا تتغير، وفي كل زمان وفي كل مكان، لا بد أن يعلو جبروت فرعون، لتسقطه عصى موسى، ورغم إمكانات القوة والهيمنة الاستكبارية، في تموضعها المادي، إلا أن أبسط الأدوات (العصى)، وأقل الإمكانيات (ضرب البحر)، كفيلة بمشيئة الله بإسقاط أعتى القوى، وطي أزمنة الهيمنة والطغيان، إلى الأبد.
إن المارد الذي انطلق من عقاله، في السابع من أكتوبر 2023م، لا يمكن أن ينكسر، بعد عام كامل من عنفوانه، والطوفان الذي ما زال يعصف بأعتى القوى، على مدار عام كامل، لا يمكن أن ينطفئ، بحيلة سياسية أو مؤامرة عالمية، كما أن ما عجزت قوى الاستكبار الإمبريالية العالمية، أن تقضي عليه مجتمعة، على مدى عام كامل، هي أعجز من أن تنال منه، مثقال ذرة بعد ذلك، مهما راهنت على عامل الزمن.
كان صدور أقل تصريح، عن أصغر ضابط أمريكي، كافيا لأن يقلب العالم، رأسا على عقب، وكانت مجزرة واحدة بحق الفلسطينيين، كافية لفرض الاستسلام، على شروط العدو، وكانت تكاليف العمليات الاستشهادية، باهظة التنكيل والقمع والإبادة، بحق المدنيين الأبرياء، لكن الوضع اليوم قد تغير، ولم يعد لحاملات الطائرات الأمريكية، أي قيمة وجودية، بعد أن عجزت عن حماية نفسها، أمام الصواريخ الباليستية والمسيرات اليمنية، ولم يعد للمجازر والإبادة والتوحش، أي أثر إرهابي، لردع المجاهدين الفلسطينيين واللبنانيين، عن خيار الجهاد والمقاومة، والسباق الجمعي في ميادين التضحية والكرامة، ولم تعد العمليات الاستشهادية، باهظة الثمن أو عبثية الجدوى، كما أن الاغتيالات الإجرامية الإسرائيلية، لم ثؤثر على موقف الجهاد والإسناد، أو تضعفه تكتيكيا أو عسكريا أو ميدانيا، وهو ما أثبت مرة أخرى، الكفاءة العالية والأداء المتفوق، لدى فصائل الجهاد والإسناد، التي ما زالت تضرب بكل قوة وفاعلية، في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد اختارت أهدافها بدقة وعناية، في ظل امتلاكها زمام المعركة، وقدرتها على تحقيق النصر، بخطوات ثابتة ومدروسة.
لم يعد من مصلحة إسرائيل وأمريكا وأخواتهما، ارتكاب المزيد من المجازر، والقتل والتدمير والإبادة، لأنها أصبحت بلا فاعلية ولا جدوى، ولم يعد في جعبة القوى الاستعمارية والاستكبار، غير الزوال الحتمي، والسقوط الكبير المدوي، وحتى الرهان على عامل الزمن، لن يخدم تلك الكيانات الوظيفية الإجرامية، التي تآكلت من الداخل تماما، وفقدت شرط التفوق العسكري، وعامل البقاء الاقتصادي، الذي يتهاوى بشكل متسارع، تزامنا مع السقوط القيمي والأخلاقي والإنساني الشامل.