من الطبيعة البشرية للإنسان أنه يسعى إلى الحصول على متطلبات الحياة المادية أو المعنوية لإشباع رغباته وذلك بطرق عديدة ومختلفة السبل .. الهدف هو الوصول إلى الغاية ولكن إذا كانت هذه الغاية تبيله لابد أن تكون أيضا الطريقة أو الوسيلة نبيلة أيضا، ولكنه يحدث اختلاف بين الهدف والطريقة من شخص إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر وهنا الحفل التربوي يطمع كل طالب أو ولي أمره إلى التفوق والنجاح وهذه أهداف سامية ولكن الطريقة كيف وأين ومتى تحدد هذه الطريقة؟
شاعت هذه الأيام وأقوال شائعة وتسمى ظاهرة وهي الغش في الامتحانات ويقصد بها بشكل عام امتحانات المدارس الأساسية والثانوية وخاصة الشهادة العامة، ووصل هذا الداء إلى الجامعات، وقد تناولت الصحف ووسائل الإعلام وأبحاث ومقالات الأسباب والأضرار والمعالجات ولن أتي بجديد وقد أذكر ببعضها أو قد يوجد إضافة لتغير الزمان وسوف أتناول الموضوع ببعده النفسي عند الطلاب وخاصة الغش في الصفوف اللاحقه وحتى الجامعة.د. / عبده محسن الشليلي
ا- أولا:
يعرف الغش بعدة تعريفات لغوية أو اصطلاحية ولسنا في صدد التعاريف والأهم هو قيام الطالب ( أو الطالبة) بنقل معلومات أو إجابات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة سوية أو علنية في إجابته على الأسئلة الامتحانية بغرض النجاح أو التفوق مما يغطي مؤشر مستواه، وهذا ليس هو حقه أو تقديره، مما يكون لها آثار اجتماعية أو اقتصادية سلبية وآثار أخرى نفسية سوف نذكر لاحقا وآثار تعليمية مما ينعكس على البنية الاجتماعية للمجتمع وعلى مستوى العملية التعليمية في المجتمع العام وعلى مجتمع مصغر ( مدرسة، الحي، المحافظة، اليمن).
2 – الأسباب:
هناك أسباب عديدة تؤدي إلى تنامي ظاهرة الغش:
ضعف الوازع الديني لدى بعض الطلاب وخاصة الكبار.
عدم قيام الأسرة بدورها التوعوي والتربوي.
ضعف دور المساجد التنويرية والتربوية.
عدم وجود الحزم والإجراءات ضد مرتكبي هذه المخالفة.
صعوبة المناهج في بعض المراحل الدراسية وعدم وجود المدرس المتخصص في بعض المدارس.
ضعف الكادر التربوي في بعض المراحل والمدارس.
ضعف المراقبة والملاحظة أثناء عملية الامتحانات.
عدم وجود إجراءات أمنية مشددة على المدارس أثناء الامتحانات أو نواحي فنية للمدرسة ( حوش، سور/ نوافذ..).
طريقة الامتحانات الاعتيادية وجعلها هي التقييم الوحيد لفهم الطالب.
طريقة التصحيح الروتينية وعدم وجود طرق أخرى منها تطور وسائل الاتصالات : تلفون، سماعات، والتقديرات وجود آلات التصوير، الرسائل.. مما ساعد على سرعة عملية الغش وسهولته.
عدم اهتمام الطالب بالمذاكرة خلال السنة لـ انشغالهم بأشياء أخرى.
وقد لعب العدوان دوراً في تدمير البنية التحتية في المدارس والقصف أثر على الطلاب والتربية بشكل خاص.
3 – الأثار المدمرة لظاهرة الغش
تخرج الطالب فاشلاً (علميا ونفسيا)
عدم وجود الدافعية أو انخفاضها لدى الطلاب الصغار .. أو حتى الأذكياء لتلقي التعليم أو التحصيل.
الاعتماد على الاختبارات للقياس وليس للتحصيل العلمي.
المشاكل التي تثار أثناء الاختبارات ( بين الطلاب والملاحظين.. وبين أولياءالأمور سوف نذكر بعضها).
وجود منتفعين لاستمرار هذه الظاهرة
القياس الخاطئ لمستوى التحصيل العلمي للطالب للأسرة أو للأخرين أو على مستوى التربية تعطي مؤشراً حقيقياً وهو يؤدي إلى أهداف أو معالجات غير حقيقية.
الآثار السلبية السيئة عند خروج الطالب للمنح الخارجية وعودتهم للبلاد مما ينعكس على الفرد والمجتمع
تقضي على المنافسة بين الطلاب وظهور الاعتمادية والكسل لدى الطلاب.
الآثار الاقتصادية السلبية التي تنفق الأسرة أو الدولة على التعليم لا تجني منه إلا القليل.
الآثار الاجتماعية بين الأسرة والأفراد.
4 – وسوف نتناول الأبعاد النفسية (الآثار – الأسباب ) لكي نصل إلى حلول مناسبة ووصف هذه الظاهرة بقدر الإمكان.
أ – الآثار النفسية لتنامي ظاهرة الغش لدى الطلاب من هذه الآثار أن الطالب الذي يغش أو يحاول الغش يصاب بالقلق والخوف والارتباك أثناء الاختبارات وتكون فكرته كيف أو متى يغش وليس كيف يفهم أو يحصل على المعلومة
ب – أن الغش يخرج لنا شخصية اتكالية أو اعتمادية على الغير غير واثق من قدرته أو معلوماته لا يثق بنفسه أو الآخرين ومن صفات هذه الشخصية ما يلي:
وجود شخصية انهزامية: عدم القدرة على اتخاذ قراراته ويتردد لا إرادياً، انصحني.
يوافق الآخرين على آرائهم حتى لو لم يكن مقتنعاً بها.
يشعر بعدم الراحة بل وتأنيب الضمير
انخفاض الروح المعنوية لديه والمخاوف الداخلية المفرطة وانه عاجز وغير كفء.. هذه الأبعاد تظهر في شخصية الطالب الغشاش في المستقبل (وكل فكرة تكون هذه الشخصية موجودة لدى الطالب وساعدته على ممارسة الغش… تسمى عوامل مترسبة بعد عوامل مكتسبة من البيئة).
ج –وجود شخصية انهزامية حيث تتصف حاجة هذه الشخصية بشعوره المستمر بالفشل والضعف ويتبع الأمور السلبية المحزنة والمؤلمة نفسيا ويكون سريع التأثر وتأنيب الضمير ويشعر بالانهزامية بأفكاره يفشل بإقامة المشاريع الأساسية والمهمة لتحقيق أهدافه وطموحاته رغم قدرته على عملها.
د – الشخصية السكوباثية (شخصية مريضة ومستهينة بالمجتمع قد يكون الطالب صاحب هذه الشخصية دائم الهروب من المدرسة وفي البيت وينام خارج المنزل ويكون فاشلاً في تخطيطه للمستقبل ولا يتقيد بالأعراف والتقاليد والقيم الاجتماعية، يوجه اللوم للأخرين ليبرر سلوكه، ولا يتحمل مواجهة الإحباط يقابل الإحباط بالعدوان.
لماذا يلجأ الطالب للغش أو ما تشخيصيه الطالب الذي يلجأ إلى الغش؟
هل كل الطلاب عندهم الاستعداد ولماذا هذا الطالب يحاول الغش والطالب الآخر لا يغش؟
هذه الأسئلة ليست مبرراً للطالب بالغش، ولكن لابد أن تفهم هذه الأبعاد لنتعامل مع الطالب وكيف نجد في هذه الظاهرة مجتمع وأسرة ومدرسين متخصصين ومهتمين بالتعليم ونصل إلى حلول علمية وتربوية.
أولا: ليس كل الطلاب يحاولون الغش وإنما بعض الطلاب يحاولون الغش الذين عندهم استعداد نفسي وضعف تحصيل وعدم وجود التنشئة الاجتماعية السليمة، ومن الاستعداد النفسي هو الحرمان الحرمان العاطفي الذي عاناه الطالب أثناء مراحل طفولته ويحاول إشباعه بالحصول على أي شيء ولو بطريقة غير مناسبة لكي يجاري زملاءه الأذكياء ولكي لا يحس بالفشل أمامهم وخاصة في الصفوف الأولية (4 – 6) لأنه لا يعرف ما معنى الغش، أهم شيء عنده هو النجاح أو التفوق لكي يحصل على التقدير والجوائز من أسرته والمدرسة وتتطور هذه المراحل العليا أساسي وثانوي وجامعي حيث تتطور هذه الحاجة من مادي إلى معنوي لإشباع مكانته الأسرية والمجتمع.
الاستعداد النفسي الآخر هو المشاكل الأسرية بين الوالدين والانفصال والطلاق حيث يشعر الطالب بالإحباط فيعوضه بالنجاح ولو بأي طريقة.
ضعف التحصيل العلمي لدى الطالب قد يكون هو السبب في عدم اجتهاده وقد يكون الطالب لديه معوق طبي يمنعه من الحفظ أكثر أو قد يكون السبب خارجياً ( المدرسي، المنهج) وهذا يدفع الطالب إلى الغش خوفا من الرسوب أو عقاب والديه أو المراحل المتقدمة للحصول على منحه دراسية في الخارج أو حتى للشهر ابنى فلان حصل على نسبة عالية، بأي طريقة وهذا يتصف بها الشخصية النرجسية: لديه حب الذات والتعالي والتفاخر ولديه في شخصيته منذ الطفولة ما يدفعه إلى الكذب أو السرقة والاغتصاب والإدمان والانحراف الأخلاقي.
هذه الشخصيات تظهر لاحقا في مراحل العمر المتقدمة بعد الثانوية أو الجامعة وهذا يكون ضررها على الفرد نفسه وعلى المجتمع وهذه الشخصية لها بذور وأساس نفسي وتربوي وأسري منذ الصغر وخاصة الخمس سنوات الأولى- والقدوة الحسنة أو السيئة تلعب دوراً أساسيا.
وعليه فإن ظاهرة الغش ليست وليدة اليوم ولكن عوامل كثيرة تساعد على استمرارها منها النفسية والاجتماعية والتربوية (كما ذكرنا الأسباب) والأخطار هذه الأسباب هو أحب التركيز عليها هي:
تطور وسائل الغش
النظرة الاجتماعية لظاهرة الغش (عند الأسرة، الطالب) وذلك حتى نركز على الجوانب المهمة .
تطور وسائل الغش مرهون بتطور الاتصالات وأنواع التلفونات والسماعات الصغيرة.
وجود آلات التصوير وسهولة النقل والتصوير، التصغير، النشر المواصلات وهناك عوامل أخرى ساعدت كما قلنا منها: ضعف الملاحظة أو قلتها في بعض المراكز الامتحانية أو المدارس وضعف الوازع الدينية أو التربوي أو حتى أو حتى القانوني هذا يسهل الغش ويصعب التحكم في الامتحانات
اما الظاهرة الأخطر هي نظرة الطالب نفسه للغش في عدم خوفه من الغش ولا من الملاحظين ولا القوانين وضعف الوازع الديني لديه ويعتبر أن الغش حق له أو يسميه مساعدة.
نظرة الأسرة للغش لم تعد كما كانت زمان بل أصبحت تتعامل مع الطالب الغشاش بكل عفوية بل وتسعى بعض الأسر لمساعدة أبنائها على ذلك.
نظرة المجتمع المحلي للغش التي لم يعد يهمه بل أصبحت سلبية وتسعى للمساندة مثل أولياء الأمور وأعضاء المجالس المحلية أو شخصيات اجتماعية أخرى..
وهناك استخدم التلفون والجولات والبلوتوث كطرق جديدة للغش..
صور من الغش في الامتحانات:
الاستهتار من قبل الطالب عندما يضبطه المراقب يقول عادي (هذه أول مرة عادي).
تبادل الأوراق بصورة شبه مقصودة في المراكز الامتحانية.
اقتحام بعض المراكز الامتحانية من قبل بعض الأشخاص بغرض الغش أو المساعدة في الغش .
تسهيل بعض الحراس على المراكز الامتحانية وإدخال الغش إلى اللجان
تصوير الإجابات وتوصيلها بطرق مختلفة أي لا يكفي بالكتابة وان الطالب على الأقل يبحث عن الإجابة
وهناك صور أخرى سلبية يقوم بها بعض أولياء الأمور أو شخصيات اجتماعية يفترض أنها تحارب الغش
لو حاولنا توضيح الأسباب التي تؤدي إلى تنامي هذه الظاهرة لكي يتم التعامل معها وإيجاد الحلول كل حسب موقعه ومقدرته:
10 % من الأسباب يتحملها الطالب نفسه (عدم اجتهاده).
30 % الكتاب المدرسي وصعوبة بعض المناهج.
20 % أسلوب بعض المدرسين في التدريس.
30 % تقصير الملاحظين والمراقبين.
10 % نواح فنية في الاختبار وسهولته ( مقالية) وأسلوب التصحيح وأمور أخرى.
الحلول المقترحة للحد من هذه الظاهرة أو القضاء عليها:
تنمية الوازع الديني لدى أطالب وتذكيره بالأحاديث النبوية والسيرة من قبل المدرسة والمسجد والأسرة.
توفير المنهج المعتدل ( بين الصعوبة والسهولة والوضوح).
إيجاد مدرس كفء قادر على إيصال المعلومة.
توفير ملاحظين ممتازين والاهتمام بحوافزهم المادية والمعنوية والحماية القانونية.
توفير قوانين أو تفعيل القوانين الموجودة في كل من يرتكب الغش ، الطالب، المدرس، الإدارة، التربية.
الاهتمام بالمباني المدرسية وتخفيف الازدحام.
إيجاد آلية أخرى غير الامتحانات النهائية لتقييم الطالب / مثل اختبارات نصفية وبالنسبة للاختبارات الأساسية ( تاسع – ثانوي) إلى جانب التقارير عن الطالب الشهرية والبحوث أو حتى المقابلة الشخصية للطلاب
فتح اختبارات القبول في كل كليات الجامعة وجعلها تنافسية وعدم الاعتماد على النسبة المئوية واخذ معايير أخرى مثل المقابلة اختبارات القبول + نسبة الثانوية.
تحديث أسلوب التصحيح بطرق جديدة وإعطاء حافز أكثر للمصححين يتناسب مع الجهد.
استمرار البحوث والدراسات الميدانية لمعالجة هذه الظاهرة وتوفير الدعم المناسب لها والأخذ بالحلول المقترحة من قبل جهات الاختصاص
استخدام أساليب تربوية حديثة في استغلال ذكاء الفرد من خلال تنمية الوعي للذات ومعرفة جوانب القوة والضعف، معالجة الجوانب الوجدانية والانفعالية، تحفيز الذات، التعاطف والتفهم.
وقد تم إدخال الاختبارات الاختيارية (الأتمتة والتصحيح الإلكتروني) وهذه خطوة ممتازة تمت ونأمل لها النجاح والمردود الإيجابي التي عملت على التخفيف من ظاهرة الغش.
* د أخصائي أمراض نفسية واجتماعية