انتصار دبلوماسي بدد أحلام نتنياهو بتصفية القضية الفلسطينية:

هل ترضخ حكومة الكيان للقرار الأممي بالانسحاب من الأراضي المحتلة؟

القرار الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي طالب الكيان الإسرائيلي بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة في غضون 12 شهرا ودعوته إلى فرض عقوبات دولية على دول الكيان، مثل انتصارا كبيرا للدبلوماسية الفلسطينية، وضربة قاصمة لدولة الاحتلال على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، بعد أن قدم اجماعا دوليا غير مسبوق داعما لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة ورفضا لكل التحركات الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية.
الثورة/ أبو بكر عبدالله

 

انتصار كبير حققته الدبلوماسية الفلسطينية بانتزاع أول قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة حظي بأغلبية 124 صوتا، يطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال 12 شهرا، بعد أن كانت المنظمة الدولية منحت فلسطين سائر الحقوق والامتيازات التي تمنح للدول المستقلة المعترف بها دوليا للمرة الأولى في تاريخ القضية الفلسطينية.
منذ الساعات الأولى للمصادقة على القرار الأممي، حظي القرار بترحيب عربي ودولي واسع النطاق، ووصفه مسؤولون فلسطينيون بأنه هام وتاريخي، بينما أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن تصويت ثلثي أعضاء الجمعية العامة لصالح القرار شكّل «إجماعا دوليا على عدالة القضية الفلسطينية وانتصارا لحق الشعب الفلسطيني».
ذلك أن مصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع القرار الفلسطيني كانت بمثابة تحد كبير تجاوزته الدبلوماسية الفلسطينية بجدارة، خاصة وانه جاء في خضم صراع سياسي ودبلوماسي محموم مع دولة الكيان صاحبة النفوذ الدولي، والتي شرعت بإجراءات انتقامية استهدفت تقويض وضع السلطة الوطنية الفلسطينية وحجب أموال المقاصة عنها بل وسرقتها وفرض عقوبات عليها.
وعلى أن القرار قدم تأييدا دوليا إضافيا للرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في يوليو الماضي، والذي طالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، وتفكيك المستوطنات وجدار الفصل العنصري وإجلاء جميع المستوطنين، إلا أن العنصر الهام فيه أنه انتزع الشرعية من جميع الإجراءات والتصرفات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.
أكثر من ذلك أنه حدد آلية تنفيذية مزمنة وطالب لأول مرة بمنح الشعب الفلسطيني تعويضات عن الأضرار التي تعرض لها منذ عام 1967، وهي خطوات مهمة للغاية يُنتظر أن تفتح الطريق لخطوات أخرى، خلال المؤتمر الدولي المقرر أن تعقده الجمعية العامة للأمم المتحدة لوضع آليات لتنفيذ القرار وغيره من القرارات ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
أبعاد القرار
مع أن القرار الأممي الجديد يعتبر من القرارات غير الملزمة، إلا أنه قدم عريضة اتهام أممية تحظى بإجماع دولي، بحديثه عن الانتهاكات المستمرة للاحتلال للقانون الدولي والقرارات الدولية، على شاكلة احتفاظ دولة الاحتلال بالمستوطنات والتوسع فيها، وتشييد البنى التحتية المرتبطة بها، بما فيها جدار الفصل العنصري، واستغلال الموارد الطبيعية، وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، والتطبيق الشامل للقانون المحلي الإسرائيلي في القدس الشرقية وتطبيقه على نطاق واسع في الضفة الغربية.
وبعيدا عن الصياغات الضبابية والعموميات، حدد القرار بصورة مفصلة، خطوات مطلوبة التنفيذ من دولة الكيان كسحب قواتها العسكرية من الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك مجالها الجوي والبحري ووقف الأنشطة الاستيطانية، وإجلاء جميع المستوطنين وتفكيك الجدار الذي شيّدته إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإعادة الأراضي والممتلكات والأصول التي تم الاستيلاء عليها منذ العام 1967، والسماح لجميع الفلسطينيين الذين نزحوا أثناء الاحتلال بالعودة إلى أماكن إقامتهم الأصلية، وجبر الضرر اللاحق بجميع الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين المعنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أضف إلى ذلك أنه دعا حكومة سويسرا لإدارة مؤتمر خلال 6 أشهر تشارك فيه الأطراف المتعاقدة في اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، يتناول ما يلزم من تدابير لإنفاذ الاتفاقية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لم يغفل القرار الأممي الجديد مقتضيات قرار محكمة العدل الدولية بتأكيده أن «الالتزامات التي تنتهكها إسرائيل تهمّ جميع الدول ولها مصلحة قانونية في حمايتها، ومطالبته دولة الاحتلال «بالامتثال فورا لأوامر التدابير التحفظية الصادرة عن المحكمة المتعلقة بتطبيق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها مع مطالبته كافة الدول بوقف توفير أو نقل الأسلحة والذخائر والمعدات ذات الصلة لإسرائيل في جميع الحالات التي تتوافر فيها أسباب معقولة للاشتباه في أنها قد تستخدم في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
القرار أكد أيضا رفضه أي تغييرات ديمغرافية أو إقليمية تسعى دولة الاحتلال لفرضها على وضع قطاع غزة، بما في ذلك أي إجراءات تقلص من مساحة قطاع غزة الذي يشكل جزءا لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك إعادة الأراضي وغيرها من الممتلكات غير المنقولة، وجميع الأصول التي تم الاستيلاء عليها منذ بدء احتلالها عام 1967، والسماح لجميع الفلسطينيين الذين نزحوا أثناء الاحتلال بالعودة إلى أماكن إقامتهم الأصلية، وعدم إعاقة الشعب الفلسطيني عن ممارسة حقه في تقرير المصير بما في ذلك حقه في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة على كامل الأرض الفلسطينية المحتلة.
وإذ أشار إلى ضرورة إنشاء آلية دولية لجبر الأضرار أو الخسائر أو الإصابات الناجمة عما تقوم به إسرائيل من أفعال غير مشروعة دوليا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد دعا الدول الأعضاء إلى القيام بإنشاء سجل دولي للأضرار، بالتنسيق مع الأمم المتحدة، كما دعا إلى عقد مؤتمر دولي برعاية الجمعية العامة خلال دورتها 79 -التي بدأت يوم 24 الشهر الجاري من أجل تنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بقضية فلسطين وحل الدولتين.
تأييد وتعنت
هذه المرة لم يستطع «فيتو» الدفاع عن إسرائيل» الصمود أمام القرار الأممي بعد أن وجدت مجموعة «الفيتو» نفسها في زاوية ضيقة بتأييد محدود من 14 دولة ليست مؤثرة في المشهد الدولي، في حين كان القرار موضع ترحيب واسع في عواصم العالم وفي المنظمة الأممية.
زاد من ذلك التصريحات التي أطلقها مقرر الأمم المتحدة المعني بالنظام الدولي جورج كاتروغالوس، الذي أكد إن ازدواجية المعايير التي تمارسها العديد من دول العالم بشأن القضية الفلسطينية لن تؤثر على فلسطين وحدها، بل ستطال مصداقية الأمم المتحدة نفسها.
ولا شك أن المجازر الوحشية التي ارتكبها جيش الاحتلال في قطاع غزة مدى 11 شهرا، بما خلفته من ضحايا مدنيين تجاوز عددهم الـ 41 الف شهيد وإصابة عشرات الآلاف وتشريد نحو مليوني فلسطيني، لعبت دورا في تعاظم التعاطف الدولي مع القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة على أساس «حل الدولتين».
يضاف إلى ذلك القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية في يوليو الماضي والذي أكد نفي قانونية الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، واكد أنها ملزمة بإنهاء وجودها غير القانوني بأسرع وملزمة بالوقف الفوري لجميع أنشطة الاستيطان الجديدة وإخلاء جميع المستوطنين من الأراضي المحتلة، ووقف أي أعمال عنف بحق الفلسطينيين باعتبارها محظورة بموجب القانون الدولي.
فضلا عن ذلك الطلب الذي قدمه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية «كريم خان» بشأن إصدار «مذكرة اعتقال» بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت والذي لا يزال معلقا حتى اليوم.
والتأييد الدولي للقضية الفلسطينية ومطالبها العادلة، تعدى المنظمة الدولية إلى بعض العواصم وخصوصا مدريد التي شهدت مراسم تسلم ملك اسبانيا فيليبي السادس أوراق اعتماد السفير الفلسطيني لدى مدريد حسني عبد الواحد، كأول سفير لفلسطين في اسبانيا، وكذلك الزيارة الرسمية الأولى للرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى مدريد.
وهذه التفاعلات شملت أكثر دول الاتحاد الأوروبي التي افصحت عن تأييدها الكامل لحق الفلسطينيين ببناء دولتهم مستقلة، وهو الأمر الذي أكده ممثل الاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية جوزيف بوريل الذي أعلن قبل أيام أن الاتحاد الأوروبي لن يعترف بسيادة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية على حدود ما قبل 1967.
هذا الأمر مثَّل انتصارا للدبلوماسية الفلسطينية، كونه جاء في ظل انقسام حاد بين دول الاتحاد الأوروبي حول القضية الفلسطينية واستمرار بعض دول الاتحاد بسياسة الصمت حيال ما يجري من حرب وحشية في قطاع غزة، واستمرار بعضها ببيع الأسلحة لإسرائيل رغم إمعانها الشديد بالجرائم الوحشية بحق سكان قطاع غزة منذ نحو عام وسط دمار هائل ومجاعة مروعة.
وقياسا بحالة الرفض واللامبالاة التي أبدتها حكومة الكيان تجاه القرار الأممي، إلا أنه اثار قلقا واسعا في الأوساط السياسية الإسرائيلية خصوصا وأن الشرعية القانونية لدولة الكيان استندت على قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في 1947، في حين أن القرار الجديد أفقدها الشركاء الدوليين ووضعها أمام تهديد استراتيجي ووجودي كبير.
الآليات التنفيذية
من المعلوم أن القرار الجديد للجمعية العامة للأمم المتحدة سينضم إلى رزمة قرارات أصدرتها الجمعية ومجلس الأمن بدون أن تجد طريقها إلى التنفيذ، غير أن ذلك لا يقلل من شأن أهميته خصوصا وأنه حمل ما يكفي من تأكيدات عن جهوزية المجتمع الدولي لاتخاذ الإجراءات والعقوبات بحق دولة الاحتلال والضالعين بجرائمها في الأراضي المحتلة، خصوصا بعد إعلان الأمم المتحدة وجميع منظماتها التزامها بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناشئ عن الوجود غير القانوني لجيش الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي المحتلة.
ولا شك أن التقدم الذي أحرزته السلطة الوطنية الفلسطينية في المسار الدبلوماسي سيواصل مساره في حشد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية، بما سيقود المنظمة الدولية لوضع آليات تنفيذية موضع إجماع دولي لن يجد مجلس الأمن فكاكا منها، في ظل الحراك الواسع للقضايا المرفوعة أمام محكمة الجنايات الدولية والتي تتهم الكيان بارتكاب جرائم إبادة جماعية.
هذه التفاعلات ترجح أن القرار الجديد لن ينتهي عند أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة كسابقيه، فالعديد من دول العالم التي صوتت لصالح القرار ورحبت به وجدناها تاليا تطالب بصوت واحد بوضع آليات لتنفيذه في مطالب تعبر في الواقع عن أكثر من ثلثي دول العالم التي تطالب حكومة الكيان بالامتثال لالتزاماتها القانونية بموجب القانون الدولي.
ويصعب القول إن دول العالم ستقف اليوم مكتوفة اليدين حيال الانتهاكات الإسرائيلية لقرارات الأمم المتحدة، فالدول التي شاركت بالمصادقة على هذا القرار، تمثل الكتلة الوازنة من دول العالم الأعضاء في المنظمة الدولية، وستعمل بلا شك على الدفاع عن القرارات الأممية وتفعيلها سبيلا للحفاظ على سمعة الأمم المتحدة ومكانتها الدولية.
ومما يتعين الإشارة إليه أن المواقف الدولية من طريقة التعاطي الإسرائيلي مع القرارات الأممية تحمل اليوم الكثير من مشاعر الغضب، حيال استهتارها بالقرارات الأممية ومقتضيات القانون الدولي، وهو الحال الذي انعكس في صيغة القرار الجديد الذي جاء متضمنا مطالبات صريحة بإجراءات مزمنة ومحددة، تنهي التواجد الإسرائيلي في الأراضي المحتلة وتضع حدا نهائيا لانتهاكاته وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني.
والتمعن في صيغة القرار أظهرت بوضوح أن هناك توجها دوليا للتعاطي مع القضية الفلسطينية وفق مقاربات قانونية بدلا من المقاربات السياسية التي طال أمدها وأثبتت عدم جدواها.
هذه المقاربات نجدها بصيغ الالتزامات الدولية بنزع الشرعية عن الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة والالتزام الدولي بفرض عقوبات تجاه الانتهاكات والوجود غير القانوني والمشروع الاستيطاني والضالعين فيه.
ونجدها بصورة أكثر وضوحا في النصوص التي تحدثت عن آليات لتقديم تعويضات عن الأضرار، وما يمكن اعتباره آليات قانونية دائمة تمنح الفلسطينيين فرصة تسجيل الأضرار الواقعة بحقهم منذ صدور قرار التقسيم وحتى اليوم.

قد يعجبك ايضا