الثورة / سبأ
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْــــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَــنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
المستجدات والتطورات الأسبوعية، بل وحتى اليومية، في العدوان الإسرائيلي الإجرامي الوحشي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وأيضاً في التطورات الممتدة إلى الضفة الغربية، وسابقاً وحاضراً، هي بكلها شواهد تتجلى فيها الحقائق المهمة الكبرى، التي ينبغي أن يعيها كل مسلم، بل وحتى كل إنسان، الحقائق المهمة جداً، التي تبيِّن لنا حقيقة العدو الإسرائيلي الصهيوني، حقيقته هو ومن يدور في فلكه، وهي حقائق تفرض نفسها فوق كل الصور الزائفة، التي يسعى هو وعملاؤه- حتى من بعض العرب- إلى التغطية بها على الواقع، العدوانية، والإجرام، والاستباحة للحياة الإنسانية، والدناءة والانحطاط، والخطر على بقية المجتمع البشري، وأنه عدوٌ بكل ما تعنيه الكلمة، ليس جهةً يمكن أن يكون معها سلام أو تفاهم على الإطلاق، هذه هي كلها حقائق أكدها القرآن الكريم، وشهد بها الواقع دائماً.
بيَّن الله لنا “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم ما هم عليه، وما كان أسلافهم عليه، وهم امتدادٌ لهم، امتداد للخط المنحرف من أسلافهم، المتنكر لرسالة الله، المعلن بشكلٍ صريح عن عدائه لله تعالى، ولملائكته، والمتورط في قتل أنبياء الله، والتكذيب بهم، والتنكر لهم، والعداء الشديد لهم ولرسالتهم، ولقتل الآمرين بالقسط من الناس، والذين بلغ بهم ما هم عليه من التنكر لرسالة الله، والعداء لنهج الله، أن مسخ الله منهم قردةً وخنازير، وأن باءوا بغضبٍ من الله، كما أكد الله على ذلك في القرآن الكريم: الغضب الشديد عليهم وعلى من يواليهم، وأن مصيرهم جميعاً إلى نار الله، وإلى جهنم وبئس المصير، ما هم عليه من سوءٍ، وانحرافٍ، وإفلاسٍ قيميٍ وإنسانيٍ وأخلاقي، ما هم عليه من مكر، وخبث، وحقد، وطمع، ما تردد منهم، وتكرر في أوساطهم من الإساءة الصريحة إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وما يعبِّرون به من استباحةٍ للمجتمع البشري من غيرهم، للناس جميعاً في كل شيء: في حياتهم، في أموالهم، في أعراضهم، صارت هذه بالنسبة لهم عقيدة وثقافة، وموجودةٌ بشكلٍ أساسي في مختلف أنشطتهم التعليمية، وفي مصادر التعليم لديهم، من كتب يعتمدون عليها.
هذه الحقائق تتجلى في كل جريمة يرتكبونها في قطاع غزة، أو في الضفة، أو في القدس، أو في أي فلسطين، في كل يوم، ومع كل ما قد مضى، فهي على مستوى الماضي، وعلى مستوى الحاضر، واضحةٌ وجلية، وهي الصورة الحقيقية لهم، التي ينبغي أن يستوعبها الجميع تجاههم، فلا يقبلوا أبداً بكل محاولات الزيف والخداع المفضوحة جداً، المفضوحة إلى حدٍ عجيب؛ ولـــذلك لا يمكن أن ينخدع إنسانٌ بتلك الصور الزائفة، التي يحاول البعض أن يقدمها عنهم إلا انسانٌ هو ينهج نهجهم، ومفلسٌ على المستوى الإنساني، على المستوى الأخلاقي، هو إنسانٌ غير طبيعي، غير سليم في واقعه النفسي وواقعه الأخلاقي؛ ولهذا عبَّر الله عن مثل هذه النوعية في القرآن الكريم بقوله: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}[المائدة:52]، من لا يمتلك الصحة النفسية والأخلاقية والقيمية، وأنه مفلسٌ على مستوى الرشد والأخلاق، يمكن أن ينحرف ويتَّجه بانجذابٍ اليهم، وتأثرٍ بهم؛ لأنه على ما هو عليه، ينسجم معهم، يتقارب معهم، [والطيور على أشكالها تقع] كما يقولون في المثل المشهور.
وثانياً: تجاه تلك المستجدات والتطورات اليومية والأسبوعية، نتذكر جميعاً المسؤولية الدينية والأخلاقية والإنسانية، وبكل الاعتبارات علينا جميعاً، تجاه ما يقوم به ذلك العدو، من استهداف بالإبادة الجماعية، لشعبٍ مسلمٍ مظلوم، هو جزءٌ مِنَّا، جزءٌ من المجتمع البشري، جزءٌ من المسلمين، جزءٌ من العرب، فتتضاعف المسؤولية على المسلمين قبل غيرهم، وتكبر، في أن يكون لهم موقف، كلما عظمت المأساة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، كلما كبرت المظلومية، تكبر معها المسؤولية؛ لأن جزءاً كبيراً مما يقع على الشعب الفلسطيني السبب فيه هو: التخاذل الواضح من قبل أبناء الأمة، أو من قبل أكثرهم، .صار هو عاملاً من عوامل أن تكبر مظلومية الشعب الفلسطيني، وأن يتجرأ العدو الإسرائيلي أكثر فأكثر لفعل ما لا يفعل، لفعل ما قد يتحرج البعض من الناس من فعله من الجرائم، لكن العدو الإسرائيلي يتجاوز كل الخطوط الحمر، ينتهك كل الأعراف وكل القوانين، لا يلقي بالاً لأي اعتبارات بين المجتمع البشري، فالمسؤولية كبيرة على المسلمين، وعلى بقية المجتمع البشري، واستمرار ذلك الإجرام الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، بكل تلك الوقاحة، والجرأة، والإبادة الجماعية، هو عارٌ إنساني على المجتمع البشري، عارٌ ستذكره الأجيال اللاحقة على كل المتخاذلين، والمتواطئين، والمفرطين، ولن ينجو منه إلَّا الذين تحركوا لأداء واجبهم الإيماني، والإنساني، والأخلاقي، في نصرة الشعب الفلسطيني، حالة الصمم والتجاهل، التي يحاول البعض أن يعتمدها تجاه ما يحصل، هي لا تعفي من المسؤولية، وهي أيضاً لا تدفع النتائج، والعواقب، والآثار، المترتبة على التفريط والتقصير.
تطورات هذا الأسبوع، وعلى رأسها مشهدٌ متكررٌ سيءٌ وخطير، ومن الخطورة أن يقابل بالتجاهل، أو بالتقصير، وتلك الفيديوهات التي صورها جنودٌ مجرمون إسرائيليون، وهم في مسجدٍ قد دمَّره العدو الإسرائيلي، وقد مُزِّقت فيه الكثير من المصاحف؛ بفعل التدمير والقصف والاستهداف، وهم يمزقون المصاحف في ذلك المسجد ويقومون بإحراقها.
القرآن الكريم بقدسيته بين المسلمين، وهو كتاب الله “عزَّ وجلَّ”، يعتبر في واقع الحال أقدس مقدسات المسلمين، إذا بلغ الحال بالكثير من المسلمين، ألَّا يكون له أي موقف، وألَّا يكون من جانبه أي تفاعل، وألَّا يؤثِّر عليه مشهد المصحف المُقدَّس، المصحف الشريف وهو يُمَزَّق وَيُحَرَّق من قبل أعدائه، فهي حالة خطيرةٌ جداً، هي بحد ذاتها تشهد بشكلٍ قاطع على أن الإنسان لم يعد فيه ذرةٌ من الإيمان، وأن انتماءه للإسلام صار مجرد انتماء عادي، انتماء شكلي، انتماءٌ بالاسم، ولم يعد انتماءً واعياً إيمانياً، انتماءً صادقاً، له مصداقيته التي تشهد عليها مواقف الإنسان، والتزاماته، وأعماله، وأقواله، وأفعاله، فهي حالة خطيرة جداً، وهي حالة يبني عليها العدو تقييماً لواقع الأمة، لواقع المسلمين، وهو يعادي هذه الأمة، يعادي كل المسلمين، يحقد عليهم، ينوي بهم الشر والسوء، له مخططاته وبرامجه التي يعمل عليها منذ زمنٍ بعيد، في الاستهداف المستمر لهم بكل أشكال الاستهداف، ضمن مخططات ومؤامرات يشتغل عليها في كل المجالات، فعندما يضعف ارتباط المسلمين بأقدس مقدساتهم، كـ: القرآن الكريم، والرسول “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، والمقدسات من بيوت الله، مثل ما هو الحال مع المسجد الأقصى، الذي هو مسرى النبي “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، وله قدسيته الكبرى في الإسلام، كلما ضعف ارتباط المسلمين بمقدساتهم، بمبادئهم، بقيمهم، فهذا له آثاره الخطيرة عليهم في كل شيء، في كل شيء، إذا بقيت الأمة في وضعية مُفرَّغة، لم يعد لديها ارتباطٌ بشيء مقدَّس، تحافظ عليه، تسعى للتحرك من أجله، ترتبط به؛ فهي أمة فقدت كل عناصر القوة المعنوية، التي تصلها بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بمعونته، بتأييده، برسالته، بهديه، بتعليماته، وأيضاً على مستوى واقعها، أمة قابلة لأن تكون مشتتة، ضعيفة، مقهورة، مهزومة، مغلوبة، تخسر كل شيء، تخسر كل شيء، ويمكن أن تُفرِّط بكل شيء، الإنسان الذي بلغ إلى هذا المستوى يمكن أن يُفرِّط بكل شيء، إذا فَرَّط بأقدس المقدَّسات، وأعظم ما يمكن أن يعتز به في انتمائه، يمكن أن يُفرِّط في عرضه، في شرفه، في وطنه، في كل شيء، في أي أمورٍ أخرى، وهي حالة خطيرة جداً، ينبغي على المسلمين أن يعيدوا النظر فيما يتعلق بهذه المسألة.
وهناك واجبٌ كبير، كبيرٌ على علماء الدين، على المثقفين، على الذين يعملون في الخطاب الديني، مثل: خطباء الجمعة، وغيرهم، عليهم مسؤولية كبيرة في أن يُذَكِّروا الأمة بخطورة هذا الأمر، والعواقب السيئة للسكوت عليه.
المشهد في الإحراق للمصاحف، والإساءة للقرآن، والتمزيق لها، هو مشهدٌ يتكرر من جانب اليهود الصهاينة، في مناسبات متعددة، في مقامات متعددة، وكذلك الاستهداف لبيوت الله، والتدمير للمساجد، والتمزيق للمصاحف، هذا يتكرر، في مقدمة ما يستهدفون به المساجد: الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى، المسجد الأقصى الشريف، هم يكثرون ضمن برنامج مخطط ومدروس من الاقتحامات له، والتدنيس لباحاته، والاستهداف للمصلين فيه، وللمرابطين فيه، بالضرب، بالاعتقال، بالاضطهاد… بكل أشكال الاستهداف، هذا يتكرر منهم كثيراً، ويحرصون على أن يصوروا ذلك، ويقومون ببعض الرقصات في باحات المسجد الأقصى، وفيها عبارات تستخف بالمسلمين، وتتحداهم، وتستفزهم، وفي بعض الحالات إساءات يوجهونها ضد رسول الله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”، والمسلمون يشاهدون تلك المشاهد، ويكادون أن يتعودوا عليها، ومن السياسة التي يعتمد عليها اليهود الصهاينة هي: السعي لترويض المسلمين؛ حتى يتقبلوا خطوةً هي من الخطوات العدائية السيئة، الخطيرة جداً على الأمة الإسلامية، ثم ينتقلون إلى خطوةٍ أخرى.
بدأوا الآن يتحدثون عمَّا هو أخطر من مسألة الاقتحامات للمسجد الأقصى، وأحد مجرميهم السيئين بات يتحدث عن توجههم لبناء كنيسٍ يهودي في المسجد الأقصى، هذه خطوة كيف ينبغي أن تقابل من المسلمين، بحسب واجبهم الديني، ومسؤوليتهم الدينية؟ إلَّا بالجهاد في سبيل الله، إلَّا بالتحرُّك العملي والموقف الصادق، ولكن قوبلت من معظم البلدان، على مستوى الأنظمة والنخب، وحتى في أوساط الشعوب، بالصمت والسكوت، بالصمت والسكوت، وهذه حالة ملحوظة، وخطيرةٌ جداً، وسيلحظها العدو في تقييمه لواقع الأمة، وما الذي نتصور من جهة العدو أنه سيكون في تقييمه لبعض الشعوب، لبعض الأنظمة التي يراها تسكت عن كل هذا، يُمَزَّق القرآن الكريم، وتحرق مصاحفه، وتسكت، يهدد المسجد الأقصى، يقتحم بشكلٍ شبه يومي، ويسكتون، ثم إلى مستوى هذا الموقف الأرعن، الأحمق، السيء جداً، ويسكتون؛ سيرى فيهم أنهم في حالة استسلام، وذلة، وخنوع، وجُبن، وخوف، ولا مبالاة، وأنهم قد تنكروا لدينهم، لمبادئ إسلامهم، لقيمهم، لقرآنهم، لرسولهم، لمقدساتهم، هذا سيجرؤه عليهم أكثر، ويشجعه عليهم أكثر، ويطمعه فيهم أكثر، يرى فيهم أمة، أو شعوباً، أو أنظمة، يَسْهُل السيطرة عليها؛ لأنها تعيش حالة الهزيمة، والذلة، والخوف، والتنكر للقرآن، والرسول، والمقدسات، والتنكر للمبادئ الإسلامية، وللإسلام بكله؛ ولذلك سيكون متجرئاً عليهم أكثر، وطامعاً فيهم أكثر.
خطورة كبيرة جداً في التهاون تجاه كل ذلك، لها عواقبها من جهة التسليط الإلهي، المسلمون هم في موقع مسؤولية كبيرة جداً، عليهم مسؤولية أن يكونوا الأمة التي تتحرك برسالة الله تعالى، وحينئذٍ تحظى بدعم الله، بنصره، بتأييده، بمعونته، ولكنهم فرَّطوا في هذه المسؤولية، تنصلوا عن حملها كمسؤولية يتحركون بها في أوساط الأمم والشعوب، ثم أصبحوا يفرِّطون حتى على مستوى الالتزام بها حتى على المستوى الأخلاقي، والاجتماعي، والسياسي، وفي شؤونهم المختلفة، ثم باتوا يتجاهلون ما يحدث من استهداف لهم في أهم ما يتعلق بها من مقدسات وغيرها، فالحالة خطيرة، تسبب للأمة التسليط الإلهي، لها عواقبها الكبيرة جداً، ثم لها تأثيراتها في واقع الشعوب، وفي واقع الأنظمة كذلك، تأثيراتها السيئة عليهم:
– في جرأة العدو عليهم.
– وفي أن يُخذلوا، أن يخذلوا وأن يُسلبوا التوفيق من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
أما ما يتصوره البعض، من أنها ستفيدهم حالة التخاذل، حالة الصمت والسكوت، حالة التجاهل، حالة التنصل عن المسؤولية، من أنها ستفيدهم شيئاً من جهة الأعداء، أنهم سيرضون عنهم، لن يرضوا عنهم، بل حتى من أصبحوا متواطئين مع العدو، يدعمونه بأشكال الدعم، على المستوى الإعلامي بكل وضوح، بكل صراحة، ترى قنواتهم وكأنها قنوات إسرائيلية، ليس لها على مستوى العربية إلَّا الاسم واللغة؛ أمَّا المضمون والمحتوى إسرائيلي، إسرائيلي، مع ذلك عندما تنظر إلى واقعهم، وهم يتصوَّرون أنهم قد ضمنوا مستقبلهم مع أعداء هذه الأمة، فهم مخطئون وواهمون، فلا هم يستفيدون من التاريخ، مما مرَّت به الأمة الإسلامية على طول تاريخها، ولا هم يلتفتون إلى ما يقوله الله في القرآن الكريم، وهي حقائق لا تتخلف أبداً، يقول: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران:119]، يقول عنهم: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}[آل عمران:118]، هم يريدون لكم أبلغ الضرر، وأشد الضرر، وأقصى الضرر، وحتى وقد أصبحتم في حالةٍ تحبونهم، مع أنه لا ينبغي لأحدٍ أن يحبهم إطلاقاً، ما هم عليه من صورة بشعة، إجرامية، قبيحة، شنيعة، فظيعة، كيف يحبهم البعض؟! ومع ذلك حتى وهو يحبهم، هم لا يبادلونه أبداً بمشاعر المحبة، تبقى عندهم هم مشاعر الكراهية، والحقد، والبغض، والاحتقار، لا يعترفون حتى لمن يحبهم من العرب بأنهم بشر، لا يعترفون لمن يحبهم من بعض الأنظمة العربية، بعض الحكومات، حتى في أوساط الشعوب، من أصبح يحبهم من العرب هم لا يعترفون له حتى بأنه إنسان وبشر، يعتبرونه مجرد حيوان مستباح الدم، والعرض، والمال، ولا بأس بأن يستغل بالقدر الذي يمكنهم أن يستغلوه.
والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أخبرنا كيف هي نظرتهم إلى الآخرين، وأنهم يقولون: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}[آل عمران:75]، الاستباحة التامة، حتى من قبل أن تكون في إطار موقف، ومن قبل أن تكون في إطار انتماءٍ إسلامي، أنت من أولئك الذين يعتبرونهم من المباحين لهم، دمك، عرضك، مالك، ولديهم مع ذلك: حقد، وجرأة، وطمع، وهكذا هي نظرتهم.
والله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عندما شخَّصهم في القرن الكريم، قال: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ}[النساء:45]، وهو “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” الأعلم بهم، وهو الأصدق في ما يقوله عنهم، {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ}[آل عمران:95]، {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ}.
الإجرام، والعدوان، والإبادة الجماعية التي يمارسها العدو الإسرائيلي في قطاع غزة مستمرة، وفي هذا الأسبوع، الذي هو الأسبوع السابع والأربعين، في آخر العام، في آخر الشهر الحادي عشر، بلغ عدد الشهداء والمفقودين: (فوق الخمسين ألفاً)، والجرحى: (فوق التسعين ألفاً)، يقرب من المائة ألف، وهناك أيضاً فيما هو خارج نطاق الإحصائيات، الإحصائيات ليست شاملة ودقيقة؛ لأن هناك مع حجم الدمار الهائل، وتدمير الأحياء السكنية بكلها على رؤوس ساكنيها من المدنيين، من قد يفوت حصرهم وإحصائهم.
في هذا الأسبوع قد بلغت المجازر إجمالاً مع كل الأسابيع الماضية: بما يقارب (الثلاثة آلاف وخمسمائة وسبعين مجزرة)، كل مجزرة منها تعتبر جريمة إبادة، وجريمة فظيعة، يُستهدف بها مَنْ؟ الأطفال والنساء، كل المجازر، أكثر الشهداء فيها من الأطفال والنساء؛ ولــذلك عارٌ تاريخيٌ على المسلمين وعلى غيرهم في جرأة العدو وفي استمراره فيما هو فيه من الإجرام.
المشاهد اليومية الرهيبة جداً، والمؤلمة للغاية للشعب الفلسطيني، وهو يباد، مشاهد القتل للأطفال والنساء، وتمزيقهم إرباً بالقنابل الأمريكية، وأسلحة القتل والتدمير، التي يقدِّمها الأمريكي للإسرائيلي، الحالة المؤلمة جداً من التجويع الشديد والمستمر ضد الشعب الفلسطيني، يتضور جوعاً في قطاع غزة، والأنظمة العربية البعض منها أصبحوا يقدِّمون للعدو الإسرائيلي مختلف المواد الغذائية والفواكه، بشكلٍ يومي، أيضاً بعض البلدان التي تنتمي للإسلام، مشاهد مؤسفة جداً ومؤلمة للشعب الفلسطيني وهو يعاني من الأوبئة، الناتجة عن القتل، والتدمير الشامل، وتدمير البنية التحتية، وانعدام الصرف الصحي، وحالة تعفن الجثامين… وغير ذلك، الأسباب التي تساعد على انتشار الأوبئة، وأصبحت الأوبئة تفتك بالشعب الفلسطيني، ويعاني منها جداً، انتشار حالة الأمراض كذلك، ومع ذلك حالة الجرحى الذين هم بعشرات الآلاف، من دون توفير الخدمات الطبية لهم.
ثم في هذا الأسبوع اتَّجه تصعيد العدو الإسرائيلي أيضاً وامتد إلى الضفة الغربية، مع أنه لم يتوقف عن اعتداءاته في الضفة الغربية في كل يوم، وهذا شيءٌ مشاهدٌ في التلفزيون، ولكن اتَّجه إلى تصعيدٍ هو الأكبر منذ اثنين وعشرين عاماً، منذ العملية التي سمَّاها قبل اثنين وعشرين سنة بـ [عملية السور الواقي]، هناك تصعيد كبير، وهجوم بقوام فرقة عسكرية، يُشَن على شمالي الضفة الغربية، يستهدف عدداً من المدن والمخيمات، وبنفس الطريقة الإسرائيلية الإجرامية الوحشية، المستهدف منذ اللحظة الأولى هو: المستشفيات، قام بمحاصرتها، والاستهداف لها، واتَّجه إلى تدمير المنازل، واتَّجه إلى تدمير المساجد، إلى تجريف الشوارع، إلى تهديم البنية التحتية من المياه، والكهرباء… وغير ذلك، الاستهداف لكل شيء.
العدوان بذلك المستوى على الضفة الغربية، مع ما يفعله العدو في القدس، مع ما يفعله في قطاع غزة، يوضِّح، يوضِّح حقيقة التوجه الفعلي والحقيقي للعدو الإسرائيلي، بحمايةٍ ومساندةٍ وشراكةٍ أمريكية، هو يحاول أن يرسم مشهداً جديداً في فلسطين، وهناك تواطؤ واضح من بعض الأنظمة العربية معه، والتي تتمنى له أن يحقق آماله الشيطانية والإجرامية في فلسطين؛ من أجل أن تدخل في مرحلة ما يسمونه بالتطبيع معه، في مرحلة الولاء الصريح الواضح، الذي قد تكشَّف، لكنهم يريدونه أن يكون بشكل تحالف، وأن تكسر فيه كل الحواجز، وأن تستكمل فيه بقية الخطوات، هذا ما يريدونه.
الأمريكي دوره أساسيٌ جداً في الإجرام الإسرائيلي، في كل ما يفعله العدو الإسرائيلي، وفي كل ما يُقدِم عليه، وفي كل ما يتوسَّع فيه، من جرائم، من خطوات عدوانية ومستفزة، من استهداف حتى للمسجد الأقصى، الأمريكي دوره في هذا العدوان الذي يقوم به العدو الإسرائيلي، ويرتكب فيه جرائم الإبادة الجماعية، وأبشع الجرائم، وأفظع الجرائم ضد الشعب الفلسطيني، دورٌ أساسي، الأمريكي شريك في الجرائم، هو شريكٌ على مستوى الفعل، وعلى مستوى التخطيط، عن طريق خبرائه العسكريين الذين أرسلهم ليكونوا شركاء في كل ما يحدث، وفي كل ما يحصل، وهو الذي يقدِّم على مستوى الدعم المادي، وعلى مستوى توفير آلة القتل والدمار، هو الذي يقدِّم الآلاف من الشحنات، الآلاف من القنابل التي تحتويها الشحنات، التي يرسل بها تباعاً في جسره الجوي وجسره البحري، ويمد بها العدو الإسرائيلي لقتل الأطفال والنساء، وقتل الشعب الفلسطيني بالجملة في قطاع غزة، ومع ذلك هو لا يتوقف حتى عن تقديم أفتك أنواع الأسلحة لقتل الأطفال والنساء، هذا أيضاً شاهدٌ يوميٌ مستمرٌ متكرر، مع كل ما قد مضى عن الأمريكي في إجرامه، في وحشيته، في عدوانيته، في انتهاكه لكل القوانين والاعتبارات، لا حقوق إنسان لديه، ولا أي شيء، ما فعله مع بلدان وشعوب وأمم أخرى، وما يفعله أيضاً مع العدو الإسرائيلي في قطاع غزة.
ثم هو الذي يقدِّم دائماً الدعم السياسي لخداع الرأي العام، كم بذل من جهد في هذه المرحلة بهدف احتواء الرد: الرد من حزب الله، والرد الإيراني؟ خطوات باسم خطوات سياسية، وحوارات، ومفاوضات، وكأن المسألة جادة، ثم يفتضح، ويفتضح معه الإسرائيلي؛ لأن المسألة مسألة مجرد خداع، خداع للرأي العام؛ لأن حركة حماس لن تنخدع، والشعب الفلسطيني لن ينخدع، لكنه يريد أن يخادع الرأي العام، {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}[النساء:120]، غرور وتغرير وخداع للرأي العام.
ثم أيضاً على مستوى الحماية للعدو الإسرائيلي، هو يبذل كل جهده في حماية العدو الإسرائيلي؛ ليواصل جرائمه، والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، والتجويع للشعب الفلسطيني، ويحاول أن يحتوي أي مسعى لخدمة الشعب الفلسطيني، أو الإسناد له، حتى على المستوى الإنساني، أتى بلعبته فيما يسمى بـ [الرصيف العائم]؛ ليكون بديلاً عن معبر رفح، ثم لا شيء، لا رصيف يقدِّم خدمات، ولا يوصل أغذية، ولا شيء.
والحالة حالة واضحة جداً في تكشُّف وفضيحة الموقف الأمريكي السيء جداً، يسعى دائماً للضغط على المحور، السعي في الضغط الدائم على الجمهورية الإسلامية في إيران، على لبنان، على حزب الله، على اليمن، على كل الجبهات، على العراق، يحاول أن يوقف أي صوت، أي نشاط، أي موقف، أي تحرك فيه مساندة للشعب الفلسطيني.
ثم عندما نأتي إلى موقف الأمم المتحدة، أيُّ دورٍ لها؟! هل هناك دور فعلي وحقيقي يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني؟! باتت حتى البيانات والتصريحات التي يطلقها مسؤولون في الأمم المتحدة، تساوي ما بين الضحية والجلَّاد، وأصبح حديثهم يُنتَقى بعناية، تعبيراتهم عما يحدث في غزة تنتقى بعناية، والبعض منهم يصف الشعب الفلسطيني بالإرهاب، يصف من يدافع عن شعبه، وعن وطنه، وعن أرضه، وعن حقوقه، ويقف في وجه ذلك العدوان، في وجه جرائم الإبادة الجماعية، يصفه بالإرهاب.
أمام كل ذلك فالصمود الفلسطيني مستمر، الشعب الفلسطيني ومجاهدوه في ثباتٍ عظيم، لا مثيل له، يقدِّم درساً لكل المجتمع البشري، ويخوضون ملحمةً ستبقى خالدة على مرِّ الدهر، ولها نتائجها، وآثارها، وعواقبها، التي سيباركها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لتثمر نصراً وفرجاً بإذن الله تعالى.
لذلك بعد ثلاثمائة وأربعة وعشرين يوماً، أطلقت كتائب القسام صاروخاً إلى يافا المحتلة، التي يسميها العدو بـ [تل أبيب]، ووصل هذا الصاروخ دون أن يتمكَّن العدو من اعتراضه، هذا بعد كل ما قد فعله العدو الإسرائيلي ويفعله في قطاع غزة، وكتائب القسام هي بهذا المستوى من التماسك، والثبات، والقوة، والفاعلية، والصمود في مواجهة العدو الإسرائيلي، ومعها سرايا القدس، ومعها بقية الفصائل من المجاهدين في قطاع غزة، الذين ينفِّذون مع كتائب القسام تلك العمليات المشتركة وغير المشتركة، بفاعليةٍ عالية، وصمودٍ عظيم.
كتائب القسام والفصائل معها نفَّذت في هذا الأسبوع عشرات العمليات، ما بين إغارات واشتباكات مباشرة مع العدو الإسرائيلي، ووثِّقت ونشرت في مشاهد الفيديو، ما بينها تفجير حقول ألغام بجنود العدو، وكذلك تفجير فتحات أنفاق، وكذلك عمليات قصف بالهاون والصواريخ… وغير ذلك، وكذلك العمل بالقناصة، التنكيل بالعدو من خلال القناصة، التي باتت سلاحاً فتَّاكاً مؤثِّراً على العدو، وفاعلاً في التصدي للعدو.
فيما يتعلَّق بجبهات الإسناد، بدءاً بحزب الله: حزب الله نفَّذ عملية الرد، متجاوزاً بذلك الضغوط، الضغوط الكبيرة التي مورست على لبنان بشكلٍ عام، وعلى الجانب الرسمي في لبنان، وعلى حزب الله، تجاوز كل الضغوط، وكل محاولات الاحتواء للرد، ووجَّه ضربةً قويةً للعدو الإسرائيلي، ومع ذلك لا يزال الملف مفتوحاً على أساس التقييم للنتائج، كما ورد ذلك في كلمة السيد حسن نصر الله “حفظه الله”.
جبهة حزب الله على مستوى الاسناد اليومي المستمر جبهة ساخنة جداً، بضرباتها المستمرة في كل يوم، والتي مع ما تلحقه من الخسائر اليومية بالعدو الإسرائيلي، صنعت له أيضاً مشكلةً كبيرة:
– من خلال طرد عشرات الآلاف من المغتصبين الصهاينة من شمال فلسطين.
– ومنعت عليهم عمليات حزب الله أي استقرار في شمال فلسطين بمحاذاة الحدود اللبنانية.
– وعطلَّت عليهم المصانع ومختلف الأنشطة الاقتصادية من: زراعة وسياحة… وغيرها.
وهذا تأثير كبير، مؤثرٌ بشكلٍ عام على العدو الإسرائيلي، كما أنها جبهة إذلال للعدو الإسرائيلي، العدو الإسرائيلي يُحسّ بالإذلال، وعبَّر قادةٌ إسرائيليون عن ذلك، من جرأة حزب الله واستمراره يومياً بتلك الضربات المنكِّلة بهم، المدمِّرة لمواقعهم، التي تلحق الخسائر بهم: قتلى وجرحى ودماراً، وكذلك على المستوى الاقتصادي… وغير ذلك.
في جبهة الإسناد العراقية: المقاومة الإسلامية في العراق نفَّذت عمليات في هذا الأسبوع، منها ما هو باتجاه حيفا المحتلة، وباتجاه أم الرشراش المحتلة.
فيما يتعلَّق بالرد الإيراني: هناك تأكيدٌ مستمرٌ ومتكررٌ من قادة الجمهورية الإسلامية في إيران على حتمية الرد، وبات هذا أمراً واضحاً، الأمريكي في حالة استنفار بشكلٍ كبير؛ لمحاولة احتواء الرد الإيراني، وأيضاً يحاول أن يجنِّد معه حتى بعض الأنظمة العربية، لتشارك معه، وأيضاً جهات غربية وأوروبية، ليشترك الجميع في محاولة الإعاقة للرد الإيراني، والتصدي له، والحماية للعدو الإسرائيلي.
من المؤسف جداً أن يكون بعض الأنظمة العربية متجهاً فعلاً هذا الاتجاه، للاشتراك مع الأمريكي في عملية التصدي للرد الإيراني، ومحاولة الحماية للعدو الإسرائيلي، خيانة، خيانة لله، ولرسوله، وللإسلام والمسلمين، وللعروبة، خيانة لهذه الأمة، وخيانة للشعب الفلسطيني، وإسهام مباشر في دعم العدو الإسرائيلي ومناصرته، وهذه حالة خطيرة جداً.
فيما يتعلَّق بالمظاهرات والوقفات في بلدان كثيرة من العالم، فهي مستمرة، وللأسف الشديد هي في غير البلدان الإسلامية أكثر من معظم البلدان العربية والإسلامية، بالاستثناء: باستثناء ثلاث دول عربية.
هناك مظاهرات ووقفات في هذا الأسبوع مستمرة في: إسبانيا، وألمانيا، وفرنسا، وهولندا، وبريطانيا، وفي أمريكا أيضاً، وفي الدنمارك، وفي اليابان، وفي قبرص، وتواجه بعضها قمعًا، في: أمريكا، وبريطانيا، وفي كثيرٍ من الدول الأوروبية، تستهدف تلك المظاهرات، وانتهت مسألة حرية التظاهر، وحرية الرأي، وحرية التعبير… وغير ذلك، كل الحريات شطبوا عليها، واعتبروها منتهية؛ من أجل العدو الإسرائيلي الصهيوني، وخدمة الصهيونية، ولكن هناك إصرار على المواصلة والاستمرار، هناك أصوات حرة، هناك أصوات لديها الدافع الإنساني، تستمر في كثيرٍ من البلدان.
أيضاً الأنشطة الطلابية، مع عودة الدراسة الجامعية في أمريكا، بدأت الأنشطة الطلابية من جديد، للتعبير عن الموقف الرافض للإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، مع أنها تقابل بقمع، واستهداف، ومضايقات كثيرة، إلَّا أنها عادت من جديد.
فيما يتعلق بالبلدان المسلمة: كانت هناك مظاهرات ووقفات في إندونيسيا وماليزيا، وفي الأردن والمغرب العربي، ونلاحظ بقية البلدان العربية والإسلامية- في أكثرها- هناك السكوت، هناك جمود، هناك ركود، هناك التجاهل لما يحصل، وهذا شيء مؤسف، والسبب الأول بمعرفتنا جميعاً، هو: الأنظمة والحكومات، التي لها دور في تلك الحالة في شعوبها، وكبت شعوبها.
فيما يتعلق بجبهة الإسناد في يمن الإيمان، في معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس: هناك عمليات نوعية في هذا الأسبوع، ومهمة جداً نفَّذتها القوات البحرية، من بينها: اقتحام سفينة [سونيون]، وهي- تلك السفينة- كانت تخالف قرار الحظر، وتحمل شحنات للعدو الإسرائيلي، فكانت هذه العملية الجريئة، الشجاعة، التي هي عملية جهادية شجاعة، عملية مهمة جداً، قام فريقين من القوات البحرية باقتحام تلك السفينة في مرحلتين وعمليتين، وتدمير ما فيها من الشاحنات، والاستهداف للسفينة نفسها، وتفخيخها، وتفجيرها، وثِّقت العملية بمشهدها الكبير والمؤثِّر، والذي يبيِّن أنَّ الأمريكي كاذب في مزاعمه تجاه أي ردع للعمليات اليمنية المساندة للشعب الفلسطيني.
هذه العمليات مستمرة بهذا المستوى من الفاعلية والحضور، بالرغم من أنَّ الصيد للسفن في البحر الأحمر أصبح نادراً؛ لقلة السفن التي تعبر من تلك السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، أو المرتبطة بالأمريكي أو البريطاني، أصبح توجُّه الأمريكي وكذلك من يتعاملون مع العدو الإسرائيلي من بعض الشركات، تحركهم بات بعيداً جداً، من أقصى المحيط الهندي، وليس حتى من جزءٍ من المحيط الهندي الأقرب للبحر العربي، أو الأقرب من سقطرى أو غيرها، بل الذي يبتعد حتى عن أفريقيا، يبتعد بمحاذاة دول أخرى، حتى يبتعد عن اليمن بمسافات شاسعة جداً، وبعيدة، وتهريب، وبِكُلَف كبيرة جداً، ثم يتَّجه إلى بعض البلدان الأفريقية النائية والبعيدة، فهذا هو الحال، هذا هو الحال بالنسبة لحركتهم بالسفن؛ أمَّا الفاعلية لعمليات القوات اليمنية، فهي بهذا المستوى من الحضور، إلى درجة الاقتحام المباشر بفرق عسكرية من القوات البحرية إلى السفن، والتدمير المباشر لها، وما فيها من الشحنات، وهناك أيضاً عملية أخرى في الاستهداف لسفينة أخرى، عليها بضائع سائبة.
ففاعلية العمليات هي بالمستوى التي يعترف ضباط وقادة عسكريون أمريكيون وبريطانيون، ويعترف العدو الإسرائيلي بأنها فاعلة جداً، بل حاسمة، ومسيطرة، ومتحكمة بالوضع، وأصبح مستوى السيطرة واضحاً في منع السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي من العبور، والاستهداف المباشر لها بفاعلية وتدمير. تأثير ذلك على اقتصاد الأعداء متصاعد، على مستوى العدو الإسرائيلي، تأثيرها على الأمريكي، وعلى البريطاني كذلك مستمر ومتصاعد.
فيما يتعلَّق بالتحضير للرد هو مستمر، والتوقيت له سيكون- إن شاء الله- مفاجئاً للعدو، ونحن مع اهتمامنا بمسألة الرد، إلَّا أنَّ همنا هو أكبر حتى من مسألة الرد، يعني: حرصنا أن نرتقي بأدائنا العملياتي المناصر للشعب الفلسطيني، إلى مستويات مؤثِّرة أكثر وأكثر على العدو الإسرائيلي.
كما قلت في كلمات كثيرة، ومناسبات متعددة: ليس هناك سقف سياسي، ولا لأي اعتبارات أخرى، يمكن أن يحد من مستوى عملياتنا، نحن سنتحرك في أي مستوى نتمكن منه من العمليات دون تردد؛ ولذلك لدينا سعي دؤوب- مع الاستعانة بالله تعالى، والتوكل عليه- لتطوير قدراتنا بشكلٍ نوعي؛ حتى تكون بالمستوى الذي يتيح لنا أن نكون أكثر فاعلية، وأكثر تأثيراً في استهداف العدو الإسرائيلي، وفي المناصرة للشعب الفلسطيني، مع كل ما قَدَّمنا ونُقدِّم، وعملنا ونعمل، ويتحرَّك فيه شعبنا، حتى بمستوى لا مثيل له عند أي شعبٍ آخر، لكننا نتألم كثيراً وكثيراً، أننا لم نصل بعد إلى ما نأمله ونريده، ونسعى للوصول إليه، من مستوى الموقف المناصر للشعب الفلسطيني، ومستوى التأثير الأقوى على العدو الإسرائيلي، مع أنه متأثرٌ كثيراً على المستوى الاقتصادي، ها هو ميناء أم الرشاش أغلق بشكلٍ تام، أغلق بفعل العمليات اليمنية التي منحها الله التأييد والنصر، وهذا كبَّد العدو الإسرائيلي الخسائر الكثيرة، أربعين بالمئة أو أكثر من حركته الملاحية توقفت؛ لأنه أغلق عليه باب المندب بشكلٍ تام… وهكذا، هناك تأثيرات كثيرة، تأثيرات كثيرة تحدث عنها العدو الإسرائيلي باعترافه، وتحدث عنها الأمريكيون والبريطانيون، مع تدخلهم العسكري، وغاراتهم التي لم تتوقف أسبوعياً، حتى في هذا الأسبوع، وفي الذي قبله، لكنهم فشلوا ويفشلون.
لذلك هناك عمل دؤوب- مع الاستعانة بالله- لتطوير القدرات، بما يساعد على أن نكون في الموقف الأكثر تأثيراً على العدو الإسرائيلي، والأكثر تأثيراً- بإذن الله تعالى- في مناصرة الشعب الفلسطيني، وإلَّا فليس هناك أي اعتبارات سياسية، أو حسابات أخرى يمكن أن تَحُدّ من مستوى عملياتنا، أو أن تؤثِّر على قرارنا، همنا أن نعمل ما نستطيع أو نتمكن من عمله، استجابةً لله تعالى، نعتبر هذا جهاداً مقدَّساً، ومسؤوليةً دينيةً، وأخلاقيةً، وإنسانية، وبكل الاعتبارات.
فيما يتعلق بالنشاط الشعبي: فهو مستمر، بالرغم من هطول الأمطار الغزيرة بفضل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، والخروج المليوني الأسبوعي كان في يوم الجمعة الماضية، في يوم الجمعة الماضي، في (ثلاثمائة وواحدٍ وستين ساحة)، هذا العدد الكبير، مع هطول الأمطار في معظم المحافظات، ومع تأثيرها حتى على الطرقات لاسيَّما في الأرياف، مع ذلك كان الخروج كبيراً وحاشداً ومليونياً بكل ما تعنيه الكلمة، وفي (ثلاثمائة وواحدٍ وستين ساحة)، بدءاً بميدان السبعين في العاصمة صنعاء، وامتداداً إلى المحافظات والمديريات.
في العاصمة صنعاء، وفي بعض المحافظات والمديريات، خرج شعبنا اليمني بين الأمطار الغزيرة، والسيول الكبيرة، أثناء هطول الأمطار، وهم يخرجون ويجتمعون بأعداد هائلة، المشهد في العاصمة صنعاء، في ميدان السبعين، وفي بعض المحافظات، كان مؤثِّراً، ومعبِّراً عن الوفاء والوعي، والحرص على الاستمرار، والمواصلة في مختلف الظروف، باحتساب الأجر من الله تعالى، وابتغاء مرضاته، حتى الجرحى كان بعضهم يعبر على عربيته، ويَمْخُر عُبَاب السيول، يتحرك بعربته بين السيل وهو نازل، وهو يدخل إلى مكان التجمع في ميدان السبعين، والبعض كان يعبر على عكازه، كان الجو العام والملامح على وجوه الحاضرين هي الرضا، والعزم على الاستمرار والمواصلة، واحتساب الأجر من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ليس هناك تذمر ولا استياء، هناك ارتياح أننا نعمل ما نعمل كأداء واجبٍ جهاديٍ نبتغي فيه مرضاة الله تعالى، بعض الشباب الذين كان بأيديهم شماسيات ومظال، كانوا يؤْثرون بها الشيبان، ويقدِّمونها لهم، المشاهد المؤثِّرة والمعبِّرة متنوعة وكثيرة، والجماهير محتشدة، والمطر الغزير يهطل عليها، وهي مستمرة بهتافاتها، وتؤدِّي هذا الواجب المقدَّس والعظيم، الذي هو جزءٌ من جهاد شعبنا في سبيل الله، في إطار موقفٍ متكامل، فيه تحرَّكٌ في كل المجالات، وعلى كل المستويات، لمناصرة الشعب الفلسطيني.
فيما يتعلق في هذا السياق: نعمة الغيث، أولاً: نتوجه بالشكر لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فالله أنعم علينا في هذا البلد بالغيث والأمطار الغزيرة، التي شملت كل المحافظات، وهذه نعمة كبيرة من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
ما يحصل أحياناً من بعض الكوارث المؤسفة والمؤلمة، التي أدَّت إلى وفيات، وفي هذا المقام نتوجَّه بالعزاء والمواساة لكل الأسر التي فقدت ضحايا في الكوارث التي حصلت، وحصلت أضرار كذلك، أضرار على الكثير من الناس، لاسيَّما في بعض المحافظات، تحصل مثل هذه الأضرار لعدة عوامل:
– من بينها: عندما يكون هناك بناء عشوائي في مجرى السيول، ومصبات السيول.
– وكذلك عندما يكون هناك بعض الحواجز المائية، التي إن انهدمت؛ اتَّجه ضررها بكله على بعض المناطق السكنية، ويؤدِّي هذا إلى أضرار.
ينبغي أن يكون هناك تعاون كبير بين الجهات الرسمية بكلها، وأيضاً مع الجهات الشعبية، مع أبناء الشعب، في مساعدة المتضررين، وفي تفادي بعض الأضرار التي يمكن أن تحصل مع استمرار هطول الأمطار، مما يتضح حاله مما هو في مجرى السيول، ومصبات السيول، أو بناء هش… أو غير ذلك، الحالات التي هي مظنةٌ لحصول ذلك، ينبغي السعي لتفادي الأضرار قدر الإمكان؛ لأن المشكلة هي عند البشر، ليست المشكلة في هذه النعمة العظيمة، التي يمنُّ الله بها على شعبنا العزيز. التعاون في مساعدة المتضررين رسمياً وشعبياً ينبغي أن يكون بالمستوى المطلوب، هذا واجبٌ إنسانيٌ وأخلاقيٌ وديني.
أيضاً الالتفات إلى أهمية الزراعة، واغتنام فرصة هذه النعمة الكبيرة: نعمة الغيث والأمطار، والعناية بالزراعة والتشجير.
كذلك الوعي بأهمية التخطيط الحضري؛ لأن العمل العشوائي، والعمران العشوائي يسبب مشاكل كثيرة، واحدٌ منها هي الكوارث في مثل هذه الحالات، التي تؤدِّي إلى وفيات، وتؤدِّي إلى أضرار كبيرة، ومعاناة كبيرة، وخسائر كبيرة، فالوعي بأهمية التخطيط الحضري في العمران مسألة مهمة؛ من أجل الاستجابة، من أجل أن يكون هناك تفهم لعمليات التخطيط الحضري، عندما تقوم بها الجهات الرسمية، واستجابة لها، وتعاون معها؛ لتفادي الخسائر، ولتفادي الأضرار، وحتى تكون أجواء مثل هذه النعمة الإلهية أجواءً إيجابية، بعيداً عن المآسي والكوارث،
أيضاً من المهم التخطيط للقنوات، المزيد من قنوات الري، الحواجز التي يتم اختيار الأماكن المناسبة لها، حيث لا تلحق ضرراً بالأهالي في حال تهدمها، وكذلك المزيد من الخزانات… وغير ذلك، السدود؛ لكي نستفيد أكثر من هذه النعمة الكبيرة.
على كلٍّ، الخروج المليوني بالرغم حتى من هطول الأمطار الغزيرة، هو يعبِّر عن الوفاء، والصدق، والثبات، والشعب اليمني باستمراره في مختلف الظروف والأحوال، باستمراره سيحظى- بإذن الله تعالى أمام هذا الاختبار الكبير، الذي تَمُرُّ به كل الأمة، كل البلدان الإسلامية- يحظى بامتياز الوفاء، والقيم، والأخلاق؛ لأنه أثبت عملياً صدقه مع الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ووفاءه مع الله، مع المبادئ، مع القيم، بالرغم من مختلف الظروف.
التطورات التي تحدثنا عنها، في ما يقوم به العدو الإسرائيلي في الضفة الغربية مع قطاع غزة، وما يفعله في القدس، لابدَّ أن نقابلها- واستمراره بجرائمه الفظيعة في قطاع غزة- لابدَّ أن نقابلها بالمزيد من العزم، والتصميم، والثبات، والتصعيد، فهذا هو من الإيمان، المقام مقام مصابرة، وليس فقط الصبر، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” قال لنا في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران:200]، الفلاح، والنجاح، والوصول إلى تحقيق الأهداف الكبرى، والنتائج العظيمة والمهمة، التي وعد الله بها، يأتي مع الصبر والمصابرة، كلما اقتضى الأمر أن نزيد من موقفنا، أو عزمنا، أو جهدنا، أو عملنا، وأن نواصل في جهدٍ معين؛ كلما حظينا بمرضاة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويترتب على ذلك خير الدنيا والآخرة، والنتائج الكبرى والعظيمة.
((المُؤمِن- كما في الحديث النبوي- هُوَ كَسَبِيكَةِ الذَّهَبْ، كُلَّمَا أُوقِدَت عَلَيْهَا النَّار؛ اِزْدَادَت صَفَاءً وَنَقَاءً))، هكذا هو المؤمن، أمام الشدائد، أمام التحديات، أمام الأخطار، يزداد ثباتاً، ونقاءً، وصفاءً، وإخلاصاً، وصدقاً، وجداً، بل ويتنقى من الشوائب، يرتقي على مستوى إيمانه، وعيه، أخلاقه، قيمه، يزكو، تزكو نفسه؛ ولذلك يكون مساره مسار ارتقاء، ومسار ازديادٍ في الإيمان.
المواقف التي هي مرضاةٌ لله، وجهادٌ في سبيله، لها أهميتها في القربة إلى الله؛ ولذلك فليس الحال حال أن يملَّ الإنسان ويسأم، أو أن يستكثر ما قد فعل، ويعتبر ذلك وكأنه غرماً، أو عبئاً، أو حملاً، اعتبر نفسك كلما ازددت في عمل الخير، في الأعمال العظيمة، في المواقف الصالحة، المواقف التي هي جزءٌ من جهادك في سبيل الله، أنَّ رصيدك الإيمان يزداد، رصيدك في القربة إلى الله يَعْظُم، أنك تقرب من الله أكثر فأكثر، أنك تحظى بالمزيد والمزيد من الأجر من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأنك تؤمِّن مستقبلك الأبدي، الذي هو آتٍ لا ريب فيه، وأنت أنت ذاهبٌ إليه بلا شك، وبحاجة إلى أن تؤمِّنه من الآن في هذه الحياة الدنيا، فلها أهميتها في القربة إلى الله.
وكذلك في بناء النفوس: البعض من الناس قد يبدأ المشوار، وهو ذلك الذي يكاد أن يقسر نفسه، وأن يجبرها إجباراً، ينطلق وهو شبه الكاره لأبسط خطوة في سبيل الله، ثم ترتقي نفسيته، يزكو، يزداد رغبةً في فعل الخير، في العمل العظيم، في المواقف التي هي قربة إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يكبر عزمه، تكبر نفسيته، يتجاوز تلك الحالة التي كان فيها صغير النفس، قاصر الهمة، كثير الكسل والتواني والفتور، يتبدل كسله بالعزم، والنشاط، والحيوية، يمتلك الإرادة للتحرك الجاد، وهكذا يرتقي هو حتى في نفسه.
وكذلك على مستوى بناء القدرات: ولهذا شعبنا العزيز في إطار هذا الموقف هو يطوِّر قدراته، وبما سيفاجئ به العدو- إن شاء الله- بشكلٍ كبير، وقد فاجأه كثيراً، لأول مرة تستعمل الصواريخ البَالِسْتِيَّة لضرب أهداف متحركة في البحار، وتصيبها بدقة، هذا فاجأ العدو كثيراً، وهناك المفاجآت القادمة بإذن الله تعالى، بما لم يكن يتوقعه العدو أبداً، ولا يحتسبه إطلاقاً.
رفع مستوى الروح العملية، هذا شيء مهم، الإنسان يتروَّض على العمل، على الصبر، على العطاء، على النشاط، على التحرُّك، وهذا بكله هو من أهم ما تحتاجه شعوبنا فيما تواجهه من تحديات، ما نراه من عدوان على الشعب الفلسطيني من قِبَلِ العدو الإسرائيلي، يمكن أن يحصل مثله وأكثر ضد كل الشعوب، نحن أمة مستهدفة، أمة مستهدفة، بل حتى أن [ترامب] في حملاته الدعائية الانتخابية في أمريكا، يبدي تحسره وندمه على أنَّ فلسطين صغيرة بالنسبة للعدو الإسرائيلي، وأنَّه يحتاج إلى منطقة أوسع، وأنَّه لابدَّ أن يتوسَّع، وأنَّه لابدَّ من مساعدته ليتوسع أكثر وأكثر، الطمع الأمريكي، والطمع الإسرائيلي، والطمع الغربي كبير في بلدان أمتنا، في السيطرة علينا، مع الحقد الشديد والعداء الشديد، العداء الذي هو نهجٌ صهيوني ضد أمتنا؛ ولذلك نحن أمةٌ مستهدفة، فكلما ابتنى شعب في واقعه النفسي والعملي، واتَّجه ليكون في مستوى مواجهة التحديات، في علاقته بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في إيمانه، في وعيه، في روحيته العملية، فيما يبنيه ويطوِّره من قدرات عسكرية، فهذا هو خيرٌ له؛ ولهذا قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عن الجهاد في سبيله، وهو يأمرنا كمؤمنين بذلك: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الصف:11]، وفعلاً الأمة بحاجة إلى ما يبنيها:
-على مستوى النفوس.
-على مستوى الروح العملية.
-على مستوى العطاء والجهد والتحرك الجاد.
-على مستوى القول والفعل والقدرات والأعمال، وهذا شيءٌ مهمٌ جداً جداً جداً.
المقام مقام نفير، وحركة، وجهاد، وبناء، كما قال الله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[التوبة:41]، والمستقبل الواعد، والوعد الإلهي الذي لا يتبدل ولا يتخلف، هو لصالح المستجيبين لله، الذين آمنوا بالله، ووثقوا به، ووثقوا بحكمته، ورحمته، وعلمه، وبأنَّ الخير كل الخير فيما يأمر به، ويدعو إليه، ويوجِّه إليه، وفيما وعد به من نتائج لذلك، يمنُّ بها هو على عباده المستجيبين له، المستقبل هو لصالحهم، والخيبة والخسران للمنافقين وللمتربصين، وتدور هم عليهم دائرة السوء، كما بيَّن الله ذلك في القرآن الكريم؛ ولذلك مهما كانت التطورات، والمآسي، والمعاناة، هي لن تغيِّر الحتميات، التي وعد الله بها في زوال العدو الإسرائيلي ونهايته، وفي خيبة أمل كل المنافقين الذين يرتبطون به، والذين لم يثقوا بوعد الله تعالى، واتَّجهوا بناءً على تصوراتهم الخاطئة بأنه أصبح كعدوٍ أمراً حتمياً يريدون التَّكَيُّف معه، والوقوف في صفه.
أدعو شعبنا العزيز يمن الإيمان والوفاء، إلى الخروج المليوني يوم غد الجمعة إن شاء الله، في العاصمة صنعاء، وفي بقية المحافظات والمديريات، وحسب الإجراءات المعتمدة.
قال رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” لآبائكم الأنصار: ((إِنَّكُمْ مَا عَلِمْتُم تَكْثرُونَ عِنْدَ الفَزَع، وَتَقِلُّونَ عِنْدَ الطَّمَع))، وهذا وسام شرفٍ كبير وعظيم، وأنتم يا شعبنا العزيز، يا يمن الإيمان والجهاد على نهج آبائكم الأوائل: الأنصار، تكثرون في موقف المسؤولية، في مقام المسؤولية، وتملأون الساحات في إطار مسؤولياتكم الإيمانية والدينية والجهادية، وغيركم يكثر في حفلات ما يسمونه بالترفيه، في حفلات العار والرقص والخزي؛ أمَّا أنتم فتكثرون في ساحات المواقف، ساحات الجهاد، ساحات الشرف، وميادين الشرف.
نَسْأَلُ اللهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجَ وَالنَّصْر لِلشَّعبِ الفِلَسْطِينِي وَمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء، وَأَنْ يَنصُرَنَا بِنَصرِه، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛