الثورة / غزة / وكالات
منذ نحو ثمانية أشهر، تواصل «إسرائيل «حربها البربرية على قطاع غزة، مرتكبة أبشع المجازر الدموية، في محاولتها الهادفة إلى القضاء على المقاومة، إلا أنّ واقع المعركة وتصريحات مسؤوليها يؤكدان أنّ «إسرائيل «لم تحقق أيّاً من أهدافها.
ولعل المتابع للمشهد في غزة، تذهله اللقطات المصوّرة التي تبثها كتائب القسام لعملياتها ضد قوات الاحتلال، المتوغلة في عدد من المحاور، وهو ما يؤكد وهم هدف القضاء على المقاومة.
وأظهرت معطيات إسرائيلية شبه رسمية، إشراك جيش الاحتلال غالبية قواته البريّة في الهجوم البريّ على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023م.
ووفقاً للمعطيات التي نشرها جيش الاحتلال، فقد اشتركت 7 فرق عسكرية في القتال في قطاع غزة، تضم كل فرقة منها ما بين 14 إلى 20 ألف جندي، وينضوي تحتها عشرات الألوية العسكرية التي تضم عدداً كبيراً من الكتائب.
وبيّنت المعطيات أنّ جيش الاحتلال استقدم الفرق السبع للقتال في القطاع من الشمال وحتى أقصى الجنوب، وهي: الفرقة 36، والفرقة المدرعة 162، والفرقة 98، والفرقة 99، والفرقة 252، والفرقة 146، إضافة إلى فرقة غزة.
والفرقة 36 فرقة نظامية، تعمل في المناطق الشمالية من الكيان، وتتبع القيادة الشمالية وتضمّ أربعة ألوية نظامية، هي: لواء جولاني، ولواء المدرعات السابع، ولواء البرق المدرع، ولواء “ساعر مغيلان”، بالإضافة إلى لواء احتياط، هو لواء “عتسيوني” التابع لسلاح المشاة.
أما الفرقة المدرعة 162، فتعد الفرقة الأكثر قدرة على المناورة، وتضمّ أكبر عدد من الجنود، ويصل عدد الجنود في الألوية المنضوية تحتها إلى حوالي 21 ألف جندي، وتضم الفرقة الألوية التالية: لواء “الناحال” التابع لسلاح المشاة، ولواء “جفعاتي” التابع لسلاح المشاة، ولواء “الأعقاب الحديدية” التابع لسلاح المدرعات، ولواء مدفعية يسمى لواء “عمود النار”، بالإضافة إلى لواء احتياط تابع لسلاح المشا، يدعى لواء “هشارون”.
كما تعد الفرقة 98 من أبرز الفرق العسكرية التي لا زالت تنتشر في قطاع غزة، وتضم 6 ألوية عسكرية، نصفها نظامي والآخر احتياط، وهي: لواء المضليين، ولواء الكوماندوز، ولواء مقلاع داوود، بالإضافة إلى 3 ألوية احتياط.
ويبلغ تعداد الجيش النظامي قرابة 174 ألفاً، بالإضافة الى 440 ألف جندي احتياط، حيث تشير التقديرات إلى انخراط أكثر من 100 ألف جندي في القتال داخل قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم.
حالة تذمر
كما كشف تحقيق أجرته صحيفة “كالكاليست” الإسرائيلية عن “تذمر حادّ” في أوساط جنود الاحتياط بالجيش الإسرائيلي، جرّاء طول مدة الخدمة، وذلك بعد مضي 230 يوماً على بدء حرب غزة.
والتقت الصحيفة ضمن تحقيقها العديد من جنود الاحتياط المشاركين في الحرب على غزة، الذين اشتكوا من طول فترة الخدمة، والعمل لساعات طويلة خلال اليوم، كما اشتكوا من التمييز بين الجنود في تحمل الأعباء.
قتلى الاحتلال
وحذر هؤلاء الجنود من أنّ هذا الأمر يمثل استنزافاً لهم، لافتين إلى أنّه تسبب كذلك بمشكلات نفسية وعائلية، وأخرى طالت حياتهم العملية.
وقالت الصحيفة: “في حين يبقى بعض الجنود في خدمة الاحتياط على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، يحصل آخرون على خدمة أكثر راحة، ورواتب مجزية في أعمال مدنية”.
ونقلت الصحيفة عن ضابط احتياط في سلاح المدرعات قوله: “أواجه الآن مشكلة في العودة إلى العمل، لقد نسيت الأشخاص الذين أعمل معهم”، لافتاً إلى أنّه يخدم في الجيش منذ أكثر من 7 أشهر.
وأضاف: “الأمر يزداد سوءاً، كثير من الجنود يريدون العودة إلى حياتهم، لدي أصدقاء من سرايا أخرى في الجيش خاضوا الحرب في غزة، وقرروا عدم العودة إلى القتال أو إلى خدمة الاحتياط”.
في المقابل، حذر جندي احتياط آخر يخدم في غزة حالياً، ويدعى “نوعام”، من أنّ طول مدة الخدمة تسبب بمشكلات شخصية ونفسية لكثير من جنود الاحتياط.
ولفت إلى أنّ طول مدة الخدمة دفعت بعض الجنود إلى الهرب، واصفاً ما يحدث للجنود بأنه “استنزاف جنوني”.
وكشف “نوعام” أنّ الفرقة التي يخدم فيها لم تعد مؤهلة لأداء مهمتها بسبب الاستنزاف الكبير الذي تعرضت له، مضيفا: “بعض الجنود لديهم مشكلات مع زوجاتهم، وآخرون لديهم مشكلات في العمل”.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ التعبئة التي أجراها الجيش بعد السابع من أكتوبر كانت هائلة، لكن عدم تحقيق أهداف الحرب أحدث صدعاً غير مسبوق بين الإسرائيليين، يرافقه شعور بأنّ القيادة السياسية الحالية تدير الحرب وفق مصالحها الخاصة.
وأردفت: “طول مدة الخدمة في الجيش كانت له انعكاسات سلبية على الاقتصاد الإسرائيلي؛ إذ قدّرت وزارة المالية تكلفة أيام الاحتياط في الحرب بنحو 5.44 مليارات دولار، لكن التكلفة ارتفعت بعد 7 أشهر إلى 8.17 مليار دولار، وما تزال الحرب مستمرة”.
وأضافت: “في محاولة لمواجهة هذه التبعات الاقتصادية والنفسية، يعتزم الجيش الإسرائيلي نقل بعض المهمات من القوات الاحتياطية إلى النظامية، ويتردد أيضاً أنّ الجيش يعتزم تقليص استخدام الأمر 8 (تجنيد فوري لجنود الاحتياط) لصالح أوامر الاحتياط المعتادة”.
وقدّر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب أنّه تمّ في بداية الحرب تجنيد 300 ألف من جنود الاحتياط للمشاركة في الحرب.
ومع تواصل الحرب، يواجه جيش الكيان الصهيوني نقصاً حادّاً في الرافد البشري، وهو ما أدّى إلى تصاعد حراك الشارع والمعارضة الدّاعي إلى تجنيد اليهود المتدينين (الحريديم) للمشاركة في تحمل أعباء الحرب.
خيارات سيئة
كما قالت وكالة أسوشيتد برس إنّ هناك شعوراً متزايداً في أوساط العديد من الإسرائيليين بأنّ جيشهم لا يواجه سوى “خيارات سيئة” في قطاع غزة، وهو ما يثير مقارنات مع حروب مثل التي خاضتها أمريكا في العراق وأفغانستان.
وتؤكد الوكالة، في مقال تحليلي لها، أنّه بعد “حرب وحشية” استمرت لأزيد من 7 أشهر لا تزال حركة المقاومة الإسلامية حماس، التي تضاءلت قواها دون أن يتم ردعها بالكامل، تعيد تجميع صفوفها في بعض المناطق الأكثر تضرراً شمال القطاع، وتستأنف هجماتها الصاروخية على إسرائيل.
وأشارت إلى أنّ هذا الشعور المتزايد هو المعنى الضمني لما وصفته بـ “التمرد” الذي قام به مؤخراً اثنان من أبرز أعضاء مجلس الحرب، هما وزير الدفاع “يوآف غالانت”، و“بيني غانتس” المنافس السياسي الرئيسي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، اللذان طالبا الأخير بوضع خطة مفصلة لفترة ما بعد الحرب.
وقالت الوكالة إن الجنرالين المتقاعدين يخشيان الآن احتمالات إعادة احتلال طويل ومكلف لقطاع غزة الذي انسحبت منه إسرائيل عام 2005م، كما يعارضان في الآن ذاته انسحاباً تامّاً يعيد زمام الأمور إلى حماس، أو يتسبب في قيام دولة فلسطينية.
وبدلاً من ذلك، تضيف الوكالة: طرحا 4 بدائل يراها العديد من الإسرائيليين “غير واقعية” إلى حدّ كبير.
وهذه البدائل هي إمّا “احتلال عسكري” واسع النطاق لقطاع غزة، أو “احتلال جزئي” مدعوم من قبل شركاء داخليين أو دول عربية، أو “صفقة كبرى” يتم بموجبها حكم غزة من قبل السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها، بمساعدة دول عربية وإسلامية، في مقابل التزام إسرائيل بمسار ذي مصداقية يفضي في نهاية المطاف إلى قيام دولة فلسطينية.
أما البديل الأخير، وفق الوكالة، فهو “صفقة مع حماس” تشمل اتفاقاً مرحلياً تفرج بموجبه الحركة عن جميع الأسرى لديها مقابل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين، بالإضافة إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، ووقف طويل لإطلاق النار، وإعادة الإعمار.