اليمن.. والتغييرات المضادة..

صلاح محمد الشامي

 

• على مدى عقود، وأمريكا تعمل على إحداث التغييرات في المجتمعات، على مختلف السبل، وفي شتى مجالات الحياة، من التغييرات السياسية، إلى الاجتماعية، مروراً بالاقتصادية والديمغرافية والجغرافية..، وذلك بواسطة الحروب الإقليمية والأهلية، وصناعة الأزمات والتفكيكات الداخلية للدول والشعوب والكيانات الاقتصادية والاتحادات الثقافية، وصولاً إلى التغييرات الفكرية، وحتى التغييرات النوعية في الجنس البشري، سعياً منها لتمديد زمن بقائها على قبة العالم، وقطبية هرم الكيانات الدولية.
• وهي بذلك استخدمت كافة وسائلها الشيطانية، لزرع الفتن الطائفية والعرقية والمناطقية، وإثارة الشهوات الجنسية والاستهلاكية، وابتداع طرق وأساليب شيطانية لإشباعها، وتدمير كل مساعي وجهود الدول والشعوب للنماء الاقتصادي والتنموي، عبر بث عملائها في كافة مرافق الدول، لخلق المشاكل، ثم تأتي هي بالحلول، لتحل الكوارث الأعظم بالآمال المتعلقة بهيئاتها ومنظماتها التنموية، ولتحل بضائعها وشركاتها السلعية والخدمية محل مثيلاتها الوطنية للدول المستهدفة، وتكون بذلك هي المسيطرة على الاقتصاد العالمي، بل وعلى مصائر الشعوب والمجتمعات.
• ما كشفته اعترافات الشبكة التجسسية التخريبية في اليمن، يكفي لتصحوَ الأنظمة العربية والإسلامية وأنظمة الدول النامية من سباتها، فتعمل على إيجاد التغييرات الجذرية في كافة الهيئات الإدارية والقيادية لمرافقها ووزاراتها، ولكن (لا حياة لمن تنادي)، فيبدو أن الأيدي الأمريكية قد تغلغلت في هذه الكيانات، حتى غدى من الصعوبة إيجاد القيادات الحرة، التي تنتمي إلى وطنيتها وشعوبها، وإذا وجدت، فمصيرها التجاهل والتغييب والإبعاد، ولا سبيل إلى عودتها إلا بثورة عالمية، تقوم بها كافة شعوب الأرض ضد التبعية الأمريكية.. والوصول إلى مثل هذه الثورة لن يتأتى إلا بتغيير النظرة الإكبارية لأمريكا، ولن يحدث ذلك إلا بهزّ هيبة أمريكا في وجدان الشعوب، ومحو الهالة الغائمة عن وعيها، وهذا ما تفعله اليمن، منذ بدأت استهداف السفن الحربية والتجارية الأمريكية، في البحار المحيطة، وأصبحت حاملات الطائرات الأمريكية تفر وتتجنب مواجهة الضربات اليمنية، التي ما جاءت إلا انتصاراً لغزة ومظلوميتها التي هزت الوجدان العالمي، بينما لم تهز شعرة في وجدان الأنظمة العربية المحيطة بفلسطين، ولا بالجامعة العربية، التي غدت كل توجهاتها (عبرية) لا (عربية) تجاه ما يحدث في غزة، رغم أن المصير الذي ينتظر تلك الأنظمة التابعة والعميلة لن يختلف عما يحصل في فلسطين.
• من المؤسف جداً للتوجه الرسمي الأمريكي، أن يُحبِط اليمنُ كافة مساعيها التدميرية التفكيكية، التي بذلت لأجلها عشرات السنين وعشرات التريليونات، وملايين الضحايا، وآلاف الخطط، ومئات الهيئات والمنظمات، فقد أصبح كل أعداء أمريكا يشمتون بها، وهي تتراجع أمام الضربات (الحيدرية) اليمنية، ولا تستطيع أن توقفها، أو تحد من تنامي القدرات اليمنية في التسليح والتكتيك العسكري، حتى بات الاعتراف بعدم جدوائية حاملات الطائرات من المُسَلّمات في أروقة المرافق العسكرية الأمريكية، وفي صالات اجتماعاتها، وعلى ألسنة السيناتورات والقادة والخبراء.. وبذلك يمكننا القول: إن العمل اليمني المعاصر، المناصر لفلسطين، أحدث نقلة نوعية وتاريخية في الحروب، وأسلحتها وتقنياتها وتكتيكات المعركة.
• وبناءً على ما سبق، يمكننا القول: إن اليمنَ يعمل الآن على إحداث التغييرات العالمية، المضادة للتغييرات الأمريكية، يساعدها على ذلك الفضاء المفتوح، واستحالة حجب المعلومات والأخبار والتقارير والصور، التي تفضح الكيان الشيطاني الرجعي المسمى (أمريكا)، حتى أمام الشعب الأمريكي نفسه، الذي انتصر لإنسانيته، وأثبت أنه ككافة شعوب الأرض، قادر على رفض ظلم حاكميه، وعدم تصعيدهم إلى كراسي الحكم، بعد أن اكتشف أنه واقع -أو كان- تحت هيمنة أنظمة تعاقبت على حكمه لا لتخدمه، بل لتخدم الصهيونية، وأن ولاءها لم يكن يوماً لناخبيها، بل لجهات أخرى، لا تكترث أن يُسحقوا إذا كان ذلك في مصلحتها، وأنه -أي الشعب الأمريكي- قادر على مواصلة الانتصار لإنسانيته، وخلع تلك الأنظمة، رغم كل ما يدور خلف الكواليس وفي صناديق الاقتراع.. وللجميع يقدم اليمنُ مثالاً حيّاً، واقعياً وعملياً، على ما تستطيع أن تحققه إرادة الشعوب، إذا ما توافرت له القيادة الوطنية الصادقة، المعبرة عن نبضه، الساعية لتحقيق تطلعاته، المتحدية لنصرته كل طغاة العالم وأنظمتهم الرجعية.

قد يعجبك ايضا