إن الحديث عن الحسين بن علي، رضوان الله عليهما وعلى آل بيت رسول الله الطيبين الطاهرين، هو حديث عن الفضيلة والإيمان والحق والعدالة، لأن مثل هؤلاء الأعلام يمثلون القدوة والأسوة الحسنة في الدعوة والجهاد ونشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة والظلم والطغيان.
الحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة، وصفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي لا ينطلق عن الهوى فقال ” من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى الحسين بن علي”، وأكد على أن الحسين سيكون على منهاج وسيرة النبوة، فقال “حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط”، وفي الحديث الآخر جمع بين سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين، فقال صلى الله عليه وآله وسلم “الحسن والحسين سبطان من الأسباط” صحيح رواه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة.
ابتلي نبي الله إبراهيم -عليه السلام- بذبح ابنه قرباناً لأمر الله وامتثل ونجى الله إسماعيل، وابتلي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في أخيه ووصيه وباب مدينة علمه مولانا الإمام علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- حينما بشره المصطفى بأنه سيموت شهيدا من أجل الحق والعدل والإيمان، قال صلى الله عليه وآله وسلم “أشقى الأولين عاقر الناقة، وأشقى الآخرين الذي يطعنك يا علي، وأشار حيث يطعن” وهو حديث صحيح، ولذلك لما اعتدي عليه قال كرم الله وجهه: “الحمد لله الذي رزقني الشهادة” لقد تحققت النبوة ونال الشهادة في سبيل الله، ومن أجل رضوان الله، وهذا الابتلاء الأول، أما الابتلاء الثاني فكان إخباره صلى الله عليه وآله وسلم أن حفيده الحسين سيقتل شهيدا حيث قال: “أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا (يعني الحسين)” فقلت هذا: فقال : “نعم وأتاني بتربة من تربته حمراء” والحديث الصحيح، عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة، قال: “وما هو؟” قالت إنه شديد: قال: “وما هو؟” قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري، فقال: “رأيت خيرا تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فيكون في حجرك”، فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فدخلت يوما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فوضعته في حجره، ثم حانت مني التفاتة فإذا علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهريقان من الدموع قالت: فقلت يا نبي الله بأبي أنت وأمي مالك … فذكر الحديث.
لقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الحسين شهيد، وأنه سيكون في منهجه وسلوكه على منهاج النبوة، ولذلك فإن خروجه لمواجهة الظلم والظالمين على قلة من العدد والناصر والمعين، يمثل قمة الإيمان والتوكل والشجاعة والرجولة والمروءة، رفض أن يكون الحكم مغنماً وأن تصبح الإمامة بيد من لا يخاف الله ولا يعمل بأوامر الله وسنة رسوله، ولا يسير في المسلمين بالعدل والإيمان، وقد حاول الصحابة والتابعون وأهله المشفقون على أن يردوه ويمنعوه من الخروج، لكنه أبى، ولذلك ودّعوه على أنه الشهيد الذي بشره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة، لم يهتم بنفسه ولا بمن معه ولكن اهتم بمواجهة الظلم والطغيان حتى لو كان في ذلك أن يقدم دمه فداء وتضحية في سبيل إعلاء كلمة الله وتبليغ رسالة خاتم الأنبياء والمرسلين وحتى لا تتحول إمامة وخلافة المسلمين إلى ملك عضوض ويظفر بها كل فاسق وظالم وفاجر وذلك حتى لا يتقاعس الناس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومواجهة الانحراف برسالة الإسلام، على غير هدى من الكتاب والسنة.
حشدت السلطة الحاكمة (يزيد الملقب بالفاسق) وأتباعه جيوشهم وبذلت الأموال الطائلة لمواجهة سبط رسول الله، لكنه ظفر بالشهادة والجنة، فماذا يكون مصير ومآل من تجرأ على قتل وإيذاء من أشبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم خَلقَا وخُلِقَا، ونهجا وسيرة؟ ولماذا نعيد التذكير بسيرته وما كان؟، حتى تظل تلك المعاني العظيمة منهجا يتعلم منه المؤمنون دروس التضحية والفداء والشجاعة والإقدام لمواجهة الإجرام والطغيان والفساد، وخاصة في عالم اليوم الذي تمكنت فيه قوى الإجرام العالمي بفسادها وظلمها وجبروتها من أن تحكم سيطرتها وسلطانها على معظم البلدان والأقطار، سواء تحت سيطرة اليهود، كما في فلسطين أو غيرها من الأقطار الخاضعة للهيمنة الأمريكية والحلف الصليبي الصهيوني، أو على مستوى الأقطار العربية والإسلامية التي يتحكم فيها من تم تنصيبهم لخدمة اليهود والنصارى وخذلان قضايا الأمة العربية والإسلامية.
إنها سيرة لا تحيد عن منهاج النبوة، تتمثل في كل مجالاتها رضوان الله وتطبيق أوامره واتباع القول بالعمل والإيمان بالجهاد والصبر والثبات على كل الشدائد والأهوال مهما كانت، ولذلك فإننا نجد الإمام زيد بن علي بن الحسين -رضوان الله وسلامه عليهم أجمعين- يوجز مواصفات من يكون إماما وخليفة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :”لا ينبغي لأحد منا أن يدعو إلى هذا الأمر حتى تجتمع فيه هذه الخلال: يعلم التنزيل والتأويل، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ وعلم الحلال والحرام والسنة الناسخة.. وحتى يعلم السيرة في أهل البغي وأهل الشرك، قويا على جهاد أعداء المؤمنين، يدافع عنهم، ويبذل نفسه لهم، لا يسلمهم حذر دائرة ولا يخالف فيهم حكم الله تعالى، هذه صفة من يجب طاعته من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما إذا كان على غير ذلك فيجب الخروج عليه إذا ظهر منه أدنى جور ومحاربته”.”1″
إنها إمامة في الدين والعلم والإيمان والاتباع ونصرة المستضعفين ومواجهة الظالمين وإقامة شعائر الدين، فهي إمامة العزة والكرامة لا الذل والهوان، هي إمامة للمؤمنين وقد أكد عليها سيد شباب أهل الجنة بالمبشر بالشهادة من رسول رب العالمين حينما أرادوه أن ينزل على حكمهم، ويسكت على جورهم وبغيهم وطغيانهم قال: ” ألا إن الدعي بن الدعي، قد ركّز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبي الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون”، فالثبات والمواجهة لقوى الفساد التي يمثلها يزيد والتي مازالت تشكل انحرافا واتباعا لمناهج الشيطان، تغير المناهج لإرضاء اليهود، وتسوق لهم الثروات وتساند القتلة والمجرمين في إبادة الأشقاء في أرض فلسطين واليمن والسودان وغيرها من الأقطار وتعبث بشعائر الإسلام من صوم وصلاة وحج وغيرها من أجل إرضاء اليهود والنصارى ولذلك اجتمع (قرن الشيطان والشيطان الأكبر) على حرب الإسلام والمسلمين ومارسوا أبشع الجرائم في حق الضعفاء والأبرياء ولن يردع ويرد هؤلاء المجرمين إلا كل مؤمن يسير على منهاج النبوة والعترة الطاهرة، ومن اقتدى بهم من المؤمنين الذين لا يخشون في الله لومة لائم، مسترشدين بقوله تعالى ” مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ”.
مجموع رسائل الإمام زيد