ثوره رمضانية


تأخرت عنا قليلا.. وها أنت اليوم تفتح أبواب الروح فتدخل منها نسائم الإيمان تلامس قلوبنا التي علق بها غبار السنين, فتبعد عنها السواد, لننام وقلوبنا نظيفة وأيدينا مضيئة وأجسادنا منعمة بمعية الخالق عز وجل, فأهلا هلال الخير.. قبل مجيئك بلحظات كان العالم يعج بتقاسيم واحتراب.. تتباين في وجوه المارة في الشوارع المزدحمة بالبضائع والذخائر وما بين المقيمين في حجرات المنازل المنهمكين بكيفية الاستعداد والإعداد, وأولئك المشردين في رمضاء التهجير تحت القصف وبعد حدود الوطن.. وكل حسب ثقافته وقدراته وما بين متناس لقدومه فينام عن الشعور ويتجرد من الاحساس بقدومه أو معايشته فلا يكترث لما يدور حوله من اختلاف وتغيير, إذ أن صلته بذلك اليوم منعدمة وعلاقته بما يجب عليه فعله أمام خالقه تكاد تكون مجهولة.. من ينزل إلى الشوارع وأزقة الأسواق والمحال التجارية يلقى العجب, متسائلا: لماذا كل هذه الثورة من البضائع وتهافت الزبائن والباعة الجائلين¿ من الزائر يا ترى¿ وما الذي يجعل من رمضان مسرحا لهكذا احتشاد¿ حتى ربات البيوت لديهن ثورة مماثلة في الاختراع والتجديد والإكثار من أطباق رمضانية لا تظهر طوال العام إلا في هذا الشهر, بينما يتسابق البعض الآخر في مضامين دينية كقراءة القرآن الكريم لمرات عديدة في أيام وليالي رمضان, والصلاة والذكر والدعاء وكل ما يهم المسلم من واجبات دينية تقربه من المولى عز وجل.. وبالمقابل, يلهو كثير من الأطفال الصغار والكبار طوال ليالي رمضان في اللعب وممارسة ألعاب خاصة بهم لهذا الشهر, وثمة من الأطفال من تتخطفه قنوات التلفزة بمسلسلاتها التي تحفل كل خارطة برامجية رمضانية بها, وكأنها هي الأخرى تشارك الناس في طقوس وساعات الشهر الفضيل غير أن لعدد من القنوات سلبياتها في تنمية ثقافة لا تتناسب مع الأطفال وأحيانا لا تتناسب مع الكبار في خصوصية الحياة الرمضانية ومقاصد الصوم والتقرب من الله سبحانه وتعالى.. الصورة غير واضحة, في بعض جزئياتها, إذا.. وحينها نكون قد افتقدنا للمعاني الحقيقية لشهر رمضان الذي هو أفضل الشهور عند الله وفيه تنزل القرآن على نبي الرحمة والهداية سيدنا محمد (ص).. وتأسيسا على ما سبق, يكون رمضان قد مر علينا مرورا لم نوفه حقه.. لكن عشمنا ورجاءنا أبدا أن يتقبل الله عباداتنا وان قصرت وليضاعف لنا رب السماء في الأجر ومثوبة الصوم والتعبد والاحتساب لوجهه الكريم.. كما نسأله تعالى أن يصلح حال البلاد والعباد وأن يكتب لهذه الأمة كل الخير ويعيدنا في رمضانات قادمة مكللين بالنور والبركة والتكافل والتسامح والصلاح.. إنه على ما يشاء قدير.

قد يعجبك ايضا